هل الهيمنة علينا حرب على الإسلام أم حرب مصالح؟

كثیرا ما یسأل البعض :- هل الهيمنة علینا حرب على الإسلام أم حرب مصالح؟ أو بصیغة أخرى: هل العدو یحاربنا حربا دینیة أم یحاربنا لأطماعه الشخصیة ؟ وفي الحقیقة هذا السؤال في حد ذاته خطأ، لأنه یفترض وجود تعارض بین أمرین لیسا متعارضین، ودعونا نشرح ذلك من جهتین، من جهتنا، ومن جهة عدونا:

فأما من جهتنا كمسلمین : فكل حروبنا دینیة، مهما كانت أسبابها، حتى ولو قاتل المسلم لأجل ماله وعرضه، فالدین هو الذي أمره بذلك، فهو یقاتل طاعة لربه وإقامة لدینه، وكذلك نحن لم نتحرك في هذه المعركة إلا طاعة لربنا وإقامة لدیننا، إننا نخوض المعركة عبادة ﻟﻠﻪ ونعلم أن الله سیسألنا یوم القیامة عما قدمناه فیها، سیسألنا عما بذلناه في تلك الظروف المزریة التي تسلط فیها العدو علینا في كل جوانب الحیاة، تسلط علینا سیاسیا واقتصادیا وعسكریا وفكریا، فالنظام العالمي الیوم هو عدو صائل معتد لا یجوز لمن في قلبه ذرة إیمان أن یتجاهل اعتداءه علینا ویعطي ظهره للمعركة، وهنا أستحضر ما قاله ابن تیمیة بكلمات حاسمة حین قال : (العدو الصائل الذي یفسد الدین والدنیا لا شيء أوجب بعد الإیمان من دفعه).

نعم، لا شيء الیوم أوجب بعد الإیمان باﻟﻠﻪ من التصدي لهذا النظام العالمي في كل المیادین التي تسلط علینا فیها بما فیها الفكریة والأخلاقیة، وهو لا شك عدو یفسد الدین والدنیا، ودفعه ومواجهته عبادة كالصلاة والصیام سیسألنا الله عنها.

وأما من جهة العدو : فلا تعارض أیضا بین كونهم یحاربوننا لأجل المصالح وبین وصفنا للحرب بأنها حرب على الإسلام، فإنك إذا نظرت لأصحاب المصالح – غیر المتدینین – في النظام العالمي ( وفي رأیي هم الأغلبیة ) ستجد أنهم قد اعتبروا الإسلام مهددا لمصالحهم، وأعلنوا ذلك جهارا نهارا، مرارا وتكرارا، هذا موجود ومسطر في تقاریرهم السیاسیة وكتبهم، وبسبب هذا التهدید على مصالحهم ظل ( الإسلام ) وقیمه الرئیسیة محل عدائهم، فهم یریدون شعوبا هادئة مستكینة لا تحمل أي دافع للمواجهة ولا أي نیة للجهاد ضدهم ولا أي حافز لرفض الأوضاع الراهنة، وهذا طبعا ما یرفضه الإسلام ولا یقبله!

وقد بیّنا كیف یهتم عدونا بالهیمنة الفكریة، والإسلام هو أكثر شيء یتم استهدافه في تلك الحرب الفكریة علینا، بل لا یكادون یستهدفون غیره، هم بالفعل ینظرون إلى قیم الإسلام باعتبارها بیئة خصبة لنمو المقاومة ضدهم، ورفض هیمنتهم وسیطرتهم، ولا نلوم علیهم في الوصول إلى هذه الحقیقة لأنها فعلا حقیقة ! ودعك من كونهم یحاولون إظهار احترامهم للإسلام، وأنهم فقط یحاربون ویواجهون الإرهاب فهذا جزء من الحرب الفكریة و”الدبلوماسیة الشعبیة” التي شرحناها، بینما هم في الحقیقة لا یفرقون بین الإسلام والإرهاب، وهم في تناولهم لهذه المسألة داخل تقاریرهم یتحدثون عن نصوص الإسلام نفسها وما تنتجه هذه النصوص من أفكار داخل عقول المسلمین، فالحدیث إذن عن نصوص وأفكار أصلیة لا عن مجرد ممارسات على الأرض كما یدعون!

بل حتى قادة الحرب الذین یخضونها لمصالح دنیویة ستجدهم یستخدمون الدین وقت الحاجه له كي یشحنوا الرأي العام الغربي ویخدعوا المتعصبین لدینهم من تلك الشعوب، ولذلك من حین لآخر تجدهم یستحضرون النفس الصلیبي في التصریحات، كما أعلنها بوش إبان غزو العراق عام 2003 بأنها حرب صلیبیة! وعلي صعید آخر الذین یحاربوننا الیوم عن دین محض، كبعض الیهود ومن یدور في فلكهم، فهم في الحقیقة أیضا طلاب دنیا وأصحاب مصالح، فقد ذكر لله في كتابه أن سبب كفر الكفار هو حبهم للدنیا، فقال : (ذَلِكَ بِأَنَّھُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَیَاةَ الْدُّنْیَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اﻟﻠﮧَّ لاَ یَھْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِینَ ).

فالأصل في أعدائنا عموماً أنهم أحقر من أن یتحركوا لغیر الدنیا، بل هم في معظمهم عبّاد مصالح وعاشقو شهوات بما فیهم المتدینون، ولقد رأیت البعض یرفض تماما القول بأن العدو یحاربنا الیوم لأجل مصالحه ظنا منه أن هذا یتعارض مع قوله تعالى : (وَلا یَزَالُونَ یُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى یَرُدُّوكُمْ عَنْ دِینِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) وقوله : (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْیَھُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَھُم) وفي الحقیقة لا تعارض، فهم یریدون لنا أن نحید عن الحق ونتبع ملتهم حتى تتحقق مصالحهم الدنیویة بذلك، یریدون لنا أن نرتد عن دیننا لأن الإسلام غصة في حلوق مطامعهم الغاشمة، والردة في الحقیقة لیست منحصرة في أن تعلن تغییر دینك، بل قد یظلون یسلبون منك الدین شیئا فشیئا ویحرفون معانیه بداخلك حتى تجد نفسك في النهایة جزءا من منظومتهم الفكریة والسیاسیة، وترسا داخل ماكینة مصالحهم، والاسم فقط : مسلم! وتصوري أن العدو الیوم ثلاثة أصناف، ستجد فیها جمیعا عدم تعارض بین كونها حربا على الإسلام أو كونها حربا للمصالح:

1 – قسم یحركه دوافع دینیة، ویلحق بهذا القسم أصحاب الدوافع الحضاریة والثقافیة كالذین ینظرون إلى الإسلام باعتباره خصما حضاریا ولیس خصما دینیا فقط، ویقارنون دوما بین حضارة الإسلام والغرب ویعتبرون أنهما في صراع أبدي، كصامویل هنتنجتون صاحب أطروحة ( صراع الحضارات).

2 – قسم یحركه دوافع دنیویة محضة، وقبلَته ودینه المصالح، وهو یعتبر الإسلام عدوا لیس من منطلق دیني، بل من منطلق أنه عائق أمام مصالحه كما كانوا ینظرون للشیوعیة من قبل ولكن بصورة أشد ومختلفة طبعا، وقد یستخدم هؤلاء الدین أحیانا للمتاجرة به بین شعوبهم.

3 – قسم یجمع بین الدوافع الدینیة والدوافع الدنیویة، فهو یجمع بین طلب المصالح وبین معاداة الإسلام والمسلمین.

وهكذا تختلط المصالح عند عدونا بالدین، والدین بالمصالح، بصورة یصعب فصلهما، لنجد أننا أمام حقیقة حتمیة وهي أن الإسلام في قلب الحرب الیوم، ولو أنكر هذه الحقیقة المنكرون.

اضغط هنا لتحميل كتاب معركة الأحرار كاملًا PDF – الطبعة الثانية

أحمد سمير

ناشط ومهتم بالشأن الإسلامي والعالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى