كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء؟
“كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس”
كتاب واسع الانتشار للمؤلف الأميريكي ديل كارنيغي، وجدته نافعا جدا في إعطاء قواعد للتأثير في قناعات الناس وسلوكهم..ثم عندما اهتديت إلى حياة النبي صلى الله عليه وسلم وجدت هذه القواعد في صورة أجمل وأكمل
ولا عجب: “لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21”
وتلك أسوتك
صلى معاوية السلمي خلف النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يعلم بمنع مخاطبة الناس أثناء الصلاة،فعطس أحد المصلين فقال له السلمي: يرحمك الله. فنظر إليه بعض الصحابة مستغربين، فقال: “واثُكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟!” هذا كله في الصلاة.. فضربوا بأيديهم على أفخاذهم ليسكتوه فسكت. قال: فلما صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبِأبي هو وأمِّي! ما رأيتُ مُعَلِّمًا قبلَه ولا بعدَه أحسنَ تَعليمًا منه، فواللهِ! ما نهَرَني ولا ضرَبَني ولا شتَمَني. قال: إنَّ هذه الصلاةَ لا يَصلُحُ فيها شيءٌ من كلامِ الناسِ، إنما هو التسبيحُ والتكبيرُ وقراءةُ القرآنِ.
إخوتي سنستعرض بعضًا من أساليب النبوة للتأثير والنصيحة مع تطبيقات عملية وأمثلة حية بإذن الله..نحتاجها جميعا لنعيش بانسجام مع الناس وفي الوقت ذاته نؤثر فيهم تأثيرا إيجابيا..نحتاجها لنحقق ما أخرجنا الله من أجله
“كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ”
إن لم نقم بهذه المهمة فما النتيجة؟
قال نبينا صلى الله عليه وسلم: “والَّذي نَفسي بيدِهِ، لتأمُرُنَّ بالمعروفِ، ولتَنهونَّ عنِ المنكَرِ، أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكُم عذابًا من عندِهِ، ثمَّ لتدعُنَّهُ فلا يُستَجابُ لَكُم” (حسنه الألباني وغيره)
إن كنا نألم لجراحات المسلمين، ونريد للنزف أن يتوقف، إن كنا نخاف أن يأتي الدور علينا، إن كنا ندعو الله ولا يستجيب لنا
فها هو الحل: النصيحة والتأثير على الطريقة النبوية
ولدينا ثلاث مقدمات نفسية تستحضرها قبل أن تنصح الآخرين إن أردت أن تكون نصيحتك مؤثرة بالفعل
الأولى: الإخلاص
عندما نتكلم عن النصيحة على انفراد نقصد بها عادة ألا يقع المنصوح في الإحراج، لكن هناك فائدة أخرى: هي ألا تكون نصيحتك استعراضا لقدراتك أمام الآخرين.
هذا مهم عندما يأتيك أب بابنه ويقول لك:تكلم مع الولد! لا يسمع الكلام، لا يصلي، لا يدرس، أصحابه سيئون.
إذا نصحت الولد أمام أبيه فقد يحس بأنك لا تنصحه من أجله بل لإرضاء أبيه، يشعر أنك غير مخلص في نصيحتك، فيهز رأسه ليضحك عليكما وقد أغلق قلبه عن سماع ما تقول..
الأفضل من ذلك أن تقول للأب: اتركني أنا وأبو الشباب نلف لفة ونتحاور.. وسيخرج الكلام من قلبك حينها بالفعل، لا مجاملةً لأحد، وسيحس الولد بذلك.
المقدمة الثانية: إرادة الخير بمن تنصحه
لا أن تكون نصيحتك إسقاطا للواجب فحسب،في الحديث الصحيح أن قريشا قالت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : “ادْعُ لنا ربَّك أن يجعَلَ لنا الصَّفا ذهبًا ونُؤمِنُ بك” فقال النبي: “وتفعلون؟”. قالوا: نعم. فدعا، فأتاه جبريلُ فقال: “إنَّ ربَّك يقرأُ عليك السَّلامَ ويقولُ: إن شئتَ أصبح لهم (الصَّفا) ذهبًا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذَّبتُه عذابًا لا أُعذِّبُه أحدًا من العالمين، وإن شئتَ فتحتُ لهم بابَ التَّوبةِ والرَّحمةِ”
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل بابُ التَّوبةِ والرَّحمةِ
كان بإمكانه أن يقول: إن كفروا بعد ذلك فليُحسم الأمر وأسترح منهم، ولِمَ أحرص على هدايتهم بعدها؟
لكنها الرحمة رغم إيذائهم له عليه الصلاة والسلام.. هذا مع الكفار، فكيف مع المسلمين؟!
قال الله تعالى: “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم”
كم تكون نصيحتك مؤثرة بإذن الله عندما يحس أحدهم أنك حريص على نفعه في هذا العالم الذي طغت عليه الماديات
المقدمة النفسية الثالثة: الزهد بما في أيدي الناس
ذكر الله تعالى عن أنبيائه عليهم الصلاة والسلام أنهم كانوا يقولون لأقوامهم “وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ”
نعم، فهذا أدعى للقبول..وفي الحديث الذي حسنه النووي والألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“ازهد في الدنيا يحبك الله، و ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس”
لا تريد منهم مالا ولا أصواتا انتخابية ولا غيره.. ولذا فلا يحسن بمن يريد لنفسه أن يكون ناصحا مصلحا أن يسأل من يتعرف عليهم عن راتبهم أو ممتلكاتهم أو أيَّ سؤال يُشعر بأنه يحاول الاستفادة من تكوين علاقة معهم.فهذا يجعلهم يحسون بأنه يتخذ النصيحة مطية للتنفع منهم.
كانت هذه ثلاث مقدمات نفسية لكل ناصح أمين: الإخلاص، وإرادة الخير للناس بحرص، والزهد فيما في أيديهم
قبل أن نحتاج إلى نصيحة الناس لا بد أن نعودهم على أمور منا لتكون نصيحتنا مؤثرة حين نحتاج نصحهم، هذا إن أردنا أن تكون نصيحتنا بناءة تترك أثرا، لا حملا نلقيه عن أكتافنا.
الأمر الأول: تعويد الناس على البِشر والابتسامة، بحيث إن رأيت من أحدهم منكرا اكتفيتَ برفع الابتسامة عن الوجه فتصله الرسالة.
أسلوب نبيل هادئ يؤثر في النفوس الكريمة.
كان الصحابة يرصدون ملامح وجه النبي صلى الله عليه وسلم لأنها تعني لهم الكثير:
ففي وصفٍ: (وكان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه), وفي وصفٍ: (تبرق أسارير وجهه)، وفي وصف: (حتى رأيتُ وجهَ رسولِ اللهِ يتهلَّلُ كأنه مذهبةٌ)، وقال جرير عن النبي: (ولا رآني إلا تبسمَ في وجهي).
لذا فعندما كان نبينا صلى الله عليه وسلم يستاء من أمر، كانت الرسالة تصل من تغير الملامح:
(فتغير وجه رسول الله)، (فتمعر وجه رسول الله)، (فتلون وجه رسول الله).
في حادثة الإفك قالت عائشة رضي الله عنها:(وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله اللطف الذي أرى منه حين أشتكي). عودها على لطف خاص عندما تمرض، فعرفت أنه مستاء من عدم إظهار مثل هذا اللطف.
بينما الذي لا يعوِّد الناس على طلاقة الوجه، إذا احتاج أن يبدي استياءه من تصرف أو موقف فإنه يحتاج أن يتكلم بغضب أو يصيح.
قد تمر بزميل لك في الدراسة أو العمل تعود منك الترحيب والتبسم حين تراه، لكنه الآن مع فتاة من غير محارمه على هيئة لا ترضي الله. فإذا مررت بهدوء دون التبسم المنتظر فإنه سيعلم أنك تستنكر ما هو عليه، فيستحي ويتلافى مثل هذا الموقف.
المديح الصادق والاعتراف بالفضل
إخوتي الكرام لمن الأمور نحتاج أن نفعلها قبل أن ننصح الناس: المديح الصادق والاعتراف بالفضل.
فهذا كله يجعل أخاك يحرص على عدم تغير الانطباع الذي تحمله عنه، ويعلم أنك لا تتصيد جوانب النقص فيه.
انظر لقول النبي صلى اللهعليه وسلم لأشج عبد القيس: ((إنَّ فيكَ لَخَصْلَتينِ يحبُّهُما اللَّهُ: الحِلمُ والأناةُ)) (مسلم).
مديح صادق يعزز الخير في الناس دون أن يفتنهم.
وقال لعمر رضي الله عنه: ((والذي نفسي بيدِه، ما لقيك الشيطانُ قطُّ سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجِّك)) (البخاري).
يعزز في عمر القوة في الحق.
صحيح أن هذا غيب عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي، لكن لنا نحن أيضا أن نثني على الناس بما يظهر من صفات الخير.
قال سيد قطب رحمه الله في (أفراح الروح):
“عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفى أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة. إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين لأننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء. إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير وسنجد لهم مزايا طيبة نثنى عليها حين نثنى ونحن صادقون، ولن يعدم إنسان ناحية خيرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة.. ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب”
جميل أن تقول لأخيك وإن كان عنده أخطاء: (أحب فيك تبسمك)، (ترتفع معنوياتي حين أراك)، (يعجبني فيك إرهاف حسك، تواضعك، استغلالك لوقتك… وهكذا)، إن كان فيه هذه الصفة حقا، ودون مبالغة تقوده إلى الرياء والعجب.
أما الاعتراف بالفضل فقد عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اعترافه بالفضل للأنصار إذ قال لهم:
((أما واللَّهِ لو شئتُمْ لقلتُمْ ، فلَصَدقتُمْ وصُدِّقتُمْ: أتَيتَنا مُكَذَّبًا فصدَّقناكَ، ومَخذولًا فنصَرناكَ، وطريدًا فآويناكَ، وعائلًا فأغنَيناكَ)).
يعترف بالفضل وهو صاحب الفضل على أمته جمعاء صلى الله عليه وسلم. فكيف بنا نحن مع من لهم فضل علينا؟!
قد تحتاج لنصح أبيك أو أمك في منكر يفعلانه. ألا يحسن بك قبل ذلك أن تعترف لهم بالفضل فتفتح بذلك قلبهما ويعلمان إن نصحتهما أنها نصيحة ولد بار كريم النفس معترف بالجميل؟
إذن، فالثناء الصادق والاعتراف بالفضل: أسلوبان نبويان لمن أراد أن يكون ناصحا مصلحا.