هل المدنية الحاضرة لها أثر في سعادة البشر؟

إنَّ العلم سببُّ في الحصول على نتيجة وهي السعادة فانتشار العلوم قد يوصل إلى حياة السعادة لدي الإنسان كما أنَّ انتشار الجهل قد يكون سببا في الشقاء ومن فوائد العلوم والبحث العلمي إنتاج التكنولوجيا الحديثة والمتطورة ونجد أن التكنولوجيا الحديثة بقدر ما هي أبعدت الإنسان عن السعادة بقدر ما قد تساعد الإنسان الذي يريد الوصول إلى السعادة فهي كما يحب الإنسان فهي معه إن خيرا فخير وان شرا فشر.

فسرعة العالم في هذا الزمن من وسائل الاتصال والمواصلات وسهولة المعلومة قد تكون عائق للحصول على السعادة لخلو الإنسان من الفراغ الذاتي الذي يستقبل السعادة داخله وان كانت هذه السرعة قد أكسبته ملئا ولكنه ملئ لا يدخله أو يشركه سعادة كما انه ملئ لا فائدة فيه بل انه يعطل دخول السعادة

فلابد للإنسان الذي يريد السعادة من أن يفرغ نفسه من المشتهيات الضاغطة على السعادة بقوة، وأن يجرد نفسه من شهوات الدنيا الجالبة لعدم الرضا والشقاء والانشغال العظيم، ويفرغ قلبه أيضا من شبهات الدين التي تعوق تقدم النفس إلى الخير والحب والراحة النفسية والطمأنينة، ويفرغ عقله من الجهل ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

إذا قيل بأن المدنية الحديثة لا تجلب السعادة لعدم منعها من انتشار الفقر فهل الفقر يتنافى مع سعادة المرء. بالطبع لا، فكم من فقير وهو سعيد وكم من غني وهو في غاية البؤس والشقاء

إنَّ مما قد يتنعم به فقير في العصور الحالية قد يكون ما لم يتنعم به مَلِك قد مَلَكَ أطراف الأرض في العصور الماضية، إذن هذه الملكية للمَلِك الماضي وهذه النعم التي للفقير الحالي ليست بالضرورة سعادة ولكنها وهم قد سيطر على عقول البشر وعقول المفكرين الذين يوهمون الناس ظلما بأنهم في سعادة وأنهم في الحقيقة هم ذاتهم ليسوا في سعادة.

إذا قيل بان الآلات الحديثة والماكينات ووسائل النقل المختلفة برا وبحرا وجوا قد ساهمت في إسعاد الناس قلنا إنها بلا ريب قد ساعدت على الراحة الجسمانية ولكنها لم تفعل شيئا يذكر في الراحة النفسية والسعادة الداخلية.

وإذا قيل إن إصلاح ورفاهية الجسم تؤدي إلى طمأنينة القلب والروح قلنا بالقطع لا فليس بينهما نسبة وتناسب والأمر بينهما كالأمر بين القلب والعقل فقد يكون شدة المعرفة عائقا عن حصول الإيمان لأسباب عديدة منها الشك المطلق واللا أدرية المتناهية التي في ظاهرها الجهل ولكن في باطنها إنكار الحقائق والمُسَلَّمَات والبراهين.

فإذا قيل إنَّ إصلاح الإنسان الحديث للأرض والاستفادة منها وإخراج كنوزها والذهاب إلى الكواكب الأخرى لجلب السعادة للإنسان، قلنا أبتغيير المكان تجتلب السعادة؟ قلنا لا مرية في أنَّ تغيير المكان قد يجلب سعادة ولكنها مؤقتة لا تستقيم، فنحن نريد سعادة قلبية دائمة ترحل معنا في حلنا وترحالنا في إقامتنا وسفرنا مهما جلبت علينا الدنيا من وسائل للضغط ووسائل للتضييق على النفس،

قد تكون لوسائل التواصل الاجتماعي من المميزات الكثير ومن سرعة الوصول والاطمئنان على الأصدقاء وإعادة ضمهم إلى مكان واحد وفي زمان واحد وان لم يكونوا جنبا إلى جنب ومن الإحساس بالقرب بالرغم من البعد ولكن فيها من العيوب أيضا ما فيها من ثقافة السرعة والمعلومة الجاهزة وعدم الصبر والدقة وثقافة الانشغال وقصر الوقت وطول المكث وحيدا في ركن مظلم وكذلك الإحساس بالبعد غلي الرغم من القرب الظاهري.

 المدنية الحاضرة لم تأتي بالسعادة ولم تخلقها بل هي وسيلة صالحة لمن يستخدمها ومركب صعب لمن استغلها استغلالا فاسدا والإنسان مخير بين الأمرين.

السعادة منبعها في داخل الإنسان فإذا أدركنا كيف يسعد الإنسان من داخله وصلنا إلى السعادة ولا تأتي إلا بالأخلاق الكريمة والود والتراحم والحب والمروءة وهذه الأخلاق منبعها من الدين الصحيح الذي لا يهمل نصيب الإنسان من الدنيا ولا ينسي انه خلق لعبادة الله وحده كما جاء في الذكر الحكيم “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا” القصص 77

وأعتقد أنَّ هذا ما عناه شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سجنوه فقال كلمته المشهورة:

ما يفعل أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري. إن قتلي شهادة، وسجني خلوة، ونفيي سياحة.

الحقيقة التي تتأكد لي دوما أن الإنسان هو السبب في أن يكون سعيدا وهو السبب أيضا لشقائه مهما كانت لدية من مقومات ومهما فقد من مقدرات ولأن السعادة إحساس معنوي داخل القلب فمتي ما كانت راحة القلب كانت السعادة ومتي ما فُقِدت فُقِدت السعادة.

وواجب على كل إنسان أن يبحث على طريق سعادته ويلتزمه وألَّا يحيد عنه حتى يصل إلى طريق الخير والصلاح والتقوى والإيمان بالله حينها فقط يصل إلى الهدف المنشود في الأرض وهو الإيمان بالله أي السعادة العظمي.


إعداد: يسري رجب حميده

ضيوف تبيان

يمكن للكتّاب والمدونين الضيوف إرسال مقالاتهم إلى موقع تبيان ليتم نشرها باسمهم في حال موافقة… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى