حلب مقبرة كبرى!
تتواصل المجازر في حلب ويتواصل معها الاستنكار من كذا طرف، وتتواصل مع هذا وذاك وعود تتقاذفها التصريحات السياسية، لم تغير من واقع حلب ولا يرجى لها صدق ولا نصرة لحلب.
مشاهد فظيعة وتوثيقات مريعة وردت بعد أن سيطرت قوات النظام السوري وقوات حزب الله والميليشيات الرافضية المساندة لهم، على أغلب أحياء المدينة العريقة، ما دفع جريدة “الغارديان” البريطانية لوصف حلب بأنها أصبحت “مقبرة كبرى”، واعتبرت سقوط المدينة في أيدي قوات الأسد يشكل “عاراً على هذا الجيل”.
وفي آخر حصيلة لضحايا حلب بعد سقوطها، إعدام 79 شخصًا في أحياء الفردوس والصالحين وبستان القصر. مصير لطالما حذر منه السكان ولطالما انتظروه وهم يعدون أنفاسهم بينما تترقب أعينهم رحمة أو غدرا حفرته النوازل على أسوار حلب.
وكما كان متوقعا فقد بدأت المجازر المريعة ترتكب بحق المدنيين العزل بعد الاجتياح المسموم لهذه الميليشيات، والتي حسب شهود عيان داخل حلب، أحرقت تسعة أطفال وأربع نساء في حي الفردوس وهم أحياء في واحدة من بين عدة مجازر تم تسجيلها.
وتتحدث التقارير عن قرابة المئتي عملية إعدام رميا بالرصاص لأهالي حلب بينهم نساء وأطفال تمت على أيدي قوات النظام بينما تحمل القسم الأكبر منها حسب شهود عيان .قوات حزب الله والميليشيات الرافضية المساندة لهم.
الإعدامات الميدانية استهدفت أيضا الطاقم الطبي بمشفى الحياة حيث أبيد الطاقم برمته رمياً بالرصاص.
150 ألف شخص إذن مهددون بالإبادة في حلب ولكن بنهاية على طراز الإبادة العرقية، سببها قصف الطائرات المتعمد من قبل الجيش الروسي والقصف بالبراميل المتفجرة من قبل قوات النظام ومجازر حزب الله والميليشيات الإيرانية المساندة لهم .
شهادات المنظمات والجهات الإنسانية تواترت بشكل مكثف منذرة بالخطر العظيم الذي يهدد حياة المدنيين وبضرورة التدخل لتأمينهم، تهديد لم يستثن حتى العاملين في مؤسسات الدفاع المدني، فمنظمة “الخوذ البيضاء” للدفاع المدني التي أثقلتها مشاهد القتل والدماء وجثث القتلى بالأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة شرقي حلب خلال أدائها لمهامها، وجهت نداء استغاثة إلى المنظمات الدولية لتوفير حماية سريعة للمتطوعين في خدماتها وأهاليهم، وتسهيل خروجهم عبر ممر آمن في وقت تتقدم فيه قوات النظام السوري النصيري تقدح من أعين جنودها شرارات الانتقام والحقد الطائفي. وقد جاء في نداء المنظمة المرشحة لجائزة نوبل للسلام”إذا لم يتم إجلاء متطوعينا، فإنهم سيواجهون التعذيب والإعدامات الميدانية في معتقلات النظام”.
ولكن نداءات الاستغاثة المتكررة من حناجر النساء والأطفال ومؤسسات الدفاع المدني وكذا حجم الصور المريعة لكم المجازر اليومية بحق المدنيين، لم تحرك ضميرا إنسانيا دوليا واحدا، وأقصى ما قدمته الجهات الخارجية على رأسها الأمم المتحدة تعليقات لا تسمن ولا تغني من جوع ومجرد شعور بالقلق ووعود بالنظر في صدق الأخبار الواردة بشأن هذه “الإبادة” التي باتت ترتكب بحق المدنيين في سوريا بشكل روتيني يومي.
من جهته، قال الدفاع المدني في حلب أن هناك أكثر من 90 جثة تحت الأنقاض لم يتم انتشالها حتى الآن والرقم مرشح للصعود.
وتشير التقارير إلى أن أكثر من سبعمئة شخص ممن يعملون في مجال الصحة لوحده قتلوا في سوريا منذ بدء الحرب فيها قبل نحو ستة أعوام.
الخطة الروسية النصيرية
لنطوي صفحة المدنيين المؤلمة إلى حين ونتجه لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، السبب الأول وراء سقوط الضحايا المدنيين في سوريا، إذ أعلنت بكل ازدراء أن الجيش السوري النصيري قد تمكن من السيطرة على أغلب مساحة المدينة ويعود الفضل لهذا التقدم للقصف المدمر الذي يتبع سياسة الأرض المحروقة ولا يراعي حقوقا خلقية ولا إنسانية تنفذه دولة عظمى محسوبة على قانون النظام العالمي وتلوح بحق الفيتو فيما يزعمونه نظام عالمي عادل يحقق استقرارا وسلاما وتوازنا لم تره الأرض بعد ولكنهم يريدون فرضه عليها.
ومع هذا الدمار الذي فتك بحلب، أشاد الفريق سيرغي رودسكوي، رئيس مديرية العمليات في هيئة الأركان، بجهود قوات الهندسة الروسية لتطهير المناطق التي استعادها الجيش السوري النصيري من المتفجرات، بما في ذلك العبوات الناسفة والألغام والقنابل غير المنفجرة ولعله نسي أن يوضح أن التطهير لم يستثن البشر الساكنين فيها أيضا.
وفي ظل هذه التصريحات تؤكد التقارير خروج 1096 مسلح من حلب طواعية، عُفي عن 953 منهم من قبل النظام النصيري والبقية لا زالت تحت الإجراءات الأمنية التي توصف بالضرورية، في سابقة خطيرة تنذر ببيع حلب بطريقة لم تكن في الحسبان.
كما شهدت المدينة المدمرة حركة نزوح واسعة شرقي حلب، وتتحدث تقارير الدفاع المدني عن نزوح أكثر من 13 ألف مدني من مناطق المعارضة خلال الـ24 ساعة الماضية. كما تؤكد أيضا أن النازحين يجبرون على التجنيد الإجباري في صفوف قوات النظام ويدفع بهم من جديد لخط النار لقتل إخوانهم وإلا فالموت مصيرهم. بينما آخرون يتعرضون للتعذيب المريع والسجن هذا لمن نجا من الإعدامات الميدانية وقلة قليلة قد تنجو من المصير المحتوم.
على صعيد المعارضة المسلحة في حين لا تزال التصريحات متضاربة والاختلافات متأججة، أكد رودسكوي أن عملية المصالحة مستمرة وأن المفاوضات في الساحة الخلفية جارية، وأكد أيضا أن مركز المصالحة الروسي تلقى إلى الآن 94 بيانا من زعماء فصائل في المعارضة المسلحة حول الانضمام لنظام وقف إطلاق النار، فيما انضمت 1040 بلدة سورية إلى عملية المصالحة.
وبهذه السياسة تتكفل القوات الروسية بالضغط العسكري لإجبار المعارضة للتسليم وللأهالي بالاستسلام وتعيد تدريجيا السيطرة في مخالب السلطات السورية النصيرية.
وكما جرت العادة، بينما تؤكد تصريحات لافروف إعلاميا إيقاف إطلاق النار، يؤكد شهود عيان ميدانيا أنه متواصل لم ينقطع، وقد قال أحد جنود المعارضة المسلحة: “منذ إعلان لافروف والقصف لم يتوقف ولم تنخفض كثافته، أنا أتحدث معكم الآن، وتحلق مروحيتان الآن في السماء.”
وفي نفس الاتجاه أكد تعليق عمار السلمو، مسؤول في جماعة “الخوذ البيضاء” التطوعية في سوريا حين سئل عن فعالية القرار الروسي في إيقاف إطلاق النار فقال : “في شرق حلب كل شيء توقف باستثناء القصف وبرودة الشتاء والمجاعة والخوف والإرهاب.. باستثناء هذه الأمور فكل شيء توقف.. المخابز والدفاع المدني وحتى المرافق الطبية.”
ولا شك أن هذا الانقطاع المرير لكل ما يمت لضروريات الحياة بصلة استغل تمام الاستغلال من قبل النظام النصيري الذي سارع لإلقاء المنشورات للأهالي الذين خارت قواهم وفقدوا الأمل في أي حل بسبب هذا العدوان اللا منتهي، جاء في بعض هذه المنشورات: ” لقد تُركتم وحدكم لتواجهوا مصيركم وستتم إبادتكم”.
بمنتهى الوضوح تأتي كلمات النظام النصيري لتقذف بتلك الوعود السياسية والتصريحات الدبلوماسية في مزبلة الكذب والنفاق العالمي، وقد علق المدنيون على تلك المنشورات بقولهم: “تلك الرسالة لم تُكتب في موسكو أو دمشق بل كُتبت من قبل الأمم المتحدة، لأننا في الواقع تركنا وحدنا، فهناك أكثر من 60 جثة ملقاة في الشوارع ولا نستطيع الوصول إليها ولا سحبها ولا أحد يستطيع، ونحن نواجه يوماً كيوم القيامة.”
وفي هذه الأثناء التي تنزف فيها القلوب والأجساد في حلب، يقتل الحلبيون بدم بارد وتتواصل الإعدامات الميدانية بلا رادع، وتختم قصة سقوط حلب الدامي بخروج موالون لنظام الأسد في بعض أحياء حلب الغربية للاحتفال بما وصفوه بالانتصارات التي تحققها قوات النظام والميليشيات الداعمة لها، ورفع شعارات تقدم الشكر لروسيا وإيران وكذلك فعل أنصارهم في مناطق النظام.
وفي الختام فإن التوقعات التي رصدتها الاستخبارات الإسرائيلية ونشرتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية بدأت تظهر ملامحها في تقديم مدينة حلب على طبق من ذهب لروسيا ومدينة الباب لتركيا، وهي الخطوات الأولى في اتفاق روسي أمريكي لتفكيك المعارضة المسلحة السورية وبداية عهد جديد تفرض فيه روسيا عليها المفاوضات والرضوخ لمطالب النظام النصيري، لكن التقارير الإسرائيلية تستثني جبهة فتح الشام من هذا التفكيك المحتمل لفصائل المقاومة المسلحة وتؤكد أن نهاية حلب هي بداية مرحلة عصيبة على الثورة السورية والتي سيضيق خناقها في جيوب لا شك أنها السبب في إطالة الصراع بين الطرفين لأجل غير محدد.