شخصيات حق علينا معرفتها… بايزيد صاعقة الإسلام
إنه لمن المفارقات أن يولد بايزيد عام 761 هـ وهو العام الذي تولى فيه أبوه السلطنة، التي استمرت ثلاثين عامًا حيث تسلم بايزيد الحكم بعد استشهاد والده رحمه الله مراد الأول، وكان دائم الجهاد يتنقل من أوروبا إلى الأناضول ثم يعود مسرعا إلى أوروبا يحقق نصرًا جديدًا، أو تنظيمًا حديثًا؛ حتى لقب على إثر هذا باسم “يلدرم” أي الصاعقة نظرًا لتلك الحركة السريعة والانقضاض المفاجئ على الأعداء التي يقوم بها دائمًا، وقد أطلق هذا اللقب فعليًا منذ حملة قره مان عام 1378م، وكذلك بفعل سرعته في وضع وتنفيذ الخطط العسكرية.
شخصيته
كان ذو شخصية متميزة وفذة منذ صغره وهذا ما كان يراه والده رحمه الله فيه فاعتبره وريثًا لعرشه واستمرارًا للملك والفتوحات، حتى أنه عندما كان في الرابعة عشر من عمرة منحه والده تفويضًا ليدير دفةَ البلادِ العثمانيةِ خلال غيابه في الجهاد في بلاد الصرب، فتميزت سياسته على ثلاثة مهام:
- أولها توحيد منطقة الأناضول تحت الإدارة العثمانية
- ثانيها محاولة قيادة العالم الإسلامي.
- ثالثها الجهاد في سبيل الله
وقد كان ورعًا ملتزمًا بصلاة الجماعة، ويُروى أنه شهد يومًا بقضية وكان القاضي هو شمس الدين حمزة الفناري فرد شهادة بايزيد، فسأله عن السبب فقال القاضي: إنك تاركٌ لصلاة الجماعة، فعلى الفور قام ببناء جامع أمام قصره عين لنفسه فيه موضعًا ولم يترك الجماعة بعد ذلك. وفى ذلك دلالة رائعة على مكانة العلماء في هذا الزمان والتي تفتقد عطرها ورحيقها هذه الأيام. فموقف القاضي غير إلى الأحسن فجعل الشاب لم يترك صلاة جماعة أبدًا بعد ذلك، فهكذا العلماء وأرباب الحق، يصدعون به ولا يخشون شيئًا، وكان والده قد عينه سابقًا على إمارة قرميان أو كرمان باختلاف اللفظ، عام 1381م فراعى المصالح الشرقية للدولة وأثبت تميزه في المعارك أكثر من مرة.
الوضع بعد توليه الحكم
وبعد أن تولى الحكم رحمه الله، كان المتربصين حوله من كل جانب، داخليًا وخارجيًا، فعلى المستوى الداخلي كان من تبقى من أمراء السلاجقة يترصدون له ويتحينون الفرصةَ للانقضاض عليه وأخذ ما سلب منهم من قبل، واستعادة ملك ضائع، إضافة إلى أخيه الوحيد يعقوب، أما على المستوى الخارجي فكان هناك أكثر من عدو في آن واحد، حيث المصالح النصرانية تتلاقى على ضرورة إخراج الأتراك من أوروبا بالكامل والمجر على رأس هذا بدعم من القسطنطينية إضافة إلى الصرب.
أخيه يعقوب
وبداية بدأ بايزيد بأخيه يعقوب الذي حاول أن ينافسه على السلطة، مما قد يؤدى إلى التمزق، فقتله خشية الانشقاق في الصف، ولأنه يعتبر بذلك خارجًا عليه، وعلى الرغم من قسوة هذا التصرف الذي بدا واضحًا في سياسة خلفاء بنى عثمان من قتل الأخوة المنافسين على الحكم كما سنذكر تباعًا، إلا انه حقق الهدف المرجو منه وهو القضاء نهائيًا على عناصر التقسيم مما يعد تتويجًا لمنطق المركزية، ناهيك عن أن الواقع يؤكد أن الدولة العثمانية لم تتأثر بالنزاعات الأسرية على مدار خمسة قرون.
وقفة مع هذا الحدث
لابد أن نقف وقفة مع هذه النقطة لأهميتها الشديدة، فبداية يلومنا البعض عند قول إن الدولة العثمانية دولة عظيمة وأن موضوع قتل الأخوة لم يؤثر على قيام الدولة واستقرارها، فنود أن نوضح أن الحقيقة لابد من ذكرها أيًا كان وضعها، وأن الدولة العثمانية هي بالفعل دولة عظيمة كبيرة وإلا ما استمرت ما يزيد عن ستة قرون، وبسطت نفوذها في ثلاث قارات فيما يزيد عن ثلاثين دولة، ولابد أن نعلم أن أرباب هذه الدولة إنما هم بشر لهم ما لهم وعليهم ما عليهم وكل يوزن بميزان الإسلام الذي ندين به لله وعلى هذا نقرر أن هذا أخطأ أم أصاب.
فالقتل بصفة عامة غير مبرر إلا بوجه حق، وإلا فيعد جريمة كبرى، وكبيرة من الكبائر قال الله في حقها “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”، وقوله تعالي: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، وروى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: “إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا”، ومن ذلك نخلص أن القتل العمد بغير حق هو جرم كبير لا يبرره أحد ولا يجوز بأي حال أن يحاول إنسان تبريره لتجميع شخصية تاريخية حتى ولو كانت لها إنجازات في التاريخ الإسلامي.
وبإسقاط ذلك على السلطان بايزيد فهنا الوقف المهمة وهي أن هناك مصادر تؤكد أن أخاه يعقوب قد نازعه في السلطان الأمر الذي يعد خروجًا عن الحاكم أي في هذه الحالة إن صحت فالجزاء هو القتل، بعد أخذ الفتوي الشرعية من قبل أهل الفتوي في الدولة، وبالفعل كان بايزيد بعدما تيقن من هذا وأخذ الفتوي الشرعية التي أباحت دم أخيه نظرًا لأنه يدعو للفتنه التي هي أشدمن القتل
فلسطان بايزيد وفقًا لذلك محقًا ولا أعلم لماذا كثير من المراجع العربية تغفل هذه النقطة وهي كون وجود محاولة للخروج على الحكم أو للمنازعة في السلطان من قبل أخيه يعقوب، ولكن هذا الأمر هو بالنسبة للسلطان بايزيد فقط، أي يوجد ما يبرر فعله ويجيزه، وبالتالي لا يؤخذ هذا الكلام ويُسقط على غيره، أو تؤخذ الفتوي الشرعية التي صدرت من أهلها لتبرر قتل آخرين، أي هذا الموقف وإن كان بداية أحداث قتل الإخوة في الإمبراطورية العثمانية إلا أن له مبرر وذلك عكس البعض الذين سيأتي ذكرهم لاحقا.
الصرب
بعد أن فرغ من أخيه بدأ الاهتمام بأمر الصرب، وكان قد ولّى الأمير اسطفن بن لازار ملك الصرب حاكما عليها فتزوج بايزيد من أخته اوليفيرا وأجازه علي بلاده بأن يحكمها على حسب قوانينهم بشرط دفع جزية معينة، وتقديم عدد معين من الجنود ينضمون للجيش العثماني وقت الحرب، وبالفعل قد تم ذلك، ولم يضم بلاد الصرب إلى أملاك الدولة العليا المحمدية، وذلك ليسكن بال الصرب، وحتى لا يكونوا شغلا شاغلًا له نظرًا لحبهم للاستقلال، أي كان هذا الزواج وهذه الاتفاقية بمثابة هدنة، أو صلح مع الإقرار بالجزية التي وافق عليه من الصرب دون الدخول في حرب مع الجيوش العثمانية في ذلك الوقت، وخصوصًا والحروب السابقة تؤكد القوة العثمانية، حتى لو كان الظاهر الآن أن هناك حاكمًا جديدًا ويوجد بعض المشاكسات والقلاقل التي تحدث داخل الدولة، أو ترقب بعض الأعداء لها.
الوضع الداخلي
وعلى إثر هذا ساد الأمن من ناحية أوروبا؛ فقصد بلاد آسيا وفتح مدينة ” الأشهر ” المعروفة الآن باسم فيلاديلفيا، سنة 1391م وهي آخر مدينة بقيت للروم في آسيا، وهابه أمير “ايدين “، فلم يقاتله وترك أملاكه وعاش مطمئن الخاطر في إحدى المدن الخارجة عن النفوذ العثماني وكذلك ترك أميرا “منتشا” وصاروخان ولايتهما واحتميا عند أمير “قستموني”، وتنازل الأمير علاء الدين حاكم بلاد القرمان للسلطان بايزيد عن جزء عظيم من أملاكه ليؤمنه على الجزء الباقي، وكل هذا يؤكد على قوة الدولة وأنها مهابة، حيث إذا ضربت أوجعت، وإذا تكلمت أسمعت.
ولكن من الواضح إن ما فلعه الأمير علاء الدين كان في ظاهره برضا وبخوف من السلطان بايزيد، حيث أن الوقت أظهر أنه كان خداعًا وتصيدًا للفرصة التي واتته عندما ترك السلطان بايزيد الأناضول متجهًا للفتوحات، فرأى أن الفرصة قد حانت فأنشأ حلفًا ضده مكونا من القاضي برهان الدين أحمد بن شمس الدين صاحب سيواس، وأمراء صاروخان وكرمان ومنتشا وحميدلي، واسترد يعقوب الكرماني الأراضي التي كان قد تنازل عنها لبايزيد الذي جعل شقيق زوجته حاكمًا عليها، واستولى برهان الدين احمد على “قير شهر”، كما سيطر علاء الدين على “بيهر” وتقدم نحو “اسكى شهر”، الأمر الذي هدد كيان الدولة العثمانية.
فاضطر بايزيد الأول للرد على هذه الانتهاكات، وتلقي مساعدات الدول التي كان قد عقد معها صلحًا ورضيت بدفع الجزية -أي تدين بالتبعية الاسمية للدولة العثمانية- مما يجوز له شرعا تلقى المساعدات من قبلها ولا يعتبر في حكم الشرع من يوالى اليهود والنصارى على إخوته من المسلمين، بل في مثل هذه الحالة هؤلاء تحت رعايته ويعدون من قبيل رعيته التي وجب عليهم تقديم يد العون إذا طلب الحاكم ذلك، فقدم المساعدة “مانويل الثاني”، و “يوحنا السابع”، واسطفان لازار الصربي، بالإضافة إلى سليمان الجنرلى أمير قستموني.
معركة (اق جاي)
وبدأت الحرب بين السلطان بايزيد الأول الصاعقة وبين الخارجين المارقين على الدولة، الراغبين في الانقسام بين طياتها، وتقابل الجيشان في موضع يقال له “اق جاي” فهزمه السلطان بايزيد واسره هو وولديه محمد وعلى وضم ما بقي من أملاكه التي كان قد أقره عليه سابقًا، وبذلك انمحت سلطنة قرمان وصارت ولاية عثمانية، ثم فتحت إمارات سيواس وتوقات التي دخلها برهان الدين.
وبذلك لم يبق من الإمارات التي قامت على أطلال دولة آل سلجوق إلا إمارة قستموني خارجة عن املاك الدولة العثمانية نظرًا لان صاحبها آثر الانضمام إلى حلف السلطان بايزيد عن مساعدة أقرانه، وكان أميرها يدعى بايزيد أيضا واحتمى ببلادة كثير من أولاد الأمراء الذين فتحت بلادهم فكان ذلك سبب لغزو بلاده.
إذ أن السلطان بايزيد الصاعقة طلب منه أن يسلمه صاحب ايدين وصاروخان فامتنع عن ذلك ورفض، فاعتبر بايزيد ذلك تحالفا ضده واستعدادًا جديدًا للانقضاض عليه مرة أخرى، وخصوصًا والأحداث التي مضت ليست ببعيد، بل ما زالت حاضرة، فاتخذ القرار السريع والعاجل، ووضع الخطة العسكرية التي أُخذت في طور التنفيذ بسرعة وعجالة-كما هو معهود عن بايزيد دائما من التصرف السريع-؛ فتوجه على رأس جيشٍ بنفسهِ، وأغار على البلاد ففتح مدائن سامسون وجانك وعثمانجق، وبذلك انضوت جميع الإمارات الصغيرة القائمة على أطلال السلاجقة تحت لواء الدولة العليا وصار العلم العثماني يخفق منصورًا فوق صروحها موحدًا صفها، أما بايزيد صاحب قستموني فقد قام بتصرف يعد طامة كبرى عليه ووصمة عار إلى يوم الدين فقد لجأ واحتمى إلى تيمور لنك سلطان المغول.
وهنا لابد من وقفه في غاية الأهمية
إذ يقول رب العزة عز وجل واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وقولة تعالى ” وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ “، ففي هذا إشارة هامة جدًا وخطيرة، إذ في الوحدة السلامة، وفى الاختلاف والشقاق الفساد والدمار، وهذا هو سبب الذل والهوان الذي نحياه الآن والذي عمد عليه أعداء الإسلام في اتفاقية سايكس بيكو وما تلاها من تدمير للشعوب الإسلامية وتعين حكام لا يفكرون البتة في الخلافة الإسلامية، أو الاتحاد الإسلامي، وإنما مثل علاء الدين هذا ومثل بايزيد حاكم قستموني لا يفكرون سوى في أنفسهم والمجد الشخصي وفقط.
وهذا هو حب الإمارة والرئاسة المرتبط بحب الظهور نتيجة ما يصبه المنصب والكرسي في النفوس الضعيفة من تعلق به، وتمسك به حتى آخر نفس ولو على حساب الدين، فهو فتنة، وهي التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:” إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئس الفاطمة”، فقوله: «نعم المرضعة» فذلك الذي يعني أولها، لأن معها المال والجاه والسلطة، وقوله: «بئس الفاطمة» أي آخرها، لأن معها القتل والعزل في الدنيا والحسرة والتبعات يوم القيامة، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم عواقب الرئاسة ومراحلها الثلاث.
في قوله صلي الله عليه وسلم: إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي: أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل.
فالواجب عند وجود قوة مثل قوة العثمانيين في زمانهم هو الانضمام معهم وتوحيد الصف ضد أعداء الإسلام، وخصوصًا والخطر المغولي لم يكن قد زال بل باقي ويهدد البلدان الإسلامية، وكذلك تَرَبُص الأعداء من قِبل النصارى دائما وأفاعيل القسطنطينية وفرسان القديس يوحنا والدعوات لحروب صليبية ما زالت مستمرة وفعالة وتؤتى بعض الثمار من حين لأخر، فكيف يفكر أمثال هؤلاء في المطامع الشخصية؟ بل وكيف يفكر حكام اليوم في أنفسهم بعيدًا عن الوحدة والتوحد في سبيل نصرة دين الله؟، وكيف يغفلون عما يحدث لمسلمي تركستان وماينمار والشيشان وسرويا وكشمير والصومال ومالي والعراق وغيرهم؟
فإذا كان في قلوب هؤلاء مثقال ذرة من حب لدين الله تعالى، أو انتماء للإسلام وليس للقوميات والعصبيات الجاهلية، فعليهم أن يتركوا كل النظم الفاسدة والأفكار الهدامة وراء ظهورهم والالتجاء إلى التوحد يدًا واحدة وعلى قلب رجل واحد ومنهج واحد وهو منهج الإسلام.
ويزول العجب مما فعله حاكم قستموني وقبله علاء الدين عندما ننظر لحالنا الآن، فمثلهم كمثل حكام كثر اليوم يفضلون التعاون مع العدو الصهيوني على نصرة إخوانهم في الدين والعقيدة من أبناء فلسطين، يفضلون التحالف مع الأمريكان، على الوقوف في صف تحالف لنصرة العراق، يفضلون الوقوف مع فرنسا، على نصرة إخوانهم في مالي وإفريقيا الوسطي، يفضلون السكوت عما تفعله روسيا من نصرة الشيعي بشار، على الوقوف في صف المجاهدين في سوريا، يفضلون نصرة حفتر لشق صف ليبيا على دعم المسلمين والطريق الإسلامي فيها، وكذلك آثروا الصمت على مذابح عدة حدثت للمسلمين في البوسنة والهرسك، وتركستان وبورما وغيرها، بل أن كثيرًا من حكام اليوم ارتموا في أحضان أمريكا واليهود وبطريقة علنية، دون أدنى نوع من الخجل ويروجون ويسوقون أن هذه هي السياسة ومهاراتها، فلا نعجب من هذا بل نرميهم جميعا في مزبلة التاريخ.
القسطنطينية وعزة المسلمين
كان بايزيد، دائم التدخل في النزاعات العائلية بين أفراد أسرة باليولوغوس بالقسطنطينية، حتى يكون له موضع قدم في الأمر لحين تأتى الفرصة لفتح المدينة التي أُشير اليها بحديث رسول الله، وعلى ذلك سار بايزيد الصاعقة يساعد يوحنا السابع على أن يمسك مقاليد الحكم من يوحنا الخامس الذي لم يستطع أن يسكت ويرضي بالأمر الواقع ولكن ساعده ابنه مانويل في استعادة مقاليد الحكم من جديد، وذلك بعد حشد أسطول سَمح له بإنقاذ والده وتوليه العرش وذلك في عام 1390م فالتجأ الإمبراطور يوحنا السابع إلى بايزيد الأول الذي أقطعه أرض سلمبرية واتخذه وسيلة للضغط على الإمبراطور يوحنا الخامس، الذي وجد نفسه رهينة بقدر ما كان تابعًا، واضطر تحت ضغط طلب بايزيد الأول إلى إرسال قوة عسكرية مؤلفة من مائة جندي بقيادة ابنه مانويل اشتركت مع الجيش العثماني في فتح مدينة آلاشهر -فيلاديلفيا- اخر معاقل البيزنطيين في آسيا وذلك في عام 1391م حتى يكون ضمانا بعد ذلك من أي أحداث مفاجئة قد تعيقه، وكذلك إعلانا للجميع أن إمبراطور القسطنطينية يقف في صف بايزيد فيشق الصف الصليبي ضده ويسهل فتح المدينة وقد كان بالفعل كما خطط بفضل الله تعالى.
كان الإمبراطور يوحنا الخامس حذر من بايزيد لعلمه أنه يريد أن يعين يوحنا السابع بدلًا منه، بالإضافة إلى تخوفه من محاولات بايزيد لفتح القسطنطينية؛ الأمر الذي جعله يقوم بترميم وتقوية أسوار القلعة وتشيد بعض القلاع الجديدة مستغلًا فرصة غياب بايزيد بأسيا الصغرى، فأرسل له بايزيد تهديدًا ووعيدًا صريح اللهجة أمرًا: “بهدم ما بنى من قلاع وإلا سيكون وابل غضب أوله تعذيب ابنه مانويل الذي لديه، وهذا مما يدل على حنكة بايزيد منذ البداية في أنه أجبره على إرساله معه في الحرب لضمان أي أحداث قد تحدث مثل هذه، وعلى إثر هذا استجاب الإمبراطور يوحنا الخامس غصبًا وكرهًا عنه لعزة المسلمين والعثمانيين الأتراك ونفذ ما طلبه منه بايزيد حرفيًا.
ثم في 1391م يموت الإمبراطور البيزنطي يوحنا الخامس، وقيل إن الإمبراطور يوحنا قد انزوى في قصرة ومات قهرًا لاعتباره ما حدث من بايزيد إهانة كبري، حيث كما لو أنه يذل ابنه مانويل ويفرض شروطه عليه بهدم ما بناه من تجديدات وغير ذلك من الأمور فقيل إنه مات كمدا على آثر هذا، وللعلم إن بايزيد كان متعسفًا معهم نظرا لأنهم كانوا يبثون الدسائس والمكر والفتن داخل الأراضي الإسلامية، ناهيك عن القتل والتدمير وإيواء من يلتجأ إليهم من الفارين من العدالة، ومرتكبي الجرائم، ومنفذي الانقلابات وغير ذلك من المجرمين، بغية تدمير الدولة الإسلامية، فلا يظن ظان أن بايزيد كان في تعسفه هذا ظالما لهؤلاء، بل إن هؤلاء أذاقوا المسلمين ويلات وويلات، والدولة العثمانية ذاقت منهم الأمرَّيْن.
أما ابنه مانويل فيعلم بموت والده وهو في قصر بايزيد، حيث كان يعيش في البلاط العثماني في بورسه تحت عين بايزيد، إذ لم يجد سبيل إلا محاولة الفرار، وبالفعل استغل غفلة من الحراس وفر هاربًا، دون علم بايزيد وعاد مرة أخري إلى القسطنطينية، الأمر الذي قلب الأحداث تجاه القسطنطينية من جديد، بل وتوج إمبراطورًا خلفًا لوالده.
ولكن يثور التساؤل هل كان هروب مانويل هروبًا حقيقيًا أم بتخطيط من السلطان بايزيد؟ وما الذي ترتب على هذا الهروب من أحداث؟ فهذا ما سنعرفه في الجزء الثاني من هذا المقال… فتابعونا.
حفظكم الله وبارك فيكم، وفعلا ملحظ جيد وإن شاء الله سنحاول جاهدين في القادم أن نقوم بذلك ونسألكم الدعاء 🙂
مشكور على مقالاتك التاريخية الهادفة , لكن لو أرفقت بمقالاتك التاريخية خرائط توضيحية ليسهل على القارئ متابعة الوقائع و الأحداث ..
بارك الله فيكم