هل حقًا إيران لاعب دولي مهم؟!
قبل الإجابة على هذا السؤال والوقوف على حقيقة الدور الذي تلعبه إيران بالنسبة لمحيطها الإقليمي ومدى استقلاليتها في ممارسة هذا الدور بداية نلقي نظرة سريعة على بعض الأحداث التاريخية -إذ أن للتاريخ دور مهم في بناء السياسات والتحالفات الدولية قديما وحديثا- خاصة فيما يتعلق ببعض الأحداث التي قام بها الشيعة والتي أثنى عليها وعلى الفاعلين فيها مؤسس جمهورية إيران الحديثة الخميني، وعلى نهج أولئك الأشخاص والجماعات سارت وتسير الجمهورية الحديثة
الخميني
قال الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية: “ويشعرُ الناسُ ( يعني شيعته ) بالخسارةِ .. بفقدانِ الخواجةِ نصيرِ الدينِ الطوسي وأضرابهِ ممن قدم خدماتٍ جليلة للإسلامِ “. يتحسر خميني على نصير الدين الطوسي وأضرابه وهم ابن العلقمي ومن سار فيما بعد على نهجه ويثني عليهم بأنهم قدموا خدمات جليلة للإسلام!: وهي تسليم بغداد للمغول وقتل أهلها! وعلى نفس الخدمة الجليلة سيتعاون فيما بعد شيعة خميني والغرب الصليبي “قتل المسلمين وإسقاط حواضرهم ومدنهم”.
أما عن خيانة ابن العلقمي فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية ما نصه:” ثم كاتب التتارَ ، وأطمعهم في أخذِ البلادِ ، وسهل عليهم ذلك ، وحكى لهم حقيقةَ الحالِ، وكشف لهم ضعفَ الرجالِ “. ثم يذكر ابن كثير كيف أنهم حسنوا لهولاكو عدم التصالح مع المسلمين، وحذروه من إمكانية استعادة المسلمين لقوتهم وإخراجه من أرضهم، قال:” وقال الوزيرُ ابنُ العلقمي : متى وقع الصلحُ على المناصفةِ لا يستمرُ هذا إلا عاماً أو عامين ، ثم يعودُ الأمرُ إلى ما كان عليه قبل ذلك ، وحسنوا له قتلَ الخليفةِ ، ويقال إن الذي أشار بقتلهِ الوزيرُ ابنُ العلقمي ، ونصيرُ الدينِ الطوسي”. [ البداية والنهاية : (13/201) ].
كما كاتب بقايا الفاطميين من قبل ملك الصليبيين يطلبون منه مهاجمة مصر بعد سيطرة صلاح الدين الأيوبي عليها وواعدوه أن يقوموا هم في نفس الوقت بثورة ضد صلاح الدين في القاهرة، وبالفعل رست سفن الصليبيين محملة بالجنود والعتاد في الإسكندرية؛ إلا أن المؤامرة كانت قد كشفت وصلب صلاح الدين المتآمرين، وقتل جنود الصليبيين ودمرت سفنهم في ثغر الإسكندرية؛ كما روى ذلك ابن الأثير في [ الكامل ] وأبو شامة المقدسي في [ الروضتين في أخبار الدولتين ] وغيرهم من المؤرخين.
ولم يكن حال الشيعة الصفويين بعد ذلك أفضل من حال أسلافهم من الباطنية فقد تحالفوا هم بدورهم مع البرتغال ضد المسلمين العثمانيين، وكان نص الاتفاق بينهم: “أن يقدم البرتغال أسطوله ليساعد الفرس في غزو البحرين والقطيف كما يقدم البرتغال المساعدة للشاه إسماعيل لقمع الثورة في مكران وبلوجستان وأن يكون الشعبان البرتغالي والفارسي اتحادا ضد العثمانيين” [علي الصلابي: الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ]
عصر الجمهورية الحديثة
أما في عصر الجمهورية الحديثة فلم تكن “إيران كونترا” أول التعاون الفارسي الشيعي مع الغرب الصليبي ولا آخره!؛ وهي صفقة السلاح التي تمت عام 1985 بين إيران والولايات المتحدة بوساطة إسرائيلية!،:”نص الاتفاق السري بين أمريكا وإيران-التي كانت تخوض حربا ضد العراق في ذلك الوقت- على تزويد طهران بأسلحة متطورة، تشمل قطع غيار طائرات “فانتوم” وحوالي ثلاثة آلاف صاروخ من طراز “تاو”TOW مضاد للدروع وصواريخ “هوك” أرض جو HAWK مضاد للطائرات”. [ الجزيرة.نت: “إيران غيت..المصالح فوق المبادئ”]
وقتنا الحاضر
هذا بالنسبة للتاريخ البعيد والقريب، أما بالنسبة لوقتنا الحاضر فقد بلغ التعاون بين شيعة الخميني والغرب مستوى عاليا – صرح بهذا التعاون كبار المسؤولين الإيرانيين والأمريكيين-. ففي محاضرة في ختام أعمال “مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل” المنعقد في الإمارات في 14 يناير 2004 قال محمد أبطحي -نائب الرئيس الإيراني محمد خاتمي وقتئذ- :” لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابل وبغداد بهذه السهولة”. أعاد رفسنجاني -رئيس تشخيص مصلحة النظام في إيران آنذاك- نفس الكلام:” لولا إيران لما سقطت كابل وبغداد”. وقد صرح بهذا التعاون فيما بعد السفير الأمريكي السابق في العراق كروكر بقوله:” كلما كانت تواجهني معضلة لا أجد حلها إلا عندما أجلس مع السفير الإيراني في بغداد”
أكد على هذا التعاون والتنسيق العالي بين الجانبين الأمريكي والايراني طارق الهاشمي -نائب الرئيس العراقي سابقا- في الحوار الذي أجرته معه “أورينت.نيوز” في 13 نوفمبر 2016 قال:” في الوقت الذي كنا فيه نشتكي للإدارة الأمريكية، حول ما يفعله السفير الإيراني وفيلق القدس والحرس الثوري وفرق الموت داخل العراق الذي من المفترض أنه يزعج الأمريكيين ويشير إلى أن العراق يتجه للوقوع في دائرة النفوذ الإيراني، كان السفير الأمريكي يخرج من مكتبي ليجلس مع السفير الايراني “.
إيران واستهداف السنة
ثم يروى عن بعض أفراد المعارضة قولهم:” بأنهم حين كانوا يلتقون بالطابق الأرضي وتحصل خلافات بينهم كانوا يرسلون هذا الخلاف إلى الساكن بالطابق الأول وهو ممثل الإدارة الأمريكية وممثل الإدارة الإيرانية، كان الطرفان يتفقان ويرسلان الحل المقترح إلينا وكنا نتبناه، هذا الكلام كان يجري في “زمن المعارضة” قبل غزو العراق ولذلك أرى أن كل ما حصل ويحصل يتم بناءاً على اتفاق بين الدولتين”.
ثم يتابع قائلا: “الذي حصل في بلدي هو خطة واضحة المعالم لا تقبل اللبس ولا تقبل التفسير، هناك خطة دولية تستهدف العرب السنة”. نعم هذه هي الحقيقة التي أضحت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ليس في العراق فحسب وإنما في كل بلدان المسلمين. وهذه هي الخدمات الجليلة التي كان يتوق ويتشوق إليها خميني. لكن العجيب أن تجد معظم الأحزاب المنتسبة لأهل السنة إلى يومنا هذا إما مرتمية في حضن أمريكا لمواجهة الخطر الإيراني!، أو في حضن إيران لمواجهة الخطر الصليبي! والأعجب ارتماء إخوان طارق الهاشمي «الحزب الإسلامي» في حضن الإثنين أمريكا وإيران!
أما عن قوة إيران وثقل دورها على الأرض فقد كشفه لنا الواقع الميداني والعسكري في كل من العراق وسوريا بعد الثورات؛ فما استطاعت إيران ومليشياتها الصمود لأشهر معدودة في وجه المجاهدين بالرغم من قلة عددهم وعتادهم، حتى تدخل الغرب والروس بطائراتهم وصواريخهم -إضافة لمكرهم في اختراق الثورات وتفتيت الصفوف وصناعة العملاء- تدخلوا لينقذوا إيران وأتباعها من السقوط الوشيك في كلا البلدين.
بعد أشهر من انطلاق الجهاد في سوريا ما عاد بشار الأسد -بالرغم من الدعم اللامحدود من إيران وأتباعها- ما عاد يسيطر إلا على أجزاء قليلة من البلد، حتى وصل التهديد لعمقه الطائفي!، وأصبحت صواريخ الثوار تطال مسقط رأسه القرداحة. تدخل الأمريكيون باختراقهم لبعض الفصائل عن طريق الدعم وغيره من الوسائل بإيقاف الجبهات والتلاعب بها حتى استطاع بشار أن يسترجع معظم البلد بمساعدتهم ومساعدة روسيا.
لم يكن أول ولا آخر مكرهم الضغط الحالي المستمر على الفصائل العاملة في البادية الشامية للانسحاب إلى الأردن وفتح الطريق أمام ميليشيات الأسد للوصول إلى دير الزور، لضمان التواصل البري بين طهران ودمشق، وكذلك الضغط المتواصل على فصائل الجنوب لتسليم نقاطهم للنظام والانسحاب إلى الأردن، في ظل ما يعرف بالاتفاق الأمريكي-الروسي-الأردني؛ نقلت ذلك صحيفة الشرق الأوسط تحت عنوان: “تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية على «فصائل الجنوب» لوقف قتال النظام”. هذا مع تبعية معظم تلك الفصائل للولايات المتحدة؛ على ما يبدو أن العم سام لا يعجبه حتى التابع من أصول سنية عربية!
إيران وأمريكا صداقة أم صراع؟
من زاوية أخرى يظهر لنا ضعف إيران وخورها وانصياعها للمشروع الأمريكي صمتها التام أمام المشروع الانفصالي الكردي، والذي تتضرر منه هي وأتباعها في كل من سوريا والعراق، وسيمتد إلى أراضيها؛ ربما في المستقبل القريب!، إذ أن أكراد الإقليم الغربي في إيران كانوا وما زالوا يقومون بمحاولات الانفصال عن إيران ذاتها. فهي لا تفعل شيئا في مواجهة هذا المشروع، بل تتعاون أحيانا مع بعض أبطاله، كما في سوريا والعراق!
اقرأ أيضًا: وراء الكواليس.. العلاقة الخفية بين إيران وأمريكا
نعم هذه هي حقيقة إيران!، فهي ليست لاعبا دوليا ولا حتى إقليميا إلا في المجال الذي تحتاجها فيه أمريكيا. فهي إضافة إلى أنها دخلت مع النصيرية فيما يسميه د. أكرم حجازي “بالمربط الدولي” هي ليست إلا “فزاعة” يستخدمها الأمريكيون في تخويف أنظمة الخليج؛ لتدفع هذه الأنظمة بدورها لأمريكيا مقابل حمايتها، كما أنها أيضًا أداة لاختراق بعض الجماعات واحتوائها، وكذلك هي أداة لتقديم ما يسميه خميني بالخدمات الجليلة: “قتل المسلمين وإسقاط حواضرهم”!.
انا كوني سني من العراق, استطيع ان اقول لكم ان العدو الاشد فتكا بنا هو ليس ايران او شيعتها لكن عملاؤها من السنة الذين يتسابقون لتقديمنا اضاحي لنيل رضا “السيد” فلا عجب اذا سمعت الصراخ من سجون الشرطة المحلية اعلى بكثير من الصراخ في سجون الحشد الشيعي