وراء الكواليس.. العلاقة الخفية بين إيران وأمريكا- الجزء الثاني
- عرض مختصر وسريع لأهم ما جاء في دراسة “المربط الصفوي: مقاربات عقدية وسوسيولوجية وسياسية وتاريخية” لدكتور: أكرم حجازي.
في دولة رأسمالية تقوم فلسفتهًا على السوق، حيث يمكن تسليع أي أمر أو شيء؛ وحيث مبدًا الكسب والخسارة هو معيار النجاح والفشل، يبدو كل شيء ممكنًا، بمًا في ذلك العلاقة مع إيران «الإمامية»، المؤمنة بـ «الولاية»، والكاظمة لغيظ فارس «المجوسية».
فمًا من سبب يمنع قيام تحالفات استراتيجية بين الجانبين، لاسيما أن البراغماتية، وكل المشتركات المصيرية بين الولايات المتحدة وإيران وحتى «إسرائيل»، متوفرة لديهم تاريخيًا وموضوعيًا ومستقبليا. بالإضافة لما ذكره تريتا بارزي في «التحالف الغادر» عن مقترح إيراني بعد غزو العراق سنة 2003 لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة و «إسرائيل».
مشروع تقاسم نفوذ بين الولايات المتحدة وإيران
رواية د. يورغن تودنهوفر
كشف النائب الألماني السابق د. يورغن تودنهوفر، في مقالة له نشرت في 6/10/2013، في ثلاثة صحف ألمانية هي «berliner-zeitung» و«Frankfurter Rundschau» و«Kölner_Stadt-Anzeiger»، عن مشروع تقاسم نفوذ بين الولايات المتحدة وإيران، كان الكاتب فيه وسيطًا بين الجانبين، لتقديم العرض إلى الإدارة الأمريكية في 26/4/2010.
ويقول الكاتب بأن الورقة الإيرانية نصت على أن:
إيران تريد السلام مع الولايات المتحدة، وأنها طلبت أن تكون المفاوضات مع الأمريكيين (1) ندِّية، و (2) على أعلى مستوى، و (3) بعيدة عن الصخب الإعلامي الأمريكي، (4) وأن يكون وزير العدل الألماني، ولفغانغ شويبيليه، وسيطًا لترتيب هذه المفاوضات
وفي ذلك الحين لم تنف إيران ما ورد في مقالة تودنهوفر. أما جوهر المشروع، فينص على:
- تقديم إيران ضمانات موثقة وحقيقية تتعهد فيها بعدم صنع القنبلة النووية، من بين تلك الضمانات التزام الحكومة الإيرانية بعدم تخصيب اليورانيوم لأكثر من نسبة 20% المخصصة للأغراض الطبية.
- الاستعداد للوصول إلى اتفاق مرض مع أمريكا حول تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.
- استعداد إيران للمساهمة البناءة في إيجاد الحلول للصراع في أفغانستان والعراق.
- الاستعداد للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة الإرهاب العالمي بأفكار وإجراءات ملموسة.
صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية
عشية تشكيل التحالف الدولي ضد «الدولة الإسلامية»، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن:
رسالة سرية بعث الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، الشهر الماضي، يؤكد فيها المصالح المشتركة بين البلدين في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية
وأن:
الخطاب الذي أرسل منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي يوضح أن التعاون بين الولايات المتحدة وإيران بشأن محاربة التنظيم مرتبط باتفاق يجري التفاوض عليه بين إيران ودول أخرى بخصوص البرنامج النووي الإيراني
وأن مسؤولي الإدارة:
«لم ينفوا وجود الرسالة حين سألهم دبلوماسيون أجانب في الأيام القليلة الماضية».
مقابلة مع الإذاعة الوطنية NBR
من جهتهم، وكالعادة، رفض الإيرانيون، بلسان المرشد، الطلب الأمريكي، فيما وصف الرئيس حسن روحاني التحالف الدولي ضد «الدولة الإسلامية» بأنه «مثير للسخرية». ومع أن الجانبين دخلا في جدل إعلامي، إلًا أن الرئيس الأمريكي عاد بعد نحو شهرين، وخلال التفاوض على البرنامج النووي الإيراني، ليقدم عرضًا أمريكيا لإيران، في مقابلة مع الإذاعة الوطنية «NBR – 18/12/2014»، قال فيه ما لم يقله من قبل:
إن طهران يمكن أن تصبح قوة إقليمية ناجحة للغاية إذا وافقت على اتفاق طويل الأمد توقف بموجبه برنامجها النووي، وأمامها فرصة للتصالح مع العالم
وفي حديثه حول العقوبات قال أوباما:
رفع العقوبات عن طهران سيساعدها على أن تصبح قوة إقليمية ناجحة للغاية، تلتزم أيضًا بالمعايير والقواعد الدولية
أما عن سر هذا العرض الفاتن، بحسب أوباما، فلأنه:
«سيكون… في مصلحة الجميع».
فورين بوليسي
بعد استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية – صنعاء والكثير من المحافظات اليمنية، نشرت مجلة «فورين بوليسي» تقريرًا يقول بأنه بعد الدعم العسكري الأمريكي للقوات الإيرانية في العراق وسوريا؛ فإن:
اليمن يمكن أن يكون ساحة المعركة القادمة، وأن الشراكة القلقة بين واشنطن وطهران تمتد الآن إلى اليمن
وختم التقرير بالقول:
إن الولايات المتحدة مستعدة للسماح لإيران بتوسيع نفوذها في المنطقة، وهذًا في جزء منه للمساعدة في تأمين صفقة نووية
رغم «الشراكة القلقة»؛ إلًا أن الجيوش الإيرانية، الأمنية والعسكرية، منتشرة في العديد من الدول، وسط عشرات المليشيات الشيعية المدججة بالسلاح، وعشرات القنوات الفضائية، وتصريحات إيرانية لا تكل ولا تمل من الحديث عن التوسع، ومقترحات سياسية للتفاهم على المنطقة، الواحد تلو الآخر، وترحيب أمريكي وغربي وشرقي بدور إيراني يرفع عنها كاهل التدخلات، وبما يسمح للقوى الدولية الالتفات إلى مشاكلها الداخلية.
مجلة «economist»
من جهتها أوردت مجلة «economist» البريطانية في تقرير لها شهادات ذات مغزى عن طريقة عمل المليشيات الشيعية وأهدافها. واستنادًا إلى شهادة الشيعي العراقي، أوس الخفجي، يقول الكاتب إن:
«العديد من المقاتلين الشيعة يدَّعون ببساطة أنهم يدافعون عن المراقد الشيعية المقدسة. لكن رجاله في سوريا لا يقاتلون لأجل الأسد».
أما الخفجي نفسه فيأمل بأن يشكل:
«حراس الثورة الشيعية، قوة واحدة في المنطقة كاملة».
وبحسب التقرير فإن:
دور المليشيات يتعدى المراقد. رجال حزب الله لا يخفون سيطرتهم على جنوب سوريا، على الحدود الإسرائيلية، كما يلمحون بأن هذه الأرض لن ترجع للأسد. أحد قادة حزب الله قال إن الحزب في سوريا هو من يبدأ الضربات
وأحد قادة المليشيات يقول:
«كل بلد عملية منفصلة، لكن الهدف واحد».
وببساطة؛ فالتقرير يفسر دعم النظام الدولي لهذه المليشيات، ومثلها الكردية، وعدم التعرض لها على خلفية قراءة مواقف: الحكومات الغربية التي تنظر للمليشيات الشيعية بشكل أقل قلقًا عن نظرائها السنة، بالرغم من أنها تنافسها بالدموية أحيانا.
لذا فإن:
«أحد الأسباب لذلك هو أنهم لم يستهدفوا الغربيين بعد».
Charles Krauthammer
ومع أنه ما من خطر يتهدد الوجود الدولي في المنطقة، إلا أن Charles Krauthammer كتب مقالًا نقديًا في صحيفة «الواشنطن بوست» بعنوان: «حلم أوباما في الشرق الأوسط تحقق: إيران قوة إقليمية ناجحة جدًا». وفيه يقول:
«هذا هو الشرق الأوسط الجديد. واقعه الاستراتيجي واضح للجميع: إيران في ارتفاع، بمساعدة مستغربة من قبل الولايات المتحدة».
ووفقًا لرؤيته، التي تعتمد على الواقع السياسي بعيدًا عن الإرث السياسي للنظام الدولي، يقول الكاتب:
«كانت استراتيجية أوباما الأولية في الشرق الأوسط هي الانسحاب منه ببساطة … ولكن، بعد أن تم ملء الفراغ اللاحق من قبل مختلف الأعداء كما هو متوقع، جاء أوباما بفكرة جديدة تقول: نحن لن ننسحب فقط، بل وسنقوم بتسليم العصا لإيران».
وبالمقارنة مع عقيدة الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، خلال الحرب الأمريكية – الفيتنامية في سبعينات القرن الماضي، يعلق الكاتب على استراتيجية أوباما ملاحظًا أنه:
قد لا يكون على علم حتى بأنه يعيد تجسيد عقيدة نيكسون، ولكن مع تغيير قاتل. ولقد كان تركيز نيكسون الرئيس هو جعل الفيتناميين يأخذون المسؤولية عن تلك الحرب منا. ولكن هذه العقيدة تطورت، وتم تعميمها لجعل قوى صغيرة مختلفة تنوب عنا في حراسة مناطقها. وفي الخليج، كانت إيران وكيلنا الرئيس
تصعيد المربط الصفوي
في ظل تصعيد المربط الصفوي؛ من الطبيعي أن يرفض الأمريكيون مطالب دول الخليج بتحرير اتفاق دفاع مشترك، يكون بمثابة قانون ملزم. ومن الطبيعي أيضًا أن تفشل قمة كامب ديفيد، الأمريكية الخليجية، قبل أن تبدأ.
وفي مؤتمره الصحفي، تعليقًا على القمة، عبر الرئيس أوباما عما وصفه بالتزام «راسخ»، لكن في حدود تبق معها الخيارات الأمريكية مفتوحة، غير مقيدة بأية التزامات قانونية، وبما لا يتجاوز:
«توسيع الشراكة الأميركية في عدة مجالات مع دول مجلس التعاون الخليجي».
التي رأى أنها:
«ستتيح للولايات المتحدة اتخاذ التدابير والسبل المناسبة، بما في ذلك استخدام الخيار العسكري».
لذا فقد كان أوباما حريصًا، في المؤتمر، على التأكيد بأن:
«الهدف من التعاون الأمني ليس إدامة أي مواجهة طويلة الأمد مع إيران أو حتى تهميش إيران».
مواقف الأمريكان تجاه إيران
وفي الواقع؛ تتباين مواقف الساسة الأمريكيين بين مؤيد للتفاهم مع إيران ومعارض لها. لكن التباين يقع على خط تقاسم النفوذ مع إيران وحدود الدور الوظيفي الذي يجب أن تلعبه طهران في المنطقة، ولا يقع أبدًا على خط العداء كما يروج بعض المحافظين.
فالكل يعلم أن إيران تتجه نحو استعادة الدور الإمبراطوري لها في المنطقة وحتى في العالم. ولا يهم إنْ كان بمقدور إيران الوصول إلى هذه المكانة أم لا بقدر ما تعمل جاهدة على تحقيق أهدافها دون أية ممانعة دولية.
رؤية James Stavridis للمشهد
وفي سياق المخاوف، كتب القائد السابق لقوات التحالف في حلف «الناتو»، James Stavridis، مقالة في مجلة «فورين بوليسي» ختمها بالقول:
إذا ما استطعنا حل القضية النووية مع إيران، فإن المشكلة القادمة ستكون أمة طموحة، وممولة تمويلًا جيدًا، لديها طموحات واضحة ليس في المنطقة فقط، ولكن على الصعيد العالمي أيضًا. ابقوا مترقبين
التقييمات الاستخبارية الأمريكية
لم تبتعد التقييمات الاستخبارية الأمريكية عن تقييمات العسكريين. ففي جلسة استماع له، أمام لجنة الخدمات العسكرية بمجلس النواب الأميركي (12/1/2016)، قال النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «CIA»، مايكل موريل، إن:
القضية لا تكمن في برنامج طهران النووي بل في قائمة طويلة من المشاكل معها. أولاها أنها تريد أن تكون القوة المهيمنة في المنطقة… بل إنه من الصواب القول إن إيران تريد إحياء الإمبراطورية الفارسية وأن هذا التوجه لا يقتصر على الحكومة الراهنة أو المرشد الأعلى الحالي وحدهما بل يعود إلى عهود غابرة في التاريخ الإيراني
والمشكلة الثانية:
«إن إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي ما زالت تستخدم الإرهاب أداة في يد الدولة ضد جيرانها والعالم من حولها».
أما المشكلة الثالثة فهي أن إيران: تدعم مجموعات إرهابية عالمية.
«ومع ذلك لم تضع الولايات المتحدة إيران ولا أيًا من ميليشياتها ومرتزقتها على أية قائمة من قوائم الإرهاب الأمريكية أو الدولية، ولا حتى «النظام النصيري» في سوريا. »
المربط اليهودي
كل من اطلع على وقائع الحقبة الواقعة بين منتصف القرنين 19 و20 لا شك أنه أدرك تمامًا كيف تم توضيع المربط اليهودي في بيت المقدس، والنصيري في الشام. أما اليهودي؛ فقد كانت وقائع تثبيته في النصف الأول من القرن العشرين، خلال مرحلة الانتداب البريطاني.
ومن الطريف أن الصراع الفلسطيني العربي مع بريطانيا لم يكن ليقل ضراوة عن الصراع اليهودي معها، لكنه انتهى بقيام الدولة «اليهودية» بمباركة الاتحاد السوفياتي، وامتناع بريطانيا عن التصويت على قرار التقسيم!!!
تمامًا كما يبدو الصراع اليوم بين الأمريكيين والإيرانيين منذ أكثر من 35 عاما!!!
وبذات المكر الدولي وخبائثه يجري تمرير المربط الصفوي، وبالتواءات شتى وسلسة، وخاليةٍ من أي حسم:
بحيث يبدو الأمر لعامة المسلمين وكأن النظام الدولي في تعارض مع إيران لكنه في الواقع في توافق تام معها.
موقع «جلوبال ريسك إنسايس»
وكنموذج طريف؛ فقد قدم موقع «جلوبال ريسك إنسايس» تقريرًا، بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، تحدث فيه عن: «تحول جذري في ميزان القوى بالشرق الأوسط، سيسمح لإيران بالعودة بثقة لساحة النزال الدولي». لكن:
من الخطأ فهم الصراع بين الرياض وطهران، على أنه صراع طائفي، إذ أن هاجس إيران من السعودية يتمحور حول الصراع على الهيمنة الإقليمية
وفعليًا فإن:
«طموحات الهيمنة الإقليمية الإيرانية، جغرافيًا وسياسيًا، تتركز خلال العقد المقبل على مسار المعركة الجيوسياسية المتصاعدة مع القوى السنية المنافسة لها في المنطقة»
ومع أن التقرير يستبعد أن يكون هناك منتصر واضح على الجانب السياسي بخلاف الجانب الاقتصادي الذي يميل لصالح إيران. إلا أنه يؤكد على أن
«التنافس الجيوسياسي شبه الطائفي، والسعي للهيمنة على المشهد الإقليمي، سيستمر حتى عام2025».
الخلاصة
إن إيران عدوها الحقيقي هو الإسلام والمسلمين، وإن عدائها لأمريكا وإسرائيل عبارة عن خطابات رنانة لا تتعدى الحناجر، وأن إيران أحد مرابط النظام الدولي يوظفها في تخريب العالم الإسلامي ويطلق يدها فيه، فكل القوى الدولية اعدت الجيوش لحربنا حربًا فكرية وعقدية وعسكرية.
فمن سيدفع العدو الصائل عن الأمة المكلومة
الكلام أعلاه سليم مئه بالمئه ويدل على نضج الكاتب . تشكيل الرأي العام في العالم عبر الإعلام الرسمي حينا والإعلام الغير رسمي في أكثر الأحيان هو ما جعل الناس تظن أن هناك حالة من العداء بين أمريكا وإيران . وللأسف تنطلي هذه الحيله على الكثير من المفكرين والسياسيين .
إعطاء الرأي السياسي بمعزل عن الشرع هو ما يؤدي الى التخبط في الآراء السياسيه عند الكثيرين .