اختيارات المحرر

سقوط الأسد يعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط

«من المؤكد أن إسقاط المعارضة السورية المسلحة لنظام الأسد والاستيلاء على زمام الأمور في سوريا سيغير موازين القوى في المنطقة، ويؤدي إلى تحول جذري في الشرق الأوسط، مما يترك القوى الإقليمية والدولية الكبرى غير متأكدة من كيفية الرد حتى الآن…

لكن.. وبعد أن استعاد الشعب السوري الأمل بإسقاط عائلة الأسد، يتوجب على الدول التي سمحت بمعاناة سوريا على مدى سنوات طويلة أن تتخذ خطوات حقيقية لدعم استقرار البلاد وإعادة بناء ما دمرته الحرب.»

(اليوم التالي للأسد: كيف سيؤدي السقوط المذهل للدكتاتور السوري إلى سباق محموم لتحقيق توازن القوى في الشرق الأوسط) مقال نُشِرَ قبل أيام في المجلة الأمريكية الأهم “فورين أفيرز” يتناول فيه كل من: “ناتاشا هول”1 و”جوست هيلترمان”2 تداعيات سقوط نظام بشار الأسد بعد أكثر من خمسين عامًا من حكم عائلته لسوريا، ويحلل العوامل التي أدت إلى هذا السقوط المفاجئ والمذهل، بما في ذلك العوامل الداخلية والخارجية، مع تسليط الضوء على الانعكاسات الجيوسياسية الإقليمية والدولية.

ركّز المقال على الكيفية التي نجحت بها هيئة تحرير الشام في إسقاط النظام في غضون أيام قليلة، دون مقاومة تُذكر، وعزّى الكاتبان هذا الانهيار إلى عوامل متعددة، منها ضعف الجيش السوري، تراجع النفوذ الإيراني بسبب خسارة حزب الله كقوة عسكرية، والضربات التي تلقتها إيران بشكل مباشر على أراضيها، وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، كما أشارا إلى دور تركيا غير المباشر في دعم هيئة تحرير الشام عبر صمتها عن تحركاتهم.

وتناول المقال التأثيرات الإقليمية المحتملة لسقوط النظام، بما في ذلك: تقويض استراتيجية إيران الدفاعية، وفقدان روسيا نفوذها العسكري والدبلوماسي في المنطقة، وتعزيز موقف تركيا، التي أصبحت في وضع قوي للتأثير على مستقبل سوريا.

وأكد المقال على أن سقوط النظام لا يعني استقرار البلاد، حيث سيواجه السوريون تحديات كبيرة في معركة تقاسم السلطة، وتحديات رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب حتى تحظى بالقبول الدولي. 

وشدد المقال على ضرورة تقديم دعم دولي وإقليمي عاجل للسوريين لمساعدتهم في بناء حكومة مدنية، وتحقيق المصالحة الوطنية، والشروع في إعادة الإعمار، واعتبر أن تجاهل الغرب لسوريا على مدى سنوات كان خطأً فادحًا أدى إلى إطالة أمد المعاناة.

يُظهر المقال بوضوح أن سقوط الأسد لا يمثل نهاية الصراع، بل بداية فصل جديد مليء بالتحديات، فالفراغ السياسي الذي خلّفه النظام قد يفتح الباب لصراعات داخلية وخارجية جديدة، مما يجعل مستقبل سوريا والمنطقة مرهونًا بمدى جدية الدول الإقليمية والدولية في معالجة الأوضاع بسرعة وحكمة.

نص المقال

سقوط الأسد يعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط
واجهة المقال على الموقع

“على مدى أكثر من نصف قرن، بدا أن عائلة الأسد تمتلك سيطرة مطلقة على سوريا من خلال الاعتماد على جهاز أمني قوي، وباستخدام العنف الوحشي، وحلفاء أقوياء مثل روسيا وإيران وحزب الله، تمكن النظام من الصمود أمام انتفاضات متعددة، وحتى حرب أهلية مروعة قُتل فيها مئات الآلاف. وفي السنوات الأخيرة، استعاد الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تم فرض عقوبات على حكومته، ونبذه من الدبلوماسية الإقليمية والدولية منذ عام 2011، بعضًا من هيبته مع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية والحديث عن تخفيف العقوبات.

ولكن في النهاية، كان النظام عبارة عن “بيت من ورق” واندهش العالم من كيفية إسقاط هيئة تحرير الشام للنظام في غضون أيام قليلة دون قتال يذكر. وفي حين سيطرت الهيئة على دمشق بسرعة، أعلنت روسيا أن الأسد لجأ إلى موسكو، حيث سلّم رئيس وزرائه السابق السلطة رسميًا. استغرقت العملية برمتها أقل من أسبوعين، مع إراقة دماء محدودة مقارنة بالخسائر البشرية الكبيرة التي حدثت خلال الحرب.

لقد كان تسلسل الأحداث التي سمحت لهيئة تحرير الشام بالإطاحة بالنظام السوري مدهشًا، حيث ساهمت عوامل عدة منها قطع رأس حزب الله حليف النظام السوري على يد إسرائيل، وتدمير جزء كبير من ترسانته الصاروخية، وتراجع نفوذ إيران بفقدان حزب الله كـ “خط دفاع أمامي”، وانهيار محادثات المصالحة بين أنقرة ودمشق، كما لعبت ظروف أخرى دورها، مثل إحباط الجيش السوري بسبب رواتبه المتدنية، وانشغال روسيا بالحرب المكلفة التي أطلقتها في أوكرانيا.

يبدو أن الهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام حَظِيَ في البداية بضوء أخضر من تركيا، التي لطالما دعمت “المتمردين” في معقلهم بإدلب شمال غربي سوريا، ولكنه كان أساسًا حملة محلية سورية.

في 30 نوفمبر، وبشكل مفاجئ، استولى متمردو هيئة تحرير الشام على حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، في يوم واحد، ثم تقدموا جنوبًا باتجاه دمشق، خلال ذلك، أشعلوا انتفاضات شعبية ضد النظام في السويداء ودرعا في الجنوب ودير الزور في الشرق، وفي 5 ديسمبر، سيطروا على حماة، رابع أكبر مدينة في سوريا، وبعد يومين استولوا على حمص، ثالث أكبر مدينة، التي تقع على الطريق الرابط بين دمشق ومعقل النظام العلوي في الجبال المطلة على الساحل المتوسطي، كان الزخم الهائل للمتمردين، جنبًا إلى جنب مع تآكل الدعم للنظام، أكثر مما يستطيع النظام احتماله.

لقد أدت الهجمة السريعة للمتمردين إلى إنهاء ما كان يُعتقد أنه حرب أهلية دولية مزمنة، على الأقل في الوقت الحالي، بنتائج إيجابية تقريبًا دون تدخل خارجي يُذكر، في النهاية، اجتاحت قوات المعارضة المدن السورية بسهولة، وهي المدن التي استغرق النظام السوري وحلفاؤه –روسيا وإيران وحزب الله– سنوات من القصف الوحشي والحصار لاستعادتها خلال الحرب الأهلية، هذا الاستيلاء للمعارضة يشير إلى تحول جذري في الشرق الأوسط، مما يترك القوى الإقليمية والدولية الكبرى غير متأكدة من كيفية الرد.

قبل أسابيع قليلة فقط، كانت إدارة بايدن تعمل مع الإمارات العربية المتحدة لرفع العقوبات عن سوريا مقابل ابتعاد الأسد عن إيران ووقف شحنات الأسلحة إلى حزب الله، وفقًا لعدة مصادر تحدثت إلى وكالة رويترز.

لكن سقوط الأسد يكشف أيضًا كيف أن صراعات المنطقة مترابطة بطرق غير متوقعة، وما يمكن أن يحدث عندما يتم التهاون بها أو تجاهل تداعياتها. فقد شهد كل من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والحرب الأهلية السورية هذا المصير، فاندلاع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المفاجئ مع هجوم حماس في 7 أكتوبر أدى إلى إشعال حرب إسرائيل في غزة، وحملة الحوثيين في البحر الأحمر، وحرب إسرائيل في لبنان، ووابل من الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل.

في سوريا، زلزلت الأحداث الأخيرة النظام القائم، وفي كلتا الحالتين، تُظهر الاضطرابات السريعة التي لم تكن القوى الخارجية مستعدة لها حماقة تجاهل الصراعات طويلة الأمد في الشرق الأوسط للحفاظ على الوضع الراهن الذي لا يمكن تحمله.

على الرغم من أن العديد من الأسئلة ما زالت قائمة حول كيفية إدارة هيئة تحرير الشام للبلاد، وما إذا كانت ستتمكن من التعامل مع المجموعات المختلفة الساعية إلى النفوذ، لكن من المؤكد أن نهاية الأسد ستغير ميزان القوى في المنطقة.

الحرب التي نسِيَها الغرب

سقوط الأسد يعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط

يعود الهجوم الذي شنته قوات المعارضة ضد الأسد إلى الحرب الأهلية السورية التي بدأت في عام 2011 ولم تنتهِ أبدًا، ففي خضم انتفاضات الربيع العربي، أطلق المواطنون السوريون احتجاجات سلمية، لكن القمع الدموي للنظام دفع بعض المتظاهرين إلى حمل السلاح، بينما تدخلت قوى المعارضة المسلحة، ومع تصاعد العنف في الحرب الأهلية، ظهرت جماعات “متطرفة” مثل القاعدة في العراق وفرعها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

سرعان ما أصبحت الحرب مستعرة، حيث قامت قوى خارجية مثل إيران، ودول الخليج، وروسيا، وتركيا، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، بتزويد جماعاتها المسلحة المفضلة بالأسلحة والمال. لكن في ذلك الوقت، أثبت حلفاء النظام السوري، إيران وروسيا، أنهم أكثر التزامًا: حيث ساعدت إيران وميليشياتها الموالية، وخاصة حزب الله، الأسد في محاصرة وقصف شعبه. واستخدمت روسيا مقاتلاتها “سوخوي” لتدمير مدن بأكملها.

بمساعدة حلفاء الأسد، قُتل ما يُقدر بنصف مليون شخص على الأقل، واختُطف 130,000 آخرون، ونزح نحو نصف السكان، حوالي 14 مليون شخص. وفي النهاية، توقفت الأمم المتحدة حتى عن عد القتلى.

كان للصراع تداعيات دولية بعيدة المدى، فوصول أكثر من مليون لاجئ سوري إلى أوروبا في عام 2015 أدى إلى تسريع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في العديد من الدول الأوروبية، مما دفع الحكومات الأوروبية إلى تعزيز علاقاتها مع القادة الاستبداديين مثل الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” والرئيس التونسي “قيس سعيد” لوقف تدفق اللاجئين. كما حظيت العديد من هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة بدعم من دمشق والكرملين، مما كان ميزة إضافية لكلا النظامين. كذلك، كانت الحرب بمثابة مكسب كبير لموسكو، التي استخدمت تدخلها الناجح في 2015 لدعم نظام الأسد وتوسيع نفوذها العسكري.

لأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة، شاركت روسيا في صراع كبير خارج نطاق نفوذها المباشر، كما استمتعت موسكو بالوصول إلى مينائها الوحيد في المياه الدافئة في طرطوس على الساحل السوري، بالإضافة إلى سيطرتها على قاعدة “حميميم” الجوية بالقرب من اللاذقية في غرب سوريا.

رغم أن التحالف المتزايد بين روسيا والصين غالبًا ما يُنسب إلى بداية الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في 2022، إلا أن توسع العلاقة بين البلدين بدأ فعليًا مع الحرب الأهلية السورية، حيث بدأت بكين بالتصويت بشكل متزايد إلى جانب موسكو في مجلس الأمن الدولي، مستخدمة حق النقض (الفيتو) أكثر من أي وقت مضى، وعلى الرغم من أن دور الصين في سوريا كان ضئيلًا، إلا أن أصواتها وخطابها الداعم للنظام السوري كانت وسيلة لمواجهة الهيمنة الأمريكية وجهودها لتحدي الحكومات ذات السيادة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، مما ساعد على مواءمة بكين مع الكرملين فيما أصبح لاحقًا شراكة “بلا حدود”.

بحلول عام 2018، بدت الحرب الأهلية السورية وكأنها تحت السيطرة بالنسبة للمراقبين الخارجيين، على الرغم من أن التوترات كانت تتفاقم، فمنذ صيف 2024، أضعفت الهجمات الإسرائيلية على لبنان وإيران بشكل كبير الدولة الإيرانية وحزب الله، وهما حليفان قويان للأسد، وبالإضافة إلى القضاء على الصفوف العليا لكوادر حزب الله، دمرت إسرائيل ترسانة الحزب الهائلة من الصواريخ الإيرانية، واستمرت في مهاجمة شحنات الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله في سوريا حتى بعد إعلان إسرائيل ولبنان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر.

في نفس الوقت، فقد أردوغان، الذي كان خصمًا دائما للأسد، صبره بسبب رفض سوريا المصالحة مع تركيا. حتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الحليف الوثيق للأسد، شعر بالإحباط بسبب عدم استعداد النظام للتوصل إلى نوع من التسوية.

في تلك الأثناء، تطورت هيئة تحرير الشام من كونها فرع تابع لتنظيم القاعدة في سوريا إلى جماعة إسلامية تخلت عن الجهاد العابر للحدود وركزت قتالها على نظام الأسد فقط. وفي انتظار اللحظة المناسبة، أقامت الهيئة تحالفات مع مجموعات أخرى، وخففت من خطابها، وحصلت على حماية تركيا، وأنشأت حكومة مدنية في مناطق سيطرتها في إدلب، على الرغم من حكمها بقبضة حديدية، خلال تلك السنوات، لم تفقد المعارضة هدفها الأساسي: الإطاحة بالأسد.

ثم، في أوائل نوفمبر 2024، انهارت المفاوضات بين دمشق وأنقرة بشأن توفير الظروف المناسبة التي تسمح للاجئين السوريين في تركيا بالعودة بأمان إلى بلادهم، وهو الأمر الذي أصبح قضية ملحة بالنسبة لتركيا، ويُعتقد أن انهيار هذه المحادثات قد دفع الحكومة التركية إلى عدم عرقلة هيئة تحرير الشام عندما قررت مغادرة إدلب بعد بضعة أسابيع.

في النهاية، لم يعد أي سوري مستعدًا للتضحية من أجل هذا النظام، أو ربما لم يعد قادرًا على ذلك. وربما الأهم من ذلك، أن هيئة تحرير الشام قدّرت أن الجيش السوري، الذي يعاني من تدني التدريب والرواتب والروح المعنوية، لن يظهر مقاومة سوى بشكل رمزي. وقد تبين أن هذا التقدير كان صحيحًا. إذ ذابت معظم قوات النظام السوري ببساطة. مع تقدم هيئة تحرير الشام بسرعة، اندلعت انتفاضات في درعا والسويداء في الجنوب، حيث أطاح الأهالي بالنظام من مناطقهم بمفردهم.

لكن ربما كان الأكثر إثارة للصدمة هو انهيار الدعم الدولي للأسد، ففي 6 ديسمبر، سحبت روسيا قواتها ودبلوماسييها وبدأت في الانسحاب من قواعدها. ومع تضاؤل الخيارات، سحبت إيران أيضًا ميليشياتها المتحالفة، مدركة أن القتال من أجل الأسد سيكون بلا جدوى.

في الشرق، أبرمت قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية والمجالس العسكرية العربية صفقات مع قوات النظام للاستيلاء على المناطق التي يسيطر عليها النظام في دير الزور، والأهم من ذلك معبر البوكمال مع العراق، مما قطع خطوط إمداد النظام مع إيران والعراق، مع اقتراب المتمردين من دمشق، انسحبت القوات الروسية والإيرانية وقوات النظام المتبقية من مواقعها في شمال شرق البلاد.

الفرح والتوتر

مستقبل سوريا بعد الأسد

مستقبل سوريا والمنطقة مليء بالشكوك، فالصراعات مستمرة بالفعل بين الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا، وهي الجيش الوطني السوري، وقوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، وبينما يحتفل معظم السوريين، بما في ذلك ملايين المنفيين الذين بدأوا بالعودة إلى ديارهم من لبنان وتركيا وأماكن أخرى، فإن مصير العديد من الأكراد الذين تم طردهم سابقًا من قبل تركيا من عفرين ومناطق أخرى في الشمال لا يزال غامضًا.

صرح الجنرال “مظلوم عبدي” قائد قوات سوريا الديمقراطية، بأن إدارته راضية عن سقوط نظام الأسد وتنسيقها مع هيئة تحرير الشام، لكنه أكد أن الأكراد وتركيا سيحتاجون إلى التوصل إلى تسوية تمنع إراقة الدماء داخل وخارج الحدود السورية، وهو تحدٍ صعب حتى في أفضل الظروف.

في الوقت نفسه، لا يزال الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية محتجزين في سجون شمال شرق سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية. إذا تمكن هؤلاء المقاتلون من الفرار أو إعادة تشكيل خلايا نائمة، فإنهم سيشكلون تهديدًا كبيرًا لحكومات ما بعد الأسد وللمنطقة بأسرها.

وبالمثل، فإن إسرائيل قد تحركت بالفعل إلى المنطقة منزوعة السلاح على حدودها مع سوريا واستمرت في استهداف مستودعات الأسلحة والمواقع التي يُشتبه في أنها تنتج أسلحة كيميائية. في الوقت الراهن، يبدو أن تركيا حققت ميزة كبيرة في هذا الوضع الجديد، بينما تكبدت روسيا خسائر فادحة بسبب انسحابها المتسرع. ومع ذلك، فإن إيران تبدو الخاسر الأكبر، إذ أن استراتيجيتها المعروفة بـ “استراتيجية الدفاع الأمامي” قد انهارت، مما جعل طهران نفسها عرضة بشكل خطير لهجوم محتمل على برنامجها النووي من قِبَل إسرائيل.

وفي ظل التغير السريع في موازين القوى الدولية والإقليمية، سيواجه السوريون تحديات ضخمة في تقاسم السلطة داخل البلاد، فـهيئة تحرير الشام، التي تصنفها الولايات المتحدة كجماعة إرهابية، تحظى بشعبية قليلة حتى في معقلها في إدلب، وعلى الرغم من ذلك، حرص قائد الهيئة “أبو محمد الجولاني” على تبني موقف تصالحي، ليس فقط مع الأقليات السورية، ولكن أيضًا مع المسؤولين السابقين في النظام، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان هذا النهج التصالحي سيستمر، وما إذا كانت الجماعات المتمردة الأخرى والفصائل المعارضة ستتبع نفس النهج.

ومع عودة المزيد من السوريين إلى وطنهم، بما في ذلك العديد من قادة المعارضة، من المتوقع أن تنشأ توترات جديدة، إذ قد يجد البعض أن منازلهم تعرضت للنهب أو أصبحت مأهولة من قبل عائلات أخرى، كما أن الصراع على السلطة بين الجماعات المسلحة داخل سوريا وبين المعارضة في المنفى قد يزيد الأمور تعقيدًا.

في الوقت الراهن، يبدو أن هيئة تحرير الشام تسعى إلى إنشاء نموذج شامل للحكم على المستوى المحلي، يتضمن إشراك الأقليات وأولئك الذين لم يعيشوا في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة.

الهجوم الذي شنته القوات المعارضة نجح جزئيًا بسبب الديناميكيات الإقليمية التي تجاوزت حدود سوريا، مثل تفكك حزب الله وتدهور العلاقات بين أنقرة ودمشق، لكن على الجانب الآخر، فإن سقوط الأسد سيؤدي إلى موجات صدمة في المنطقة قد تتجاوز سوريا نفسها، ولضمان استقرار البلاد ووحدتها، سيكون من الضروري تقديم دعم إقليمي ودولي عاجل ومستدام، ذلك يتطلب مساعدة السوريين في استعادة النظام، وتشكيل حكومة مدنية، وتعزيز المصالحة والعدالة الانتقالية، وبدء عملية إعادة الإعمار.

لفترة طويلة، تجاهلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الوضع في سوريا، معتبرين أن نظام الأسد لا يمكن الإطاحة به، ولكن مع ظهور الحقيقة المعاكسة، أصبح من الواضح أن التقديرات السابقة كانت خاطئة، فبالإضافة إلى سنوات من العقوبات الدولية وسوء الإدارة الاقتصادية، فإن احتمال نشوب حرب أهلية جديدة وما يصاحبها من مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة لا يزال قائمًا.

منع المزيد من المآسي للشعب السوري الذي عانى كثيرًا، يتطلب من الدول الغربية ودول الخليج العربي، على وجه الخصوص، مد جسور التواصل مع القادة الجدد في دمشق، ودفعهم نحو حكم عملي، حتى وإن لم يكن ديمقراطيًا. الآن، وبعد أن استعاد الشعب السوري أخيرًا الأمل بسقوط عائلة الأسد، يتوجب على الدول التي سمحت بمعاناة سوريا على مدى سنوات أن تتخذ خطوات حقيقية لدعم استقرار البلاد وإعادة بناء ما دمرته الحرب.”

هامش

  1. “ناتاشا هول”: زميلة أولى في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. ↩︎
  2. “جوست هيلترمان”: مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية. ↩︎

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى