الإخوان بين الأمس واليوم، أما آن لهم أن يفهموا ما قاله البنا بالأمس!

ولكن قد يأتي في الأذهان بعد أن ذكرنا تلك العمليات العظيمة التي قام بها النظام الخاص في عهد البنا سؤالًا ألا وهو: هل كان لهذه العمليات من نتائج على الأرض؟

من نتائج عمليات الإخوان بالداخل المصري

إن في أواخر ١٩٥١م كتب الأخ أحمد زكي حسن-عضو مجلس قيادة النظام الخاص-تقريرًا وكانت قيادة النظام قد أوفدت أحمد زكى في جولة في منطقة القنال لدراسة الموقف، حيث كان التقرير صارخًا بقوله بأن من يرى الإنجليز في القناة، وما ينشئونه من تحصينات وتوسيعات يجزم أن هؤلاء الناس يخططون للبقاء في مصر إلى الأبد، ولكن صدق توكل المجاهدين على الله على الرغم من أن معظمهم كانوا ممن اشتركوا في معارك حرب فلسطين، وشاهدوا مآسي السياسة العربية فيها، فلم يزدهم ذلك إلا استبسالًا في المعارك في الداخل المصري.

إن هذه الصفحة الناصعة من جهاد الإخوان المسلمين في القتال، والعمليات المروعة التي قام بها أبطالهم، وكان معظم قوادهم وقادتهم من قوات النظام الخاص، هي السر الحقيقي في قبول الإنجليز بـ (مبدأ الجلاء عن مصر) وتنفيذهم له دون إبطاء، وليس كفاءة المفاوض المصري، فالإنجليز قوم عمليون لا يحركهم إلا الأمر الواقعي بمقتضى مصلحتهم الفعلية.

 

http://gty.im/51347165

من طرائف عمليات النظام الخاص ضد الإنجليز

نذكر من المواقف الطريفة الحقيقية التي حدثت بعد إحدى العمليات ضد الإنجليز:

صدر بلاغ من قيادة العدو نُشر في الصفحة الأولى في الجريدة البريطانية التي كانت تصدر في قاعدة القتال يقول:

“إن نجاح هذه العملية يؤكد الأخبار التي سبق أن ذكرناها عن وجود عناصر أجنبية من الألمان واليوغوسلاف بين صفوف الإرهابيين!”

وضحك المجاهدون سعداء بما يقرأون-لله درهم-. وبهذا الموقف الطريف نطوى صفحة من صفحات النظام الخاص ألا وهي الصفحة الخاصة بعمليات النظام الخاص ضد الإنجليز وأعوانهم.

انتهاء سرية الوثائق

لا يمكن أن نمر هكذا وحديثنا الأساسي عن الإنجليز وجهاد الإخوان لهم دون ذكر لما جاء في بعض الوثائق البريطانية وكذلك الأمريكية التي قد انتهت مدة سريتها وسمحوا بنشرها والتي جاءوا فيها بذكر الإخوان وجهادهم التليد ضدهم والتي كُتبت في عهد البنا –رحمه الله-لكن أولاً لا بد من تذكير القارئ الكريم بالآتي:

تحرص الحكومات التي تحكم في ظل الاستعمار البريطاني أن تتظاهر للأمة بأنها تتخذ قراراتها في شئون البلاد الداخلية بوحي من إرادتها الوطنية، دون تدخل للمستعمر في هذه الشئون، وأن كل الحكمة من وجود قوى الاحتلال في هذه البلاد هي الدفاع عن البلاد في حالة تعرضها لهجوم غادر من دولة أجنبية أخرى. ويتفنن الاستعمار الإنجليزي في إبرام معاهدات الصداقة بين حكومة إنجلترا وبين مثل هذه الحكومات، تحشوها بعبارات السيادة والاستقلال الزائفة، وذلك للاستهلاك المحلي حتى تقبل الشعوب نصوص هذه المعاهدات وهي تستشعر بعض العزة والكرامة ولكنها تضمن للمحتل استمرار قواته جاثمة على صدر الدولة المحتلة وكذلك تضمن استمرار مصالحه في حال مغادرة قواته فيما بعد.

http://gty.im/3266375

ولابد أيها القارئ أن تدرك أن هذه الوثائق لا تعطي كل الحقيقة ولكنها تكشف الجزء الذي يسمح المستعمرون بكشفه في الزمن الحالي اعتقادًا منهم أنه لا يضر بمصالحه.

أما الوثائق التي لا تزال نصوصها تمثل خطورة على مصالح الاستعمار في حالة نشرها، فإنها تظل محظورة رغم مرور المدة القانونية التي تكفي لرفع الحظر.

إن العدو يقظ وهو حريص دائمًا أن يلبس مسوح الود والإخلاص ليتسرب إلى أعماق الإدارات المحلية فيقودها لتحقيق مآربه في سهولة ويسر، وإن الوثائق الآتية هي خير دليل على ذلك كله بشهادة العدو نفسه.

كما أحذر القارئ من العبارات المغرضة التي دست في هذه الوثائق للإساءة إلى الإخوان المسلمين ويمكن للقارئ أن يلمحها فور قراءتها، إلا أنني حرصت لأمانة النقل أن أنقلها كما جاءت في جريدة «المسلمون» دون أدنى تغيير.

بعض ما جاء في الوثائق التي انتهت المدة القانونية لسريتها:

نسرد نصوص الوثائق البريطانية والأمريكية التي كشف عنها المؤرخ محسن محمد بعد أن مضت المدة القانونية لسريتها، ورفعت كل من الحكومتين البريطانية والأمريكية الحظر على نشرها، فهي تؤيد بالدليل المادي خيانات بعض الحكومات المصرية، كما تضمنت أن هذه الخيانات لم تكن صادرة عن عقائد خاطئة لهذه الحكومات، التي مارست أعمال الوطنية والفداء في شبابهم، ولكنها كانت خيانات عميلة للمستعمر ينفذها الخائن بأسلوب يستحي المستعمر أن يسلكه لشدة انحرافه وبعده عن كل قيمة إنسانية.

أولا: تمهيد التعامل مع الإخوان على أساس من الدراسة العلمية[i]

1-هيوات دان-رجل المخابرات البريطانية

 قال هيوات دان-رجل المخابرات البريطانية في مصر الذي يجيد اللغة العربية وتزوج مصرية مسلمة-في بحث قدمه سراً للإنجليز ثم نشره بعد ذلك كتابًا ولكن بأسلوب مختلف عن جماعة الإخوان المسلمين قال:

«تتمتع الجماعة بشعبية تفوق ما كان يتمتع به الوفد عند نشأته، وفي عصره الذهبي، ويرجع ذلك إلى حسن البنا فهو رجل تنظيم على درجة عالية من الكفاءة، يصوغ تعاليمه الدينية بطريقة بارعة تمكنه من جذب خيرة شباب البلد إليه، ومجموعة أخرى من أصحاب المناصب والمكانة الطيبة. وهو يتوجه إلى المشاعر الدينية، ويستخدم التنويم المغناطيسي العميق خلال خطبه وأحاديثه».

2-المفوضية الأمريكية

«خطورة الإخوان تكمن في المبادئ المتعصبة التي تعتنقها، وطبقًا لما يقول الإخوان، ما دامت مصر دولة إسلامية فيجب أن تحكم بقانون القرآن».

3-السفارة البريطانية

«الهدف المعلن للجماعة إقامة حكومة ومؤسسات مصرية على أساس المبادئ القرآنية الأصيلة، ونبذ الثقافة الغربية التي تعتبرها الجماعة مسئولة عما أصاب المجتمع المصري من انهيار الأخلاق، وانحلال السلوك، وفساد القيم، فقد جلبت على الشعب ما يعانيه من تعاسة وفقر، ومهمة الجماعة إقامة تنظيم قوي لديه مشاعر العداء للأجانب».

وواضح أن المقصود من كلمة الأجانب هو الاستعمار ولكن بصيغة مهذبة، وكذلك أن من بين المبادئ المتعصبة التي ذكرتها الوثائق هي ” الجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا”.

ثانيا: رصد لنشاط الإخوان المسلمين تمهيدا لضربه ضربة قاضية[ii]

كتبت المخابرات البريطانية تقريرًا تقول فيه:

«قبل الحرب العالمية الثانية بلغ عدد فروع الإخوان في مصر نحو ٥٠٠فرع ويرجع انتشارها السريع إلى أسباب منها فشل السياسيين الفاسدين في مصر في كبح جماح القلاقل الاجتماعية، فمكن ذلك من يدعو لاتخاذ الإسلام منهجا من جذب أتباع من البيئة المضطهدة، وأصبح الإخوان يتمتعون بدرجة ما من الاكتفاء الذاتي».

انتهي النقل من جريدة المسلمون.

والآن وبعد أن انتهينا من الاقتباس الذي دلَّل على أن البريطان سجلوا تاريخ الإخوان لحظة بلحظة لابد لنا أن نذكر أن ذلك التاريخ لم ينساه البريطان حتى اليوم ولكن نساه غيرهم، فمنذ عامين تقريبًا-في يوليو 2014م-قدم البرلمان البريطاني تقريراً بشأن جماعة الإخوان المسلمين كان من نتائجه

”إن المنتمي للإخوان يُعد “متطرفاً محتملاً ““

البرلمان البريطاني
صورة أرشيفية

أسباب جهاد الإخوان حسب التقرير البريطاني

يذكر التقرير في الفقرة 16 منه:

وافق حسن البنا على استخدام العنف كأداة سياسية، وأجرى الإخوان الهجمات، بما في ذلك الاغتيالات السياسية ومحاولات الاغتيال ضد أهداف الدولة المصرية وكلا المصالح البريطانية واليهودية في حياته.

 وإن من كبار شخصيات الإخوان المسلمين برر مقاومة والهجوم على قوات التحالف التي احتلت العراق وأفغانستان، وكذلك معاونة حركة حماس في حربها ضد إسرائيل. اهـ

فأي تبجح أفظع من هذا؟! فجهاد المحتل ومقاومته للتحرر من هيمنته أصبح تطرفاً صريحاً!!

في النهاية أريد منك أيها القارئ أن تدرك معي أن المعلومات التي ذُكرت سواء في الوثائق أو التقرير فمحتواها واحد ومفادها واحد وهو:

إن بريطانيا وغيرها من أعداء الأمة يدرسوا جيداً أحداث الماضي وأحداث الحاضر وما هو مُتوقع أن يحدث في المستقبل وهم يعرفوا جيداً أن أي تنظيم أو جماعة يتبنى أفكار المقاومة والتحرر من الهيمنة الغربية والسعي لأن تقوم دولة تحكم بالتعاليم القرآنية أو حتى يدندن حول تلك المعاني من قريب أو بعيد حتى وإن كان مائعاً إلا درجة المُهادنة الصريحة فهو على الرغم من ذلك عدو لها وتَعُدُه متطرفاً مُحتملاً.

فهم يعلموا جيداً ما وصل الحال بجماعة الإخوان اليوم وأنهم أبعد ما يكون من منهج مؤسسهم الأول حسن البنا-عليه رحمة الله-وأن شعارهم الحالي أقرب ما يكون شعاراً أجوفاً خاوياً من معانيه، مع ذلك يدركون جيدًا أن إخوان الأمس كانوا يؤمنون بشعارهم ” الجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا” أيما إيمان، وكان يعملون به أيما عمل وكيف لا وقد ذاق الإنجليز من جهاد نظامهم الخاص الويلات، ولكنهم يخشون كما يُقال ربما يَحنُ الوليد إلى أمه يوماً ما!!

فهلّا يَحنُ الوليد إلى أمه اليوم! فهلّا يتفكر ذاك الوليد إلى ماضيه المجيد !! فهلّا يَسُلك ما سلكه أجداده العظام !!

خاتمة: عتاب أمة لشباب الإخوان

أكتب وكلِ عتاب يمزجه أمل، عتاب على شباب تلك الجماعة الذين لم يقرأوا جيداً ماضي أجدادهم الأوائل وجهادهم الواضح والمستميت البعيد تمامًا عن واقع جماعتهم اليوم وكلِ أمل في أن يبحث شباب اليوم في صفحات التاريخ، تاريخ جماعتهم وجهادها الفريد. فوالله ما أروع جهاد أجدادكم الأوائل! ووالله ما أحوجكم لقراءة ماضي أجدادكم الأوائل البنا وقطب!!

فيا شباب الإخوان تفكروا جيداً فيما قاله البنا- رحمه الله تعالى- في بعض رسائله تحت عنوان “آن لنا أن نفهم“، يجب أن يتفكر شباب تلك الجماعة في حال جماعتهم اليوم–التي كانت بالأمس عزيزة بجهادها على أعدائها واليوم أحوالها في الحضيض في أي بلد كانت-وأن يقرأوا:

 كان المسلمون يفهمون هذا قديما ويعملون له ويحملهم إيمانهم على التضحية في سبيله، أما في هذه الأيام فقد تفرق المسلمون في فهم مهمتهم واتخذوا من التأويل والتعطيل سندًا للقعود والكسل، فمن قائل يقول لك: مضى وقت الجهاد والعمل، وآخر يثبط همتك يقول لك بأن الوسائل معدومة والأمم الإسلامية مقيدة، وثالث رضي من دينه كلمات يلوكها لسانه صباح مساء، وقنع من عبادته بركعات يؤديها وقلبه هواء. لا لا أيها الإخوان، القرآن يناديكم بوضوح وجلاء:

 ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات:15]

بهذه الكلمات وجه البنا -رحمه الله-كلماته إلى جموع الإخوان ففهموها ووعوها وعملوا بها أما اليوم فالواقع أصدق من أي مقال.

أما آن لهم الآن أن يفهموا ما قاله البنا بالأمس !!

حديث البنا وكأنه موجه إلى قيادة الإخوان اليوم

ومما قاله أيضاً-رحمه الله تعالى-للحكومة المصرية في عام 1946م حينما كانت تفاوض عدوها-المحتل الإنجليزي-بشأن التحرر من الهيمنة البريطانية وكأنه يحدث إخوان اليوم بهذه الكلمات الصادقة الخالصة يقول فيها:

(حين يضعف إيمان أمة بحقها وبوجودها وبمعاني القوة في يدها تلجأ دائما إلى الوسائل الضعيفة، والأساليب الهزيلة لتحقيق غايتها والوصول إلى أهدافها، وتهرب من ميادين العمل الجدي إلى الألفاظ المعسولة والأقوال المملولة، والأخذ والرد والإرخاء والشد مع خصومها وغاصبي حقها، وتسمى ذلك أحيانا محادثات وأخرى مفاوضات وثالثة لباقة سياسية أو كياسة دبلوماسية أو أخذًا بالحكمة أو خوفا على مستقبل الأمة إلى غير ذلك من هذه الكلمات التي لا تدل إلا على التردد والحيرة، والتهرب من الجهاد والتضحية. وكلما نصح الناصحون أو أهاب بها المؤمنون، كان الجواب: ماذا نفعل؟ ولكن لهذا السؤال جوابًا هي تعلمه ولا تعلنه وتعرفه ولا تريده، وإنها لتظل هكذا في حيرتها كحمار الرحى يدور والمكان الذي بدأ منه هو الذي انتهي إليه.

قيادات الإخوان داخل الكونجرس

فإن أسعفتها المقادير وواتتها الحوادث العالمية والظروف الدولية فستظفر بمغنم شكلي واستقلال صوري، وحق مبتور وحرية شوهاء وطول مرخي وثنياه بيد الخصوم، فإن شاءوا مدوا لها السبيل فتنفست، وإن شاءوا قصروا طرف الحبل فشعرت بالضيق وانحرفت عن الطريق، وذلك استقلال المفاوضين، وجزاء القاعدين المتخلفين، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

أما الأمة القوية بحقها، المؤمنة بنفسها وبوجودها، العارفة بما يحيط بها، وبعناصر السلامة فيها ومعانى القوة بين أيديها، والتي وطنت النفس على البذل في سبيل الحق، والجهاد لتصل إلى الفوز والنصر، هذه الأمة لن ترضى بالدون من المقاصد، ولن تخدع بالهزيل من الوسائل، ولن تضيع الوقت في غير طائل، ولن ترضى بأنصاف الحلول ولن تقف عند القول المعسول، فهي إما أن يسلم لها بحقها من أول الطريق فتعود ظافرة قاهرة، وإلا فطريق الجهاد معروفة واضحة فيها متسع للجميع

تصالتمرد الإسلامي في مصر

﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ*سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ*وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ [محمد:4-6]

 

جاهدوا بالأمس فكانوا أعزة… واليوم هادنوا فأمسوا أذلة… فهلّا يعودوا لمنبع المنهاج

منهاج مؤسسهم وقائدهم حسن… قادهم بعقيدة وخير جهاد

 

المصادر

  • [i] اقتباسًا من (العدد 44 من جريدة المسلمون)
  • [ii] اقتباسًا من (العدد 45 من جريدة المسلمون)
  • كتاب حقيقة التنظيم الخاص لمحمود الصباغ.
  • كتاب نقاط فوق الحروف لأحمد عادل كمال.
  • كتاب من قتل حسن البنا لمحسن محمد.
  • مقال بعنوان: ” بين استقلال المجاهدين … واستقلال المفاوضين ” في جريدة الإخوان المسلمون اليومية.
  • من رسائل حسن البنا –رحمه الله-.
  • تقرير البرلمان البريطاني يوليو 2014م.

عمّار إسماعيل

المستقبل ليس سيناريو مكتوبًا وعلينا فقط أن نقوم بتمثيله؛ بل هو عمل يجب أن نصنعه… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى