المقاومة الإسلامية في الصومال كما لم تسمع عنها من قبل: النشأة
ظلمٌ يرتحل ليلَ نهارَ، واستقرَّ به المُقام بأرض الصومال. فهبَّ رجالٌ عرفوا كيف تُقَارَعُ الخُطوب؛ امتشقوا أسلحتهم، وأعادوا إلى هؤلاء ذاكرتهم حين غفلوا وجُنَّ جنونهم، وراحوا يجوبون الأرض علَّهم يروون ظمأ ترحالهم بإبادة شعبٍ هنا أو ثروةٍ طبيعية هناك.
«دِينٌ ودماءٌ وأعراضٌ وأرضٌ وزرعٌ ونسلٌ… الكل أصبح مُستباحًا؛ حينها لا يُجدي السِلمُ نفعًا، فكيف هو سلامٌ بوجه المدافع والرشاشات؟!»
الإطار التاريخي
أشرقت شمس الإسلام بأرض الصومال منذ بواكير الدعوة، فوجدتْ طريقها سريعًا إلى قلوب الصوماليين؛ الذين ما لبثوا أن تحركوا لخدمة تلك الدعوة، والذوْدِ والرد على مُنتقِصِيها. لذا حَقَّ لنا الحديث حول الجذور التاريخية للوجود الإسلامي في الصومال، واستكشاف الأطر التي خرجت منها المقاومة.
تفرّق المؤرخون للوجود الإسلامي في الصومال على ثلاث طرق[1]:
الرأي الأول:
أن الصومالَ أسبق في الإسلام من المدينة المنورة بنحو ثماني سنوات، إذ يرون أن دخول الإسلام تزامن مع هجرة الصحابة إلى الحبشة بقيادة جعفر بن أبي طالب.[2]
الرأي الثاني:
لم تعرف الصومالُ الإسلامَ بطريقة منظمة وثابتة قبل النصف الأول من القرن الأول الهجري، إذ نقل الدعوةَ تجارُ المسلمين، ونشرها الأمير موسى من بني جعشم، عندما ذهب داعيًا إلى الإسلام، ومُعلِّمًا لكتاب الله، فدخل الصوماليون في الإسلام دونما حربٍ أو قتالٍ. وكان هذا أيام الخليفة عبد الملك بن مروان (65-86 هـ).[3]
الرأي الثالث:
أنَّ الإسلامَ دخل إلى الصومال في النصف الأوّل من القرن الثاني الهجري، عندما هاجرَتْ مجموعاتٌ من الطوائف الإسلامية، التي ضاقَتْ ذرعًا بالاستبداد السياسيّ والمذهبيّ الذَيْن كانت تمارسهما الخلافة الأموية ضدّهم.[4]
ورغم هذا الاختلاف في التأريخ لدخول الإسلام إلى أرض الصومال، إلَّا أنَّ الثابت:
«أن المؤرخين يتفقون على أن الإسلام قد دخل في هذه البلاد في الصدر الأول من الإسلام، سواءٌ كان هذا قبل الهجرة أو بعدها. وأن ذلك تم عن طريق الدعوة، والإرشاد، ولم يكن عن طريق الغزو والعنف. وعلى أيدي موجات متقاربة من البعثات الإرشادية، أو التجارية أو الهاربة لظروف سياسية.»[5]
نواة حركات المقاومة
قتلٌ وفقرٌ وانتهاكاتٌ يشِيبُ لها الولدان = رواسبُ تخبرك جميعُها أن الغرب مَرُّوا من هنا، وشواهدُ تتحدى زيف الحقوقيين وهيئاتهم، ودلائلُ تُدين عروش طُغاتِنا الحكام.
1- الكشوف الجغرافية والبرتغال
لم يشفِ غليلَ الحقد الأوروبي ما فعلتْه الحملات الصليبية بالمسلمين، فاعتزموا إطلاق حملاتهم الجديدة برعاية كَنسيَّة؛ إذْ ابتعث البابا نيقولا الخامس برسالة إلى الأمير هنري الملاح لشَنّ الحرب على المسلمين-الذين سمَّاهم الكفرة-.[6] وأمره ببدء حرب صليبية لنشر المسيحية في البلاد التي دخلها الإسلام. وفي سبيل ذلك يمكنه الاستعانة بالممالك المسيحية في الشرق لإتمام المهمة.
ولم تكن الدوافع الدينية وحدها هي المحرِّك الرئيس للجيوش الأوروبية، إذ فرَضَتْ عقيدتهم الاستعمارية نفسها على الساحة، فأوجبت عليهم إرسال المستكشفين الجغرافيين لاستطلاع البلاد تمهيدًا لامتصاص ثرواتها. وكان لهم ما أرادوا باكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح؛ الأمر الذي وجَّه الأنظار إلى سواحل شرق أفريقيا، إذ أظهرت الكشوف الجغرافية الأهمية الاستراتيجية لتلك السواحل وبخاصة الصومال.
فكان العزم الصليبي-تقف على رأسه البرتغال-على تدمير المسلمين في شرق أفريقيا ونشر المسيحية، ورُوِّجَ لتلك الأهداف تحت مُسمَّيات عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- الانتقام للعار الذي ألحقه صلاح الدين بالحملات الصليبية.
- السعي للعثور على مملكة القديس يوحنا، والتي قيل إنها دولةٌ لها وضعها الاقتصادي وقوتها العسكرية، إذ تملك ألف صليبٍ، وخلفَ كل صليب ألف جندي.
- القضاء على تجارة المسلمين في المحيط الهندي.
- الاستفادة من الوضع الاستراتيجي للصومال كمفتاح عبور بين تجارة الشرق والغرب. إذْ تُشرِف على خليج عدن ومضيق باب المندب.
مقاومة الاستعمار الصليبي بقيادة البرتغال
-
الباي أمير علي-أو علي ميرال-:[7]
قَدِمَ الأمير علي إلى مقديشيو كموفدٍ من السلطان العثماني لتشجيع الجهاد الصومالي ضد المستعمرين البرتغاليين، ولم تكن لدى الميرال قوةٌ كافيةٌ لمواجهة البرتغاليين، فلجأ إلى خطة ذكية بإخبار الصوماليين أن أسطولًا عثمانيًا في طريقه إليهم، فتَشَجَّع الصوماليون وبدأوا المقاومة وألحقوا بالأسطول البرتغالي هزيمةً نكراء، وأَسَرُوا بعض قادته وأرسلوهم إلى الأستانة.
-
دولة اليعاربة والإمام سيف بن سلطان:[8]
استطاعت القوى البرتغالية استعادة نفوذها مرة أخرى وأُسْرِ علي ميرال. ولكن بعد حصارٍ استمر 33 شهرًا من عام 1696 إلى عام 1698م[9] استطاعت دولة اليعاربة بقيادة سيف بن سلطان وبمساعدة سكان مقديشيو بسطَ نفوذها على الساحل الشرقي الأفريقي وطرد البرتغاليين.
2- بريطانيا وإيطاليا وفرنسا
على حين غفلة من المسلمين والعرب المُتشاحِنين بينهم، تطاولت أيدي فرنسا وبريطانيا وإيطاليا لِتَطَال أرض الصومال وشعبها؛ ومن ثَمَّ تُقسِّمها بينهم إلى خمسة أقاليم بعد التنكيل بأهلها. وجاء التقسيم على هذا النحو :
- زيلع وبربرة من نصيب بريطانيا؛ فأُطلق عليهما الصومال البريطاني.
- عصب وبنادر ومصوع، من نصيب إيطاليا فأُطلق عليهم الصومال الإيطالي.
- جيبوتي والتي تشمل: أوبوك وتاجورا وأمياد، أصبحت تحت النفوذ الفرنسي فيما يُعرف بالصومال الفرنسي.
- إقليم هرر والأوجادين والهود؛ أهدتْهم بريطانيا إلى الحبشة.
- وأخذت كينيا جزءًا من أرض الصومال سُمِّيَ بالصومال الكيني.
مقاومة الاستعمار الأوروبي
-
حركة المقاومة بقيادة محمد عبد الله حسن [10]
مسلمٌ تربَّى على القرآن والسنة والمذهب الشافعي-كمعظم أهل الصومال-ما كان له أن يصمتَ ويُسالمَ في ظل قُوًى استعماريةٍ تفتح نيرانها على المُستضعفين، تحتل الأرض وتهدد وتروع السكان، تجتذب الصغار إلى الكنائس لإنشادهم التعاليم المسيحية، يَمنع قسيسٌ فيها صوت الأذان، ثم يطلق رصاصته على مؤذنٍ. دينُه يُحارَب ليلَ نهارَ بلا هوادة، تُسرق ثروات بلاده، وتٌقسَّم أرضها أمام عينيه.
اجتمعت الدلائل عليه أن السِلم والمُعاهدات لا تُجدي نفعًا من دون القوة لاسترداد الحقوق؛ حينها جمع محمد عبد الله حسن القبائل الصومالية وأعلنوا ثورتهم ضد الطغاة عام 1899. انطلقت ثورة الشعب الصومالي من مدينة بربرة حيث قَطْعُ الطريق أمام مراكز التنصير التي استغلت حالة العَوَز التي فرضها الاستعمار. كما بدأت الثورة بناء صفِّها الداخلي والالتحام بالشعب حين نادت الجميع للخروج على المستعمرين واستهداف الجواسيس والخونة أولًا.
كان لهذه الثورة المحفوفة بروح الجهاد صَدَاها إذْ استطاعت أن تُلحق ببريطانيا وقواتها هزائم عديدةً؛ الأمر الذي دفع بريطانيا لِشَنِّ أربعَ حملات عسكرية، تمكَّنت المقاومة-أو الدراويش كما كان يُطلق عليهم-من إفشالها.
تَبعت تلك الهبَّة معارك عديدة منها:
- معركة بهر طيغ أو حوض الدم، وكانت في أبريل عام 1901م.
- معركة بير طغة 19 أكتوبر 1902م.
- معركة عفاروينة في 17 أبريل 1903م ضد القوات الإيطالية والبريطانية مجتمعةً.
- ثورة أهالي مركة بقيادة شيخ عبدي أبيكر.
- مقاومة قرية ونات.
- ثورة الشيخ حسن برسني في إقليم بنادر الشمالي.[11]
هزيمة إيطاليا واستقلال الحبشة[12]
أرادت إيطاليا أن تُطفئ جذوة المقاومة المشتعلة في نفوس الصوماليين، فجمعتْ قواتها مُتجِهةً إلى عدوة. ولكن لم تلبث تلك القوات أن خابت مساعيها، وارتدت ذليلة تجر أذيال خيبتها بفقد أربعة آلاف جنديٍ، وتاركةً خلفها ألفي إيطاليٍ في الأسر. في حين أجبرت تلك الهزيمة التاريخية القوات الإيطالية على الاعتراف باستقلال الحبشة وتوقيع صلح في 26 أكتوبر عام 1896، فاستردَّ بذلك الصوماليون سيادتهم على قطعة من أرضهم.
قومٌ ترفَّعوا عن الاستسلام والخضوع، وأَبَوا إلا أن يُسطِّروا تاريخ أجيالهم القادمة بدمائهم وتضحياتهم، ضاربين بنبرات الذل والهوان عُرض الحائط، مؤكدين على جدوى المواجهات في ردِّ العدوان، مُتحَدِّين المنطق والمُخذِّلين وحساباتهم. فكان حقيقًا لهم النصر على المستعمرين وتحالفاتهم وهيئاتهم.
«قَالَ الَذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»
المصادر
[1] عبد الرحمن النجار، الإسلام في الصومال، ص61ـ 62.
[2] الشيخ عبد الرحمن النجار المصري، الإسلام في الصومال، ص62.
[3] جامع عمر عيسى، تاريخ الصومال في العصور الوسطى والحديث.
[4] حسن مكي محمد، السياسات الثقافية في الصومال الكبير، ص24.
[5] محمد عبد الكريم وآخرون، تاريخ التعليم في الصومال، مقديشو، وزارة التربية والتعليم، 1978، ص 8.
[6] طلائع الاستعمار الأوروبي في الصومال، المعرفة.
[7] د. إسماعيل أحمد ياغي، تاريخ العالم العربي المعاصر، العبيكان، صـ461
[8] المصدر السابق، صـ461 :463
[9] د. عبد المحسن الصاعدي، الاحتلال البرتغالي لجنوب الخليج.
[10] ( الحلقة العاشرة)، مركز مقديشيو للبحوث والدراسات.
[11]( الحلقة الحادي عشر)، مركز مقديشيو للبحوث والدراسات.
[12] الصراع الأوربي الأثيوبي وتقسيم بلاد الصومال، المعرفة.
طلائع الاستعمار الأوروبي للصومال
الاستعمار في جيبوتي والصومال، موقع قصة الإسلام
صفحات من التاريخ الصومالي الحديث