العقيدة والسياسة.. مسائل في النظرية السياسية في الإسلام
بناء على الواقع الجديد للأمة العربية بعد عام 2011 والذي كشف جهلاً كبيراً عند المسلمين بالنظرية السياسية الإسلامية كان لا بد من العناية بهذا الجانب من الفقه الشرعي وتنوع الكتابة في جوانبه في التأصيل والتنزيل.
لقد هيمنت السياسة على الدين وأخذت منه ما يصلح لها في بعض المراحل التاريخية لهذه الأمة ووصل التأثير إلى بعض العلماء ومؤلفاتهم بما يستدعي مراجعات كثيرة .
ليس من الدين جزء مهمل ، لكن النظرية السياسة من الإسلام ورغم كثرة ما كتب في بعض جوانبها إلا أنها مازالت بحاجة إلى الاهتمام والتأليف والحوار حولها ، ومن هنا كانت البداية.
يتألف الكتاب من ثلاثة أبواب:
1- الباب الأول: موقع السياسة الشرعية من العقيدة واهتمام علماء العقيدة بقضايا السياسة
الفصل الأول: سقوط الخلافة وسبب الافتراق بين السياسة والعقيدة
الفصل الثاني: مؤلفات علماء العقيدة في السياسة في القرون الخمسة الأولى ومجمل ما اتفقوا عليه
الفصل الثالث: أبرز النظريات السياسية المعاصرة ومدى توافقها مع العقيدة الإسلامية
2- الباب الثاني: المبادئ الشرعية والعقدية لعلم السياسة في الإسلام
الفصل الأول: مصادر هذه المبادئ
الفصل الثاني: مرتكزات نظام الحكم في الإسلام
الفصل الثالث: الثواب والمتغيرات في باب السياسة الشرعية
3- الباب الثالث: ارتباط السياسة بالعقيدة
الفصل الأول: الأدلة
الفصل الثاني: أن الدنيوي والديني مرتبطان بالعقيدة في الإسلام وتطبيقات ذلك …
يقدم الباحث دراسةً عميقة في جذور الفصل والفصم بين الشريعة والعقيدة لدى الكنيسة وكيف هرع بعض المسلمين على آثار هذه الخطى ويفند الاتجاهات الشرقية والغربية نحو الاشتراكية والرأسمالية وفي جذور الفصل بين العقيدة والسياسة يورد المؤلف بعض أراء المؤرخين والباحثين في ذلك:
” اعتبر ((أرنولد توينبي)) أن ما وقع في عصر السلطان محمود الثاني أول تأثير غربي حقيقي على تركيا ” ([1])
” يقول الدكتور شفيق غربال : ( إن ما قام به السلاطين [العثمانيين] من محاولة للإصلاح على الطريقة الغربية يعادل أضعاف ما فعله الكماليون بعد الحرب الكبرى وأن الكماليين لم يفعلوا أكثر من إتمام ما بدأه السلاطين )
وكل ما سبق مهّد الطريق للخطوة الأخيرة في القضاء على الشريعة وتنحيتها تماماً عن الحكم والسياسة وذلك فيما فعله ((كمال أتاتورك)) سنة 1342 هـ -1924م حينما ألغى الخلافة الإسلامية واتخذ دستوراً مدنياً وألغى المحاكم الشرعية [فلم يترك إلغاء الشريعة في الهند 1856م و إلغاؤها في الجزائر 1830م نفس الأثر القاصم إثر إلغاء الشرعية في تركيا ] ذلك لأن تركيا دولة الخلافة وبقية البلاد في ذلك الوقت أطراف لم تتأثر بها سائر البلاد كما تأثرت بعاصمة الخلافة حينما نحت الشريعة وألغت الخلافة .
وبهذا انتهت الصلة بين الحكم والسياسة ، وانقطعت بوضوح بلا مورابة ولأول مرة في تاريخ المسلمين وفي جميع المجالات السياسية والاقتصادية والدينية ، وأصبح الدين محصوراً في المسجد ودود العبادة وزوايا الصوفية والله المستعان ” ([2])
” والحضارة المعاصرة العلمانية قامت منذ لحظتها الأولى على العداء للدين ذلك لأن الدين في أوربا بصورته الكنسية التي كانت هناك لم يكن يسعَ إلى تحسين أحوال البشر على الأرض أو إزالة المظالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تقع عليهم وإنما كان يدعو إلى الزهد في الحياة الدنيا برمتها وترك كل شيء على ما هو عليه لأن فترة الحياة الدنيا – زعموا – هي أقصر وأضأل من أن يحاول الإنسان تعديل أوضاع الناس فيها وإن احتمال المشقة في الحياة الدنيا واحتمال ما فيها من المظالم لهو لون من التقرب إلى الله عز وجل يساعد على الخلاص بل ذهبت إلى أكثر من ذلك حين علمتهم : أن الرضا بالواقع السيء وعدم محاولة التغيير هو الرضا بقدر الله عز وجل وأن عدم الرضا هو من التمرد على إرادة الله عز وجل لقد كان الدين الكنسي يحارب العلم ويحجر على الفكر ويحتقر الجسد ويعذبه من أجل صلاح الروح في الوقت الذي يبيح للإقطاعيين أن يمتصوا دماء الفلاحين ويتمتعوا كما يشاءون.
لقد قامت النهضة الأوربية كرد فعل على الكبت الذي وقع على الناس بسبب الفهم الكنسي للدين ولقد اندفعت أوربا في نهضتها تنزع كل ما في طريقها مما يمت إلى الدين بصله ، وتضع محل كل ذلك معالم بشرية من إنتاج البشر تستبدل بها كل ما يتصل بالآخرة وكان .. إبعاد الدين في الحضارة المعاصرة عن سائر جوانب الحياة .
أما إبعاد الدين عن السياسة في أوربا فقد سبق ذلك بكثير منذ زمن اعتناق الدولة الرومانية للمسيحية إذ أنها اعتنقتها عقيدة فقط ولم تأخذ من الشريعة إلا بعض الأحوال الشخصية والأمور المدنية ” ([3])
” الديمقراطية الغربية تاريخها السياسي طويل حيث أنها ظهرت مبادئ قبل أن تظهر في التطبيقات فقد تبنت المبادئ الليبرالية ثلاث ثورات سياسية كبرى قبل أن تصبح تطبيقاً في الواقع وتلك الثورات هي الثورة الإنجليزية عام 1668 م ، ثم الثورة الأمريكية عام 1776 م ، ثم أخيراً الثورة الفرنسية عام 1789 م ، وقصارى ما ميز الفكر السياسي حينذاك هو معارضة السلطة المطلقة للملوك والتي كانت أباطرة أوربا تسلطوا بها على الشعوب الأوربية بناء على مبدأ (( الحق الإلهي)) الذي يبرر للحكام ما يفعلون ويمنع في ذات الوقت الاعتراض والنقد لهم ” ([4])
” وقد كان السوفسطائي الراديكالي ((ثراسيما خوس)) صادقاً حين رفض كلية فكرة نظام الحكم الأفضل وأنه لا يوجد نظام سياسي صالح لكل زمان ومكان ، لأن النظام عادة يضعه الأقوياء لإشباع غرائزهم في السيطرة ولخدمة أنانيّتهم.
أما (( أفلاطون)) فقد انتقد النظام الديمقراطي ووصفه بأنه غير أخلاقي لأن الحرية الكاملة التي قام عليها قادت إلى الفوضة والدمار .
وكذلك ((أرسطو)) …” ([5])
“وكان أحد أشهر كتاب الصحف الأمريكيين قد وضع كتاباً بعنوان ((أفضل ديمقراطية يمكن شراءها)) أثبت خلاله بالأرقام فساد السلطة في أمريكا ووحشية الأساليب السياسية التي ينتهجها الاقتصاد العالمي بقيادة الدول الصناعية الكبرى ” ([6])
مذهب الشك:
” وهذا الفكر ((الديكارتي)) كان هو البداية الأولى للتحرر الفكري من الدين .
و ( إنَّ ديكارت أحلَّ البحثَ الحر محلَّ الخضوع للسلطة ، والبرهنة العقلية محلَّ الإيمان وهو بذلك مؤسس فلسفة التنوير) !! ” ([7]) [الشك]
[وهذا مما بليت الأمة به حين اتبع بعض أبنائها العققة هذه المذاهب المارقة !!
و بهذه الطريقة يستطيع أعداء الإسلام تجريد المسلمين من دينهم وروح نهضتهم وفلاحهم وهو الإيمان إذ أنَّ الإيمان بالغيبيات لا يمكن إقامة دليل (عقلي) عليه !! ]
خدعوك فقالوا ((حرية فردية )):
” القول بحرية الفرد يقصدون به : الحرية التلقائية التي تنمو وتتطور لتصل بالمجتمع إلى الحضارة وهذا من التناقضات .. لأنهم يرون أن الفعل التلقائي لا بد أن يكون فردياً لا يتضمن أي غاية جماعية ، بينما يرونه هنا أداة لصنع الحضارة ووسيلة لذلك !!!” ([8])
الثوابت والمتغيرات:
” وجدير بالانتباه في هذا الفصل أيضاً التذكير بقاعدة ذكرها بعض فضلاء العصر رحمه الله حين قال : ( الأصل في العبادات هو التعبد والتقيد بالنص دون النظر إلى العلل والمقاصد ، والأصل في العادات والمعاملات هو النظر إلى العلل والأسرار والمقاصد) ومعناه أن العبادات ينبغي أن يعمل بها ويسلم لها حتى لو لم يدرك المسلم علل مشروعيتها وتحديد صفاتها أما العادات والمعاملات ومنها أكثر قضايا السياسة الشرعية في شئون الحياة المختلفة فإنما شرعت لمصالح العباد فكان الحكم فيها مرتبطاً بالمصلحة ودفع المفسدة وسياسة الناس بكل عمل فيه مصلحتهم ولا يخالف أصول شريعتهم ، وهذا ما أدركه الخلفاء الراشدون في خلافتهم فجعل عمر يوقف حد الردة عام الجماعة ويغير تقدير الجزية ويتوقف في توزيع الأراضي المفتوحة على المقاتلين وهو ما جعل أبا بكر وعثمان يجمعان القرآن وهو ما جعل عثمان رضي الله عنه يأمر بالتقاط ضالة الإبل وجعل علياً رضي الله عنه يُضمّن الصناع ما يتلف بأيديهم وغير ذلك مما فعله الصحابة سياسة ورأوا أن فيه سياسة شرعية للناس في زمانهم .” ([9])
السياسة الشرعية الرشيدة:
” كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري : (واسِ بين الناسِ في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يطمعَ الشريف في حيفك ولا ييأس ضعيفٌ من عدلك )”
الأحكام السلطانية ص68
” لا بد للسياسة الشرعية المنشودة : أن تعرف مراتبها وتفاوتها فيما بينها فتقدم المصالح الضرورية على المصالح الحاجية وتقدم الحاجية على التحسينية وحتى المصالح الضرورية فيما بينها فتقدم المصلحة المتعلقة بحفظ الدين على المصلحة المتعلقة بحفظ النفس إذ الدين هو غاية الكون وروح الحياة وجوهر الوجود وسر الإنسان “
السياسة الشرعية د. يوسف القرضاوي ص310
قال ابن قدامة رحمة الله : ( أمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك )
المغني (10/386)
[هذا إذا كان الإمام شرعياً حتى يكون له الحق في إلزام الرعية يقول الدكتور أحمد خيري العمري في تفسير آية “وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم” أنهم أي أولوا الأمر : 1- جماعةٌ وليسوا أفرداً 2- أن طاعةَ الناسِ لهم تتناسب مع طاعتهم لله ورسوله 3- وأن كلمة (منكم) تعني أنهم صادرين عنكم منقول بتصرف كتاب سيرة خليفة قادم د. أحمد خيري العمري ص 433-445]أحوال الجهاد :
” فإن آيات الجهاد في القرآن كلها محكمة يأخذ المسلمون منها بما شاءوا حسب قوتهم وضعفهم ومصلحة أمتهم قال الزركشي – رحمه الله – ( وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف أنها منسوخة بآية السيف وليست كذلك بل هي من المُنسأ بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة توجب هذا الحكم ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر ويعود هذا الحكمان – المسالمة والمسابقة – بعود سببهما وليس حكم المسابقة ناسخاً لحكم المسالمة بل كل منهما يجب امتثاله في وقته )”
([10])
إن الحكم إلا لله :
” الشيخ يوسف القرضاوي يقول : ( الذي يرفض مبدأ تحكيم الشريعة من الأساس ليس له من الإسلام إلا اسمه مرتد عن الإسلام يجب أن يستتاب وتزاح عنه الشبهة وتقام عليه الحجة )
الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه ص 73
” (و وجود المنافقين في المجتمع الإسلامي من أكبر العوامل التي تقوِّض دعائم الدولة الإسلامية لأنه يوجد فيهم عادة من تتوافر فيهم مؤهلات الزعامة فلا يتردد المسلمون في تقليدهم أمورهم لأنهم مسلمون في الظاهر وقد يتغلبون على الحكم … فيستغلون ما في أيديهم من السلطة لتحقيق منافعهم الشخصية … وسيقربون منهم ضعاف الإيمان والمنافقين من أمثالهم ويسندون إليهم الأمور المهمة ويبعدون من يتوسمون فيهم القوة والإيمان والثبات على الدين )”
المنافقون في القرآن الكريم – عبدالعزيز الحميدي ص44
ملاحظة:
كتاب العقيدة والسياسة مسائل في النظرية السياسية في الإسلام للدكتور محمد أحمد الزهراني صادر عن دار الوعي للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية 1436هـ
1- كل الاقتباسات من الكتب الأخرى هي مأخوذة من الكتاب.
2- كل ما بين [] هو من إضافة كاتب هذا المقال.