سيادة العراق المزعومة والتّدخّل التّركي المريب
هل العراق دولة لها سيادة؟
تعتبر السّيادة كما يرى خبراء القانون الوّضعي أنها مفهوم قانوني سياسي يتعلّق بالدّولة باعتباره أحد أهم خصائصها وسماتها الرئيسية. وهي شرط من الشروط الأساسية لاعتبار أي كيان سياسي دولة، أي عضوًا في المجتمع الدولي، وتظهر هذه السّيادة على صعيدين أساسيين وهما:
الصعيد الدّاخلي:
يعني سلطان الدّولة على الأشخاص والأموال والإقليم بحيث تستطيع إدارة شؤون الإقليم المختلفة.
الصّعيد الخارجي:
حرية الدولة في تصرفاتها الخارجية بحيث تستطيع تنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى عن طريق التمثيل الدبلوماسي وإبرام المعاهدات والاشتراك في المنظمات وحضور المؤتمرات، أضف إلى ذلك الاستقلالية في توجهاتها وقراراتها الخارجية وعدم تدخل أي دولة أخرى في ذلك.
العراق رقعة جغرافية لا سيادة لها
من خلال هذا التّعريف من القانون الدولي الوضعي البشري، يتبين لنا أن العراق رقعة جغرافية لا سيادة لها حسب هذا الأخير، ولا سبيل لقول القائل إن العراق ليس ذا سيادة تامة ولكن ذو سيادة ناقصة، لأن الحكومة الرافضية لا سلطان لها على العراق على الصعيد الداخلي والخارجي.
الصعيد الداخلي في العراق
على الصعيد الداخلي العراق يتواجد فيه حاليا سلطتان وهما الحكومة الشيعية وتنظيم الدولة وكل يمارس مهامه على الأرض التي يمتلكها، وقد أكد ذلك وزير دفاع الحكومة الشيعية خالد العبيدي فقال:
إن 10% من أراضي العراق ملك لتنظيم الدولة، وأن سلطتها-أي الحكومة-لا تنفذ إليه.
إذًا لا سلطة للحكومة التي تدعي أنها شرعية على جل أراضي العراق لا سلطة عسكرية ولا قانونية ولا اقتصادية. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الجيش العراقي الذي يحتل مركزًا سيئًا بين أقوى الجيوش في العالم حسب موقع غلوبال فاير بو وير، حيث احتلت المركز 59، لا يمكنه توفير الأمن للشعب وسلامة أراضي العراق من أي عدو آخر محتمل، فضدّ تنظيم الدولة لوحده قام بتجنيد ميليشيات شيعية للمقاتلة معه وقام بالاستنجاد بالدعم الأمريكي الجوي من خلال الغارات المتواصلة.
العراق على الصعيد الخارجي
فالعراق كل من هب ودب قد تدخل في شؤونه، فإيران تتحكم في الحكومة الرافضية التي تمرر أجندة الأخطبوط الإيراني الرافضي، والولايات المتحدة الأمريكية في تدخل متواصل في شؤون العراق وفي اختراق يومي لحدودها الجوية، وتركيا هذه الأيام تتدخل عسكريا وتدوس على حدود العراق وستشارك في معركة الموصل كما أكد ذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
منزوع السيادة يتحدث
ومن الغريب بعد كل هذا أن نسمع رئيس وزراء الحكومة الرّافضية حيدر العبادي يتحدث عن خرق تركيا لسيادة العراق ويطالب القوات التركية بالخروج الفوري من أراضيه ويؤكد أنه لن يسمح للقوات التركية بالمشاركة في عمليات تحرير الموصل بأي صورة من الصور.
ولكن كما هو معلوم فإن هذه التصريحات لم تمر بسهولة، فقد كان رد أردوغان رئيس تركيا قويًا، مؤكدًا: أن تركيا ليست بلدًا تدخل عندما يطلب منها، وتخرج عندما يطلب منها، وأضاف قائلًا: لن نترك الموصل في أيدي تنظيم الدولة أو أي منظمة إرهابية أخرى، وأضاف قائلًا: يقولون إنه لا بد من موافقة الحكومة المركزية العراقية على هذا لكن الحكومة المركزية العراقية يجب أن تعالج مشاكلها الخاصة أولًا.
وتساءل أردوغان عن دور الحكومة الرافضية وعن دور الجيش الموالي لها: لم تركتم تنظيم داعش يدخل العراق؟ لم تركتموه يدخل الموصل؟ كان على وشك أن يأتي لبغداد فأين أنت يا حكومة العراق المركزية؟، مضيفًا: لا يجب أن يتحدث أحد عن قاعدتنا في بعشيقة، سنبقى هناك. بعشيقة ضمانتنا ضد أي نوع من الأنشطة الإرهابية في تركيا.
أسباب التدخل التركي
لا أشك أن التدخل التركي له أسبابه ودوافعه، ومن بين هذه الأسباب والدوافع، أن تركيا التي بدأت تبرز كقوة سياسية وعسكرية تريد قبل كل شيء توطين مقعدها في العالم كمشارك أساسي في القرارات السياسية والعسكرية العالمية، فتركيا تشارك حاليا في التحالف العسكري ضد تنظيم الدولة، وتقوم بمساندة التحالف الخليجي ضد الحوثيين وتدعم الجيش الحر في سوريا.
هذا من جهة ومن جهة أخرى تريد تركيا أن تبرز أيضًا مدى تنفيذ الجيش لأوامر أردوغان وحكومته، فقد قام فيصل متمرد من الجيش التركي من قبل بمحاولة انقلاب على حكم الرئيس أردوغان، فبمثل هذه العمليات يبرز أردوغان مدى إحكام قبضته على الجيش الذي كان فيما سبق بعض قادته يعارضون التّدخل في سوريا وفي العراق.
ومن الأسباب الأخرى التي دفعت أردوغان إلى التدخل العسكري البري في العراق هي الهجمات الانتحارية الكثيرة التي تحدث مؤخرا في تركيا وتودي بحياة الكثير من المواطنين على غرار تفجير مطار أتاتورك الذي أودى بحياة 41 شخصا وهجوم إسطنبول الذي أودى بحياة 10 أشخاص وقد وجهت أصابع الاتهام حينها لتنظيم الدولة.
إن مثل هذه التفجيرات لا تخدم الأمن التركي ولا سياسته، فزعزعة الأمن بلا شك سيؤدي إلى زعزعة الوضع السياسي وهذا ما لا يريده أردوغان ولهذا قرر التدخل المباشر في العراق للقضاء على تنظيم الدولة ومن ثم الحصول على نوع من الاستقرار الداخلي التركي، أما عن الجبهة السورية فهناك الجيش الحر الذي يقاتل النظام وتنظيم الدولة مدعومًا من الأمريكان وتركيا والسعودية.
أردوغان يصطدم بالحشد الشيعي
ذكر محللون أن من الأسباب أيضا التّخوف التركي من الميليشيات الشيعية التي ستعيث في الأرض فسادًا في حال تحرير الموصل بقتل السنة الأبرياء والتنكيل بهم، كما حدث الأمر في ديالى لما أعدمت نازحين سنة وفجرت المساجد ودمرت البيوت أمام أعين النظام الرافضي المجرم، من أجل هذا تركيا تريد لعب دور حماية السنة الأبرياء من بطش هؤلاء الروافض، فقد أكد أردوغان أنه: حريص على عدم السماح بأية سيادة طائفية على الموصل، لأن الهدف فقط هو تطهيرها من داعش، وقصد بالسيادة الطائفية هنا الميليشيات الشيعية.
هل أردوغان حريصٌ على السُنة أم التركمان هم السبب؟
أعتقد أن أردوغان بالفعل لا يهمه أمر السنة في الموصل، فلم يحرك ساكنا في عدة مواطن سابقة، فلماذا كل هذا الحماس وهذه اللهجة غير المعهودة من أردوغان؟ فقد هاجم وبطريقة مباشرة العبادي وحذره وهدده، أعتقد أن السبب ليس دينيًا شرعيًا ولكن حمية للتركمان الذين يمثلون الغطاء السكني للموصل، وهم من الأوغوز الأتراك.
وهؤلاء التركمان أرادوا في وقت مضى أن ينضموا إلى تركيا بعد إنشاء الجمهورية التركية عام 1923 ولكن لم يحدث الأمر، والآن أردوغان يدافع عنهم وينافح لغرضين أساسيين، الغرض الأول إمكانية ضم هذه الرقعة مستقبلا وتوسيع مساحة تركيا، والثاني انه في حالة عدم ضمها مستقبلًا فإن التركمان يبقون يد تركيا في العراق فلا يمكن لهم أن ينسوا يوما دعم أردوغان لهم ودفاعه عنهم.
أعتقد أن تنظيم الدولة قد خرب أوراق وحسابات الكثير من الدول، وأعتقد أن خريطة الشرق الأوسط تتجه نحو التغيير، وأشم رائحة حروب حقيقية بين البلدان المتصارعة على مصالحها الظاهرة والخفية، وهذه المشاهد تذكرني بمشاهد تاريخية حدثت قبل الحرب العالمية الثانية……. فهل سنشاهد حربًا عالمية ثالثة؟