البابا “الخنثى” !! عندما تفرض السينما أجندتها المنحرفة على الكنيسة

يتوفى البابا “فرانسيس” بأزمة قلبية، فيجتمع 120 من الكرادلة لاختيار (بابا) جديد على رأس الكنيسة الكاثوليكية، وبعد أيام من الاجتماعات، يتم الاتفاق على كاردينال من المكسيك ليصبح (البابا) الجديد، لكن تظهر مفاجأة صادمة للغاية، لكن يتم “تقبلها” أو “الصمت عنها” وذلك لكون البابا الراحل كان على علم بها ومهد لها، وهي أن البابا الجديد في الفاتيكان (خنثى) لديه رحم ومبايض!!

بميزانية تقدر بحوالي 20 مليون دولار، وبطاقم تمثيل مميز، صدر مؤخرا فيلم “Conclave”-(المجمع)، والفيلم مأخوذ من رواية بذات الاسم صدرت عام 2016م للكاتب البريطاني الشهير “روبرت هاريس”.

الكاتب كما قال في حواره مع صحيفة “Christian Today” ذات التوجه الإنجيلي، أنه ليس متدينًا، وليس كاثوليكيًّا، وردًا على سؤال حول علاقته الخاصة بالإيمان، قال: «أنا لست متدينًا، ولست كاثوليكيًّا، لدي احترام تجاه الإيمان». 

فيلم “Conclave” حقق نجاحًا في شباك التذاكر، حيث جمع أكثر من 26.5 مليون دولار خلال أول أربعة أسابيع من عرضه في الولايات المتحدة وكندا، ويُتوقع أن تتجاوز إيراداته عالميا حاجز 30 مليون دولار مع انتهاء عرضه في دور السينما.

رُهبان سوء !!

الفيلم يأتي كحلقة جديدة من سلاسل الهجوم في الغرب على فكرة (الإيمان بالله) بصورة عامة، بغض النظر عن صحة هذا الإيمان أو انحرافه، ومن خلال التركيز على (تشويه رجال الدين) بغض النظر أيضًا عن سلوكياتهم الصحيحة أو المنحرفة أو خطيئاتهم وكبائرهم، يأتي فيلم “Conclave”؛ لضرب هذه فكرة (الإيمان بالله) في المسيحية الغربية مستغلًا الانحرافات التي لم تعد تخفى على أحد، سواء على المستوى الأخلاقي أو المالي، فيستعرض (الفيلم/الرواية) المؤامرات والتنافسات والفساد داخل الكنيسة الكاثوليكية، والصراع السياسي والديني بين الأجنحة المختلفة داخل الكنيسة للوصول إلى منصب البابوية.

غلاف رواية conclave

(الفيلم/الرواية) يقدمان نقدًا ضمنيًّا للكنيسة الكاثوليكية، خاصة في سياق القوة السياسية والدينية التي تمارسها، ويركز العمل على تسليط الضوء على جوانب من الفساد والصراعات الداخلية والتنافسات التي تحدث خلف الأبواب المغلقة في الفاتيكان، إشارة إلى أن الكنيسة الكاثوليكية، تشهد صراعات مشابهة لتلك التي تحدث في أي مؤسسة سياسية.

كما يعرض الكنيسة الكاثوليكية ككيان مليء بالصراعات الداخلية، والمكائد السياسية، والتوترات التي تنشأ من التنافس على السلطة، وينتقد الطبقات العليا في الكنيسة، ولا سيما مع التركيز على كيفية تأثير السياسة والفساد على اختيار البابا الجديد، وهو ما يشير إلى التناقض بين الصورة المثالية التي تقدمها الكنيسة عن نفسها، والصراعات الواقعية التي تحدث في الداخل.

ويُظهر الصراعات الشخصية والتنافسات بين الكرادلة في الفاتيكان، ويُبرز الجوانب المظلمة للكنيسة مثل الفساد والخيانة داخل المؤسسة. 

يبدأ الفيلم بقيام الكاردينال “توماس لورانس” بصفته عميدًا لكلية الكرادلة، بإدارة عملية انتخاب البابا الجديد، رغم أنه يتردد في قبول هذه المسؤولية بسبب أزمته الإيمانية والشك الذي لديه بفائدة الإيمان والصلاة!!

وهذه أول رسالة واضحة الدلالة من صناع الفيلم بأن كبار القائمين على المؤسسة الكنسيّة الكبرى في العالم، غير مؤمنين حقًا، إن لم يكونوا منافقين.  

الفيلم كما الرواية يكشف عن شبكة من المؤامرات والتنافسات بين الكرادلة، حيث تتداخل الطموحات الشخصية مع الفضائح السياسية والمالية والجنسية.

قد يكون كل ما سبق قد سُبق إليه في أعمال فنية أخرى كثيرة، لكن الرسالة المنحرفة التي أريد تمريرها في هذا الفيلم، كانت في المشهد النهائي وهي كون البابا الجديد الذي تم اختياره (خنثى) أو (ذو خصائص جنسية مزدوجة) بالتعبير المعاصر الذي يُستخدم ضمن مسميات أخرى كثيرة يُراد منها خلع الحقائق والثوابت الأخلاقية الراسخة، واستبدالها بأخرى تقبل الشذوذ والانحراف والتطبيع معها.

نهاية (الفيلم/الرواية) بهذه الخاتمة وقبول الكنيسة به، له دلالات واضحة تتماهي مع الخط العام المتصاعد بحدة مع أجندة لوبي التطبيع مع الانحرافات الجنسية، ففي سياق عالمي يتزايد فيه النقاش حول قضايا الهوية الجنسية وحقوق الأفراد المتنوعين جنسيًا، يأتي الفيلم كانعكاس للتوتر القائم في الغرب بين القيم الكنسية والحداثة.

الصدمة.. لفرض الأجندة

رجال الكنيسة

ومن هذه الدلالات والإرادات التي أراد (الفيلم/الرواية) الوصول إليها:

  • كسر المحرمات الدينية والاجتماعية

هذه النهاية تضع المؤسسة الكاثوليكية، التي من المفترض أنها ترتكز على قواعد تقليدية صارمة بشأن النوع والجنس، أمام تساؤلات حول مفاهيم الهوية الجنسية داخل الأطر الدينية، ويُظهر قرار البابا السابق بالإقرار بهذا الوضع تناقضًا واضحًا بين العقيدة الكاثوليكية وتعاملها مع القضايا المعاصرة المتعلقة بالجنس والهوية.

لكن في الواقع الحقيقي وليس الخيالي، ومع بابا الفاتيكان الحالي “فرانسيس” أيضًا!! وضمن الفيلم الوثائقي (Pope Francis: A Man Of His Word) قال البابا الحالي: «إن الشاذ جنسيًّا إن كان يبحث عن الرب، وطيب القلب.. فمن أنا لأًدينه، يجب ألا يتم تهميش الشواذ، ويجب أن يحتضنهم المجتمع»!!  

  • فضح النفاق المؤسسي

هذا التطور الدرامي في الفيلم يمكن تفسيره كتعليق على تناقضات السلطة الدينية في الكنيسة الكاثوليكية التي تدّعي الالتزام المطلق بالمبادئ الأخلاقية، وإلى ازدواجية في التعامل داخل الكنيسة، حيث تُخفى الحقائق عمدًا، أو يتم تبريرها إذا كانت تتماشى مع مصالح مؤسسية أكبر.

  • محاربة السلطة الأبوية

كما تمثل هذه النهاية نقدًا للنظام الأبوي في الكنيسة الذي يفرض تصورات صارمة عن النوع والجنس، وأُريدَ من الفيلم أن يُعاد النظر في هذه التصورات بشكل أكثر توسعًا وأكثر جدية وجرأة ويفتح نقاشًا حول تقبل التنوع الجنسي والجندري.

  • تعزيز قبول التنوع الجنسي والجندري

الفيلم يأتي كجزء من توجه سينمائي وثقافي عالمي يدعم التسامح والتقبل الاجتماعي للأفراد ذوي الهويات الجنسية غير التقليدية، وعرض شخصية دينية مرموقة مثل بابا الفاتيكان بمثل هذه السمات، يمثل رسالة رمزية لدفع مؤسسات تقليدية كبرى، مثل الكنيسة الكاثوليكية، نحو التكيف مع هذه القضايا، واستخدامها كأداة لدفع النقاش حول حقوق الأفراد الذين يطلق عليهم (non-binary)1 في مجتمعات غالبًا ما تُقصيهم.

وطرح هذه القصة في سياق ديني يمكن أن يُنظر إليه كمحاولة لإضفاء شرعية أكبر على التعددية الجندرية.

فهذه النهاية ليست مجرد عنصر درامي مفاجئ، بل تفتح أفقًا واسعًا مطلوبًا للنقاش حول العلاقة بين الدين، والسلطة، والهوية الجنسية، وتثير تساؤلات عن مدى استعداد المؤسسات الدينية للتكيف مع التحديات الفكرية والاجتماعية الحديثة.

لكن الأهم من هذا كله، أن تُعطى هذه الانحرافات “مباركة” من البابا والكنيسة بصورة رسمية حتى لا يبقى في نفوس بعض المنحرفين حرج أو وصمة عار تَسِم أفعالهم، وهذا ما قد يدفع آخرين لهذه الممارسات باعتبارها مباركة أو جائزة أو مباحة من الكنيسة.

فالفيلم إذًا يمثل ضغطًا ثقافيًّا لفرض أجندة سياسية واجتماعية وأخلاقية واضحة على المؤسسات الدينية التقليدية في الغرب، والتي سيتردد صداها سريعًا في مؤسسات دينية أخرى في بقية العالم.

هامش

  1. هذا المصطلح يعني: الأشخاص الذين لا يحددون أنفسهم ضمن الأطر التقليدية للجنسين “ذكر” أو “أنثى” أو لا يشعرون بأنهم ينتمون كليًّا إلى أحد الجنسين المحددين أو قد يحددون هويتهم بين الجنسين أو خارج هذا الثنائي تمامًا!! ↩︎

حسن قطامش

خبير إعلامي.. كاتب مستقل الفكر.. منحاز للحق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى