أحمد ديدات: الرجل ذو المهمَّة

حديثنا في هذه السطور القلائل عن شخصية إسلامية جليلة، شخصية لم تأخذ حقّها في التناول، شخصية لا يعرفها الكثير من شبابنا المسلم اليوم مع الأسف، حديثنا هنا عن أسد المناظرات ورافع راية الإسلام في وجه النصارى بلا خوف أو تردد، شخصيتنا هي: الشيخ الجليل أحمد ديدات – عليه رحمة الله – .

سنتناول جزءا من شخصية الشيخ ذكره تلميذه المخلص د. ذاكر نايك، السائر على درب أستاذه اليوم الذي لم يكتف بالوقوف في وجه النصارى فحسب، بل زاد على أستاذه؛ واقفاً في وجه الهندوس والبوذيين والملحدين وغيرهم، ذكره في إحدى محاضراته.

يقول د. ذاكر نايك عن أستاذه ديدات رحمه الله:

أحبُّ أن أعطي مثالًا لرجل كان لديه إمكانيات قليلة ولكنَّه وصل للقمة في مجاله، وهو الشخص الذي غيَّر حياتي، وحوَّلني من طبيب للأجساد إلى طبيب للأرواح، اسم هذا الرجل هو الشيخ أحمد ديدات.

نشأة الشيخ

ولد الشيخ أحمد ديدات عام 1918م بالهند لا جنوب أفريقيا كما يعتقد الكثير، تعلم في صغره حتى الصفّ السادس فقط!، وبسبب مصاريف الدراسة التي لم يستطع تحملها، فإنه أُجبِر على ترك التعليم. أُجبر على ترك بلده، و سافر إلى جنوب أفريقيا لمساعدة والده في العمل، فعمل بائعا تارة، وعمل في محل أثاث تارة، وعمل في قيادة السيارات تارة وغيرها.

الشرارة التي أشعلت قلب ديدات ذا الإمكانيات القليلة:

 وبينما هو في جنوب أفريقيا، اعتاد على المضايقة من قِبَل المُبشّرين النصارى؛ والذين كانوا يقولون له: «الإسلام دينٌ عديم الفائدة، دين عديم الرحمة». اعتادوا مهاجمة الإسلام. يقول الشيخ نفسه واصفًا هذا الموقف:

كانوا ينهالون علينا بالأسئلة والانتقادات.. فيقولون:
«هل تعلمون أن محمدًا تزوَّج نساءً كثيراتٍ جدًّا؟»  وحينئذ لم يكن لدي أدنى معرفة بذلك.
و«هل تعلمون أن محمدًا نشر دينه بحدِّ السيف؟»  ولم يكن لدي أدنى معرفة عن ذلك.
و«هل تعلمون أنه قد نقل كتابه عن اليهود والنصارى؟»  ولم يكن لدي أدنى علم بذلك.
كان الموقف فـي غاية الصعوبة بالنسبة لي.. ماذا أفعل كمسلم..؟ هل أردُّ على الهجوم..؟ ولكن كيف ذلك وليس لدي من العلم والمعرفة ما أَرُدُّ به.
وهل أهرب من المكان؟ والحصول على عمل في تلك الأيام كان أمراً عسيرًا.

وبسبب تلك المضايقات، ظهرت رغبة في قلبه وهي: «أريد أن أرد على كلّ ادّعاءات هؤلاء المُبشّرين ضد الإسلام، أريد أن أعطي ردًّا مناسبًا لهؤلاء».

فتخّيل أن رجلاً تعلم حتى الصف السادس فقط، وذو إمكانيات مادية متواضعة جداً، وهو بهذه الحال يريد أن يردّ الغيبة عن دينه، ويقوم بالردِّ على ادِّعاءات المبشِّرين النصارى في افتراءتهم ضد الإسلام! فلله دَرُّ هذه الهمّة حقاً!

كيف بدأ جهاد الشيخ للذبّ عن دينه ؟

بجانب هذه الإمكانيات المتواضعة، كان لديه إيمان بالله -عزّ وجلّ-  جعله يسعى في طريقه للذبِّ والدفاع عن دينه والرد على شبهات النصارى، فعثر بالصدفة على كتاب؛ كتاب مُلقى على الأرض في حجرة مكتبة كان يعلوه التراب، كتاب اسمه «إظهار الحق» لمولانا الهندي الكيرواني رحمه الله، فحصل بذلك الكتاب على اتجاه هدفه.

هذه فقط كانت بداية الشيخ ديدات، جاهد أربعين سنة حتى أتى الوقت الذي تحدَّى فيه أنصار النصرانية من أمثلة: فلوريد كلارك ،جيمي سواجارت، انيس شروش.

