مشروع جمعية الإحسان

لا يرهبنك عنوان المشروع فتسرحي بأفكارك في لافتة كبيرة ومقر واسع ودعاية عريضة وطاقم من العمال والموظفين! المشروع الذي أحدثك عنه اليوم أبسط بكثير من كل هذه التعقيدات لكن نتائجه بالتأكيد مهمة مفيدة.

تأملي معي كم من الفقراء في بلداننا يعانون من العوز والجوع ، حاجاتهم لا تنتهي وحبل آمالهم لا ينقطع من الصدقات والزكوات.

ولأجلهم يعتمد مشروعنا على إنشاء جمعية إحسان، تقوم على التواصل مع كل العائلات في محيطك للاتفاق على جمع كل ما يزيد عن حاجتهم، ملابس، أحذية، أدوات منزلية وأواني، أغطية، أفرشة ، ألعاب ، كتب، كل ما قرروا الاستغناء عنه وينفع للاستعمال، فتجمعين هذه الأشياء كلها وتصنفيها بنظام، في صناديق أو أكياس كبيرة ثم تبحثي عن العائلات المعدمة والفقيرة، أو اللاجئين والمهجرين وما أكثرهم في زماننا، تحسسي حاجاتهم فإن كان ينقصهم شيئ مما جمعتي فسارعي لدفعه إليهم ولكن تنبهي فلا تخرجي إلا الطيب، مثلا، لابأس بالملابس أن تكون مستعملة لكن من المهم أن تكون مغسولة نظيفة وليتها معطرة، إنك تحسنين لهؤلاء المسلمين والإحسان مرتبة عظيمة تحتاج منك لعطاء من النوع الفريد، لقد كان علي رضي الله عنه يتصدق بالمسك! فتأملي كيف تكون عبقرية الصدقات عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم اجعلي جمعيتك لجمع كل ما يمكن جمعه ثم تحويله لكل من يحتاجه، بهذه الطريقة أصبحت حلقة وصل بين المحسنين والمحتاجين، لقد أصبحت مركز إحسان رائع يوفر على المحسنين عناء البحث وعلى المحتاجين عناء السؤال والطلب.

ولو طبقت هذه الفكرة مع صنف آخر من الحاجات ألا وهو الطعام وأصبحنا نشاهد الأطعمة التي تبقى في البيوت – وهي للأسف ظاهرة منتشرة – بدل أن ترمى في القمامة توزع على فقراء هي بالنسبة لهم حلم جميل يحلمون به كل  يوم !

هل تأملت معي حين تحرضي الأمهات والعائلات من حولك أن يجمعوا كل ماتبقى من طعام نظيف لديهم يوميا ويتركوه لك في أكياس، تسارعين لإيصالها لبيوت الفقراء، أعتقد أن هذا الإحسان من أعظم أبواب الرأفة والإعانة بين المسلمين والاقتصاد.

هناك مناسبات يكون فيه التبذير مؤسفا لأبعد حدود ، كالأعراس والحفلات، فكوني ذكية في التنسيق مع هؤلاء الذين يسرفون ولا يشعرون بأن بطونا جائعة منهكة تنتظر لقمة مما يبذرون!

يمكنك أيضا أن تستلمي كل صدقة أو زكاة أو مجهود مسابقة يريد أحدهم أن يصل المحتاجين، ولا شك أنك مع الوقت ستصبحين خبيرة بقوائم المحتاجين والمحسنين معا، فستتسع دائرتك وستتمكنين من إدارة تنسيق أفضل بين كل هؤلاء.

ثم هذا المشروع قابل للتطوير ويمكنك حتى تقديم المساعدة بطريقة مبتكرة جذابة ، فجربي مثلا توزيع البسكويت والحلوى في أكياس صغيرة مزينة على صغار المحتاجين، أو أن تقدمي في العيد شيئا مميزا بعد توفيره من أموال التبرعات والصدقات التي قد تصلك في مثل هذه المناسبة.

لك أيضا خيار لا يقل أهمية، وهو الإحسان بالمشاعر والتفقد والمحبة في الله، فهذا إحسان يؤنس المستوحشين ويمكنك أن تقدميه لأولئك الأيتام في دورهم معزولين أو أولئك العجزة المنسيين، ويكون جزء من نشاط جمعيتك الجديدة التي ترصد الحاجة فتسدها بما تجمعه من أيدي أهل الجود والكرم والحكمة ثم ما يجود به القلب المؤمن.

يمكنك أن توزعي دعاية لمشروعك وتشتهري بين السكان في كل مكان فتتسع دائرة الوصل، وتصبح التغطية أفضل وأكبر.

ولو تأثرت أخرى بمشروعك واجتهدت بمثل اجتهادك فقد كسبت أجر سنة حسنة ثم التنسيق بينكما سيجعل مشروعكما أوسع وأكثر تأثيرا،

ثم لا تستثقلي فكرة المشروع ، فقد شاهدت أناسا في الغرب يجمعون الألبسة والأغطية بطريقة أنيقة نظيفة ويتبرعون بها في مراكز خاصة بتوزيع المساعدات وكان حجم إقبالهم يدعو للتأمل، ورأيت في بعض البلدان الفقيرة أناسا يجمعون بقايا الطعام من المطاعم الفاخرة والشهيرة فيعيدون طبخها وبيعها للناس، ثم تشتهر مطاعهم بشكل مذهل لأن أسعارها أقل تكلفة، والفقراء في تلك البلاد كثير! ولكن هؤلاء يسابقون لنيل خير الدنيا، وأنت تسابقين لخير أخير، إنه خير الآخرة.

نعم لابد أن هناك من يحتاج مساعدة وخاصة في بلداننا اليوم! فتأملي لو أن مشروعك هذا احتضنه من لديه قدرة أكبر على توسيعه وتطويره وتمويله، فيصبح جمعية إغاثة إسلامية لتغيث المسلمين ليس في البلاد التي تعيشين فيها فقط بل في كل العالم الإسلامي، وهذا وإن استعظمه أحد فهو ممكن وسهل لمن لديه الهمة والعزم والنيّة الخالصة في المسابقة بالخيرات، ما لا يعجزه العطاء ولا يثني عزمه العقبات، وآتاه الله بسطة في المال والعلم، وقد تبيّن من خلال الأحداث التي تمر بها أمتنا اليوم، كم نحن بحاجة لمؤسسات إغاثية مسلمة بدل تلك الغربية التي تمتهن سد حاجات الناس وفي نفس الوقت تنشر التبشير والنصرانية! وأخرى توزع الطعام الذي انتهت صلاحيته وتمن به على المسلمين بل وتستمع بمشاهد الذلّ التي يضطر له أولئك المسلمون وهم يمدون أيديهم لأسوء ما تقدمه هذه المنظمة لهم!

إن الإسلام يعز المسلمين، فدعونا نحيي من جديد هذه العزة في نفوسنا وفي نفوس فقراءنا، دعونا نسد الفراغ الذي تركه الوهن والركون والاستكانة ونزرع بدله الهمة والنشاط والمسابقة بالخيرات.

قد تكون الأفكار بسيطة في بدايتها ولكن إن شاء الله وأراد لها البركة، فستبهرك معية الله حين يصل صدى مشروعك لأقطار الأرض المسلمة وأنت المجتهدة.

فهل أدركت فحوى رسالتي وتجلت لك تفاصيل مشروع جمعية الإحسان الجديد! وتذكري أنني لا أركز كثيرا على حجم المشروع بقدر حقيقة وجوده، ذلك أن مجرد وجوده يعد إنجازا،  أما عن درجة فعاليته فلو أنه سد حاجة مسلم واحد وبطن جائعة واحدة، لهو عندي النجاح بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

فاللهم سدد خطانا لما تحب وترضى واجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر نسابق لرضاك فترضى عنا وترضنا.

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى