تعرف على سيرة الإمام ناصر الدين الألباني

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

فهنا ترجمة موجزة وسيرة مختصرة لمحدث العصر وبركة الزمان الشيخ الإمام ناصر الدين محمد بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني الأرنؤوطي.

وُلِد رحمه الله عام 1332 لهجرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الموافق 1914 للميلاد في مدينة أشقوردة بألبانيا فإليهما يُنسَب.

رحل به أبوه من ألبانيا إلى دمشق خوفًا عليه وعلى إخوته من التغريب الذي كان يُمارَس من قبل نظام الحكم هناك. فألحقه بمدرسة جمعية الإسعاف الخيرية والتي أتمَّ بها المرحلة الابتدائية، لكن لم يَرُقْ نظام التعليم لوالد الشيخ فأخرجه منه وعَمِل له برنامجًا علميًا مركزًا، فختم القرآن على يدي والده، وكان والده من علماء الحنفية، ودرس على يديه أيضًا بعضًا من كتب الصرف وكتب الفقه ومنها كتاب (مختصر القُدُوري) في الفقه الحنفي.

وممن درس على يديهم أيضًا الشيخ محمد سعيد البرهاني رحمه الله، فقد درس على يديه كتاب (مراقي الفلاح) في الفقه الحنفي وكتاب (شذور الذهب) في النحو. وكان يحضر أيضًا دروس الشيخ العلامة محمد بهجة البيطار رحمه الله. وأجازه مؤرخ حلب ومحدِّثها الشيخ محمد راغب الطباخ بمروياته. وبدأ طلبه لعلم الحديث وهو في العشرين من عمره متأثرًا بمقالات الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار.

موقف مع والده

كان في دمشق في ذلك الوقت تُقام الصلاة في المساجد أكثر من مرة، بحيث يصلي كل مذهب على حدة، فكان المسجد الذي يصلي فيه الشيخ الألباني ووالده تُقام فيه الصلاة أولًا للمذهب الشافعي، وبعد فراغ الشافعية من صلاتهم، تُقام الصلاة مرة أخرى للأحناف وكان الشيخ نوح نجاتي والد الشيخ الألباني حنفي المذهب، وكان الشيخ الألباني في أول أمره يصلي مع الأحناف ولكن بعد دراسته لعلم الحديث وما تبين له من أن الصلاة بهذه الطريقة خطأ، بدأ يصلي في الجماعة الأولى بغض النظر عن المذهب.

وفي يوم من الأيام عرض لإمام المذهب الحنفي طارئ، فطلب من الشيخ نوح نجاتي الصلاة مكانه، وأيضًا وقع للشيخ نوح عارض فطلب من ولده ناصر الدين الألباني الصلاة مكانه.

فقال له الشيخ الألباني: أنت تعلم أني لا أصلي إلا في الجماعة الأولى.

فقال له الشيخ نوح: إما الوفاق أو الفراق (يعني إما أن نتفق في المذهب أو نفترق).

فقال له الشيخ الألباني: أمهلني ثلاث أيام أنظر في أمري، ثم فارقه بعدها.

وكان الشيخ الألباني يزوره في منزله وتدور بينهما نقاشات، وكان والده يقول له: أنا لا أنكر أني استفدت منك.

قال الشيخ الألباني: وأنا لاحظت عليه هذا، حيث أنه ترك زيارة المساجد التي بها قبور الصالحين.

اشتغاله بطلب العلم وتصليح الساعات

قام الشيخ الألباني بعد فراق أبيه باستئجار محل، جعل نصفه لتصليح الساعات والنصف الآخر مكتبة صغيرة خاصة به. يقول عن نفسه رحمه الله:

من توفيق الله تعالى وفضله عليّ أن وجهني منذ أول شبابي إلى تعلم هذه المهنة–أي تصليح الساعات–ذلك لأنها حرة، لا تتعارض مع جهودي في علم السُّنة، فلقد أعطيت لها من وقتي كل يوم، ماعدا الثلاثاء والجمعة، ثلاث ساعات فقط، وهذا القدر مكنني من الحصول على القوت اللازم لي ولعيالي وأطفالي على طريق الكفاف طبعًا.

ثم يكمل رحمه الله:

وسائر الوقت أصرفه في سبيل طلب العلم والتأليف، ودراسة كتب الحديث، وخاصة المخطوطات منها في المكتبة الظاهرية، ولذلك فإنني ألازم هذه المكتبة ملازمة موظفيها لها، ويتراوح ما أقضيه من الوقت فيها ما بين ست ساعات إلى ثماني ساعات يوميًا، على اختلاف النظام الصيفي والشتوي في الدوام.

تدريسه في الجامعة الإسلامية

وفي عام 1381 للهجرة عُيّن مدرسًا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وبقي فيها حتى عام 1383 هـ، ثم عاد بعدها إلى دمشق وإلى المكتبة الظاهرية وترك مهنة تصليح الساعات وأكبّ على الدراسة والتأليف.

ثناء العلماء عليه

  • قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لا أعلم تحت قبة الفلك في هذا العصر أعلم من الشيخ ناصر في علم الحديث. وقال أيضًا: الشيخ الألباني من المجاهدين في سبيل حِفظ السُّنة.
  • أما الشيخ محمد بن صالح العثيمين: فقد رأى شريطًا مكتوبًا عليه: (لمحدث الشام ناصر الدين الألباني)، فقال: بل محدث العصر.
  • وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ: لا شك أن فقد العلامة ناصر الدين الألباني مصيبة، لأنه عَلَم من أعلام الأمة، ومحدث من محدثيها، وبهم حفظ الله جلّ وعلا هذا الدين ونشر الله بهم السُّنة.

ورعُه وزهدُه رحمه الله

حج رحمه الله أكثر من ثلاثين حجة، وربما اعتمر في السنة مرتين، وكان يحرص على صيام يوم الإثنين والخميس في الصيف والشتاء، وكان إذا دخل المسجد يوم الجمعة لا يزال يصلي ركعتين ركعتين حتى يصعد الإمام إلى المنبر. واتصلت به فتاة تبشره أنها رأته ورسول الله صلى الله عليه وسلم على الطريق، فجعل يبكي ولا يرد عليها ودعا من عنده من الحضور للانصراف.

بعض من أسماء كتبه:

سلسلة الأحاديث الصحيحة

سلسلة الأحاديث الضعيفة

صحيح وضعيف الترغيب والترهيب

تبويب وترتيب أحاديث الجامع الصغير وزيادته على أبواب الفقه

صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته

التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل

صحيح الأدب المفرد

وهذه أبيات من مرثية الدكتور عادل رفوش في الشيخ الألباني رحمه الله تعالى وهي طويلة وماتعة:

طوبى لعبدٍ أتى الدنيا على وجلٍ ** كما أتى ناصر الدين الذي ذهبَ
مضى إلى الله يا لَلحزن من خبرٍ ** لو أنه كذبٌ قد أمدح الكذبَ

المصادر

سمعت بعض ما ذُكِر من الشيخ عبد الله بن آدم الألباني حفظه الله ابن أخ الشيخ ناصر الدين.

والبعض الآخر من كتاب محمد ناصر الدين الألباني محدث العصر وناصر السنة / تأليف إبراهيم محمد العلي.

تامر أبو سلطان

باحث في العلوم الشرعية، وحاصل على ليسانس الآداب، قسم الدراسات الإسلامية، جامعة سوهاج.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ورد في المقالة: “وكان الشيخ الألباني في أول أمره يصلي مع الأحناف ولكن بعد دراسته لعلم الحديث وما تبين له من أن الصلاة بهذه الطريقة خطأ…”.
    وهذا الكلام خطير، فأرجو إعادة النظر فيه، أو تبيينه، فالخطأ في الصلاة مصيبة، وهو هنا لا يتكلم عن صلاة شخص، وإنما عن مذهب يتبعه ربع المسلمين، وكان مذهبا شبه سائد منذ عصر هارون الرشيد إلى أواخر أيام الخلافة العثمانية، وحتى في يومنا هذا فإن مذهب أبي حنيفة ومذهب الشافعي سائدان! فهل كانت صلاة تلك الأجيال خطأ؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى