وراء الكواليس.. العلاقة الخفية بين إيران وأمريكا- الجزء الأول
- عرض مختصر وسريع لأهم ما جاء في دراسة “المربط الصفوي: مقاربات عقدية وسوسيولوجية وسياسية وتاريخية” لدكتور: أكرم حجازي.
العدو الوجودي لإيران!
ما أن هلك كسرى، وافتقدت فارس فرصة الرد التي حظيت بها روما، حتى أنتجت أحقادا تاريخية، لم تندمل. لكن هذه المرة عبر شعار «يا لثارات الحسين» بدلا من «يا لثارات كسرى». وكأن الإسلام لم ينل من غطرستها بقدر ما عقدت العزم على جعل:
- تخريب الإسلام.
- اختراق العالم الإسلامي.
- الانتقام من المسلمين، الموضوع السياسي الوحيد للفرس المجوس.
بمعنى أن العرب والمسلمين والإسلام هم العدو المستمر وليس أحدًا غيرهم. لذا؛ وحين كان العالم الإسلامي يتجه، عبر حركة الفتوحات، نحو الخارج، كانت عقيدة مجوس فارس، ومن بعدها «الإمامية» وفرقها ودولها المتنوعة، على النقيض تمامًا، تتجه مسلحة بأحقادها التاريخية نحو الداخل الإسلامي، ولم تكن في يوم ما شريكة في فتح أو في مواجهة مع الغرب أو الشرق، بقدر ما كانت حليفة، وجسر عبور للقوى الغازية.
الفتوحات الإسلامية بمقياس المجوس
بل أن الفرس المجوس، وحتى ثقافة قطيع «الإمامية»، يعتبرون الفتوحات الإسلامية عامة، ولفارس خاصة، حتى هذه اللحظة من الزمن:
اعتداءات ظالمة وجائرة وغير مبررة على شعوب مسالمة
وهي ذات الأطروحة التي ترددها قوى الشرق والغرب من أن الإسلام هو دين الغزو والاعتداء، ووفقًا لمصطلحات «عصر الجبْر»، «دين الإرهاب» !!! بطبيعة الحال فإن ما يثير العجب في مثل هذه الأطروحات التي لم تتوقف، أن دعاتها لا يتذكرون جيوش الروم والفرس حين كانت تستوطن الجزيرة العربية ومحيطها، وتستعبد أهلها، وتجوب شرق الأرض وغربها، بحثًا عن مواطن البؤساء لاستعبادهم ونهبهم، ولا يتذكر الروافض أن دخولهم الإسلام ما كان ليكون لولا الفتح الإسلامي الذي قاده عرب المسلمين وليس عبيد الجاهلية من المجوس. بل أن مجوس الفرس لا يتذكرون أن قادة الفتح الإسلامي لفارس، والذين كانوا سببا بدخولهم الإسلام، هم الذين يتلقون اللعن، ويطالبون المسلمين اليوم بالتبرؤ منهم!!!!
شهادة اليهود بحق الشيعة
فلا يغرك الخطابات الرنانة وأن إيران دولة المقاومة والممانعة فلم تكن يوما عدوة لإسرائيل ولا أمريكا وهنا سرد بعض الأدلة:
أرييل شارون
لذا ليس غريبا دلالة الفقرة التي سطرها رئيس حكومة «إسرائيل»، أرييل شارون، أحد أعتى أساطير «الحركة الصهيونية» و «اليهودية العالمية» في «المربط اليهودي»، بحق الشيعة، حين كتب مبكرًا، في مذكراته بعد غزو لبنان سنة 1982، يقول:
من دون الدخول في أي تفاصيل، لم أرَ يومًا في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد
أمنون لورد
فلنتتبع بعض ما استقر واستجد من العلاقة الموضوعية والتاريخية بين اليهود والفرس (مجوسا) و (ثقافة) و (إمامية). فمن جهته فصل الكاتب «الإسرائيلي»، أمنون لورد، شهادة شارون ومعه جنرالات وساسة «إسرائيل» واليهود في مقالته «الفاضحة» في صحيفة «مكور ريشون -27/3/2016»، بالقول أن:
هناك أسئلة فوق المنطق السائد تتعلق بإمكانية وجود تعاون بين إسرائيل وإيران لمواجهة المحور العربي السني، لكن كما كل النازيين تبدو رغبة إيران في القضاء على اليهود تتجاوز هذا المنطق
لهذا فـ:
رغم خطابات العداء الإيرانية ضد تل أبيب، فإنه يمكن القول عن ذلك باللغة العبرية الحديثة إنه كلام من الهراء
أوري لوبراني وتسوري ساغيه
فبحسب الكاتب، ونقلا عن «خبراء إسرائيليين كبار في الشأن الإيراني مثل أوري لوبراني وتسوري ساغيه» فإن
هناك مصالح مشتركة بين إيران وإسرائيل
بالإشارة إلى «إمكانية نشوب هبات شعبية في منطقة خوزستان (العربية) الواقعة على حدود جنوب العراق وذات الأغلبية السكانية العربية… مما يثير أجواء من القلق لدى صناع القرار الإيراني من إمكانية ظهور مطالبات من هؤلاء السكان بحقوقهم القومية أو الانضمام لدولة أخرى». ففي:
المنطقة العربية السنية داخل إيران … المنطقة الأكثر غنى بالموارد النفطية… تبدو المخاوف من التمرد العربي السني موجودة في أعماق دوائر صناعة القرار الإيراني، وتأخذ بالاتساع كلما توسعت الإمبراطورية الإيرانية
مصالح مشتركة بين إسرائيل وإيران
بطبيعة الحال فإن ما يتحدث عنه الكاتب من «مصالح مشتركة» ليس جديدا في ضوء تحالفات سابقة ترجع إلى سنوات الستينيات من القرن الماضي حين كانت الإمبراطورية الإيرانية جزءا من الاستراتيجية الإسرائيلية
ففي ذلك الوقت، بتأكيد الكاتب:
نشأ تعاون وثيق بين إسرائيل وإيران حول ما عرفت آنذاك بـ المسألة العربية التي أقلقت الجانبين على حد سواء، ولذلك قام عدد من الضباط المظليين الإسرائيليين بتدريب العديد من الطيارين الأكراد للعمل داخل العراق وإحداث قلاقل أمنية داخل الدولة التي اعتبرت آنذاك معادية لإسرائيل وإيران في آن واحدٍ معًا
شهادة الجنرال تسوري ساغيه
وفي السياق نقل الكاتب عن الجنرال تسوري ساغيه قوله إن
هناك عمليات عسكرية تدريبية للأكراد في العراق بمشاركة إسرائيلية وإيرانية
كما أكد على أن:
الإسرائيليين قاموا بتدريب الأكراد وتشغيلهم، في حين انخرط الإيرانيون في توفير الدعم اللوجستي لأن الأكراد تدربوا في الأراضي الإيرانية، كما أن طرق وصول الإسرائيليين إلى المناطق الكردية تمت عبر إيران
رؤية يهودية إيرانية للمشروع النووي
أما عن عدو إيران والمشروع النووي، وبرؤية يهودية إيرانية، يشير الكاتب إلى:
«وجود بعض التحليلات لخبراء إسرائيليين يقدِّرون بأن المشروع النووي الإيراني لم يقم بالأساس ضد إسرائيل، وإنما ضد العدو العربي السني الموجود في العراق قبيل سقوط صدام حسين».
وفي السياق؛ ينقل أيضا عن سفير غربي يصفه بـ «الكبير» في العاصمة الأمريكية -واشنطن قوله إن:
عددًا من كبار اليهود ذوي الأصول الإيرانية المقيمين في نيويورك، أبلغوه أن المشروع النووي لبلادهم موجه بالأساس ضد عدوتهم الكبرى من الشرق وهي باكستان السنية، وأنهم رغم معارضتهم نظام آيات الله فإنهم سوف يعودون لإيران فور سقوطه
علاقات «ولاية الفقيه» بـ «إسرائيل»، منذ انتصار الثورة
وفيما يلي جردة حساب موثقة لعلاقات «ولاية الفقيه» بـ «إسرائيل»، منذ انتصار الثورة:
أحمد كاساني، النجل الأصغر لآية الله العظمى
بعد شهور من اندلاع أزمة رهائن السفارة الأمريكية، قام أحمد كاساني، النجل الأصغر لآية الله العظمى أبو القاسم كاشاني، بزيارة إسرائيل لمناقشة مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري ضد البرنامج النووي العراقي في أوزيراك، وأثمرت رحلته عن موافقة بيغن (رئيس حكومة إسرائيل آنذاك) عن شحن إطارات طائرات الفانتوم المقاتلة إضافة إلى شحن أسلحة إلى الجيش الإيراني
أحمد حيدري، تاجر السلاح الذي عمل لصالح الخميني
وبحسب أحمد حيدري، تاجر السلاح الذي عمل لصالح الخميني فقد استوردت إيران 80% من أسلحتها من «إسرائيل». وبحسب معهد يافي للدراسات الاستراتيجية بتل أبيب دفعت إيران ما قيمته 500 مليون $ ثمنا لصفقات أسلحة خلال الفترة ما بين 1980 – 1983، وتفاوضت مع «إسرائيل» في باريس على تدمير المفاعل النووي العراقي قبل شهر من الضربة، وزودت «إسرائيل» بخرائط وصور للمنشئات النووية
في عام 1983
كان العالم في العام 1983 مكانا مختلفا عما هو اليوم. ففيما كان دونالد رامسفيلد، المبعوث الخاص للرئيس ريغان، يغدق الثناء على صدام حسين ببغداد، كانت إسرائيل تحث واشنطن على عدم الالتفات إلى الدعوات الإيرانية التي تطالب بتدمير الدولة اليهودية، وكان المحافظون الجدد يخططون للتقارب مع نظام الخميني، فيما كانت إيران – وليس الولايات المتحدة – تُعتبر بعيدة عن الواقع بتخيلها بروز هلال شيعي.
بارزي
في خضم جولات الحوار بين الأمريكيين و «الإسرائيليين» وإيران في العواصم الأوروبية، يذكر بارزي في جولة 9/7/1985 التي استمرت أربع ساعات في مدينة هامبورغ الألمانية، والتي جمعت بين مدير عام وزارة الخارجية «الإسرائيلية»، ديفيد كمحي، ومستشار الأمن القومي الأمريكي، روبرت ماكفرلين، والمقرب من الخميني، حسن خروبي. أما خروبي فقد خاطب «الإسرائيلي» قائلا:
يمكن أن تساعد أمريكا على إنقاذ إيران من وضعها الصعب. إننا مهتمون بالتعاون مع الغرب، فلدينا مصالح مشتركة معه، ونرغب أن نكون جزء منه
بعد حرب الخليج الثانية
وفي خضم البحث عن خطر جديد، يغري العرب بتوقيع اتفاق سلام مع «إسرائيل»، بدأت حكومة «رابين-بيريز» العمالية، بالترويج لاعتبار إيران خطر وجودي يهدد «إسرائيل» بعد أن كان يعتبرها صديق استراتيجي منذ انتصاب «ولاية الفقيه» على رأس السلطة، وإلى يومنا هذا، يكاد من المستحيل العثور على عدو وجودي لإيران غير الإسلام والمسلمين.
وبقطع النظر عن طوفان المعلومات التي وثقها بارزي في «التحالف الغادر»، وغيره من الباحثين والكتاب، فإن:
تجليات العلاقة مع «إسرائيل» والولايات المتحدة، وإجمالي خصوم الإسلام وأعداءه، لم تعد تخطئها عين العامة من الناس، ناهيك عن المثقفين، وأعمق منهم المتخصصين
تبعات الاتفاق النووي
وفي أعقاب توقيع الاتفاق النووي (14/7/2015)، بين إيران ودول الخمسة، علَّق، ودلل بعض الخبراء والمختصين، وبعض من تولوا ملف التفاوض مع إيران على ببرنامجها النووي، أن
صقور المحافظين في الولايات المتحدة ضيعوا صفقة مع إيران أثمن بما لا يقارن مع ما أتيح لإدارة أوباما سنة 2015
في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق
كان التفاوض على البرنامج النووي مع «الشيطان الأكبر»، وبقية «الشياطين»، قد بدأ في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003. ولا شك أنه أحد بنود «صفقة ضخمة محتملة» تحدث عنها بارزي لمعالجة «كافة نقاط النزاع» بين الولايات المتحدة وإيران. فقد
أعدّ الإيرانيون اقتراحًا شاملاً أذهل الأمريكيين. فهو لم يكن اقتراحًا رسميا وحسب، على اعتبار أنه حصل على موافقة المرشد الأعلى، بل إن ما تضمنه من بنود كان مدهشا أيضا
وفيه:
وضع الإيرانيون كل أوراقهم على الطاولة، وصرحوا عن كل ما يريدونه من الولايات المتحدة، وعن الأشياء التي هم على استعداد لتقديمها بالمقابل
حوار الاحترام المتبادل
وفيما يسميه الباحث «حوار الاحترام المتبادل»، وبقليل من التصرف الفني، فقد عرض الإيرانيون:
- وقف دعمهم لحماس والجهاد الإسلامي، والضغط على المجموعتين كي توقفا هجماتهما على إسرائيل.
- وفيما يتعلق بحزب الله؛ وليد إيران، وشريكها الأكثر جدارة في العالم العربي، عرض رجال الدين عملية نزع سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي صرف.
- وفي الموضوع النووي، عرض الاقتراح الإيراني فتح البرنامج النووي الإيراني بالكامل أمام عمليات تفتيش دولية غير مقيدة من أجل إزالة أية مخاوف من برامج التسلح الإيرانية.
- وسيوقع الإيرانيون على البروتوكول الإضافي الخاص بمعاهدة عدم الانتشار، كما سيعرضون على الأمريكيين إمكانية المشاركة الكثيفة في البرنامج كضمانة إضافية وإيماءة على حسن النية.
- في موضوع الإرهاب، عرضت إيران التعاون الكامل في مواجهة كافة المنظمات الإرهابية؛ وأهمها القاعدة.
- في الموضوع العراقي، ستعمل إيران بنشاط مع الولايات المتحدة على دعم الاستقرار السياسي وإقامة مؤسسات ديمقراطية، والأهم من ذلك، تشكيل حكومة غير دينية.
- وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية و «إسرائيل» يقول الباحث:
ربما كان البند الأكثر إثارة للدهشة، ذلك المتعلق بعرض إيران القبول بإعلان بيروت الصادر عن القمة العربية؛ أي خطة السلام التي أعلنها ولي العهد السعودي في مارس/آذار 2002، والتي عرض العرب بموجبها إبرام سلام جماعي مع إسرائيل، مقابل موافقة إسرائيل على الانسحاب من كافة الأراضي المحتلة والقبول بدولة فلسطينية بالكامل، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين
من خلال هذه الخطوة، ستعترف إيران رسميًا بالحل القائم على دولتين
يتبع الجزء الثاني