الصراع بين الحق والباطل
صراع الحق والباطل أزلي
خلق الله سبحانه وتعالى الثقلين ليعبدوه ويوحدوه فقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56] ، ولكي يبلّغ لهم هذه الغاية العظيمة والرسالة الجميلة، أرسل لهم رسلًا ليبيّنوا لهم حقيقة هذه الدّعوة الحق. قال الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا) [المزمل: 15]، وقال تعالى: (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) [فاطر: 25]، وقال تعالى:
(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل: 44].
فبيّن الأنبياءُ للناس الحق والباطلَ والخيرَ والشرَ، قال الله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 3]، وقال تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد: 10]، أي بيّنا للنّاس الخير والشر؛ فانقسم النّاس إلى قسمين قسم آمن وصدّق واتبع الحق فزاده الله إيمانًا وتوفيقًا كما قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد: 17]، ومنهم من كفر واستحبّ الضّلالة على الهدى كما قال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [فصلت: 17]، وهؤلاء أضلّ الله أعمالهم وختم على سمعهم وأبصارهم، قال الله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ) [البقرة: 6- 7].
انقسم العالم إلى قسمين
لمَّا انقسم العالم إلى قسمين: أهل حق ونور وأهل باطل وزور، فلا بد أن يحدث الصّراع والتّصادم المقدور، قال الله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ∗ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيها اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 39-40].
فإن أهل الشرك والضلال لم يكتفوا بكفرهم ومشاقتهم لله ورسوله بل حاولوا تدمير المؤمنين، فعذبوهم ونكَّلوا بهم، وقاتلوهم وقَتَلُوهم. فالرسول صلى الله عليه وسلم دعا قريشًا إلى الإسلام بالتي هي أحسن فقاتلوه وأرادوا قتله وقتل أصحابه وعذبوا من عذبوا منهم، ليس لشيءٍ إلا لأنهم قالوا ربنا الله وقد فعلوا ذلك كله حسدًا من عند أنفسهم، قال الله تعالى: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) [البقرة: 217]، وقال تعالى:
(وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109].
معاناة الصالحون والمُصلِحون
وهكذا عانى الأنبياءُ والصالحون من الكفارِ الأشرارِ، قال الله تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) [الأنبياء: 41]، وقال تعالى: (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) [فاطر: 4].
-
نوح-عليه السلام-:
فها هو نوح عليه السلام أول الرّسل دعا قومه إلى التّوحيد ونَبْذِ الشّرك أَلْفَ سنةٍ إلَّا خمسين عامًا، ولكنهم استهزأوا به وآذوه أشد الأذيّة.
-
إبراهيم-عليه السلام-:
وها هو إبراهيم عليه السلام الفتى الطيّب الموحِّد أراد قومه أن يحرقوه ويقتلوه لمَّا دعاهم إلى التوحيد ونَبْذِ عبادة الأصنام، وقد دعاهم بالحكمة والموعظة الحسنة،كيف لا وهو مرسل من رب العالمين.
-
لوط-عليه السلام-:
وها هو لوط عليه السلام دعا قومه إلى التوحيد والابتعاد عن الفاحشة وهي عمل قوم لوط، فأرادوا إخراجه ونفيه من قريته فاتهموه بتهمة وبئس التهمة هي فقالوا: (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [النمل: 56]، فأرادوا إخراجه وأهله لأنهم فقط متطهرون ولا يريدون الشّرك والفواحش.
-
موسى-عليه السلام-:
وها هو موسى عليه السلام دعا فرعون الطاغية إلى عبادة الله، بالقول اللين والحكمة والموعظة الحسنة ولكن فرعون أراد قتله وقتل قومه.
-
عيسى-عليه السلام-:
وها هو عيسى عليه السلام اتهموا أمّه بالزّنا عياذًا بالله وأرادوا صلبه والتّخلص منه لما قال لهم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.
-
محمد-صلى الله عليه وسلم-:
وها هو النّبي محمد عليه السلام يلقى أشد الأذية من قومه، فقد أخرجوه من بلده وأرادوا قتله والتخلص منه، هكذا كان الأنبياء والصالحون دائما يعادون من الظالمين والكافرين.
هكذا عُذّب أهل الحق من طرف أهل الباطل، وقُتلوا ودُمروا والقصص في هذا الباب كثيرة ولو ذهب المرء ليسردها لَألَّف فيها الكتب ولربما الموسوعات، ولكن الشاهد أن هذا الصّراع والتّصادم لم يقتصر فقط على من مضى من الأنبياء والصالحين، فليس الأمر قصص خيالية يستأنس بها فتحكى ولا أساطير مكذوبة تُروى، بل شرعٌ وحقيقة يُعلِّم ويفهِّم، فإن فَهْمَ الحقيقةِ يسمح لنا بمواجهة التحديات العظمى.
إن الدين عند الله الإسلام
إن الإسلام بلا شك هو الدّين الوحيد الصحيح في العالم ولا طريق لعبادة الله إلا الإسلام وهذا ما سطّره القرآن ووضّحه بأوضح البيان، قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران: 19]، وقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85]، وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى إن الدّين عند الله الإسلام: (إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرّسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي سدّ جميع الطّرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي الله بعد بعثة محمد-صلى الله عليه وسلم-بِدِين على غير شريعته، فليس بمُتَقبَّل).
فرسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين، أرسل للناس جميعًا ونسخ الله برسالته جميع الشرائع، قال الله تعالى: (ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيما) [الأحزاب: 40]، وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّها النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف: 158].
دين الله غالب رغم الهوى
لمْ تعجب أكثرَ ناس زماننا هذه الدعوة الطيبة المباركة وهذه الرسالة الطاهرة الصحيحة التي أتتهم بالهدى والنور، عن وحي الكتاب والسنة أتحدث، قال الله تعالى: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء: 9]. وقال تعالى عن رسوله الصادق الأمين: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الشورى: 52].
فحاول أعداء الإسلام بكل جهدهم مستعينين بأموالهم وجنودهم للصدّ عن سبيل الله، وتشويه الإسلام، وإثارة الشبهات، ليضلوا الناس عن الحق! سالكين طريق أجدادهم الكفار المشركين، وإن أكبر هذه الشبهات الحائرة والتهم البائرة تهمة الإرهاب فعمَّمُوها بقصد شيطنة العالم الإسلامي وهم يعلمون أن الإسلام بريءٌ من قتل الأبرياء والنفوس التي حرَّم الله، قال الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إلا بِالحَقِّ) [الإسراء: 33]. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
(اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) [رواه البخاري].
والعاقبة للمتقين
المُؤكَّد أن العاقبة للمتقين والعزّة والنصر للمسلمين، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 36]. وقال تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة: 32].
قال ابن كثير رحمه الله: (يقول تعالى يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب “أن يطفئوا نور الله” أي ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق بمجرد جدالهم وافترائهم فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يُطفئ شعاع الشمس أو نور القمر بنفخه وهذا لا سبيل إليه فكذلك ما أرسل به رسول الله صلى الله عليه وسلم لابد أن يتم ويظهر ولهذا قال تعالى مقابلًا لهم فيما رامُوه وأرادوه ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).