الإسلام في غرب آسيا

ظهرت الدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية سنة 610م، وذلك بعد نزول الوحي على النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد تمثلت تلك الدعوة الشريفة بدعوة الناس إلى ترك الشرك وعبادة الأوثان، والتوجه نحو توحيد الله عزَّ وجل، وإخلاص العبادة له وحده دون شريك له، الأمر الذي أحدث صدمةً كبرى في جزيرة العرب التي اعتادت على عبادة الأوثان، والتقرب منها، فكان تركها إثما لا يغتفر عندهم، وأمرا مستبعدا لا مجال للنقاش فيه.

لكن الدعوة الإسلامية المباركة كسرت أفق كل التوقعات، فبعد أن انطلقت الدعوة من مكة المكرمة لاقت صعوبات وتحدياتٍ جمَّة في وجهها، حتى إنَّ المتأمل في تاريخ نشأتها يجد أنها كانت ضعيفةٌ في بداياتها، وأنها لن تصمد أمام قوة قريش وقبائل العرب، لكن الله تعالى أراد لدينه الانتشار، فبدأت الدعوة تنتشر بسرعة حتى بين أشد معارضيها، ليعمَّ الإسلام مكة ويثرب والطائف وشبه الجزيرة العربية واليمن.

الإسلام في جزيرة العرب واليمن

الإسلام في غرب آسيا
جامع الصالح-اليمن

أشرق نور الإسلام على هذه الأرض بواسطة بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إذ شرع يدعو الناس للدين القويم، فكانت يثرب أولى مدن الحجاز دخولا في الإسلام بعد مبايعة قبيلتي الأوس والخزرج للنبي بعد عودته من الطائف، فكانت يثرب القاعدة الراسخة للدعوة الإسلامية، إذ هاجر الصحابة رضوان الله عليهم إليها من مكة سرًا وجهرا، ودخلوها متآخين مع أهلها الذين سُمُّوا بالأنصار، ومن ثم بدأ النبي الكريم وضع أسس الدولة الإسلامية، فجعل للمدينة مسجدًا جامعًا يجتمع فيه الناس، وجعل لهم سوقًا لينعش الحياة الاقتصادية فيها، ووجه السرايا لقتال المشركين والإغارة عليهم، حتى جاءت غزوة بدر الكبرى التي رسخت جذور الإسلام في الجزيرة العربية، والتي دفعت غير قليل من العرب إلى اعتناق الدين الإسلامي، ومن ثم تتابعت الغزوات المباركة التي أدت إلى فتح مكة المكرمة، وضمِّ غير قليل من القبائل العربية للإسلام.

ولم يكتف النبي الكريم بنشر الإسلام في الحجاز، بل سعى أيضا لإيصال الدين الشريف إلى نجد والبحرين، وعمان واليمن، لا سيما بعد إقبال بعض القبائل العربية منها لمبايعته، فأرسل عددًا من الصحابة الكرام إلى مختلف المناطق، وذلك ليفقهوا الناس في الدين، وليكونوا على تواصل دائمٍ معهم، لإرشادهم وتعليمهم أصول دينهم.

وقد شهدت جزيرة العرب أثناء تطهيرها من الوثنية  قيام النبي الكريم بإجلاء اليهود عنها غير مرة، وذلك لما ارتكبوه بحق المسلمين من أذىً وغدر، فقد حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم غدرا، وانقلبوا على المسلمين في غزوة الخندق، فكان لازمًا على النبي مقاتلتهم وإخراجهم من جزيرة العرب لتكون معقلًا للإسلام الذي ترسخ فيها حتى يومنا هذا، إذ تضم جزيرة العرب اليوم عددا من الدول التي تدين بأكملها بالدين الإسلامي، وهي: السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان واليمن، إذ إنَّ السعودية تعتمد المذهب الوهابي في دولتها، وهو مذهب يلتزم بالدين الحنيف، ويرفض أي بدع شركية لا سيما التي انتشرت في الجزيرة العربية في فترة القرن الثامن عشر والتاسع عشر من تقرب للقبور، والدعاء والتضرع للصحابة، أما باقي دول الجزيرة العربية، فهي تدين بكليتها للدين الإسلامي على الرغم من اختلاف المذاهب فيها، إذ ينتشر المذهب الشيعي في بعض أجزاء السعودية والبحرين وعمان واليمن.

الإسلام في بلاد الشام 

الإسلام في غرب آسيا
الجامع الأموي الكبير بدمشق-سوريا

دخل الإسلام بلاد الشام مبكرًا عن طريق الفتح الإسلامي، إذ دخلتها جيوش الفتح الإسلامي التي سيَّرها أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقيادة عدد من الصحابة الذين ترأسوا جيوش الفتح، واستطاعوا تحريرها من الروم وطردهم خارجها، ليبدأ الإسلام ينتشر بين أهالي البلاد المفتوحة، إذ تحول غير قليل من المسيحية إلى الإسلام، واستوطن العديد من الفاتحين فيها، ليصبح الدين الإسلامي يمثل الشريحة الأكبر في ديموغرافية تلك البلاد.

وقد أخذ الدين الإسلامي يترسخ في الشام بعد تحول العاصمة إليها، فقد نقل معاوية بن أبي سفيان حاضرة الخلافة إلى دمشق وأسس فيها الدولة الأموية، ومن ثم بدأ الاهتمام بحركة العمارة وبناء المساجد فبُني عدد كبير منها في مختلف بقاع الدولة لا سيما في دمشق التي شهدت بناء المسجد الأموي الكبير، بالإضافة إلى إعمار المسجد الأقصى في عهد عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، وبناء مسجد قبة الصخرة المشرفة.

 أما في العصر العباسي والأيوبي، فشهدت بلاد الشام هجومًا صليبيًا من الغرب، وهجومًا مغوليًا من الشرق، تسبب في تدمير المدن الشامية، واحتلال بعضها واستقرار الصليبيين فيها، لكن على الرغم من ذلك حافظت بلاد الشام على الوجود الإسلامي رغم كافة الهجمات، واستطاعت دحر المغول الوثنيين، والصليبيين النصارى عنها، لتدخل ضمن الحكم المملوكي حتى مجيء العثمانيين.

 وفي نهايات العصر العثماني تعرضت الشام لخطر آخر تمثل بالحملات التبشيرية النصرانية، فقد أرسلت الدول الأوروبية حملات تُبَشِّر بالدين المسيحي هدفت لبناء المدارس ودور العلم، واستقطاب أبناء المسلمين، ومحاولة تنصيرهم من خلال ما يعلمونهم إياه، وقد استغلت تلك الحملات حالة الجهل والفقر في البلاد الإسلامية، وقلة المدارس وانحسار التعليم لينشروا المسيحية، وليعلموا أبناء شريعتهم العلوم الحديثة، وذلك ليكون لهم السبق والأقدمية على أبناء المسلمين، ونتيجةً لذلك تخرج غير قليل من الأطباء والمثقفين اللبنانيين المسيحيين واستطاعوا تولي مناصب عليا في الدولة.

أما حضور الإسلام في فلسطين فهو يعاني أزمة وجودية منذ نهاية الدولة العثمانية حتى اليوم جراء الصراع بينه وبين الصهاينة المحتلين الذين اتبعوا سياسة القتل والتهجير القسري لأبناء فلسطين لكن على الرغم من ذلك لا زالت للإسلام اليد العليا والحضور الأكبر، رغم محاولات الصهاينة دثره وتحويل فلسطين لأرض يهودية، وتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المقدس بدلا منه. 

الإسلام في العراق وإيران

الإسلام في غرب آسيا
مسجد جليل الخياط-العراق

كانت العراق وإيران تخضعان للسلطة الفارسية قبل مجيء الإسلام، وكانت الديانتان الرسميتان فيهما المجوسية والمسيحية، حتى جاء الفتح الإسلامي العربي وأسقط الدولة الفارسية ونشر الإسلام فيها، ومن ثم بدأ المسلمون الفاتحون استيطانها، بعد أن بنوا فيها مدينتين كبيرتين هما الكوفة والبصرة، لتكونا معقلًا للمسلمين، وقد شهدت العراق عددًا من الفتن خلال العهدين الراشدي والأموي نتيجة مقتل سيدنا عثمان بن عفان، وانقسام المسلمين بين أنصارٍ لعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، ومن بعدهما ابناهما الحسين بن علي ويزيد بن معاوية، فأدى هذا الانقسام إلى مقتل سيدنا الحسين بن علي في موقعة كربلاء ليحدث شرخ بين المسلمين تمتد آثاره إلى يومنا هذا.

وفي العصر العباسي كان العراق وإيران هما أساس الدولة ومعقل الإسلام، فقد جاءت الثورة العباسية من إيران، واستقرت في العراق، التي شهدت بناء مدينة بغداد لتصبح فيما بعد المدينة الأولى في العالم، لكنها تعرضت لغزو بربري كبير من قبل قبائل المغول التي اجتاحت إيران ودمرت كثيرًا من مدنها حتى وصلت بغداد، وأحرقتها وارتكبت فيها مجزرةً بحق سكانها المسلمين.

أما في العصر الحديث فتشكل كلٌّ من العراق وإيران معقلا إسلاميًا رغم حضور المذهب الشيعي  حضورًا كبيرًا، إذ تعد إيران اليوم نفسها جمهوريةً إسلامية، وتدعي تطبيقها للشريعة، أما العراق فقد عانى في العصر الحديث من غزوين بريطانيين حدثا خلال الحربين العالميتين، أما الثالث فقد كان الأشد قسوة وهو الغزو الأمريكي له عام 2003، إذ تم تدمير جزءٍ كبير منه أثناء الغزو.

الإسلام في آسيا الصغرى وقبرص

الإسلام في غرب آسيا
مسجد السليمية في نيقوسيا-شمال قبرص

كانت آسيا الصغرى التي تشمل تركيا وأذربيجان وأرمينيا اليوم تخضع لسيطرة الدولة الرومانية قبل مجيء الإسلام، لكن بعد أن تم فتح بلاد الشام ومصر، أخذت الدولة الرومانية تحاول استعادة الأراضي التي خسرتها، فأطلقت هجوما بحريا على الإسكندرية، أعقبه هجومٌ آخر تم ردعه في معركة ذات الصواري، ومن هنا أدرك المسلمون أهمية فتح جزيرة قبرص لتكون قاعدة عمليات بحرية ضد الرومان، بالإضافة إلى توجيه غزو بري إلى أراضي الدولة البيزنطية، وقد تم غزو آسيا الوسطى غير مرةٍ في العصر الأموي، وحُوصِرت عاصمتها القسطنطينية مرتين في عهد معاوية بن أبي سفيان، وفي عهد سليمان بن عبد الملك، فأخذ الإسلام ينتشر في أراضي الدولة البيزنطية، التي اشتد ضعفها عقب إسلام عدد من القبائل التركية وتأسيس مملكةٍ لهم هي الدولة السلجوقية في آسيا الصغرى، ومن ثم خلفتها الدولة العثمانية التي تأسست على أنقاضها، والتي استطاعت فتح القسطنطينية وباقي آسيا الصغرى والتوسع في أذربيجان وأرمينيا وفي أوروبا الشرقية وجزر البحر الأبيض المتوسط، ونشر رسالة الإسلام السمحة فيها، وعلى الرغم من سقوط الخلافة العثمانية في إسطنبول، وتحول نظام الحكم من إسلامي إلى علماني، إلا أنّ الإسلام لا زال يمثل الشريحة الأكبر في تركيا، والتي عادت تهتم بالقضايا الإسلامية، وأعادت آيا صوفيا إلى حظيرة الإسلام بعد تحويله إلى متحف.

المصادر:

  • البعثات التبشيرية البروتستانتية، ودورها الثقافي في جبل لبنان، باهرة عادل الجبوري، بحث منشور في مجلة دراسات في التاريخ والآثار، عدد 75، 2020.
  • حروب الإسلام في الشام، أحمد محمد باشميل، ار الفكر، لبنان، ط2، 1984م.
  • الإسلام في آسيا الوسطى، حسن أحمد محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1972.
  • التبشير في بلاد الشام، عبد الرحمن بن محمد، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود، السعودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى