كل يوم جديد هو علينا شهيد
أخيتي! إنك في كل يوم بين مقامين اثنين، إما أن يكون وقتك مهدورا أو أن يكون مأجورا ..
فوقتك هو الزمن الذي تعيشينه، هو أثمن ثروة بين يديك، هو العامل الذي إن أحسنت استثماره عاد عليك بالنعم العظيمة والمنح الكبيرة.. ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) ولاشك أن الموفقة من الصالحات هي التي تدرك قيمة الوقت فتشتريه وتبذل فيه الأنفاس على عكس من تبخس الوقت قيمته فتقتله وتنفقه فيما لا نفع فيه.
تنظيم الوقت
وإن أحسن ما تبدأين به يومك هو التخطيط لاستغلال دقائقه – لا أقول ساعاته- في كل مفيد، من أداء فروض العبادات وسنن الاجتهادات ووظائف وأعمال مناطة بك ، وأنت تحملين بين جوانحك شعور المسؤولية فتتألمين لضياع اللحظة وتسارعين في استدراك الفرصة، وتتعاملين مع الوقت كعملة ثمينة، تشترى ولا تباع!
استغلي كل دقائقك
فإن كان وصولك إلى البيت سيستغرق منك ساعات طويلة، فابحثي عن أفضل الطرق لشراء الوقت إما بقراءة كتاب خلال تنقلك أو سماع درس مفيد أو عقد الأصابع بالتسبيح أو حتى المسارعة للبحث عن طريق مختصر يمكنك من خلاله الوصول بأسرع ما يكون لوجهتك فلا تضيع دقائقك الثمينة هدرا في الطرقات!
وإياك أن ينشغل وقتك بالمجالس الخاوية، والقيل والقال واللهو والطرب، فتمر الأيام والليالي في سهو وغفلة، وتشقين بما آتاك الله من فضل!
ولو سطرت في برنامجك جدولا للأولويات في كل يوم فإن ما تبقى من دقائق فارغة يمكنك استغلالها لأخذ قسط من الراحة أو استدراك شيء فاتك إو إجراء اتصال مفيد، واحذري الإسراف في استعمال الهاتف فهو ينتهي بك إلى قتل أثمن الدقائق والساعات ثم الوقوع في نميمة وغيبة أنت في غنى عنها لمواصلة المسير، وتذكري أنك مدعوة للترفع عن كل السفاسف والتأنق في اختيار المشاغل.
لقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (إنكم من الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة، من زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثلما زرع).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء، ندمي على يومٍ غربت في شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزددْ فيه عملي.
وتأملي في سير من سبق ممن أحسن استغلال الوقت فلا تمر الدقائق إلا في ذكر أو عمل صالح أو قيام بواجب أو المسارعة في خدمة أو طلب علم أو تفكر أو إصلاح بين الناس، قال الحسن: أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم حرصا على دراهمكم و دنانيركم.
تخلصي من قيود التلفاز
تخلصي من تلك القيود التي يفرضها عليك التلفاز فيأسرك في عالم من الخيال ويسلب منك الحقيقة فتغرقين في قصص الأوهام التي لا تنفع بل تضر، ترفعي عن مشاهدة ما يضيع وقتك الثمين، بل احرصي على انتقاء البرامج التي تتابعينها، والمواد التي تسمعينها لتكون الأنفع لك. “فالوقت يضيق عن المهمات: فكيف يضيع في المنكرات والواهيات”.
أدركي قيمة الوقت
حين تدركين قيمة الوقت ستحافظين عليه كما تحافظين على مالك بل يصل الأمر إلى أن تحافظين عليه كما تحافظين على حياتك، ذلك شعور ينساب بين جوانحك حين تطالعين سير من أدرك وتذرفي الدمع على شعور التقصير، فتشمري وتجتهدي لكي يقال هذا حال من علم فعمل!
استغلي طاقاتك
هناك برامج ومشاريع تنفع فقط للإجازات أو أوقات الراحة الطويلة أو بعض المناسبات الخاصة، فاجعليها لتنمية المهارات أو توسيع الثقافات أو الحصول على دورات مفيدة، أو علوم نفيسة أو انجازات مختلفة مميزة، لا تتوقفي عن طلب العلم والتعلم مهما بلغ سنك من مبلغ! فالمسلم يطلب العلم من المهد إلى اللحد. وانظري في طاقاتك ووظفيها أينما كان فيها نفع لمن حولك ولأمة الإسلام، أتقنيها وازعي البسمة على شفاه من يلقاك ويذوق من بذل يديك، وتذكري، أن الوصفة السحرية للتألق والتميّز هي خلاصة الصدق والإخلاص والاتقان معا! فاصدقي في نيتك واخلصي في عملك واتقني في أدائك وأحسني تدبير وقتك.
عن سعيد الحريري متحدثا عن السابقين الأولين قال: كانوا يجعلون أول نهارهم لقضاء حوائجهم، وإصلاح معايشهم، وآخر النهار: لعبادة ربهم، وصلاتهم.
وعن الأوزاعي قال: ليس ساعة من ساعات الدنيا، إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة، يوماً فيوماً، وساعة فساعة ولا تمر به ساعة لم يذكر الله فيها إلا تقطعت نفسه عليها حسرات، فكيف إذا مرت به ساعة مع ساعة، ويوم مع يوم، وليلة مع ليلة .
تأملي حياتك كيف مرت
ثم انظري كيف تجري بك سفينة العمر! فبالأمس القريب كنت فتاة تلعبين من صديقاتك الصغيرات واليوم لعلك طالبة أو زوجة أو أمّا، وربما جدّة، فكيف قضيت عمرك، هل تبدد بين الأسواق والطرقات ووسائل اللهو والمغريات، أم نشطت في بناء ذاتك وتطوير مهاراتك وقيادة حياتك خير قيادة من مؤمنة عبادة باذلة، فإن فاتك هذا فلا يفوتنك بعد الحين!.
اجعلي السلف الصالح قدوة
ثم لاحظي معي كيف كان السلف الصالح يحسن استثمار الوقت ، حتى في أوقات الابتلاء والانشغال :
فالإمام ابن القيم ألف كتابيه الماتعين بدائع الفوائد وزاد المعاد، من أروع ما ازدانت بهما رفوف المكتبات، وانتفع بهما طلبة العلم خلال سفر له. والإمام السرخسي سجن فألّف في سجنه كتاباً يقع في أكثر من ثلاثين مجلدا، حافلاً في الفقه الحنفي، سمّاه: (المبسوط) . وشيخ الإسلام ابن تيمية سجن فانشعل طيلة فترة سجنه بتعليم الناس أمور دينهم، ودعواهم حتى تاب على يده الكثيرون!
ذلك أنهم قوم تدبروا آيات الله حين يقول (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)) (المؤمنون).
فأقبلي أيتها المثابرة تسابقين لحظات العطاء على محور الزمن، تستدركين الماضي وتدخرين لما سيأتي وأنت يحدوك نور آي الله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)) البقرة. و(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)) الحديد.