هل أنت صلاح الدين؟

قد يطرح البعض هذا السؤال إذا أخذت الحماسة أحد الأشخاص وأخذ يدعو الناس لتحرير القدس وتغيير هذا الوضع الذي تعيشه هذه الأمة التي اتفقت على ألا تتفق والضحية هي شعوبها ومستقبلها وقدسها، فيكون هذا السؤال هل أنت صلاح الدين؟ ويكون هذا السؤال ليس بهدف الاستفهام أو التعجب وإنما بهدف السخرية فالذي يسأل هذا السؤال أقول له وماذا تعرف عن صلاح الدين وسوف تكون الإجابة الغالبة أنه الرجل الذي وحد الأمة وحرر القدس.

هل اختلف واقع صلاح الدين عن واقعنا؟

وإذا أردنا أن نتأمل هذه الإجابة لوجدنا أنه رجل أي إنسان وليس كائن من كوكب آخر أو ملاك أنزله الله لنجدة هذه الأمة إنما بشر مثله مثل باقي البشر، فقد كان طفلاً وكان يلعب مع الأطفال وكان يتعلم مثل ما تعلمنا وظهر في زمن يسوده الفساد والفرقة بين العرب خاصةً والمسلمين عامةً ويا لصدفة لقد كان القدس محتل أيضاً ولكن ليس فقط القدس بل وبعض البلاد والمدن العربية والإسلامية أي أن الوضع كان أسوء إلى حد ما.

وقد كانت هناك تحالفات بين بعض الأمراء العرب والصليبين وغير ذلك مما زاد من شقاء الأمة ومعاناتها ولكن كل هذا لم يمنع أن يكون وسط كل هذا الفساد والهزيمة شاب يعتقد في قرارة نفسه أنه يستطيع أن ينقذ هذه الأمة مما هي فيه وربما سأل نفسه هل أنت عمر بن الخطاب الذي أسترد القدس من قبل وربما سخر منه الناس وقالوا له من أنت لتفعل شيئًا.

معارك التغيير

أوليس هذا ما يواجهنا في معاركنا للتغيير، أوليس مَن حولنا هم أول مَن يقف في وجهنا ويزعزع إيماننا بأنفسنا وثقتنا، رغم أنهم في داخلهم ينتظرون هذا البطل ليقفوا خلفه ويتجمعوا حوله ليقودهم إلى هذا التغيير إلا أنهم فعلوا كما يفعل البشر حينما بعث الله فيهم رسولًا كانوا يقولون إنه بشر مثلنا وليس أحسن منا فلماذا يكون رسولًا؟!

إنه إيمان صلاح الدين بالحلم الذي يصعب من خلاله التصديق والإدراك أنه بعد طول انتظاره سوف يتحقق. فكلنا قد نعتقد أن البطل الذي سيحرر هذه الأمة أو يوحدها له صفات خاصة لا توجد في أحد هذه الأيام ولكن الحقيقة أن البطل لا يظهر إلا في أحلك الظروف حتى يؤدي دوره ولكن السؤال الذي أريد أن أطرحه عليك إذا رجعنا إلى صلاح الدين وسألتك ما هي أهم وأشرس حرب قاضها صلاح الدين وأنتصر فيها؟

أعتقد أنهم يطلقون عليها “حطين” وهذا ما سوف يأتي في ذهنك أولاً، لكن إذا تأملت معي الواقع وليس التاريخ الذي قد يذكر قشور الماضي دون أن يظهر معالمه أن المعركة الأهم في حياة صلاح الدين كانت هي المعركة مع النفس.

معارك النفس أولًا

نعم، أنها أهم معركة قد يخوضها الإنسان في حياته مهما خاض من معارك دامية وصعبة، فإن أصعبها دائماً هي المعركة النفسية فأنت لتكون صلاح الدين ليس عليك أن تحرر القدس وإنما يجب أن تقوم بأهم حرب في حياتك وهى معركتك مع النفس وكما قال  الحق تبارك وتعـالى في سـورة الرعـد : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

إذاً لقد علم كلٌ منا معركته وليبدأ فيها، فأنت لكى تغير الواقع الذي أنت فيه عليك أن تبدأ بواقعك وهو نفسك فإنها أهم خطوة في طريق التغيير فكيف تطلب من الناس أن يساعدوك وأنت لم تساعد نفسك؟! كيف تريد من الطبيب أن يشفيك من الزكام مثلاً وأنت كل يوم تخرج وأنت ترتدى ملابس خفيفة في الشتاء؟! فالتغيير ليس بأن تجلس وترى عيوب الآخرين وتتحدث عن أن هذا الرجل أو هذه السياسة هي سبب الهزيمة وسبب اليأس فسببها يبدأ منك أولاً وقد يكون هذا الرجل أو هذه السياسة أو هذا الرأي هو أحد أسباب المشكلة ولكن ليس كل المشكلة، لأنك إذا تغيرت قد تجبر من حولك على التغيير، فأخيك وإن بالعيب ذكرته فتذكر أنك كلك عيوب وللناس ألسنُ .

و أنا هنا لا أقول لك أن تسكت عن أي سلبيات تراها ولكن تأملها وأعرف سببها وعالجها بمنطقيه، فما يحدث في عالمنا الآن أنَّ كل شخص يأتي ويقول إن المشكلة في هذا الرجل مثلاً إنه بخيل، فيرد عليه الرجل الآخر وينفي ذلك ويقول إنك مسرف ولذلك تعتقد أنى بخيل وفي الحقيقة إنها مشكلتك أنت وهكذا… فيتحول الموضوع من رغبة في التغير إلى سبٍّ وتنفير وهجوم على الآخرين معتقداً أنك الملاك وهم الشياطين.

ولكن الحقيقة أن كل إنسان بداخله الاثنين معاً فهناك بطل الخير ومحب الفساد وتبقى الحرب بينهم مستمرة حتى تقرر أيهم يكون حليفك وأيهم عدوك فأنت من تحدد هنا أي التغيير تريد، فالحقيقة تقول إن الأمر الأكيد أنه سوف يحدث تغيير ولكن السؤال أي تغير؟ هل سيكون في صورة محب الفساد الذي يشترك فيه ولو بصمته ويقف موقف المتفرج وهذه أقل المراتب وأخطرها في نفس الوقت، أم في صورة بطل يتوحد مع أبطال آخرين فيحين وقت التوحيد ويلي ذلك نصر أكيد، ويكون هناك ملايين صلاح الدين؟

وعندما يسألك الناس هل أنت صلاح الدين؟ فالقرار عندك والإجابة بداخلك قبل أن تكون لديهم إما أن تكون صلاح الدين بطل معركة النفس والتي يليها نجاحك في المعارك الأخرى وإما ألا تكون، وبالتالي لا تبحث عن بطلٍ يغير واقعك لأنك ستكون أول عدو له.


بقلم : شريف مجد الدين

ضيوف تبيان

يمكن للكتّاب والمدونين الضيوف إرسال مقالاتهم إلى موقع تبيان ليتم نشرها باسمهم في حال موافقة… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى