مصر.. كلمة السر!

بعد فشل الحملات الصليبية علمت فرنسا جيدا أنه لا سبيل إلى السيطرة على المسلمين عن طريق الحرب، أو القوة ذلك لأن في دينهم عاملاً حاسماً هو عامل المواجهة والمقاومة والجهاد وبذل النفس والدم الرخيص في سبيل حماية العرض والأرض.
هكذا قال لويس ملك فرنسا:

“وأنه مع وجود هذا المعنى عند المسلمين فمن المستحيل السيطرة عليهم لأنهم قادرون دوماًـ انطلاقاً من عقيدتهم ـ على المقاومة ودحر الغزو الذي يقتحم بلادهم، وأنه لا بد من إيجاد سبيل آخر من شأنه أن يزيف هذا المفهوم عند المسلمين، حتى يصبح مفهوماً أدبياً ووجدانياً وإيجاد ما يبرره على نحو من الاتجاهين، ما يسقط خطورته واندفاعه وأن ذلك لا يتم إلا بتركيز واسع على الفكر الإسلامي وتحويله عن منطلقاته وأهدافه حتى يستسلم المسلمون أمام بقاء القوة الغربية وتروض أنفسهم على تقبلها على نحو من اتجاه الأهواء والصداقة والتعاون”.

المرحلة الأولى:

فكانت حملة نابليون الذى تمسح في الإسلام من ناحية وأهان مقدساته من ناحية أخرى حربا صليبية.. ولكن دون الصليب الأحمر الذي كانت تلزم الكنيسة الجنود برسمه على ملابسهم لكن هذا عملا خارجيا فقط.
حيث كان أمام جيش نابليون حربا صليبية جديدة ومهمات تبشيرية جديدة، تهدف إلى تبشير الشرق بالعصر الغربي الجديد، فتظهر عمائم تساهم في هذا التبشير وتنتمي إليه من حيث النتيجة، ولتحدث فجوة هائلة في صدر الأمة لم تكن مرت بها من قبل، والحقيقة إن سيف الغرب كان يعمل على توحيد الأمة، وأما النتاج الثقافي لحملة نابليون فقد أوصل الأمة إلى حد الهاوية.
فبعيدًا عن الخطوات العسكرية لنابليون وظلم المماليك فإن الأمن القومي لأول مرة يتعرض لخطر لم يتعرض له من قبل، فالعبث بمفهوم الأمن القومي كان من أبرز تلك السمات التي واجهت بها الأمة حملة نابليون. حيث حدث انقسام كبير في وعي النخبة، فبرر كثيرون لأنفسهم دخول قوة خارجية غازية للتخلص من قوة داخلية ظالمة، وبهذا المشهد، إنما كان البلد بأكمله عرضة لكارثة أشد نعانى منها إلى الآن.. حيث بات الكثيرون لا يرون مانعاً من دخول العدو الخارجي للخلاص من واقع مظلم في الداخل، دون وعي لطبيعة النتائج التي لا تكون في صالح أهل البلاد بالمطلق، إذ أن تغذية الانقسام تكون أولويات المستعمر، وتتحول البلاد إلى أنقاض ليس في بنيتها السياسية فحسب، إنما الاجتماعية والثقافية.

لقد ضربت حملة نابليون جملة من القيم الإسلامية، وأنتجت جيلاً كان له تبعاته الكارثية على الأمة، وأدخلت مصيرها ومستقبلها في كهف مظلم، وكان من أبرز نتاجها، تهيئة الأنفس لقضم الخلافة الإسلامية والانقلاب عليها، وبالتالي ما نتج عن ذلك من ضياع لفلسطين، ووصول الأمة إلى حالة يرثى لها، أسهمت في تعزيز و تكالب الغزاة الذين يطأون أرض الإسلام.

وقد حققت الحملة الفرنسية معظم أهدافها .. إلا التواجد والاستمرار على الأرض ولكنها حققت الأخطر: البقاء في العقول.

اقرأ أيضا: سليمان الحلبي المهدور حقه!

 المرحلة الثانية:

محمد على بائع الدخان بفرنسا الجندي الألباني الذى تقرب من أصحاب الأمر في البلاد وهم الأشراف والنصارى الموالين فكريا لفرنسا التي استقطبتهم عن طريق محفل ماسوني في مصر محفل “إيزيس” وأوجدوا له طريقة خاصة به تناسب مصر وهي الطريقة الممفيسية أو الطريقة الشرقية القديمة وتمكن هذا المحفل أن يستقطب عددًا من المصريين.

إنها الماسونية يا سادة من مهدت الأرض وساندت وأرست القواعد فلقد كانت المصالح الفرنسية ترى دعم محمد علي ليتحقق لها أطماعه المستقبلية في حفظ وتقوية محافلها الماسونية، وإضعاف الدولة العثمانية، وزرع خنجرها المسموم في قلب الدولة العثمانية ولذلك أنشأت لمحمد علي أسطولا بحرياً متقدماً متطوراً، وترسانة بحرية في دمياط، والقناطر الخيرية لتنظيم عملية الري في مصر، أو لمحمد علي، إنما كان لتنفيذ المخطط الصليبي الذي فشلت الحملة الفرنسية عن تنفيذه بسبب اضطرارها إلى الخروج.

لقد قام محمد علي بدور مشبوه في نقل مصر من انتمائها الإسلامي الشامل إلى شيء آخر يؤدي بها في النهاية إلى الخروج عن شريعة الله وكانت تجربة محمد علي قدوة لمن بعده من أمثال مصطفى كمال أتاتورك وجمال عبد الناصر.

أما عن الأفكار والمعتقدات فكان الانسلاخ التدريبي عن الانتماء العقدي والفكري والأخلاقي أمام الغزو الفكري المنظم وقام بتنفيذ سياسة الابتعاث بإرسال الطلاب الشبان إلى أوروبا ليتعلموا هناك، وكان هذا من الأمور الخطيرة المنافذ التي دخل التوجه العلماني من خلالها، فدخل ساحة التعليم ومن ثم في ساحة الحياة في مصر الإسلامية وأهمل الأزهر وشيوخه وعلمائه.

لقد استغرقت عملية الانتقال التدريجي ما يقرب من قرن من الزمان، ولكنها كانت عملية مستمرة لا تتوقف، بل تتوسع على الدوام.

لقد حقق الاستعمار الأوروبي هدفه في الاستفادة من المنشآت والإصلاحات المادية التي قام بها دميتهم محمد علي، أما شعب مصر المسلم فقد سيطر عليه اليأس ودفع ثمناً باهظاً يفوق حجم كل اصلحا وهو تحطيم هويته الحضارية التي صقلها الإسلام والتي ميزت دوره خلال العصور الإسلامية. فمكنوا دعاة الثقافة الأوروبية من السيطرة على الحياة الفكرية بعد أن شل دعاة الاتجاه الإسلامي فزرعت الماسونية بكل المجالات أيدى لها تخرب وتعبث ففي السياسة كان سعد زغلول والنحاس باشا وفؤاد باشا سراج الدين فقد كان هؤلاء مستفيدين على الدوام من عضويتهم الماسونية وحققوا أهدافهم من حيث السلطة والنفوذ والصعود على النخبة بكل مغرياتها.

و لا ننسى بالطبع الدور الخفي للماسونية في الصحف القديمة في النصف الأول من القرن العشرين، حيث استكتبت كثيرا من الكتاب أمثال جورجي زيدان و شاهين مكاريوس “مؤرخ الماسونية المصرية”.

وكذلك ذلك الدور الذي لعبته الماسونية في توجيه دفة السينما المصرية، و استقطابها لكثيرٍ من الفنانين أمثال محمود المليجي ومحسن سرحان وزكي طليمات، وهكذا سيطرت فرنسا على قلب الإسلام النابض دون عسكر والان يحارب الدين ممن يحملون أسماء إسلامية ولا يعرفون شيء عن الإسلام بل هم من كارهيه اكثر من اليهود و النصارى.

فمتى نعي نحن الدرس ونكون نحن الفاعلين وليس المفعول بنا؟ متى نقدر ما نملك لنحقق ما نريد؟

سيلين ساري

كاتبة صحفية حاصلة على بكالوريوس الإعلام جامعة القاهرة قسم صحافة، لا أنتمي لأي قوى أو… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى