أزمة رهائن إيران
هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: Iran Hostage Crisis لكاتبه موقع: HISTORY.COM. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.
في الرابع من نوفمبر 1979، قامت مجموعة من الطلبة الإيرانيين باقتحام السفارة الأمريكية في طهران، واستطاعوا احتجاز أكثر من 60 رهينة أمريكية. كان السبب المباشر لهذه العملية هو قرار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بالسماح لشاه إيران المخلوع، المستبد الذي اعتبرته الثورة دمية الغرب وطردته من البلاد قبل بضعة أشهر، بالقدوم إلى الولايات المتحدة ليُعالج مرضه بالسرطان. ولكن، لم يكن احتجاز الرهائن مجرد اعتراض على الرعاية الطبية التي تلقاها الشاه، وإنما كان طريقة دراماتيكية للطلاب الثوار في إعلان القطيعة مع الماضي، ووضع حدٍّ للتدخل الأمريكي في شؤون إيران. كما كان الاحتجاز خطوة جريئة لتقوية صورة زعيم الثورة، المعادي لأمريكا، آية الله روح الله الخُميني، داخليًا وخارجيًا.
أطلق الطلاب سراح الرهائن في 21 يناير 1981، بعد 444 يومًا من بدء الأزمة وبعد ساعاتٍ قليلة من إلقاء الرئيس رونالد ريغان خطاب تنصيبه. ويعتقد العديد من المؤرخين أن أزمة الرهائن كانت العامل الذي كلّف جيمي كارتر الخسارة في الانتخابات الرئاسية.
الشاه والمخابرات المركزية الأمريكية
تعود جذور أزمة رهائن إيران إلى سلسلة من الأحداث التي وقعت قبل ما يقرب من نصف قرن من وقوعها. كان النفط هو مصدر التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. لقد سيطرت الشركات البريطانية والأمريكية على الجزء الأكبر من احتياطات النفط الإيرانية منذ اكتشافها تقريبًا، وقد كان هذا أمرًا مُربِحًا للدولتين ولم تكن لِكلاها الرغبة في تغييره. ولكن، في عام 1951، أعلن رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، وهو قوميٌّ تلقى تعليمه في أوروبا وكان قد انتُخب حديثًا، عن خطةٍ لتأميم صناعة النفط في البلاد.
ردًّا على هذه السياسات الجريئة، قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مع جهاز المخابرات البريطانية بتنفيذِ خطة سرية للإطاحة بمصدق واستبداله بزعيم يكون مُطيعًا ومُتقبِّلًا للمصالح الغربية في بلاده.
من خلال هذا الانقلاب، أُطيح بمصدق وتم تنصيب حكومة جديدة في أغسطس 1953. وكان الزعيم الجديد عضوًا في العائلة الملكية في إيران، ويُدعى محمد رضا شاه بهلوي. كانت حكومة الشاه علمانية، معادية للشيوعية وموالية للغرب. وفي مقابل عشرات الملايين من الدولارات التي حصل عليها الشاه كمساعداتٍ خارجية، أمدّ 80 في المائة من احتياطي النفط الإيراني إلى الأمريكيين والبريطانيين.
بالنسبة للـ CIA كان انقلاب 1953 ناجحًا، بل أصبح نموذجًا لعمليات سرية أخرى نفّذتها الوكالة خلال الحرب الباردة، مثل الإطاحة بحكومة جاكوبو أربينز غوزمان في غواتيمالا عام 1954، وغزو خليج الخنازير الفاشل في كوبا عام 1961. إلا أن الانقلاب في إيران كان قد استفز الكثير من الإيرانيين واعتبروه تدخلًا أمريكيًا في شؤونهم، وخصوصًا بعدما بيّن الشاه وحشيةً واستشراسًا مرعبًا من خلال ما قامت به شرطته السرية (المعروفة باسم SAVAK) بتعذيب وقتل الآلاف من الناس، وفي نفس الوقت، كانت الحكومة تنفق مليارات الدولارات على أسلحة أمريكية الصنع بينما اقتصاد البلاد في الحضيض.
ما هي أزمة رهائن إيران؟
خلال السبعينيات، كان الكثير من الإيرانيين قد سئِموا من حكومة الشاه الوظيفية، واختاروا اللجوء إلى آية الله الخُميني، وهو فقيه شيعيٌّ تعِد حركته الإسلامية الثورية بالانفصال عن الماضي وتحقيق سيادة الشعب على أرضه. وبعد ثورة دامت تسع سنوات (1970-1979)، أجبر الثوار في يوليو 1979 الشاه على حل حكومته والفرار إلى مصر، ونُصِّبت الحكومة الإسلامية مكانها.
خشية من تأزُّم الوضع في الشرق الأوسط، الذي يُعتبر جنة الموارد والحقول النفطية، لم تدافع الولايات المتحدة عن حليفها القديم. (وكان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، على علمٍ بسجل الشاه الرهيب أثناء فترة حكمه، مترددًا في الدفاع عنه). ومع ذلك، في أكتوبر 1979 وافق الرئيس كارتر على السماح للزعيم المنفي بدخول الولايات المتحدة ليتلقى علاج ورم الغدد الليمفاوية، لينفجر بعدها الشارع الإيراني.
في الرابع من نوفمبر 1979، مباشرة بعد وصول الشاه إلى نيويورك، حطمت مجموعة من الطلاب المؤيدين لآية الله بوابات السفارة الأمريكية في طهران وتسلقوا جدرانها. واحتجزوا 66 رهينة، معظمهم من الدبلوماسيين والموظفين. وبعد فترة وجيزة، أطلق الطلاب سراح 13 من هؤلاء الرهائن -هؤلاء الثلاثة العشر كانوا من النساء، والأمريكيين الأفارقة ومواطنين من دول أخرى غير الولايات المتحدة، بالنسبة للخُميني كان هؤلاء يُعانون بالفعل من “اضطهاد المجتمع الأمريكي”-. وفي وقتٍ لاحق، عانت الرهينة الرابعة عشرة من مشاكل صحية وتم إطلاق سراحها هي أيضًا. بحلول منتصف صيف 1980، وبقي هناك 52 رهينة في قبضة الطلاب.
لم يكن للمناورات الدبلوماسية أثرٌ واضح على موقف آية الله المعادي لأمريكا. وكذلك العقوبات الاقتصادية. وبينما لم يُصب الرهائن إصابات خطيرة، إلا أنهم تعرضوا لمعاملاتٍ مهينة ومروّعة؛ حيث تم تعصيب أعينهم وعرضهم أمام كاميرات التلفزيون لتشاهدهم الحشود الساخرة، ولم يُسمح لهم بالكلام أو القراءة، ونادرًا ما كان يُسمح لهم بتغيير ملابسهم. وطوال الأزمة، كان الرهائن يعيشون داخل قوقعة من عدم اليقين بشأن مصيرهم.
الوثبة الكندية
في نفس اليوم الذي اقتحم فيه الطلاب السفارة الأمريكية في طهران، هرب ستة دبلوماسيين أمريكيين وقاموا بالاختباء في منزل الدبلوماسي الكندي جون شيرون. أصدر رئيس الوزراء الكندي جو كلارك جوازات سفر كندية إلى الفارين الستة ليتم نقلهم جوًّ إلى بلادهم. عُرف هذا الحدث باسم “الوثبة الكندية”.
عملية مخلب النسر
سرعان ما أصبح إنقاذ الرهائن إحدى أولويات الرئيس كارتر القصوى. وفي أبريل 1980، بعد أن أُحبِط من الوتيرة البطيئة للدبلوماسية، قرر، رغم اعتراضات العديد من مستشاريه، تنفيذ مهمة إنقاذ عسكرية عُرِفت باسم: مخلب النسر. قضت الخطة أن يتم إرسال فريق إنقاذ من النخبة العسكرية إلى مجمع السفارة وتحرير الرهائن، لكن تسببت عاصفة رملية في الصحراء يوم المهمة في تعطل عدة طائرات هليكوبتر، وشمل طائرة نقلٍ كبيرةٍ انحرفت أثناء الإقلاع فقُتل ثمانية جنود أمريكيين في الحادث، وفشلت عملية مخلب النسر.
انتخابات 1980
ساهمت التغطية الإعلامية المستمرة لأزمة الرهائن في الولايات المتحدة في خسارة الرئيس جون كارتر السباق الرئاسي لعام 1980، فلقد بدا الرئيس للشعب الأمريكية كزعيمٍ ضعيف وغير فعّال، كما كان جل تركيزه موجهٌ نحو إنقاذ الرهائن وأهمل حملته الانتخابية.
استغل المرشح عن الحزب الجمهوري، حاكم كاليفورنيا السابق، رونالد ريغان معاناة كارتر. بل وانتشرت شائعات مفادها أن طاقم حملة ريغان الانتخابية تفاوضوا مع الإيرانيين للتأكد من أنه لن يتم إطلاق سراح الرهائن قبل الانتخابات، ريغان نفسه نفى هذه المزاعم. وفي يوم الانتخابات، وبعد عامٍ ويومين من بدء أزمة الرهائن، هُزم ريغان كارتر بأغلبية ساحقة. وفي 21 يناير 1981، بعد ساعاتٍ قليلةٍ من إلقاء رونالد ريغان خطاب تنصيبه، تم إطلاق سراح الرهائن، بعد أن قد مضى على أسرهم 444 يومًا.