فوكس: هكذا ستتأثر أقوى دولة في العالم بثورة الروبوتات.. ماذا عن شعوب الدول النامية؟
بعد الثورة الصناعية التي أحدثت الكثير من التغيير في المجتمعات، باتت البشرية الآن على موعد مع ثورة تقنية تحل فيها الآلات مكان الإنسان لتؤدي عملًا أكثر دقة وإتقانًا. حول هذا الموضوع أعدت الصحفية رانيا مولا، تقريرًا نشره موقع فوكس سلّطت فيه الضوء على بعض التحديات التي ستواجِهها المجتمعات جراء انتشار الروبوتات، والحلول المقترحة لاجتياز هذا التغيير بأقل مشكلات ممكنة.
يومًا ما، ستأخذ الروبوتات وظائفنا، ربما ليس كلها، ولكننا لا نعرف حقًا كم عددها ولا ما هي المهام التي ستختفي تمامًا، وما هي الوظائف التي ستتحوَّل إلى شكل أفضل وأقل مشقة حسبما يقول البعض. ما نعرفه هو أن الأتمتة (Automation) والذكاء الاصطناعي سيؤثِران على الأمريكيين بشكل غير متساو، وفقًا لبيانات ماكينزي وتعداد السكان في الولايات المتحدة لعام 2016 الذي حلل مركز أبحاث بروكينجز بياناته.
الرجال والأقليات هم الأكثر تأثرًا
يُرجَّح أن وظائف الشباب- خاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية أو الأقليات الممثلة تمثيلًا ناقصًا- ستُستبدل بالأتمتة. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يحتفظ الأشخاص البيض الأكبر سنًا والأكثر تعليمًا ممن يعيشون في المدن الكبرى بمراكِزهم الوظيفيّة المرغوبة؛ إما لأن وظائفهم لا يمكن استبدالها، أو لأن هناك حاجة لوجودهم إلى جانب الأجهزة الآلية.
حذرت دراسة بروكينجز من أن الأتمتة ستؤدي إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية الموجودة على طول خطوط جغرافية وديموجرافيّة معينة؛ لأنها من الممكن أن تقضي على الوظائف التي تتطلب مهارات دنيا أو متوسطة، وتُعتبر خطوات على طريق الوظائف الأكثر تقدمًا. ستتركز خسارة الوظائف هذه في المناطق الريفية خاصة في المنطقة بين السواحل الأمريكية.
من ناحية أخرى، على الأقل فيما يتعلق بالنوع، ستكون الحظوظ الأدنى هذه المرة من نصيب الرجال. ذلك أن الوظائف التي يشغلها الرجال تكون عادة هي الأكثر عرضة للاستبدال بالأتمتة من تلك التي تشغلها النساء وفقًا لبروكينجز. ويرجع ذلك إلى أن الوظائف التي يؤديها الرجال تميل لأن تكون يدوية ومن السهل استبدالها بالآلات والذكاء الاصطناعي.
أسئلة تطرحها الأتمتة.. ولا إجابات دقيقة بعد
بالطبع، بيت القصيد هنا: أن الأشخاص من مختلف الأطياف معرضون لمشكلات التوظيف؛ لأن التقنيات الحديثة قادرة على القيام بالعديد من المهام بشكل أسرع وأكثر دقة وكفاءة من البشر. وآثار ثورة البطالة هذه بعيدة المدى وتثير العديد من الأسئلة؛ كيف سينتقِل الناس إلى وظائف المستقبل؟ ماذا ستكون هذه الوظائف؟ هل من الممكن التخفيف من تأثير الاستقطاب الذي ستتسبب فيه الأتمتة على مجتمعنا الذي يتسم فعلا بالطبقية التي تفرق بين من يملكون ومن لا يملكون؟
توقع تقرير صدر مؤخرًا عن شركة ماكنزي أنه بحلول 2030، من الممكن أن تُستبدل الأتمتة بثلث أنشطة الوظائف، مما يعني أن على شريحة كبيرة من الناس إجراء تغييرات على كيفية عملهم وطريقة دعمهم لأنفسهم.
يقول أليستير فِيتزباين- المدير التنفيذي لمبادرة مستقبل العمل في معهد أسبن: «هذا الغضب الذي نراه بين العديد من الناس في جميع أنحاء البلاد، ممن يشعرون بالخذلان من الحلم الأمريكي، يُبرِز هذا التقرير أنهم في بؤرة التأثر بالأتمتة. وبدون تدخل على مستوى السياسة، فإن المشاكل التي نراها في اقتصادنا من ركود في نمو الأجور، ومشاركة القوى العاملة، ومستويات النمو المقلقة في الوظائف ذات الأجور المنخفضة من المرجح أن تزداد سوءًا لا أن تتحسن. وللتكنولوجيا تاريخ جيد إذا نظرت إلى المئة وخمسين سنة الأخيرة؛ فهي من الممكن أن تدعم النمو الاقتصادي، وتوجِد فرص عمل جديدة وتعزز من دخل الأفراد، ولكن علينا التأكد من أن الآليات صحيحة لتحقيق هذا النمو ».
6 عوامل تحدد الأشخاص الأكثر تأثرًا بثورة الروبوتات:
قبل أن ننظر إلى الحلول المقترحة، هنا ستة عوامل توضح من هي المجموعات الأكثر تأثرًا بالأتمتة القادمة، والمجموعات التي لديها فرصة أكبر للنجاة من الغزو الآلي:
(1) المهنة
يؤثر نوع الوظيفة التي تشغلها على احتمالية استبدالك بجهاز آلي؛ فالوظائف التي تتطلب الدقة والتكرار مثل: إعداد الطعام وتصنيعه يمكن أتمتتها بسهولة، بينما الوظائف التي تتطلب الإبداع والتفكير النقدي مثل: المحللين والمدرسين، لا يمكن تحويلها إلى عمل آلي بسهولة.
(2) التعليم
يؤثر مستوى تعليم الأفراد بشكل كبير على نوع العمل المؤهلين لأدائه؛ لذلك يرتبط كلا من التعليم والمهنة ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض. فالمستوى التعليمي المنخفض يعني أن الشخص يعمل في وظيفة يمكن أتمتتها، بينما يعني المزيد من التعليم فرصًا وخيارات أكثر.
(3) العمر
احتمالية حصول الأشخاص الأكبر سنًا على شهادات عليا تزيد عن الاحتماليات ذاتها في صفوف الشباب الأصغر سنًا. ويرجح أيضًا أن يعمل الشباب في وظائف للمبتدئين، لا تتطلب الكثير من التنوع واتخاذ القرارات كالتي من الممكن أن يحظوا بها لاحقًا في مسيرتهم المهنية. لذا، فالوظائِف التي يعمل بها الشباب غالبًا عرضة لخطر الأتمتة.
(4) العِرق
ستزيد ثورة الروبوتات من عدم المساواة العرقية؛ إذ من المرجح أن تعمل الأقليات الممثلة تمثيلًا ناقصًا في وظائف من الممكن أتمتتها مثل: خدمات الطعام وإدارة المكاتب والزراعة.
(5) نوع الجنس
ربما يكون الرجال- الذين كثيرًا ما كانوا يحصلون على وظائف وأجور أفضل من النساء- أول من تُنتزع وظائفهم. ذلك أن الرجال يميلون للتميز في وظائف الإنتاج والنقل والبناء وهي وظائف قابلة للأتمتة، بينما تشغل النساء وظائف متعلقة بالتفاعل الإنساني مثل: الرعاية الصحية والتعليم؛ وهي وظائف تتطلب عمالة بشرية إلى حد كبير. بالإضافة إلى أن السيدات الآن يحصلن على درجات علمية أكثر من الرجال، ما يعني أن وظائفهُن أكثر أمنًا إلى حد ما من أن يتم انتزاعها بالأتمتة.
(6) الموقع
ولايات الوسط والمناطق الريفية- الأماكن التي لديها حصة كبيرة من الوظائف التي تعتمد على الروتين بشكل كبير مثل تلك الموجودة في التصنيع والنقل والاستخراج- تحظى بحصة كبيرة من المهن التي يمكن أتمتتها. والمناطق الحضرية الصغيرة معرضة بشكل كبير لأتمتة الوظائف، على الرغم من أن الأماكن التي بها جامعات تميل إلى أن تكون استثناءً.
والمدن- خاصة تلك المتطورة تقنيًا والتي تضم مجموعة من المتعلمين تعليمًا عاليًا مثل: نيويورك وسان خوسيه وكاليفورنيا وتشابل هيل ونورث كارولينا- لديها أدنى احتمالية أتمتة من بقية الأماكن.
الملايين تحت خطر الاستبدال
تتوقّع دراسة بروكينجز أن تشهد نسبة 20% على الأقل من أي مجموعة سكانية تغيرات في وظائفها بسبب الأتمتة. لا يعني هذا بطبيعة الحال نهاية الوظائف تمامًا في المجموعة الواحدة، ولكن سيكون هناك تحول في الطريقة التي يجري بها العمل، وهذا لن يكون متساويًا في كل المهن.
قال مارك كورو، الزميل البارز في برنامج Metropolitan Policy بمركز بروكينجز: «حقيقة أن بعض الشرائح التي تكافح الآن من أجل لقمة العيش، هي نفسها التي ستواجه معظم التحديات؛ فكرة جديرة بدق نواقيس الخطر».
في أسوأ السيناريوهات، ستؤدي الأتمتة إلى ارتفاع البطالة في الولايات المتحدة وتفاقم الانقسامات الاجتماعية القائمة. وفقًا لبعض التقديرات؛ سيفقد ما بين ثلاثة إلى 80 مليون شخص في الولايات المتحدة وظائفهم، وبالتالي ستكون التداعيات وخيمة.
يقول مارتن فورد مؤلف كتاب Rise of robots and architects of intelligence: «ما طرحه فيلم Mad Max أمر ممكن، ربما ليس هنا؛ لكن التأثير على الدول النامية سيكون أسوأ بكثير، حيث سيكون هناك قدر أقل من الاستقرار منذ البداية. في نهاية المطاف، يعتمد الأمر على الخيارات التي نتخذها وكيف يمكننا التكيّف».
لحسن الحظ هناك بعض الحلول المحتملة. تقترح دراسة بروكينجز وغيرها طرقًا للتخفيف من فقدان الوظائف، وربما تجعل وظائف المستقبل أفضل وأقرب منالا. الجزء الأصعب هو إقناع الحكومة والقطاع الخاص بهذه الحلول وحثهم على الإنفاق من أجل تحقيقها.
وأصدرت دراسة بروكينجز عدة توصيات أهمها:
- توفير إعانة شاملة لتعويض العمال المسرّحين من وظائفهم
يتضمن ذلك تقديم المشورة المهنية والتعليم والتدريب على مهارات جديدة ذات صلة. وتقديم دعم مالي للعمال إلى حين إيجاد وظائف جديدة. ولكن كما نعلم من الثورة الصناعية الأولى أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل إشراك الحكومات والشركات في مساعدة العمّال المسرّحين ذوي الخبرات القليلة وإعادة تعليمهم. في الواقع لم تتعافى العديد من المدن في حزام الصدأ (Rust Belt) بعد من أتمتة مصانع السيارات والصلب في القرن الماضي.
تقدم برامج التعويض الشاملة التي تقدمها الحكومة – وتختلف تكلفتها تبعًا لحجمها ونطاقها- نموذجًا لذلك ولكن لدى هذه البرامج عيوبها الخاصة أيضًا. يقترح البعض أن ضريبة الكربون يمكن أن تكون وسيلة للحصول على عائدات بمليارات الدولارات للإعانة الشاملة أو حتى لتوفير دخل شامل رئيسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن فرض ضريبة على الدخل بدلًا من الوظيفة- التي ستصبح أكثر ندرة مع الأتمتة- يوفر طرقًا أخرى لتمويل الإعانات الشاملة.
- الحفاظ على اقتصاد التوظيف الكامل
التركيز على توفير وظائف جديدة من خلال برامج التوظيف المدعومة سيُساعد على إيجاد مِهن لكل من يحتاجها. فحين يكون الشخص على رأس عمله، يخفف ذلك من الضربات المرتبطة بالوظائف الانتقالية.
والاتفاقية البيئية الجديدة التي تقدم بها الديموقراطِيون التقدميون، ومن شأنها أن تؤمن فرص عمل موجهة نحو تقليل اعتماد الولايات المتحدة على الوقود الأحفوري؛ يمكن أن تكون إحدى الطرق للوصول إلى التوظيف الكامل. وتوصي دراسة بروكينجز أيضًا بسياسة نقدية فيدرالية تمنح الأولوية للتوظيف الكامل قبل مكافحة التضخم، وهو إجراء ممكن ولكنه يتطلب تغييرًا جديًا في أولويات الاتحاد الفيدرالي طويلة الأمد.
- تقديم برامج مساعدات قابلة للنقل
من شأن هذا أن يمنح العاملين إمكانية الوصول إلى مزايا العمل التقليدية مثل الرعاية الصحية بغض النظر عما إذا كانوا يعملون أو أين يعملون. إذا تم الاعتناء بالناس في هذه الفترة، ستقل الضغوط الناتجة عن الانتقال للوظائف الجديدة. وتسمح هذه المزايا أيضًا بإمكانية العمل بدوام جزئي أو بعمل مؤقت الأمر الذي أصبح مؤخرًا ضرورة للكثير من الأمريكيين.
يحصل نصف الأمريكيين حاليًا على الرعاية الصحية من خلال وظائفهم، وقد حارب السياسيون والأطباء ضد الأنظمة التي تديرها الحكومة. وشاع مفهوم المساعدات القابلة للنقل مؤخرًا بين النقابات المستقلة وكذلك بين العاملين المتعاقدين الذين يعملون في وظائف مؤقتة مثل: أوبر.
- توجيه اهتمام خاص بالمجتمعات الأكثر تضررًا
كما نعلم من البيانات التي بين أيدينا أن بعض أجزاء أمريكا ستكون أكثر تضررًا من غيرها. يوجد بالفعل عدد من البرامج التي توفر الحماية للمجتمَعات المعرضة للخطر والتي من الممكن أن توسع نطاقها للتعامل مع مشكلات التوظيف الناتجة عن الأتمتة.
وتقوم وزارة الدفاع بهذا الأمر على نطاق أصغر مع برامج لمساعدة المجتمعات على التكيف بعد إغلاق القواعد العسكرية أو عمليات إلغاء البرامج الأخرى. ومن الممكن أن تقدم جهود الإعانة التي تساعد المتضررين من الأتمتة طرق دعم مختلفة تشمل المنح وإدارة المشاريع بالإضافة إلى تمويل تحويل المرافق إلى استخداماتها الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، تمنح «مناطق الفرص» في قانون الضرائب الشركات إعفاءات ضريبية للاستثمار في المناطق ذات الدخل المنخفض. إذ تخلق هذه الاستثمارات بدورها فرص عمل وتحفّز على الإنفاق في المناطق التي تشتد الحاجة فيها إلى مثل هذه الاستثمارات.
- زيادة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والأتمتة والتكنولوجيا ذات الصلة
ربما يبدو هذا غير متوقعًا؛ لأن الأتمتة تتسبب في الكثير من المشكلات في المقام الأول، ولكن تتوقع بروكينجز أن تبنّي هذه التقنية الحديثة ستوجِد الإنتاجية الاقتصادية اللازمة لرفع معايير المعيشة والوظائف بدلا من تلك التي ستُلغى بالأتمتة.
في هذا الصدد، يقول مارك مورو: «نحن لا نذم كل تلك التقنيات بل نلفت النظر إلى الجانب الإيجابي منها. هذه التقنيات ستكون جزءًا مهمًا في تعزيز الإنتاجية الأمريكية المتعثرة».
عقبات في طريق الحل
بالطبع لا نستطيع القول إن أيًا من هذه الحلول هو حل سحري، ولكنها مجتمعة يمكن أن تقلل المتاعب التي سيواجِهها الأمريكيون مع زيادة الأتمتة في حال اتخذنا خطواتٍ عاجلة. كما أن هذه الأفكار تبدو تقدمية في الوقت الحالي، لذا قد يكون من الصعب تنفيذها في ظل حكومة يقودها الجمهوريون.
ويؤكد فورد فوكس «أنه متفائل على المدى الطويل. أعتقد أننا سنجد حلًا؛ علينا ذلك، وليس لدينا خيار آخر»، مشددًا على أن البشرية ستحظى بفوائد ضخمة من استخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات لحل مشكلاتنا الكبرى مثل التغير المناخي والأمراض.
وأضاف أنه «ربما سيكون قاسيًا على المدى القصير. أنا قلق من قدرتنا على الاستجابة في هذا الإطار الزمني، خصوصًا في ظل المناخ السياسي السائد في البلاد. ولكن سنصل إلى نقطة حيث تتجاوز تكلفة عدم التكيف تكلفة التغيير».