حمود بن عقلاء الشعيبي… الإمام الضرير والعالم النّحرير
إن موت العلماء الصادقين الأنقياء المتقين لهي من أعظم المصائب وأكبرها، فالعلماء هم ورثة الأنبياء الذين ورثوا العلم النافع فعملوا به ونشروه، وصبروا على الأذى فيه ولم يخونوه، هم النجوم يهتدى بهم لمعرفة طريق الحق والصواب، هم المصابيح يُذهبون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حلك الفتن والشبهات، بموتهم ينتشر الجهل والمنكر والفتن والضلالات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارا ولا درهما، ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» [رواه أبو داود].
وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما، اتخذ الناس رؤُوسًا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» [رواه مسلم]، وقال عليه الصلاة والسلام: «يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال القتل» [رواه مسلم]، قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: «هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه، ولكن معناه: أنه يموت حملته ويتخذ الناس جهالا يحكمون بجهالاتهم فيَضِلون ويُضِلون».
لئن مات العلماء فإن ذكرهم باق، فها هي تراجمهم تشهد لهم بالعلم والعمل والتقوى والهدى، تراجم عكف على كتابتها علماء آخرون أوصلوا لنا سير هؤلاء الأعلام لنقتدي بهم ونتشجع بمعرفة مسالكهم وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، أضف إلى ذلك أن نشر علمهم وذكر مواقفهم من برهم والوفاء بحقهم، يقول الشيخ عبد الرحمن الجفن: «فإن التسطير عن علمائنا ومشايخنا ودعاتنا وكتابة سيرهم وبعض مواقفهم من أقل صنوف برهم والوفاء بحقهم، خاصة ممن كان لهم الحظ الوافر فِي ضرب أعظم المواقف فِي نصرة الدين والذود عن حياضه والثبات على الحق»، وعليه نكتب لكم سيرة أحد الأئمة الأعلام في زماننا، إمام صادع بالحق لا يخشى في الله لومة لائم، إنه العلامة الإمام الهمام حمود بن عقلاء الشعيبي النجدي رحمه الله وقدس روحه.
مولد الإمام ونشأته
هو الإمام الهمام العالم الجليل والحبر البحر الفهامة مدفع التوحيد ودرع الإسلام أبو عبد الله حمود بن عبد الله بن عقلاء بن محمد بن علي بن عقلاء الشعيبي الخالدي من آل جناح من قبيلة بني خالد.
ولد الإمام عام 1346ه في بلدة الشقة ، قرية من القرى التابعة لمدينة بريدة السعودية، نشأ رحمه الله في أسرة فقيرة محافظة من أهل الدين والكرم، وعندما بلغ السادسة تقريبا دخل مدرسة القرية، مدرسة تدرس القرآن والكتابة والحساب، أصيب الإمام رحمه الله أثناء دراسته بمرض الجدري ففقد بصره في السابعة، لم يشعر بالنقص ولم يحبطه ذلك، بل عاد إلى المدرسة وحفظ القرآن وضبط التجويد عندما بلغ الخامسة عشر بمساعدة والده رحمه الله الذي كان حريصا على أن يكون ابنه من طلبة العلم، يقول الإمام رحمه الله: «وقد حفظت القرآن وعمري ثلاثة عشر عاما وذلك عام 1359هـ، ولكن ضبطت الحفظ والتجويد عندما بلغت الخامسة عشر من عمري وكان ذلك عام 1361هـ، وكان لوالدي جهد كبير في تنشأتي وتعليمي فكان رحمه الله يحرص على أن أكون من طلبة العلم». بعد حفظ القرآن عمل الإمام مع والده في الحقل بما يقدر عليه وقد كان يشارك في تلقيح النخل وإصلاح المزرعة قدر المستطاع.
طلبه للعلم
لما بلغ الإمام العشرين انتقل رحمه الله إلى الرياض لطلب العلم على يد العلماء بعد إشارة والده رحمه الله، وهناك في الرياض درس على يد كبار العلماء ولازمهم، طلب العلم على العلامة عبد اللطيف بن إبراهيم آل شيخ رحمه الله درس عليه الآجرومية والأصول الثلاثة، والرّحبية في الفرائض والقواعد الأربعة حتى أكملها فهما وحفظا، وطلب العلم على الإمام محمد بن إبراهيم آل شيخ رحمه الله عالم معروف صادع بالحق لم يغير ولم يبدل منهج الإمام الأواب محمد بن عبد الوهاب وهو أخ العلامة عبد اللطيف، قرأ عليه ألفية ابن مالك في النحو، وكشف الشبهات وكتاب التوحيد والعقيدة الواسطية في العقيدة، وزاد المستقنع في الفقه، والأربعون النووية في الحديث….، وطلب العلم عند العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، درس عليه سلم الأخضري في المنطق وروظة الناظر في الأصول.
في عام 1371هـ التحق الإمام رحمه الله بالمعهد العلمي وبعد ذلك بالكلية، حيث درس أيضًا على كبار العلماء فيها حتى تخرجه، منهم العلامة ابن باز والشيخ عبد الرحمن الأفريقي، والشيخ عبد العزيز الرشيد رحم الله الجميع.
أهم وظائفه
بعد تخرج الإمام من الكلية تولى عدة مناصب أهمها التدريس، فقد شغف بالتدريس وبرع فيه وأمضى فيه حياته رحمه الله، وهذه قائمة تبرز أهم وظائفه:
- تولى الإمامة والخطابة في جامع الشميسي في الرياض في عام 1369ه إلى 1373ه.
- عين قاضيا في واد الدواسر عام 1376ه.
- عين مدرسا في معهد الرياض العلمي لمدة سنة عام 1377ه.
- انتقل إلى التدريس بكلية الشريعة بالرياض من عام 1378ه إلى 1400ه، وعمل فيها أستاذ مشارك في كلية أصول الدين: قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة.
- كلفه مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله للفتوى والوعظ والتدريس والإرشاد فِي الحرم المكي أيام مواسم الحج والعمرة كل عام من سنة 1380ه إلى سنة 1385ه وكان خلالها يدرّس فِي المسجد الحرام ويحاضر فِي مساجد مكة .
- اشتغل فِي المحاماة وأخذ شهادة المحاماة (الرخصة) فِي عام 1405ه.
- بعد تقاعد الإمام توجه نحو التدريس في مسجده، فجاءه العلماء وطلبة العلم من كل مكان للدراسة عنده والاستفادة من علمه حتى مات رحمه الله وغفر له.
تلاميذه ومشاركته في تقويم بعد المدرسين
للإمام حمود رحمه الله الكثير من التلاميذ وطلبة العلم الذين درسوا عليه نذكر منهم:
- الشيخ العلامة المحدث الحافظ البارع سليمان بن ناصر العلوان.
- الشيخ العالم علي خضير الخضير.
- الشيخ العالم ناصر بن حمد الفهد.
- الشيخ العالم أحمد بن حمود الخالدي.
- الشيخ العالم محمد بن صالح العثيمين.
- الدكتور صالح بن فوزان الفوزان.
- الدكتور صالح بن محمد اللحيدان.
- مفتي المملكة العربية السعودية عبد العزيز آل شيخ.
كما شارك الإمام في تقويم أعمال بعض المدرسين لترقيتهم
- الشيخ العالم محمد بن صالح العثيمين.
- الشيخ عبد القادر شيبة الحمد.
- محمد أمان الجامي.
- ربيع بن هادي المدخلي.
مؤلفاته
للشيخ عدد كبير من المؤلفات من كتب ورسائل وفتاوى، كلها مهمة نافعة ولله الحمد، نكتفي بذكر:
- كتاب شرح العقيدة الطحاوية.
- كتاب الإمامة العظمى.
- كتاب البراهين المتظاهرة في حتمية الإيمان بالله والدار الآخرة.
- كتاب القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار.
- كتاب شرح شروط لا إله إلا الله.
- كتاب عقيدة أهل السنة والجماعة.
- كتاب تسهيل الوصول إلى فهم علم الأصول (بمشاركة الشيخ عبد المحسن العباد والشيخ عطية محمد سالم)
- رسالة الرد على افتراءات العنبري.
- رسالة في تعريف الإرهاب وحقيقته.
- رسالة في حكم الخلاف في أصول الإيمان.
- رسالة في مشروعية قنوت النوازل.
- فتوى في التحاكم إلى القوانين الوضعية.
- فتوى في حكم من سب الله ورسوله والاستهزاء بالدين.
أخلاقه وعبادته
كان الإمام رحمه الله قمة في الأخلاق، صبورا حليما، رحيما بالمؤمنين عامة وبالعلماء وطلبة العلم خاصة، شديدا على الكفار، شجاعا آمرًا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا يخشى في الله لومة لائم، له هيبة عجيبة ووقار، كان غصة في حلوق أهل البدع والأهواء خاصة المرجئة وغلاة الجرح والتعديل وقد سئل عن رأيه فيهم لما سجن فصدع بالحق ولم يسكت وبين شرهم وسوء منهجهم، كان كثير التفقد لأحوال المسلمين، يحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم كثير النصح والدعاء لهم من أي منطقة كانوا في هذه الدنيا.
يقول الأخ محمد بن إبراهيم الصمعاني: «ولعل من أبرز ما يتلهف إلى سماعه هو الحديث عن مواقف الشيخ وصدقه وإخلاصه، فقد كان الشيخ نحسبه والله حسبنا وحسيبه أنه كان صادقا فِي تعامله مع الآخرين محبا الخير للمؤمنين مبغضا للكفر والكافرين حربا على من حارب الدين سلما للإسلام والمسلمين، كان رحمه الله عطوفا على فقراء المسلمين فطالما أتى الفقراء إليه عندما نكون فِي الدرس تأتي الأم مع أولادها وتشكو للشيخ سوء حالها فيسأل الشيخ عن عددهم فيعطي الأم والأولاد ما كتب الله أن يعطيهم فلا أذكر يوما أنه رد أحدا من المحتاجين مع كثرتهم وإلحاحهم، فكنت أقول فِي نفسي لو كانت هذه النفقات فِي غير وجوه الخير لنفد ما عند الشيخ، وهذا ما أطلعني الله عليه فماذا عمّا لم أعلم عنه أسأل الله أن يكون ذلك سياجا له عن النار ملحقا إياه فِي الفردوس مع الأبرار، أما من جانب صبره وتجلده فقد كان جبلا فِي الصبر».
يقول الداعية خباب الحمد في تواضع الإمام رحمه الله: «ومن مظاهر تواضعه العجيب الذي انبهرت منه، أنَّني كنت أقرأ عليه فِي مزرعته كتاب: (تجريد التوحيد المفيد) للإمام المقريزي رحمه الله، وكنا بصيف شديد الحرارة جداً، حتَّى أنني وقت قراءتي عليه كنت آخذ معي مروحة من قش أُرَوِحُ بها عنه؛ لكي يتحرك الهواء من شدَّة الحر، وحينما كنت أقرأ عليه – وكان ضريراً – قام من مجلسه وذهب ما يقارب أربعة أمتار فقلت له شيخنا… أحسن الله إليك… هل من خدمة أقدمها إليك؟
فقال لي باللهجة النجدية: (خلك جالس)…. ثم قام فشرب ماء وأتى لي بكأس ماء بارد وقال لي اشرب فالجو حار… قام الرجل وهو أعمى وشرب ماء ولم يطلب مني أن آتي له بالماء ثمَّ أتى لي بكأس ماء فما أجمله وأجمل تواضعه؛ قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه وصبَّ عليه من شآبيب برِه».
يقول الشيخ عبد الرحمن الجفن: «كان الشيخ رحمه الله تعالى صاحب عبادة وصلاة، فكان رحمه الله يقوم من الليل ما يسّره الله له…. وقد كان ينهي مراجعته للقرآن خلال أسبوع واحد ، ولم يمنعه عن ورده اليومي منه كثرة مشاغله وتدريسه لطلابه ومتابعته لقضايا المسلمين، وكان يقرأ ورده منه قبل صلاة الفجر فإذا غلبه النوم عن ذلك قرأه بعد الصلاة كما حدثنا بذلك، بل قال لنا رحمه الله : لما كنت فِي السجن ختمت القرآن أربعين مرة، وكان رحمه الله سجن قريبا من أربعين يوما».
بعض مواقفه
نصرته لإخوانه العلماء
كان الإمام رحمه الله درع العلماء الصادقين الذين تعرضوا إلى الهجمات المتتالية من العلمانيين والليبراليين ومن علماء السوء بالطعن والشتم والغيبة، ومثال ذلك رحمه الله نصرته للإمام المحدث سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله لما أن تعرض لهجمة شرسة من المرجئة الجهمية الحساد الحقاد، رموه بمذهب الخوارج المارقة والغلو في التكفير وهو بريء من كل ذلك، كتب الإمام رسالة إلى الإمام ابن باز رحمه الله يطلب منه مناصرة الإمام سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله وثبته.
جاء في الرسالة
«….سماحة الشيخ… أيليق برجل من أهل العلم والفضل من أمثال الشيخ/ سليمان أن يُترَك لقمةً سائغة لهؤلاء الحاقدين المغرضين الذين ليس لهم إلا تتبع العلماء والإطاحة بهم والنيل من أعراضهم؟!! إن خطر هؤلاء على العلماء والدعاة كبير إذا تُركوا وما شاءوا.
سماحة الشيخ… إنني لا أريد فِي هذا الخطاب الدفاع عن الشيخ/ سليمان فقط، ولكن دفاعًا عن العلم والعلماء، لأن أمثال هؤلاء إن سُكِت عنهم تجرءوا على ما هو أشد وأكبر من ذلك، ويتجرءون على غيره من العلماء والدعاة، وأرجوا من سماحتكم رَدْع هؤلاء وذلك بما يلي:
أولا: يردُّ اعتبار الشيخ/ سليمان، لأن الذي جرأ هؤلاء على الكتابة على شكل مؤلف بلا شك أنهم يتحدثون به ويشتهرون بذلك فِي كل مجلس.
ثانيا: محاكمة هؤلاء على ما قاموا به من الكذب والتزوير، فلا يخفى على سماحتكم خطر التزوير فِي أمور الدنيا ولو على الفسّاق فكيف بالعلماء.
ثالثا: رمْي هؤلاء الشيخَ بالكذب واتهامه بالتكفير من أخطر الأشياء وأعظم الأمور، وقد ثبت في مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه) فهل حُقق مع هؤلاء ونوقِشوا وطُلِب منهم إثبات الحقائق على ذلك وما مقصدهم من ذلك وإلى أي شيء يهدفون.
رابعا: أرجو من سماحتكم أن تتكرموا بكتابة تزكيةٍ خَطِية للشيخ/ سليمان وتسلية له لما يعانيه من أذى هؤلاء إحقاقًا للحق وإبطالاً للباطل ورد اعتبار للشيخ….».
وبالفعل بعد مرور شهر أرسل الإمام ابن باز للإمام العلوان رسالة جاء فيها:
«….فقد اطلعت على بعض مؤلفاتكم وقرأت بعض ما كتبتم في الرد على ابن الجوزي والسقاف فسررت بذلك كثيرا، وحمدت الله سبحانه على ما وفقكم له من فقه في الدين، والتمسك بالعقيدة السلفية وتدريسها للطلبة والرد على من خالفها، فجزاكم الله خيرا وضاعف مثوبتكم وزادكم من العلم والهدى…..».
موقفه من تحكيم القوانين الوضعية
كان موقف الإمام رحمه الله واضحا وضوح الشمس للناظرين لا تحوير فيه ولا تزوير، فقد أعلنه الإمام رحمه الله بصراحة بينة، في وقت ظهرت فيه التأويلات الباردة والتزييفات البائدة، قال الإمام رحمه الله:
فالحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله تعالى فهو كافر بالله تعالى خارج عن شريعته، ولو لم يكن راضٍ بها، لما حكم بها فإن الواقع يكذبه
فالكثير من الحكام لديه الصلاحيات فِي تأجيل الحكم، وتغيير الدستور، والحذف وغيرها. وإن تنازلنا وقلنا أنهم لم يضعوها ويشرعوها لشعوبهم فمن الذي ألزم الرعية بالعمل بها، ومعاقبة من خالفها، وما حالهم وحال التتار الذين نقل ابن تيمية وابن كثير -رحمهما الله- الإجماع على كفرهم ببعيد، فإن التتار لم يضعوا ولم يشرعوا [الياسق]، بل الذي وضعه أحد حكامهم الأوائل ويسمى جنكيز خان، فصورة هؤلاء كحال أولئك» وقال: «وما ذكرته من نصوص وأقوال للعلماء كاف فِي بيان أن تحكيم القوانين الوضعية كفر، وأن المحكم لها كافر بالله العظيم ، ولو نقلت ما قاله علماء الأمة وأئمتها فِي هذا الباب لطال الكلام».
نصرته للجهاد والمجاهدين
كان كلام الإمام دائما ما يتضمن الحديث عن الجهاد وأهميته وفوائده، يقول الإمام رحمه الله: «فإن من له أدنىَ إلمام ومعرفة بتاريخ الدول والحكومات لا يبقى لديه شك مطلقاً فِي أن الجهاد بأنواعه من أعظم الوسائل بل هو أعظم الوسائل مع الإيمان بالله والتوكل عليه لحماية الأمة المسلمة ومقدساتها من تطاول الأعداء عليها وطمعهم فِي خيراتها، فإن العدو إذا عرف مدى استعداد المسلمين وعرف ما هم عليه من القوة القتالية والتدريب والتأهيل فإنه يحسب لمهاجمة بلاد المسلمين ألف حساب».
ويقول رحمه الله: «الجهاد ركن من أركان الإسلام وأصل من أصوله، لا يستقيم الدين ولا يأمن المسلمون من كيد أعدائهم إلا بإقامته ، وما استولى المسلمون على مشارق الأرض ومغاربها فِي عصر مضى إلا بالجهاد ، علما أن الجهاد من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم».
وقال: «فإذا عرفت هذه النصوص التي قدمناها من حثه سبحانه وتعالى على الجهاد وترغيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيه وكان ما يلاقيه إخواننا فِي تلك البلاد من قتل وتشريد وهتك للأعراض ونكبات وإذلال لهم غير خاف عليك، أدركت أن واجب المسلمين حكاما وحكومات وشعوبا هو شد أزر أولئك المجاهدين ونصرتهم وإعانتهم ورفع الضر عنهم بكل ما أوتوا من قوة، وإذا تخلى المسلمون عن نصرة إخوانهم المجاهدين فسيضطر المجاهدون إلى طلب العون من أعدائهم كالهيئات الدولية الكافرة والبعثات التنصيرية الحاقدة كالصليب الأحمر وغيره».
موته
نزل خبر موت الإمام حمود بن عقلاء الشعيبي رحمه الله كالصاعقة على رؤوس المسلمين واستقبلوا ذلك بالصبر والرضا بقدر الله عز وجل وقضائه، فإن كل نفس ذائقة الموت. لقد مات الدرع وفقد الوالد العزيز، وكان ذلك عام 1422ه، وقد حضر جنازته آلاف المسلمين، جاؤوا من شتى أنحاء العالم الإسلامي من علماء وطلبة علم وعوام المسلمين، كانت جنازة مهيبة ملأها الألم وتلألأت عيون المسلمين بدموع انهمرت لفقدهم هذا العالم الإمام النادر.
لم يستطع أعداء الإمام من أهل البدع والأهواء أن يظهروا عداوتهم له ولا أن يواجهوه وهو حي، لقوة علمه وغلبة هيبته رحمه الله، فلما مات تحرك الجبناء وأعداء العلماء وأرادوا الطعن فيه والنيل منه، فتصدى لهم العلماء وطلبة الشيخ رحمه الله برا بوالدهم الإمام، ودافعوا عنه ونصروه ميتا كما نصر الإسلام حيا، فنصره الله رب العالمين.
ذاك الإمامُ حمودُ لهفي لهفة * * * لفراق داهيةٍ من الأطوادِ
علمٌ هوى فاهتزّ قلبي هزة * * * وأصابني سهمٌ فشق فؤادي
يا ويح قلبي كم تكابد أمةٌ * * * قرحى العيونِ جريحة الأكبادِ
اللهُ يشهد أنني لفراقهِ * * * في كربةٍ عظمى وسقمٍ بادي
شيخٌ كفيفٌ غيرَ أن فؤادَهُ * * * نبعٌ يجودُ لكل قلبٍ صادي
المصادر
- كتاب جامع آثار الشيخ العلامة حمود بن عقلاء الشعيبي رحمه الله تعالى جمع وترتيب عبد الله آل حمدان. (الكتاب إلكتروني متوفر في الشبكة العنكبوتية بصيغة (pdf
- موقع الإمام حمود بن عقلاء الشعيبي