واشنطن بوست: 5 خرافات حول الحركات الاحتجاجية
من يخبركَ بأن الحركات الاحتجاجية تتطلب حتما قيادات تتمتع بالكاريزما وإلا فإن مصيرها البوار؛ اجعله يقرأ هذا المقال الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست، ضمن سلسلةٍ تتناول الخرافات التي يظن الناس أنها حقائق.
وكاتبا المقال يعرفان ما يتحدثان عنه، فأحدهما ماريا ستيفن، خبيرة في مجال المقاومة المدنية والحركات، والآخر هو آدم جالاجير، مدير تحرير معهد السلام الأمريكي، وهما يسلطان الضوء في السطور التالية على خمس خرافات تتعلق بطبيعة الحركات الشعبية التي اندلعت مؤخرًا، ويخلصان إلى أن الاحتجاجات لا تحتاج بالضرورة إلى قادة مؤثرين.
استهل الكاتبان مقالهما بالقول: «شهد هذا العام احتجاجات في شتى أرجاء المعمورة، حيث يرزح المواطنون تحت نير ما يعتبرونه استبدادًا تكبلهم به حكوماتهم. من العراق إلى زمبابوي، ومن هونج كونج إلى تشيلي، عمل المتظاهرون على جعل أصواتهم مسموعة حتى في الأماكن التي تخضع لمراقبة واسعة وأنظمة شرسة. لكن إلى جانب هذه الحركات، ثمة مفاهيم مغلوطة تلقي بظلالها على كيفية عملها، وتشوه فهمنا لأهدافها وأساليبها ونتائجها».
الخرافة الأولى: مواقع التواصل جعلت الحركات الشعبية أكثر فعالية
طبقًا للنظرية التي سادت خلال الانتفاضات العربية في عام 2011، ساعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحركات الشعبية. «ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حصل نشطاء الربيع العربي ليس فقط على القوة للإطاحة بالحكم الديكتاتوري القوي، بل ساعدت أيضًا المدنيين العرب في أن يصبحوا على دراية بالمجتمعات السرية الموجودة على الساحة»، بحسب مقال نشره موقع MIC عام 2012.
واستشهد الكاتبان بمقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال عن المظاهرات التي شهدتها السودان هذا العام ضد عمر حسن البشير، وجاء فيه أن «الناشطين الذين عجَّلت احتجاجاتهم في الشوارع خلع الجيش للرئيس الذي حكم السودان لفترة طويلة اعتمدوا على مواقع التواصل».
وفي هذا العام، قطعت الحكومة الإيرانية الإنترنت؛ ردًا على الاحتجاجات العارمة – بعد إبطائه بشكل كبير أثناء أحداث مشابهة في عامي 2009 و2011- وقال المحتجون إن هذا الأمر أضرَّ بقدرتهم على التنظيم.
واستشهد الكاتبان باستطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2018، خلص إلى أن 67% من الأمريكيين يرون أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت أداة مهمة «لخلق حركات مستدامة للتغيير الاجتماعي».
لكن على الرغم من أن فيسبوك وتويتر وإنستجرام جعلوا الاحتجاج أكثر سهولة والحشد أكثر سرعة، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تساعد بالضرورة الناشطين في بناء تنظيمات راسخة أو تعزيز التخطيط طويل المدى.
ويلفت الكاتبان إلى أن هذه الهياكل كانت ضرورية لمساعدة حركة «التضامن البولندية» على تحمل الأحكام العرفية في مطلع الثمانينيات، وفي الآونة الأخيرة، ساعد التنظيم الشعبي الحركة الشعبية السودانية على الصمود في مواجهة الحملات العنيفة التي شنتها قوات حكومية ومجموعات شبه عسكرية. أما الحركات التي تفتقد هذه السمات فتكون عرضة للخطر.
الخرافة الثانية: المقاومة غير العنيفة عديمة الجدوى ضد بعض الخصوم
جادلت مجلة «إيكونومست» عام 2010 بأن مهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج جونيور كانا مخطئين عندما شددا على اللاعنف؛ لأن «الاحتجاج العنيف أكثر فعالية في الواقع ». واستشهد الكاتبان بمقال نشرته صحيفة «The Chronicle of Higher Education» (صحيفة تقدم الأخبار والمعلومات والوظائف لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات) عام 2013 للمؤرخ الأمريكي بنجامين جينسبيرج قال فيه إن «هؤلاء الذين يستعدون لاستخدام العنف لتحقيق أهدافهم سيتغلبون بشكل عام على خصومهم الأقل عدوانية». وأشار إلى أن ما أطاح بمعمر القذافي في ليبيا لم تكن الاحتجاجات السلمية بل التمرد المسلَّح المدعوم من غارات الناتو الجوية. بل تساءلت صحيفة «ذي أتلانتيك» عما إن كانت الحركة الاحتجاجية يمكن أن تكون «مفرطة في الاعتماد على اللاعنف».
لكن عندما شارك أحد كاتبي المقال في إجراء دراسة عام 2011، فحصت قرابة 330 حملة كبيرة عنيفة ولاعنيفة، استهدفت الأنظمة القائمة والاحتلال العسكري الأجنبي، خلصت إلى أن الجهود اللاعنيفة بلغت أضعاف غيرها في احتمالية تحقيق أهدافها، إذ نجحت الأغلبية ضد الحكومات الاستبدادية، حتى عند احتمالية أن تكون للاحتجاجات السلمية عواقب وخيمة.
والإطاحة بأوجستو بينوشيه في تشيلي وفرديناند ماركوس في الفلبين وزين العابدين بن علي في تونس ويحيى جامع في جامبيا والبشير في السودان وعبد العزيز بوتفليقة في الجزائر ليست سوى بضعة نماذج للحالات التي جرَّدت فيها القوة اللاعنيفة الجماعية الطغاة من سلطتهم.
ويناقش العلماء ما إذا كان العنف يضرّ بالحركات غير العنيفة أم يساعدها. وفي حين يزعم البعض أن لجوء المدنيين غير المسلَّحين إلى العنف المحدود (مثل أعمال الشغب أو رشق الحجارة) ربما يكون مفيدًا، يرى آخرون أن الاستعانة بهذه التكتيكات يؤدي إلى خفض معدّلات المشاركة ويزيد من خطورة التصعيد العنيف من النظام، الأمر الذي يسفر في بعض الأحيان عن عواقب وخيمة على الحركة.
الخرافة الثالثة: الحركات اللاعنيفة تتطلب قادة يتمتعون بالكاريزما
واستدرك الكاتبان: «غالبًا ما تكون الحركات الاحتجاجية مقترنة بالقادة الملهمين مثل كينج أو غاندي أو ليخ فاونسا في بولندا. وبالنظر إلى تطور احتجاجات هونج كونج، زعم جميل أندرليني، محر شؤون آسيا في صحيفة «فاينانشال تايمز» أن «هذه الحركة التي لا يوجد على رأسها قائد تحتاج إلى البحث عن قائد» قبل أن ينزلق الوضع في دوامة عنف متزايد.
وأشار مقال نشرته صحيفة «ذي أتلانتيك» الشهر الماضي إلى أن «الافتقار إلى وجود زعماء ربما يزيد من حدة التوترات والعنف عندما لا يكون لدى المحتجين من يقدم لهم توجيهات بشأن كيفية مواجهة السلطات».
لكنَّ حركات اليوم، تعتمد بشكل كبير على المقاومة التي لا قائد لها، أو، ربما بشكل أدقَّ، على هيكل منتشر لديه عدد من القادة الذين ينظمون الحراك من خلال جيوب أصغر. ويُعد نهج ناشطي هونج كونج اللامركزي في الاحتجاج نتيجة مباشرة لـ «حركة المظلات» لعام 2014، التي زُجَّ بكبار قيادتها في السجون.
يستشهد الكاتبان بـ تحالف الوحدة الاجتماعية، الذي يضم قاعدة عريضة من العمال وحقوق الإنسان والطلاب والمجموعات البيئية والنسائية، وكيف قاد الاحتجاجات في تشيلي. وبعد مرور أربعة أيام على اندلاع تلك المظاهرات، أعلن الرئيس التشيلي سبستيان بنييرا مجموعة من التدابير الاقتصادية التي تهدف إلى استرضاء الحركة، على الرغم من استمرار الاحتجاجات. وعلى النهج ذاته، سيكون من الصعب التعرف على أي زعيم مؤثر في الانتفاضتين الشعبيتين في السودان والجزائر.
الخرافة الرابعة: الحركات الشعبية تقتصر على مظاهرات الشوارع
لفت الكاتبان إلى أن استطلاعًا للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2017 وجد أن قرابة نصف الأمريكيين يعتقدون أن الاحتجاجات وحدها يمكنها زيادة الجهود الحكومية في التصدي لتغير المناخ.
وألمح كاي ثالر في مقاله بصحيفة «فورين بوليسي» إلى أن احتجاجات الشوارع هي الوصفة المثالية للنضال الشعبي. في الواقع، على الرغم من تصاعد المقاومة اللاعنيفة هذا العام، إلا أن تغطية الحركات الشعبية في 2019 ركزت تركيزًا كاملًا تقريبًا على احتجاجات الشوارع، متجاهلة الطرق الأخرى التي حفَّزت التغيير.
لكن احتجاجات الشوارع ليست إلا أسلوبًا واحدا من مجموعة تكتيكات لاعنيفة يمكنها أن تحقق نتائج سياسية. وهناك أنواع أخرى من المقاومة لا تقل تأثيرًا مثل المقاطعات والاضرابات. إذ نجح إضراب نسائي في عام 2003 في إنهاء الحرب الأهلية الثانية في ليبريا. وفي تركيا خلال التسعينيات، أضاء 30 مليون مواطن الأنوار وأطفأوها ليلًا لتركيز الاهتمام الوطني على الفساد، في جزء من حملة أسفرت عن إجراء تحقيقات قضائية ومحاكمات، وتُوِّجَت بإدانة سياسيين وأعضاء جماعات الجريمة المنظَّمة.
ومهَّدت مقاطعة حافلات مونتجومري في ولاية ألاباما الطريق لنزع الشرعية عن قوانين جيم كرو، مثلما مهدت المقاطعة في جنوب إفريقيا الطريق أمام تفكيك سياسة الفصل العنصري. وفي السودان، مهّد إضراب العمال في جميع أنحاء البلاد وتنظيم حملة للبقاء في البيوت الطريق للإطاحة بالبشير.
الخرافة الخامسة: المحتجون يناضلون من أجل أهداف تقدُّمية
أضاف الكاتبان أنه غالبًا ما يصوِّر الناس المتظاهرين، على خلاف التوقعات، على أنهم يواجهون أنظمة ديكتاتورية وقوات أمن، كما في الفلبين وتونس ومصر. وتغطي أشهر روايات المقاومة اللاعنيفة، مثل الفيلم الوثائقي «A Force More Powerful» للكاتبين بيتر أكرمان وجاك دوفال، فقط حركات القرن العشرين التي تتمتع بأهداف تقدمية أو ديمقراطية.
وتزعم سلسلة «التقدمية في الحياة الأمريكية» الصادرة عن «مركز التقدم الأمريكي» أن «الحركات الاجتماعية لطالما دافعت عن قضايا أخلاقية وسياسية تتعلق بالمساواة بين الجنسين والمساواة العنصرية والطبقية.
واختتم الكاتبان مقالهما بالقول: «لكنَّ النشطاء في مجال العدالة الاجتماعية ليسوا هم الوحيدين الذين اكتشفوا هذه التكتيكات؛ فحتى الأهلانيون nativists (نهج يقوم على حماية مصالح أهل البلاد الأصليين وتقديمها على مصالح المهاجرين) والشوفينيون (المتعصبون لجنسهم) والعنصريون وغيرهم ممن يحملون أجندات إقصائية يمكنهم أيضًا استخدام العصيان المدني لتحقيق مآربهم على النحو ذاته.
ومسيرة الاستقلال السنوية في بولندا، على سبيل المثال، اجتذبت مؤخرًا وجودًا نشطًا لليمين المتطرف، إذ تبنى المحتجون آراء معادية للإسلام ومعادية للاتحاد الأوروبي. أيضًا احتج العديد من المعارضين للحركة المطالبة بحق تصويت النساء في الولايات المتحدة على توسيع حقوقهم الخاصة عن طريق استخدام التكتيكات اللاعنيفة، على نحو ما فعل المدافعون عن حق التصويت suffragist.
ومن الممارسات المألوفة لدى الحكام المستبدين: دعم التجمعات والمظاهرات المؤيدة للحكومة؛ لتعزيز شرعيتها المتصوَّرة. وتعد حركة ناشي Nashi
التي قادها الشباب في روسيا نموذجًا لمجموعة احتجاجية حظيت بدعم حكومي، كما دعمت حكومة أورتيجا في نيكاراجوا التجمعات المؤيدة للحكومة وحذَّرت موظفي الخدمة المدنية الذين رفضوا الانضمام إليها.