هل هذا هو الاهتمام بأمر المسلمين كما علمنا رسول الله؟!

هناك أمرٌ خطيرٌ يُجر إليه كثيرٌ منا نحن المنسوبون إلى الجهاد قتالًا أو تنظيرًا أو تعليقًا في الآونة الأخيرة بعد الاقتتال في الشمال السوري، هو أننا نقوقع أنفسنا بأنفسنا، وذلك من خلال طريقة تناولنا  للمشكلة، والتي تُشعر الآخرين أننا لا نرى في الساحة غير الجماعات السلفية الجهادية، وأننا نعنى بحل مشاكلها أكثر مما نُعنى بمشاكل غيرهـا ..وكأن الآخرين مسلمون درجة ثانية!
قد لا نقصد ذلك ولا نعتقده..بل كثيرٌ منا ما أخرجه من بيته، وضحى بنفسه إلا نصرةً للآخرين.
لكن تركز جهودنا ومفرداتنا باتجاهٍ معين، قد يعطي عننا انطباع أننا لم نعد نراهم.

من نحن؟

من نسمي أنفسنا أصحاب المنهج!
أي منهج؟ المنهج الواضح في إرادة إقامة الشريعة، والكفر بالديموقراطية والدساتير الوضعية.
من الآخرون؟
هم عامة الناس، والفصال غير الممنهجة التي تقاتل لغاية مشروعة، من الدفاع عن النفسِ والعرض.
الذين إذا قيل لهمشريعة، قالوا: سمعنا وأطعنا.. لا يدرون ما ديمقراطية، وما علمانية، ولا يحاربون لحساب ائتلافٍ ولا عسكري..ولم يقالوا مسلمًا لأجل إسلامه، ولا مظاهرة لكافرٍ عليه.
نقول لهم ما منهجكم؟ فيقولون: ما منهج؟!

ليس حديثي هنا عن لفصائل التي تقاتلُ من أجل تنفيذ أجنداتٍ خارجية
ليس حديثي عن الفصائل التي صُنعت على أعين النظام الدولي، وبدعم من الدول المؤتمرة بأمر  الهيئات الي تُعلن إرادتها لدولة السيادة فيها لغير شريعة الله عز وجل.. كما لن أتطرق هنا لمسألة اختزال المنهج في الكفر بالديمقراطية.

إنما أريد أن أقول:
حتى نحن..الذين ننكر على من رفضوا التحكيم المستقل، وادعوا لأنفسهم دولة، وحرفوا بوصلة الصراع..تركزت مفرداتنا، وحديثنا على الدفاع عمن نعتبرهم أنقياء المنهج، فانحصر الحديث تدريجيًا في فصيلٍ أو فصيلين، ندافع عنهم ونشيد ببطولاتهم ونترحم على قتلاهم..وغاب من حديثنا تدريجيًا السواد الأعظم من مسلمي الشام.

أترون إخوتي ماذا نفعل بذلك؟

إننا نشعر عامة الناس بالشام، أننا نخوض معركتنا نحن على أرضهم هم.. إننا نثبت بأنفسنا على أنفسنا ما عجزت قوى الكفر بداية عن إثباته علينا : أننا لا نمثل الأمة، بل فرضنا أنفسنا عليها!
إننا نضيع على أنفسنا أعظم فرصة منحنا الله إياها في الوقت المعاصر، فرصة سريان الروح الجهادية في الشعب الشامي ليتبني مشروع التحرر، وإقامة الدين الذي يدين به واقعًا في حياته، ويحتضنه بحيث يصبح انتزاع المشروع كانتزاع الروح من جسد هذا الشعب المسلم .
إننا نقوقع أنفسنا بحيث يصبح استئصال النخبة صاحبة المنهج بسهولة استئصال شوكة غريبة على الجسد.
أتألم حقيقة عندما نتناول أخبار قيادات في فصيل صاحب منهج تم تصفيتهم، فيضع أحد الآخرين من عوام المسلمين صورة أخيه أو صديقه ويقول: يا ناس هذا أيضًا مظلوم قُتل.. ألا تترحمون عليه؟ ألا تطالبون بحقه؟!
الناس الآن يستحيون فينا أخوة الإسلام، ويذكروننا بأن المسلمين تتكافؤ دماؤهم! إن بقينا نشعرهم بأنهم عندنا درجة ثانية، وليسوا من ضمن رأس المال لأنهم ليسوا أصحاب منهج، فقد نفتنهم عن دينهم، وننقلهم من ميزان حسناتنا إلى ميزان سيئاتنا!
مصيبة أدهى من نقلهم من صف أخوتنا إلى صف عداوتنا

الفصائل التي تقاتل لغاية مشروعة، ولا تنفذ أجندات خارجية هؤلاء إخوتنا، وليس من دين الله أن نضعهم على المحك، ونختبر عقائدهم لنصنفهم، بل واجبنا دعوتهم إلى ما نراه حقًا برفقٍ ليبقوا في صف دينهم وأمتهم، ويستعصوا على كيد المتآمرين.
كم نكون مخطئين حين نريد أن نبرهن لأهل الغلو أننا أنقياء المنهج، فنجر للحديث عن إخوتنا هؤلاء على أنهم متهمون نحاول إثبا براءتهم. وما براءتهم؟ أنهم ليسوا كفارًا، فحسب.
ونهددهم أننا إن رأينا منهم كفرًا فسنقف لهم بالمرصـاد..بدل أن نظهر لهم الموالاة والمحبة لأنهم مسلمون ما عرفوا من قبل جهادًا ولا علمًا ولا منهجًا ..وعاشوا تحت نظام التجهيل والقمع عقودًا.
ويغريهم أعداؤنا بالمل ليقاتلونا، فيأبى عليهم دينهم ونخوتهم أن يسلمونا،  ويقولون نعم، نريد لدين الله أن يسود.
كم نكون مخطئين حين نخاف من الثناء على إخوتنا هؤلاء؛ لئلا يقدح فينا وفي منهجنا أصحاب الألسنة الحداد  الأشحة على الخي، ويصفوننا بأننا عباد لحضنة الشعبية..وكأن تألف الناس واللين معهم ليس من دين الله تعالى!
وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم ينفق أموالًا طائلة لتأليف قلوب المشركين ..إخواننا هؤلاء مسلمون، ليسوا مشركين، ولا يريدون منا مالًا نتألفهم به، بل يريدون منا كلمة حانية وتقديرهم، وإشعارهم بأننا نراهم إخوتنا..منا وفينا، ما أظلمنا إن حرمناهم من هذه الكلمات إرضاءً لمن لا يفهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تألف قلوب الناس
ما أشد عقدتنا إن نحن خفنا أن نثني عليهم اليوم ثم يبدر منهم انحرافٌ غدًا فيأتي متتبعوا الزلات ومختلقوهـا ليعيرونا حينها بثنائنا القديم عليهم ..فنؤثر الاحتياط لسمعتنا، ونترك إخوتنا لوحشة الطريق وإغراء المتآمرين، وتنفير المنفرين.
لابد ن نقولها من قلوبنا: أن هؤلاء إخوتنا، نواليهم ونحبهم، نألم لآلامهم ونغضب لوقوع ظلمٍ عليهم، ونترحم على من نفقد منهم تمامًا كما نفعل مع من نراهم إخوة المنهج.
هؤلاء إخوتنا، عوامهم الذين يحاربون العدو الصائل الكافر أحب إلينا وأعز علينا من أنقياء المنهج _بالتعريف الضيق_ إن هم حرفوا بوصل الصراع.
صحيحٌ أن الثورات تحتاج نخبًا ذات منهج لتصبح جهادًا  على بصيرة يؤدي إلى التحرر وإقامة دين الله ويمنع من حرف المسار وسرقة الثمار.
لكن علاقة هذه النخب مع سائر مكونات الثورة لابد أن تكون علاقة تكاملية تعاونية، لا استعلائية فوقية. هذ بالإضافة إلى أن الآخرين فيهم نخبٌ دعوية ودينية وأهل علم في غير الشأن الجهادي، وأصحاب تخصصات في شتى مجالات الحياة، لا ينهض مشروع إقامة دين الله بدونهم.
هؤلاء إخوتنا، إن كنا نعلمهم المنهج، فإننا نتعلم منهم التضحية والثبات والإيمان. وقد رأيناهم يذبحون ويحرقون ليكفروا فيقولون: “لا إله إلا الله”

ومن أهم علامات نقاء المنهج:

الوفاء لهؤلاء الذين ذُبحوا وحرقوا،فأحرقوا وذبحوا عهدًا من الخنوع والذل ورحلوا عن الدُنيا دون ن تتلطخ أيديهم بدماء المسلمين من أجل سلطة أو كبر ..هؤلاء الذين لم يعرفوا المنهج لكن كن في قلوبهم إيمانٌ كالجبال الرواسي فيما نحسبهم.
إخواننا الذين أهملناهم في الفتر الأخيرة فيهم كثيرون ممن يمكن أن يكونوا كهؤلاء..كلماتٌ قليلة، واهتمامٌ بهم سيفجر فيهم ينابيع التضحية والفداء للإسلام..وليس من الإنصاف ولا العقل ولا الشريعة ولا نقاء المنهج أن نهمل هؤلاء إرضاءًا لأي أحد.

د. إياد قنيبي

داعية إسلامي أردني ودكتور جامعي ومكتشف في مجال علم الأدوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى