الإسلاموفوبيا، خطة من خطط الحرب على الإسلام-الجزء الأول
ماهي الإسلاموفوبيا ولماذا بحثها؟
“إسلاموفوبيا” كلمة إنجليزية درج استعمالها في العربية بنفس اللفظ، وقد يُقال فوبيا الإسلام، وبذلك تكون مركباً إضافياً من كلمتين: فوبيا والإسلام، ويتوقف فهمها على فهم اللفظتين.
وبما أن معنى الإسلام معروف، فيتوقف تعيين معنى اللفظة على تعيين معنى فوبيا. و”فوبيا” كلمة يونانية الأصل معناها يتعلق بالخوف، وهو أكثر من الخوف ويقال رُهاب، أي أنه حالة نفسية مَرَضِيَّة. فهو ليس مجرد خوف أو أي خوف، وإنما هو خوف شديد مقترن بنفور أو كراهية وباشمئزاز، بحيث يؤدي ذلك إلى شعور برهبة شديدة مع حقد ليس لهما ما يبررهما في الواقع. وبذلك فهو شعور لا يخلو من حالة عصبية مَرَضية، وهذا مما تتضمنه كلمة فوبيا.
فتكون الإسلاموفوبيا حالة كراهية ونفور وخوف شديد من الإسلام، يؤدي إلى حالة عصبية وشعور برعب ليس له ما يبرره. وإذا انتشر هذا الشعور في المجتمع فسيشكل حاجزاً في طريق الدعوة إلى الإسلام.
إن إيجاد هذه المشاعر لدى الناس وخلق هذه الأجواء في المجتمع ليس أمراً جديداً، بل هو قديم قِدَمَ الإسلام. وهو في حقيقته أسلوب يحتاجه الباطل ويستعمله دائماً في مواجهته للحق. لأنه لا يملك حجة تَثْبتُ في مواجهة الحق، فيلزمه الكذب والافتراء والتخويف والتنفير… كما يلزمه القمع والقتل… لذلك فهو من الأساليب والأدوات الدائمة للكفر، بل هو من سنن الصراع بينه وبين الإسلام. ودعوات الأنبياء مليئة بالشواهد على ذلك كما بيّن القرآن الكريم، وكذلك سيرة النبيَ محمدٍ r مليئة بهذه الأمثلة. وعلى ذلك فالإسلاموفوبيا ليست جديدة، ولم تتوقف في يومٍ من الأيام. ومن أبرز أمثلتها وأشهرها الأكاذيبُ والتعبئة بمفتريات عظيمة، التي قام بها الأوروبيون لأجل حملاتهم في حروب الفرنجة على القدس والعالم الإسلامي.
وقد أخذت تتجدد هذه الإسلاموفوبيا وتبرز، وتلقى اهتماماً في الغرب في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الفائت، وكان ذلك مقارِناً لصحوة الأمة على الإسلام كعقيدة ينبثق عنها نظام شامل لنظم الحياة والعلاقات، وكدين وشريعة تنص أحكامها على وجوب تطبيقها في دولة. ثم ازدادت هذه الإسلاموفوبيا أكثر بعد أحداث 11 أيلول 2001 التي كانت من أعظم ذرائع الهجوم العسكري على العالم الإسلامي، والتي دفعت الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش للإفصاح عما في داخله فأعلن أنه يقوم بحرب صليبية على العالم الإسلامي. وقد صدرت آنذاك تصريحات كثيرة عن حكام وسياسيين ونشطاء غربيين وكُتّاب كلها تعبر عن هذه الكراهية وتحذر من الإسلام وتصرح بأنه إرهابي ومخيف.
ومنذ ذلك الحين أخذ يتعاظم هذا الشعور في المجتمعات الغربية وفي مقدمتها أميركا. واستنفرت الحكومات الغربية بأجهزتها الأمنية والمخابراتية لمراقبة نشاطات المسلمين في بلادها وللتجسس على تحركاتهم، ووضعت كل مساجدهم وجمعياتهم ونشطائهم تحت المراقبة والتتبع. ووضعت الدول الغربية لأجل ذلك استراتيجياتها لمواجهة الإسلام تحت مسمى الإرهاب، فكان هذا عاملاً إضافياً يزيد هذه الظاهرة حدّةً وانتشاراً.
وهكذا صارت الإسلاموفوبيا ظاهرةً عامة منتشرة في البلاد الغربية، ونتج عنها اعتداءات كثيرة في شتى البلاد الغربية، وذرَّ قرنُها فتجاوزت الإحصاء والعد؛ من اعتداء على محجبات، وعلى سائر المسلمين، بالشتائم والضرب وصولاً إلى القتل، إلى تفجيرات مساجد ومراكز إسلامية، إلى تظاهرات تطالب بطردهم من البلاد، إلى أعمال استفزازية شنيعة كنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد r في الدنمرك، وإلى مثلها في فرنسا في صحيفة تشارلي إيبدو، وإلى سن قوانين تمنع حجاب المرأة المسلمة، وكذلك إلى الإعلان عن يومٍ لحرق القرآن الكريم في الولايات المتحدة، وكذلك إنتاج فيلم عن القرآن في هولندةبإسم فتنة، وهكذا… إلى سلسلة أعمال خالية من أي فكر أو صدق أو موضوعية، ومليئة بالافتراء والدجل والبغضاء والتخويف. وما زالت هذه الأحداث تتتابع.
وقد أوجد هذا الأمر حالة عدائية تجاه المسلمين في بلاد الغرب. وبما أن هذه الحالة اتسمت بالمبالغة في الحقد والافتراء، وفي عدم استنادها لما يبررها، وفي بُعدها عن الموضوعية وخلوها من أي أخلاق أو إنسانية، فقد أثارت حالة من الاستهجان والرفض لهذا السلوك، حتى عن بعض الغربيين أنفسهم داخل المجتمعات الغربية، ولكن هذه الحالة أضعف بكثير من حالة البغضاء العارمة والاعتداءات الإسلاموفوبيَّة المتصاعدة. هذه الأمثلة المذكورة عن الإسلاموفوبيا وغيرها سيتم بيانها بشكل أدق وتوثيقها فيما يلي من هذا البحث.
ثم جاء ما يلفت النظر بشكل كبير إلى هذه الإسلاموفوبيا، بحيث يلفت الغافل ويستفز البليد، ويثير الغرابة والاشمئزاز معاً عند الغربيين أنفسهم، جاء ما يُعبِّر عن مستوىً غير عقلانيٍ وغير إنساني في الموقف من الإسلام والمسلمين، إذ هو تبجحٌ بالبغضاء، وافتخار بالهبوط الأخلاقي المسفّ، وهو غرور يوازي ادعاء الألوهية. وذلك ما جاء يعلنه المرشح الجمهوري لرئاسة الأميركية دونالد ترامب، من كراهيةٍ وحقد واحتقار للإسلام والمسلمين، ووعود ودعوات معيبة يكررها في خطاباته في طول البلاد وعرضها؛ كطرد المسلمين، وقصر استقبال وإغاثة اللاجئين السوريين الفارين من حمم الحرب في بلادهم على النصارى، وحظر دخول المسلمين وغير ذلك… واللافت الأهم في الأمر أن هذه المضامين المنحطة والسفيهة لخطابات ترامب لاقت قبولاً من قِبَل قاعدة واسعة من الناخبين، وربما من أكثريَّتهم، واستطاع ترامب – حتى الآن – أن يتقدم على منافسيه المترشِّحين عن الحزب الجمهوري…
وبناءً على ما سبق، فإن الإسلاموفوبيا هي إحدى جبهات الصراع والحرب التي يخوضها الغرب اليوم على الإسلام تحت إسم الحرب على الإرهاب. واقعُها ليس جديداً، ولكنها تتجدد اليوم بسبب يقظة الأمة الإسلامية وتَصاعُدِ وعيها على دينها، وعلى وجوب تطبيق شريعتها بواسطة دولة الخلافة، وعلى وجوب تحررها من الاستعمار الغربي، ومن الرأسمالية ونظمها في الحكم والاقتصاد، كالديمقراطية والاقتصاد الحر والحريات العامة وسائر أفكارها. هذا هو جوهر الموضوع ولبُّه.
والنظام الغربي، أي الرأسمالية كعقيدة وطريقة عيش، يتلخص واقع حاله بجملةِ أو شعار: إمّا الاستعمار وإمّا الانحسار فالضمور فالموت. ولقد كان الغرب – بكل دوله الاستعمارية – منتشياً بسبب ما آل إليه حال الأمة الإسلامية بعد هدم الخلافة، فقد زال وجودها السياسي الفعّال في الحياة بزوال رمز وجودها، وزال خطر توسعها في الغرب. بل أخذت تتراجع هي عن الإسلام عندما رضيت أن تُحكم بغيره، وأن يحكمها كفار، وأن تحتكِم إلى أنظمة وضعية غربية…
ولقد كان الغرب مطمئناً إلى مسار الأمة الإسلامية وإلى مصيرها الذي كان يأخذها إليه. فقد رسم للإسلام مصيراً كمصير المسيحية التي تمّ تحريفها ثم تسخيرها ثم إقصاؤها كلياً عن الدولة والسياسة والحياة العامة، وحُصِرت شؤونها في أمور فردية أو خاصة. ولكنه تفاجأ بهذه الصحوة الإسلامية التي عكست اتجاه السير من اتجاه انحطاط إلى نهوض، وإلى فهم أن الإسلام ليس كالنصرانية، وأنه مبدأ مختلف عن الرأسمالية، بل هو مناقض لها، يدعو إلى نبذها، ويحاربها ليصرعها. فكان لا بد للغرب من اتخاذ إجراءات الصراع اللازمة لهذا الوضع الجديد، وكانت الإسلاموفوبيا أحدَ أهمِّ أدواته بين الناس على صعيد المواجهة الفكرية، لأنه لا يملك فكراً يستطيع أن يحاور به أفكار الإسلام أو أن يواجهها بموضوعية.
إن دافع الإسلاموفوبيا هو الصراع بين الإسلام ونظام الغرب الرأسمالي، وموضوع أو مادة الهجوم الإسلاموفوبي هو أفكار الإسلام ومعالجاته. ومفكرو الغرب ودهاقنته، ومنهم صانعو الإسلاموفوبياومروجوها، يزعمون أنهم أصحاب حوار فكري ومعالجات عقلانية… بينما العقلُ بريء من هذه المزاعم … ولقد أصاب كبدَ الحقيقة من قال إن عقيدة فصل الدين عن الحياة غير مبنيَّةٍ على العقل. لذلك، فبمقدار ما تتَّضِحُ هذه النقطة في المجتمعات الغربية وتبرز، يلمس مفكروهم أنهم قد اُسقِط في أيديهم. والمُتوقع حينذاك أن يؤدي هذا الأمر إلى هزةٍ قويةٍ لهم، وبنفس المقدار ستكون قوةُ تـَنـَبـُّه سائر الباحثين وغيرهم من المقتنعين بفصل الدين عن الحياة، لأنهم لا يستندون إلى أي برهان عقلي أو علمي، وهذا ما سيؤدي – بشكل راجح – إلى الشك والتشكيك بما هم عليه، ما يُوَلـِّدُ تفكيراً بالتغيير وبالبحث عن الصواب، ويُضْعِفُ ركائز المجتمع، ويُوهِنُ أنسجته ويُخَلْخِلُ روابطه، وهذا يفتح الباب واسعاً أمام الإسلام الذي ستتعزَّزُ الدعوة إليه في هذه الظروف من التساؤلات والأبحاث، وسيجد فيه الكثيرون الحلَّ والملاذَ كمبدأ؛ أي كعقيدةٍ ونظام.
يتبع ….
بقلم: مسلم يبحث ويراقب لأجل أمته