وكذلك قام بجمع كتب النصرانية، وكتب المبشِّرين النصارى الذين كتبوا ضد الإسلام مثل جون كيلجريست و جيمي سواجرت وغيرهم، وقام بدراسة كتابهم: الكتاب المقدس (الإنجيل)، واستخدم معها آيات القرآن، وسخَّر ذلك عليهم، وحصل على النتائج بردِّ شبهات هؤلاء على الإسلام، فأسلم على يديه بضعة آلاف من النصارى من مختلف أنحاء العالم و البعض منهم الآن دعاة إلى الإسلام.

موقف من مواقف ثبات الشيخ وعدم تنحيه عن الطريق

في عام 1986م كان الشيخ بصدد مناظرة القس جيمي سواجارت، وفي ذلك الوقت في الثمانينات كان جيمي سواجارت أقوى وأشهر شخصية تلفزيونية مسيحية، قبيل هذه المناظرة ببضع أسابيع فقط نصح أحدُ المتابعين الشيخ ديدات بهذه العبارات:

يا  شيخ أحمد ديدات، أنا من متابعيك، ولكني أريد أن أعطيك نصيحة: هذا الرجل (جيمي سواجارت) أنا أعرفه، فقد درست شخصيته، رجاءً لا تُناظِره، فإنه سوف يمضغك ثم يبصقك.

جيمي سواجارت الرجل الأشهر في الولايات المتحدة وعلى القنوات التلفزيونية المختلفة، والذي يأخذ ميزانية تُقدّر بأكثر من مليون دولار في اليوم ليحمي المسيحية من الغرق. ماذا فعل معه الشيخ أحمد ديدات؟

شيخنا أحمد ديدات -ما شاء الله- كان الله معه، ذهب إلى الولايات المتحدة، في عُقِر دار المُبشّر النصراني سواجارت، ذهب وكانت المناظرة، والحمد لله ثم الحمد لله بعونٍ من الله تعالى قَلَبَ الطاولة عليهم.

كيف حقق الشيخ أحمد ديدات ما حققه ؟!

تخيل أن رجلاً بإمكانيات قليلة، لم يتعد التعليم الأساسي، فضلاً عن أن يكون من خريجي الجامعات، تحدى جهابذة النصرانية وأصبح أكبر حائطِ صدٍّ في مواجهة النصرانية في العالم، وفي مواجهة المبشّرين النصارى. رجلٌ واحد -الشيخ أحمد ديدات- معه عون الله تعالى.

فقد كان أول شيء في خطوات الشيخ على الطريق هو: تحديد الهدف والغاية، ولقد كان هدفه محدداً من البداية ألا وهو: «أريد أن أرد على الادعاءات المثارة ضد الإسلام، وأريد أن أعطي رداً مناسباً، يُزيل الشبهات المثارة حول الإسلام والموجودة في عقول غير المسلمين».

ثاني شيء كان ملاءمة أسلوبه في الردّ، خاصةً أنه كان في وقته تماماً، فقد كان أسلوبه مناسبا جداً في ذلك الوقت، فعندما كان المُبشّرون النصارى يُهاجمون المسلمين، كانت روح المسلمين المعنوية آنذاك في الحضيض؛ هذا الرجل ألهم الآلاف من الشباب، ومن ضمنهم تلميذه د. ذاكر نايك، فاستطاعوا أن يرفعوا رؤوسهم ويقفوا على أقدامهم.

ثالثاً: أنه لم يكن يسعى لشهرة أو منصب أو جاه، فلقد كان يسعى إلى أن يُرضي الله ورسوله، نسأل الله تعالى أن يكون قد نال رضا الله ورضا رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فقد كافح وثابر أربعين سنة، ولو كنت تعرف عن حياته لعرفت أن مكتبه كان يشغل مساحة صغيرة وضيقة جداً. استمر في المثابرة.. حتى وصل إلى هدفه ولله الحمد والمنّة.

وفاته، رحمه الله

أُصيب بعد عودته من رحلة دعوية إلى أستراليا عام 1417 للهجرة (1996 للميلاد) بسكْتة دماغية سبَّبت له شللا كاملا، واضطُر لملازمة الفراش تسْع سنين حتى وفاته، توفي الشيخ ديدات في رجب عام 1426 للهجرة (2005 للميلاد).

توفي الشيخ ديدات -رحمه الله- بعد أن أدَّى رسالته وحقق غايته، تاركاً وراءه أعماله التي تبرز جهاد الرجل على ثغر من الثغور الهامة التي تحتاج الأمة لأناس مثله ليسُدُّوها، ومن هذه الأعمال:

  • أسَّس معهد السلام لتخريج الدعاة، والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة دوربان بجنوب أفريقيا، وهو الذي لا يزال نشطا في مجال الدعوة وحوار الأديان حتى بعد وفاة الشيخ.
  • ألف ديدات عشرات الكتب وطُبعت منها ملايين النسخ ووزعت مجانا في معظم الأحيان، كما كان كاتبا نشطا لا يتوقف عن الكتابة ومعالجة قضايا الساعة، وكان يطبع محاضراته ومقالاته وتوزع على شكل كتيبات بالمجان.
  • ومن الكتب التي ألفها الشيخ -رحمه الله-: كتاب (ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم؟)، وكتاب (هل الكتاب المقدس كلام الله؟)، وكتاب (مسألة صلْب المسيح بين الحقيقة والافتراء)، وغيرها الكثير.

تكريمه عربيا

ولهذه المجهودات الضخمة، نال الشيخ تكريم عدد من الدول العربية والإسلامية، ومُنح جائزة الملك فيصل في مجال خدمة الإسلام عام 1406 للهجرة (1986 للميلاد) ومنح لقب «أستاذ» لعلمه الغزير ومنهجية تفكيره. وهنا لا بد من التذكير أن هذا الموقف لم يكن عاما بين كل الدول العربية، فقد قامت إحدى الدول العربية المسلمة بحظْر ومنْع توزيع ونشر أشرطة مناظرات الشيخ، بدعوى أنها تثير الفتنة الطائفية وما إلى ذلك، ولم تكتف بذلك بل قامت بتقديم عراقيل للشيخ عندما عند سفره إليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 من أقواله، رحمه الله

إن هذا الدين جاء ليظهر على الدين كله وعلى طرق الحياة جميعها، سواء أكانت اليهودية أو النصرانية أو الشيوعية، ومهما كانت الفلسفة أو الديانة، فقدَر الإسلام أن يهيمن عليها جميعها.

سُئل عن خطة العمل في ظل هذا الواقع العصيب فقال:

«إنه أحد موقفين: إما أن نجتهد وندعو الناس إلى الإسلام وأن نتمسك بإسلامنا أو أن نقف مكتوفي الأيدي كما هو الآن، فيحولونا إلى النصرانية، ونحن أصحاب الحق والدين الذي يجب أن يظهر وينتشر، والذي أرسل الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فإذا قصرنا في ذلك فإن الله قد توعدنا بأنه سيبدلنا بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين.

فقد تركنا المجال للدعوات النصرانية وغيرها تنتشر بكل أساليب الدعاية والإعلام واستغلال إمكانات الصحافة والإذاعة والتليفزيون وغيرها، ولهذا يجب أن نغير هذا الواقع وأن ندافع عن ديننا وأن ننشره بذكاء وحكمة.
إننا نؤمن بأنه لا إكراه في الدين ولكن يجب الإظهار والدعوة باللسان والعقل، بالذكاء والحنكة، وهذا ما توقفنا عن عمله منذ قرون ، وأصبحنا نقول: بأن لكل أمة دينها.

«ابذلوا قصارى جهودكم في نشر كلمة الله إلى البشرية.. إنها المهمة التي لازمتها في حياتي…».

المصادر


عمّار إسماعيل

المستقبل ليس سيناريو مكتوبًا وعلينا فقط أن نقوم بتمثيله؛ بل هو عمل يجب أن نصنعه… المزيد »

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. جزاكم الله خير الجزاء عن هذا الموضوع
    وأحب أن أقول لكم بأني سأستخدم الموقع في فيديو لي على قناتي على اليوتيوب
    وسأضع الرابط أسفل الفيديو وبإستخدام مصادركم
    وليس لهدف كسب الأموال
    إنما لكسب رضا الله في نشر سير الصالحين أمثال أحمد ديدات عليه رحمة الله

  2. جزاكم الله خير الجزاء، عما تقومون به من جهد لرفع راية الاسلام و سدد خطاكم، نحن معكم فى سعيكم مناصرين و مآزرين ان شاء الله.

  3. يا عمار يا ولدي
    أحييك على اختيارك للموضوع، وأشكرك على:
    – جزم المضارع (لم يتعد، لم يكن، لم يستطع، لم تكتف ..)
    – استخدام التاريخ الهجري
    وأود أن أنبهك على أخطاء، وساتجاوز الأخطاء البسيطة، كنسيان حرف أو تكرار كلمة:
    – الذب، أي الدفع، وليس “الزب” أي كثرة شعر الوجه والأذنين.
    – “لله دَره” بفتح الدال، وليس “دُره” بضم الدال.
    – النوايا لا يعلمها إلا الله، فكيف تقول “كانت نيته أن يرضي الله ورسوله”؟

زر الذهاب إلى الأعلى