كيف تحارب التشتت والإلهاء الرقمي؟

التنقل بين مواقع الإنترنت وتبويبات المتصفح الكثيرة المفتوحة على الإنترنت، زيادة على مواقع التواصل الاجتماعي وفيديوهات اليوتيوب والرد على الرسائل الإلكترونية، إنها سمة متصفحي الإنترنت، وزمن الإلهاء الرقمي.. وكأن العقل أصبح قردا يقفز من شجرة لشجرة وغير قادر أن يثبت على شجرة واحدة وقتا كافيا، خصوصا أن تَصفح مواقع الإنترنت يتم بطريقة سهلة عبر الهواتف الذكية التي لا تُفارق أصحابها حيثما حَلُّوا وارتحلوا، «تلك الهواتف الذكية: تم تصميمها بحيث تقوم بالمهام كافة التي يقوم بها أكثر من جهاز رقمي في السابق، ولكن عبر جهاز واحد فقط متنقل وخفيف الحجم، وسهل الاستخدام، ومُصَمَّم ليكون دوماً على اتصال بالإنترنت، فضلاً عن تطوير قدراتها على نقل البيانات من خلال تطوير شبكات الجيل الثاني والثالث والرابع، وصولاً إلى الخامس التي تتمتع بقدرات هائلة في سرعات نقل البيانات.

وتبدو أنظمة تشغيل هذه الهواتف مصممة أساساً للحصول على معلومات المستخدمين، حيث تكون الإعدادات التلقائية دائماً باتجاه التشارك والإتاحة إلا عند تعديلها من قبل المستخدم الذي قد لا يكون على معرفة أصلاً بذلك، وهي البيانات التي تستحوذ عليها الشركات المصنعة للهواتف وأنظمة التشغيل أو تستحوذ عليها التطبيقات التي يقوم بتحميلها المستخدم ويقوم بالتنازل طوعاً عن بياناته إليها من خلال موافقته على شروط الاستخدام، فضلاً عن تسلل برمجيات الدعاية والتجسس» 1.

إذن، للأسف التركيز في زمن الإنترنت أصبح صعبا جدا. وأنت ربما تقرأ هذا المقال وتفقد التركيز وتنتقل إلى مقال آخر أو موقع إلكتروني آخر، حيث إعلانات وترشيحات وتوصيات وتفضيلات المواقع الإلكترونية، التي تريد أن تخطف تركيزك إليها. من خلال فرق متخصصة لدراسة نفسية المُستهلك ومحاولة الاستحواذ على وقته وتركيزه لصالحهم..  نعم يتم تدريبنا وتربيتنا على التشتت والإدمان!

الهواتف في خدمة الإلهاء !

الهواتف في خدمة الإلهاء

إن «الهواتف الذكية تحتوي على مجموعة واسعة من المستشعرات القادرة على جمع كمية هائلة من المعلومات الخاصة بالمستخدم، وهي تميل بشكل مستمر لجمع معلومات المستخدمين لصالح الشركات المُصنعة لهذه الهواتف والشركات المهيمنة على أنظمة تشغيلها كشركة (Apple) لهواتفها الذكية (Iphones) من خلال نظام تشغيلها IOS، وشركة جوجل (Google) من خلال نظام تشغيل أندرويد (Android) الخاص بها؛ حيث تكون إعدادات هذه الهواتف موجهة تلقائيًّا إلى مشاركة وإتاحة البيانات ما لم يقم المستخدمُ بإعادة ضبطِها، بينما توجد تطبيقاتٌ لا تعمل على هذه الهواتف إلا بالموافقة على إتاحة بیانات المستخدِم ومشارکتِها، مما يضطر المستخدِمَ إلى الموافقة على الإتاحة حتى يستفيدَ من تشغيل التطبيق، كما زُوِّدَت هذه الهواتف بتقنية تحديد الموقع الجغرافي (GPS) التي تنقل باستمرار بياناتٍ عن الموقع الجغرافي الذي يتنقلُ إليه المستخدم، وتهدف الشركتان: (جوجل وآبل) من ذلك إلى بناء قاعدة بيانات عملاقة من الخرائط والمواقع؛ لاحتكار سوق الخدمات. وهذا يفسر ما يظهر لنا من إعلاناتٍ وترشيحاتٍ وتوصياتٍ على هذه المواقع عن أشياء ربَّما نحتاجُها بالفعل، ولكننا لم نقم بالبحث عنها، فما ذلك إلا خوارزميات مطوَّرَة بأنظمة الذكاء الاصطناعي المعتمدة على جمع البيانات الشخصيَّة للمســتخدم، وتحليلها لفهــم توجهاته وتفضيلاته؛ للاتجار والتربح بها»2. 

نعم إنه زمن الإلهاء الرقمي، أو الحمل الرقمي الزائد، حيث «أظهرت الدراسات أن الحمل الزائد الرقمي يمثل مشكلة كبيرة في مكان العمل اليوم. تجعل الإشعارات المستمرة وعوامل التشتيت من أجهزتنا من الصعب التركيز على المهام، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية والمشاركة. يتم قصفنا بالرسائل والتنبيهات، مما يجعل من المستحيل تقريبا البقاء على المسار الصحيح. يمكن أن يكون لهذه الحالة المستمرة من الإلهاء آثار سلبية على رفاهيتنا العامة وصحتنا العقلية.

إذن، ما هو الحمل الزائد الرقمي بالضبط؟ إنه الشعور الغامر بالاتصال المستمر والقصف بالمعلومات من رسائل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية الأخرى. أصبحت أجهزتنا وجودا دائما في حياتنا، وتتطلب انتباهنا وتجعل من الصعب قطع الاتصال. يمكن أن يؤدي هذا التعرض المستمر للمحفزات الرقمية إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة مستويات التوتر ونقص التركيز»3.

تلك الشركات المُصنعة للهواتف النقالة والحواسيب، والمصممة لمواقع التواصل الاجتماعي وما يشابهها تصطاد متصفحي الإنترنت عن طريق الإعلانات والترشيحات والتوصيات التي تبثها وتنشرها في مواقعها ليستهلك رواد الإنترنت أكبر وقت في تتبعها، والتسكع بين صفحاتها.

الإلهاء الرقمي ضد التركيز

كما تستخدم مواقع الإنترنت “آلية الجذب” ذاتية التطور. حيث يتم إغراق جوانب الإنترنت التي تفشل في جذب الانتباه بسرعة في بحر المعلومات الواردة، في حين يتم تسجيل الجوانب الناجحة للإعلانات، أو المقالات، أو التطبيقات، أو أي شيء ينجح في جذب انتباهنا (حتى بشكل سطحي) (من خلال النقرات والتمريرات)، ويتم ملاحظتها (من خلال المشاركات عبر الإنترنت)، ثم يتم نشرها وتوسيعها. إلى جانب ذلك، اتُّهِمت شركات التكنولوجيا الرائدة بالاستفادة عمدا من إمكانات الإدمان على الإنترنت، من خلال دراسة واختبار وتحسين الجوانب التي تجذب الانتباه في مواقعها الإلكترونية وتطبيقاتها لتعزيز مستويات عالية للغاية من المشاركة، دون الاهتمام الواجب برفاهية المستخدم4.

إذن، في ظل هذه المشتتات تمنع هواتفنا الذكية الموجودة دائما حولنا قدرتنا على الاستمرار في التركيز على مهمة ما. وأكثر عوامل التشتيت وضوحا هي: التنبيهات التي تأتي من الهاتف نفسه، مجرد سماع الصوت أو الشعور بالاهتزاز يوفر إلهاء كافيا للتدخل في مهمة ما، حتى لو لم تأخذ وقتا لعرض الرسالة، فبمجرد التفاعل مع الهاتف، مثل الرد على مكالمة، من السهل ترك انتباهك ينجرف إلى الأنشطة الأخرى المتعلقة بالهاتف، مثل الرد على البريد الإلكتروني. كما أن الرموز والألوان الزاهية والإيقاعات الجذابة تزيد من جاذبية هذه التطبيقات وتعزز قدرتها على جذب التركيز بعيدا عن المهام الأخرى.

يكون الجذب أقوى للأنشطة التي نقوم بها من أجل المتعة، مثل التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي أو لعب لعبة. فقد أظهرت الأبحاث أن إشارات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل “الإعجابات” على إحدى مشاركاتنا أو صور أصدقائنا وهم يضحكون، تؤدي إلى زيادة في الدوبامين، وهو الناقل العصبي المرتبط بالمتعة والمكافأة، مما قد يقلل من الدافع للانتباه إلى أي شيء آخر5.

إن التسكع بين صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بدون خطة للاستفادة منها، يجعل المتصفح أو المدمن مجرد آلة ملتصقة بالشاشة تحرق الطاقة بدون فائدة و«الأشخاص المدمنون لاستخدام أجهزتهم الإلكترونية “مسوخ الإنترنت” أنا أراهم يوميا، الأمر يبدو كأنهم لم يعودوا بشرا، وإنما أشبه بالآلات، ملتصقين بشاشاتهم، ليسوا حاضرين، ونصفهم أحياء» 6.

حتى طلبة العلم لم يسلموا من التشتت

كيف يتغلب طالب العلم على الإلهاء والتشتت؟

للأسف حتى طلبة العلم الذين يتصفحون مواقع الإنترنت والذين من المفترض أن يكون تَصفحهم مُنتجا، وقراءتهم مُثمرة، تجد كثيرا منهم يحرقون أوقاتهم في تَتَبُّع الماجريات، وتَلَقُّف المعارف العجفاء «وإن مما يُعزِّز هذه الصوارف المعرفية ويُذكي نارها: وسائل التواصل الحديثة بمختلف أشكالها، فهي تفرض على طالب العلم المُلابِس لها نمطا من المعارف المُلحِية التي تناسب الفضاء العام، فتستهلك وقته وجهده، حتى لا يكاد يُبصر من العلم إلا ما كان منه على وْزانها ومساحتها، فحتى لو جمع هَمَّه على العلم، فإنه يجمع همه على نوع من المعارف العجفاء التي لا تُنْقي»7 .

ويصف الشيخ إبراهيم السكران حالة التسلل الشبكي لطلبة العلم بدقة، حيث يقول:

«وأما الحالة الثالثة للتسلل الشبكي فهي حالة استفتاح العمل، أي البداءة أحيانا بالتصفح ثم الانتقال للمهام العلمية والعملية من البحث والقراءة، فإذا أخذ المرء مجلسه للعمل قال لنفسه سآخذ جولة سريعة على شبكات التواصل، ثم أنكب على البحث والقراءة والاستذكار وأركز في العمل، والواقع أنها فخ نفسي حيث تذهب زهرة المدة المخصصة للعمل بما فيها من صفاء ونشاط في التفرج والتصفح العشوائي، ثم يحاول التدارك كل مرة بعد أن لا يبقى لمهامّه إلا فتات الزمن ونُشارة الوقت»8.

وإذا بقي طالب العلم مُلابسا ومُلازما لتلك المواقع الإلكترونية فترة من الزمن، سيزيد حجم التشتت لديه، ويقل التركيز، وتضمر له القدرة الإبداعية «وكثرة العيش مع التغريدات الأفقية والمنشورات الشبكية؛ له أثر على طالب العلم، لأنها تجعل العقل مترهلًا، ولا يستجيب إلا لهذا النمط من العلم والفائدة، فتجده لا يقوى على النصوص الصعبة والكتب المتينة، لأن عقله تعود على نمط سهل ميسر خفيف، ولذا كان من الحزم أحيانًا كف النفس عن ذلك، قال الذهبي في المعجم المختص (305) في ترجمة أبي بكر البعلبكي: ودرس في الظاهرية، وأعرض عن أشياء من فضلات العلم. فما أحوجنا لكثير من هذا الإعراض، فإنه نوع من الوعي في التحصيل، وسبيل للمحافظة على اللياقة العلمية»9

لا تضيع عمرك في أشياء رخيصة وتافهة!

لذلك علينا أن نتخذ قرارا للتخلص من ذلك التشتت والفوضى والإدمان، لأن «الحياة أثمن بكثير من هذا الشتات والفوضى التي تطاردنا وتشغلنا بالتوافه، وتهبنا قضايا جديدة كل يوم، وتراهن على إخراجنا من جادة الطريق إلى حافته، ومن الجزء المشرق فيه، إلى مساحات الظلام» 10.

إن كثرة الملهيات من أدوات الترفيه، والتسلية، والتي انتشرت بكثرة في عصرنا، من مواد مرئية، ومسموعة، وألعاب مختلفة ومتنوعة؛ زيادة على إشعارات البريد الإلكتروني، والرسائل النصية عبر الهاتف النقال، من عوامل التشتيت الذهني.

وكلما زادت الأمور الملهية، أو التافهة التي تشد انتباهنا، زادت صعوبة اختيار ما يجب التركيز عليه؛ لذلك يجب أن يكون هدفنا الأول، والأهم هو إيجاد “حِمية التركيز” للحد من المُلهيات، والمشتتات التي نتعرض لها.

من وسائل الحِمية لمعالجة الإلهاء الرقمي

معالجة التشتت والإلهاء الرقمي

الإلهاء الرقمي أصبح قضية منتشرة في عالمنا الحديث؛ لأن «الاتصال المستمر والتصميم الجذاب للتقنيات الرقمية يجعل من الصعب التحرر من قبضتها. ومع ذلك ، من خلال التعرف على التأثير السلبي للإلهاء الرقمي وتنفيذ استراتيجيات لمكافحته ، يمكننا استعادة السيطرة على حياتنا وإعطاء الأولوية لرفاهيتنا. إن تحقيق التوازن بين فوائد التكنولوجيا والاستهلاك الواعي أمر ضروري للحفاظ على صحتنا وتحسين نوعية حياتنا بشكل عام»11.

  • الاستعانة بالله عز وجل: الاستعانة بالله هي من أهم أسباب النجاح؛ فإن كل الأمور معلقة بإرادة الله تعالى وتوفيقه؛ قال الله سبحانه {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر: 60] وأن يستحضر العبد أن كل وقت يقضيه سيكون إما له وإما عليه يوم القيامة، وأن يستحضر أن «إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة، فكيف بِغَمِّ العمر»12.

وكما قال الشاعر:

إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللَّهِ لِلْفَتَى *** فَأَوَّلُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتَهَادُهُ
  • التخطيط: دائمًا يكون التخطيط أساس النجاح -بعد توفيق الله عز وجل- في أي عمل تقوم به، وفي تركه يُعزى فشل كثير من الأعمال؛ كما يقال “من لم يخطط للنجاح فهو يخطط للفشل” لذلك وضع خطة يومية، وأسبوعية، وشهرية، مما يساعد على التركيز وعدم التشتت، ويساعد على ترتيب الأعمال، والأفكار؛ ويقلل الجهد، ويزيد من الإنتاجية، و«كلما كانت المهام مُرتبَّة، وواضحة في رأسك، كلما سهل عليك تنفيذها في وقت قياسي»13.
  • تحديد الأولويات: بأن ينظم الإنسان أولوياته في الأعمال؛ ليعلم ما الذي يبدأ به أولًا، وما الذي يؤجَّل؟ ويرتبها حسب أهميتها. 
  • وضح أهدافك وأولوياتك لكل يوم أو أسبوع لتركيز انتباهك بشكل أفضل على المهام الأكثر أهمية، وتجنب تشتيت انتباهك بأنشطة أقل أهمية14.
  • قَسِّم المهام الكبيرة إلى خطوات أصغر يمكن التحكم فيها لتسهيل معالجتها واحدة تلو الأخرى، فالمهمة الفردية: تتضمن التركيز على مهمة واحدة في كل مرة، بدلا من تعدد المهام. وهذا يمكن أن يعزز الإنتاجية وجودة العمل.

وكما يقول جاك كانفيلد: «عندما تركز معظم وقتك، وطاقتك على القيام بالأشياء التي تتفوق، وتتألق فيها حقا، فسوف تجني مكاسب ومميزات كبيرة آخر الأمر. هذه حقيقة أساسية، وهي ضرورية للغاية لنجاحك المستقبلي»15.

  • إيقاف تشغيل الإشعارات أو استخدام وضع عدم الإزعاج: تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي الإشعارات لزيادة مقدار الوقت الذي تقضيه على نظامها الأساسي. يُحدث صوت الإشعار اندفاعا للدوبامين، مما يجعلك ترغب في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بك باستمرار. لقد كنا جميعا في موقف ننظر فيه إلى هاتفنا للتحقق من إشعار وينتهي بنا الأمر بقضاء دقائق أو حتى ساعات في قضاء الوقت عليه. أسهل طريقة للتخلص من هذا الإلهاء، هي إيقاف تشغيل إشعاراتك16.
  • «تعيين حدود يومية: حدد مقدار الوقت الذي تريد إنفاقه على أجهزتك كل يوم، والتزم بهذه الحدود. استخدم التطبيقات أو الميزات المضمنة التي تتعقب وقت الشاشة وتقيده لمساعدتك على البقاء مسؤولا.
  • خذ فترات راحة من التكنولوجيا: ادمج فترات راحة منتظمة من التكنولوجيا في عاداتك اليومية.
  •  الانخراط في الأنشطة البدنية ، وقضاء بعض الوقت في الطبيعة، والتأمل، أو ممارسة الهوايات التي لا تنطوي على الشاشات. ستسمح هذه الاستراحات لعقلك بإعادة الشحن وإعادة التركيز.
  • إنشاء مناطق خالية من الأجهزة: حدد مناطق أو أوقات معينة في منزلك لا يسمح فيها بالأجهزة. على سبيل المثال، حافظ على غرفة نومك منطقة خالية من التكنولوجيا لتعزيز النوم والاسترخاء بشكل أفضل»17.

لذلك «إذا أردت أن تزيد من تركيزك وفعاليتك لمستوى لم تصل إليه من قبل، فاتخذ قرارا بوضع أولويات في حياتك، واحرص على إدارة القاعدة الانضباطية الخاصة بالأولويات يوميا»18

  • عدم التأجيل: إن تأجيل الأعمال، وتراكمها، يسبب التشتت وعدم التركيز، لذلك حل هذه المشكلة هو المبادرة لإنجاز الأعمال، بحيث يكون لديك مليون عذر تَحُول دون بدئك الآن، ولكن في أعماق قلبك لا يوجد واحد منها أقوى من رغبتك في التغيير، وتنمية ذاتك، ورغبتك في تحقيق النجاح.

قال ابن المقفع:

«إذا تراكمت عليك الأعمال فلا تلتمس الروح في مدافعتها بالروغان منها؛ فإنه لا راحة لك، إلاَّ في إصدارها، وإن الصبر عليها هو الذي يخففها عنك، والضجر هو الذي يراكمها عليك»19

وقد عقَد الخطيب البغدادي بابًا في كتابه (اقتضاء العلمِ العملَ) بعنوان: “باب ذم التسويف” وقد جاء فيه: «قِيلَ لرجلٍ من عبد القيس: أَوْصِ، فقال: احذروا (سوف)»20.

إن العادات الإيجابية المقترحة لمحاربة التشتت والإلهاء الرقمي لا يتم اكتسابها بين عشية وضحاها، بل تحتاج إلى مصابرة وتدرُّب وتمرُّن. فبناء أي عادة يحتاج إلى وقت، وعلماء النفس يحددون أحدًا وعشرين يومًا لبناء العادات. وطبعًا يعتمد ذلك على نوع العادة؛ فإذا كانت سهلة، يسيرة احتاج الأمر إلى أسبوعين أو ثلاثة، وقد تكون العادة معقدة ومركبة فقد يتطلب هذا عدة شهور؛ لأن طباع البشر مختلفة، والعادات نفسها مختلفة عن بعضها؛ فمنها ما يحتاج لقوة إرادة عالية، والبعض لا يحتاج. ومن الممكن أن يشعر بعض الأشخاص بالإحباط عندما يمر الوقت المحدد21.

ولسوء الحظ فإن كثيرا ينتهجون نهجا في منتهى السلبية تجاه حياتهم، إذ لا يبادرون في يومهم، وينتظرون الغد المأمول، الذي قد يأتي، أو لا يأتي؛ لذلك لا داعي للتسويف والمماطلة في البدء باكتساب العادات الإيجابية المُعينة على محاربة التشتت والإلهاء الرقمي.

اللهم اجعل يومنا خيرا من أمسنا، واجعل غدنا خيرا من يومنا، واجعل خيرنا في دنيانا وآخرتنا، واحشرنا في زمرة المتقين.

المراجع

  1. د. فاطمة الزهراء عبد الفتاح، ملامح الخصوصية والانكشاف في عصر التقنيات الذكية، مجلة دراسات المستقبل، العد 7، سبتمبر 2019، 09، ص1-33 ↩︎
  2. د. أحمد سعد علي البرعي،  تطبيقات الذكاء الاصطناعي والروبوت من منظور الفقه الإسلامي، مجلة الإفتاء المصرية، المجلد 14، العدد 48، يناير 2022، الصفحة 12-159 ↩︎
  3. Luca Neus: Breaking the Cycle of Digital Distraction: A Step-by-Step Guide, October 10, 2023, Retrieved 23 July 2024 from: https://www.browsewithintent.com/digital-distraction-guide/. ↩︎
  4. The “online brain”: how the Internet may be changing our cognition, Retrieved 22 July 2024 from: The “online brain”: how the Internet may be changing our cognition – PMC (nih.gov) ↩︎
  5. Staying focused in the era of digital distractions, , Retrieved 22 July 2024 from: https://www.health.harvard.edu/staying-healthy/staying-focused-in-the-era-of-digital-distractions ↩︎
  6. روبن شارما، نادي الخامسة صباحا، ص 81. ↩︎
  7. مشاري بن سعد بن عبد الله الشثري، ارتياض العلم، ص 77. ↩︎
  8.  إبراهيم السكران، الماجرَيات، دار الحضارة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية 1436هـ، ص 67. ↩︎
  9. قناة طلال الحسّان على التليجرام https://t.me/t_hssan/699 ↩︎
  10. د. مشعل الفلاحي، التركيز أكثر العادات أثرا في حياة الناجحين، دار القلم، الطبعة الأولى، 2019م.، ص 10. ↩︎
  11. Digital Distraction and Its Impact on Your Health, Retrieved 23 July 2024 from: https://www.massgeneral.org/news/article/digital-distraction-and-its-impact-on-your-health ↩︎
  12. ابن قيم الجوزية، كتاب الفوائد، ص 31. ↩︎
  13. فهد عامر الأحمدي: نظرية الفستق 1،  ص 212. ↩︎
  14. Anita Owusu: 5 Ways to Find Focus in the Age of Distractions, Retrieved 22 July 2024 from: https://www.psychologytoday.com/intl/blog/your-inner-world/202405/5-ways-to-find-focus-in-the-age-of-distractions.   ↩︎
  15. جاك كانفيلد، قوة التركيز، ص 43. ↩︎
  16. Austin Davis: How to maximize efficiency while minimizing digital distractions. April 5, 2023. Retrieved 22 July 2024 from: https://www.oslash.com/blog/minimizing-digital-distractions ↩︎
  17. Luca Neus: Breaking the Cycle of Digital Distraction: A Step-by-Step Guide, October 10, 2023, Retrieved 23 July 2024 from: https://www.browsewithintent.com/digital-distraction-guide/. ↩︎
  18. جون سي ماكسويل، لليوم أهميته، ص 78 ↩︎
  19. الأدب الصغير والأدب الكبير ص 152. ↩︎
  20. الخطيب البغدادي،  اقتضاء العلمِ العملَ، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي – بيروت
    الطبعة: الخامسة، 1404 هـ – 1984 م، ص 113. ↩︎
  21. انظر مقالنا على موقع تبيان بعنوان” قوة العادات.. كيف تصنع أفضل نموذج منك؟ https://tipyan.com/the-power-of-habits/ ↩︎

د. لحرش عبد السلام

أستاذ باحث، وكاتب ومُدوِّن مغربي، دكتوراه في الدراسات الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى