نظرة على الشخصية الأمريكية

لا شك أن الشخصية الأمريكية معجبة بالقوة والعلو في الأرض بشكل ملفت للنظر، ترى ذلك في تفاصيل حياتهم اليومية، في كل المستويات وخاصة ميادين العمل والمنافسة والتسابق المادي بما في ذلك ميدان التعليم يبدو  الأمريكي مولعا بالقوة والتفوق.

وأبسط مثال على ذلك شغفهم بالرياضات العنيفة، فكرة القدم الأمريكية والهوكي  والملاكمة والمصارعة هي من الرياضات المفضلة لدى الأمريكي، منظرها في هياجها الحيواني، المنبعث من إعجابها بالعنف القاسي، وعدم التفاتها إلى قواعد اللعب وأصوله، بقدر ما هي مأخوذة بالدم السائل والأوصال المهشمة، وصراخها هاتفة كل يشجع فريقه حطم رأسه. دق عنقه، هشم أضلاعه، اعجنه عجنا، هذا النظر لا يدع مجالاً للشك في بدائية الشعور التي تفتن بالقوة العضلية وتهواها كما وصف ذلك بدقة متناهية سيد قطب.

سياسة الإخضاع بالقوة

 

وبمثل هذه الروح يتابع الجمهور الأمريكي صراع الجماعات والطوائف، وصراع الأمم والشعوب، وهي لا تلبث أن تظهر في مواقف متتالية عبر محطات أحداث العالم كما ظهر مؤخرا في قضية الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة بني صهيون، حين تعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بكل صلف وغطرسة بعيدا عن أي شكلية دبلوماسية أو سياسة استغفالية تكسب الحلفاء، ثم زاد على ذلك قوة التهديد والوعيد لمن يصوّت ضد قراره المشؤوم مستندا لمبدأ القوة لإخضاع الجميع، وهي صورة لم تذهلني قط لأنني شاهدت الكثير من أمثال شخصية ترامب في الأرض الأمريكية ولا أبالغ إن قلت هو أفضل من يمثل الأمريكان كشعب يعتمد القوة منهاجا وعقلية للعيش.

بذاءة اللسان وسوء الخلق

ويوازي هذا الاهتمام بالقوة والعنف استهانة بالمثل والمبادئ والأخلاق، على كل المستويات سواء في حياة الأمريكي الفردية، أوفي حياته العائلية، أو في حياته الاجتماعية ولعل الأخلاق التي قد تصادفك خلال إقامتك في أمريكا تصادفها غالبا في دائرة العمل والمال والاقتصاد، ويكفي النظر في العبارات الساقطة التي يستعملها الأمريكي بشكل يومي في حديثه لا يحترم فيها أحدا وقد يقولها الولد لوالده والبنت لأمها والجار  لجاره والتلميذ لمعلمه، يقولها غاضبا أو سعيدا مازحا أو محاججا، في كل موقف وبلا أدنى حياء.

الجهل

لقد تفاجأت كثيرا أثناء حديث جمعني مع فتيات أمريكيات جامعيات يسألنني عن موطني ثم وجدتهن لا يعرفن خريطة العالم، يجهلن تماما أين تقع فلسطين أو بلاد الشام أو حتى أي بلد بعينه في غير أمريكا، كنت أعتقد هذا الجهل بسبب الدعاية اليهودية لدولة إسرائيل ولكنني تفاجأت أنهم أحيانا كثيرة لا يعرفون حتى أين تقع إسرائيل!.

لديهم جهل كبير بالكثير من التفاصيل التي تعتبر عند مجتمعاتنا من الأساسيات خاصة فيما يخص التاريخ والجغرافيا والثقافة العامة التي يتعلمها كل فرد، وكانت هذه النقطة تثير عندي الاستغراب بشكل مستمر.

وفي المقابل تجد الطالب يتخصص في فنّه لا يتعداه وكأنهم آلات برمجت برمجة خاصة كلّ واختصاصه، يستميت فيه وإن كان في دقائق الذرة حتى يقضي نحبه وهو لايعرف غير ذلك الفنّ.

دعاة للسلام

إن أكبر كذبة عرفها التاريخ هي أن تكون أمريكا راعية لمعاهدات السلام التي يزعم بعضهم أنها حققت شيئا أو حفظت حقا في القضية الفلسطينية، وحين أنظر في الأمريكان بفطرتهم المحاربة المحبة للصراع، وهم قوم تأصلت الحرب في عقولهم، على أنها طريق القوة والهيمنة والعلو في الأرض، يبرز ذلك بشكل واضح في سلوكهم، ويتأكد من خلال تاريخهم كذلك، أتعجب من هذا التصنيف بلا معنى دقيق لشعب محارب شقي!.

المنطلق استعماري

نعم فبداية أمريكا كانت نتيجة فكرة استعمارية، حين خرجت الأفواج الأولى من أوطانها قاصدة أمريكا بفكرة الاستعمار والمنافسة والصراع، ثم قاتلوا جميعاً سكان البلاد الأصليين (الهنود الحمر) ثم قاتل العنصر الأنجلو سكسوني العنصر اللاتيني هناك، وطرده إلى الجنوب في أمريكا الوسطى والجنوبية، ثم حاربوا أمهم الأولى إنجلترا في حرب التحرير بقيادة (جورج وشنطن) حتى نالوا استقلالهم عن التاريخ البريطاني، ثم حارب الشمال الجنوب بقيادة (إبراهام لنكولن) تلك الحرب التي اتسمت بسمة (تحرير العبيد) وإن كانت دوافعها الحقيقية هي المنافسة الاقتصادية، ذلك أن العبيد المستجلبين من أواسط أفريقيا ليعملوا في الأرض رقيقاً، لم يستطيعوا مقاومة الطقس البارد في الشمال، فنزحوا إلى الجنوب، وكان معنى هذا أن يجد المستعمرون في الولايات الجنوبية الأيدي العاملة الرخيصة، على حين لا يجدها الشماليون، فيتم لهم التفوق الاقتصادي؛ لذلك أعلن الشماليون الحرب لتحرير العبيد، كما ذكر ذلك سيد قطب.

وانقضت فترة العزلة، وانتهت سياستها، عندما دخلت أمريكا الحرب العالمية الأولى، ثم اضطلعت بالحرب العالمية الثانية، ثم نهضت بالحرب في كوريا، وتلتها الحرب العالمية الثانية وها هي حرب الخليج الأولى والثانية والحرب على أفغانستان وحروب في كل مكان تقودها أمريكا في كل زمان تتوالى تحدوها راية الجيوش الأمريكية!.

الضعيف لا يُرحم

الويل لمن سقط أو تراجع أو ضعف، هذه قاعدة تعيشها في حياتك اليومية في أمريكا خاصة في أماكن العمل والدراسة ولا تسألن عن سكاكين الشماتة تذبح كل من وقع.

ذلك أن الحيوية المادية عند الأمريكي مقدسة، والضعف – أيا كانت أسبابه – جريمة، جريمة لا يغتفرها شيء، أو كن ضعيفاً فل يسعفك مبدأ، ولا يكون لك مكان في مجال الحياة الفسيح.

كنت أشاهد الطالب يلهث كل السنة لينجح فإن جاء موعد امتحانه وتلعثم أو أخفق ترى البقية يقهقون بلا رحمة يشمتون بلا رأفة وكأنها فرصتهم للنيل منه رغم أنه قبل أيام قليلة كان حبيب الكل، أما إن أبدع ونجح فلا تسأل عن نظرات الإعجاب والإطراء والاحترام الذي سيحظى به بإغداق، وكلما ارتقى في الدرجات كلما كسب القربات ولكن لابد له من الحذر فتكفي غلطة واحدة ليهان وتداس كرامته بلا أدنى شفقة! فكم هو بشع ذلك العالم!.

 السخرية في غير محلها

إن أكثر ما يدفع للاشمئزاز في المجتمع الأمريكي تلك السخرية التي تأتي في غير محلها كالسخرية من ميّت أو الضحك من مصاب أو مبتلى أو ازدراء ضعيف، قد شاهدت هذا كثيرا في حياتي اليومية، وكنت أتعجب من قسوة القلب ممن يشاهد الموت بعينه ولا يتأثر أو يعيب على معاق أو يستهزأ بمصاب!، ولطالما استمعت لأحاديث الطالبات في قاعة الطعام أو حين الاستراحة يقضون الحديث في السخرية من شخص بعينه، تحديدا في ذم خلقه وشكله، وهذه تعكس انحطاط القيم الإنسانية عند شعب شغف حبا بالماديات.

نظرة للمسنّة

كنا في فريق للدعوة نحاول أن نبر كل المسلمين في المستشفيات فنقيم زيارات خاصة بالمرضى وكذا المسنين الذي يقبعون في مستشفيات خاصة يعانون حالات ميأوس منها، فنذكرهم بالله ونهون عليهم صعاب الحياة ونسمعهم آيات القرآن، ومنهم من يطلب رقية شرعية وعلى هذه الوتيرة كانت يوميات الداعية.

ولكن في يوم لا أنساه ولا أستطيع نسيانه! زرنا امرأة مسلمة مسنة مصابة بمرض سرطان وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، جلسنا حولها لنسمعها كلمات تذكرها بالله فانشرح صدرها للقول وسماع ذكر الشفاء، لقد كانت الدموع تنساب منهمرة من مقلها كأن حالها يقول، كم ضاع من عمري في هذه البلاد ثم ها أنا على سرير بارد في مكان بارد من كل المشاعر نعامل فيه معاملة الآلات!.

لقد كنت أتأمل في كل كلمة تقولها وألمح الحسرة عند كل حرف، وكم كان مؤسفا أن تكون هذه المرأة بدون أهل يدفئون قلبها في وقت شدة وعسر، وكانت الممرضة المكلفة بالعناية بها من الصفاقة بمكان، لقد كانت قاسية بشكل واضح، وتتعامل بتأفف وتذمر، وتشعر أنها تتمنى موتها حين تناولها الدواء وقد تخرج وهي تضحك وتبتسم في حين المريضة تئن من الآلام!.

بعدما خرجنا من المكان كانت سيارتي مصفوفة على شارع يطل على غرفة المسنة الزجاجية، وما أن جلست في مقعدي لأتحرك، هالني منظر المرأة الباردة، لقد كان الوقت ليلا وغرفتها مضاءة والمنظر شديد الوضوح، لقد كانت وكأنها تحتضر وكل شيء من حولها بارد لا أجد أبلغ من هذا المصطلح!، فاستعذت الله من أرذل العمر وشعرت بالألم لحالها ووحدتها! ولا أدري لما تعمد المستشفى وضعها في غرفة زجاجية كاشفة من الخارج! هل هي قسوة القلب الأمريكي أم الرغبة في الشماتة!

ولا زالت تلك اللقطة عالقة في ذاكرتي تحضرني في كل مرة، تدفعني للتفكر والتأمل في نهاية مسلمة في بلاد أمريكا.

واقع مؤسف

وقد كانت لي صديقة بالرغم من أنها طبيبة من بلاد عربية إلا أنها وللأسف اختارت لنفسها أن تعمل في تنظيف المسنين وتغيير حفاظاتهم في كل يوم!، ذلك لأنها لم تجد وظيفة أقرب لاختصاص الطب الذي درسته من تلك الوظيفه على حد تعبيرها وربما الراتب السخيّ بالمقارنة مع غيرها من وظائف عملت فيها كانت دون المستوى المرجو لطبيبة مغتربة تبحث حياة أرقى من حياة المسلمين المتأزمة، وكانت تحكي لي حكايات تشيب لها الولدان من العقوق الذي يعانيه المسنون ومن الخوف والتيه والحالات النفسية المعقدة، كل هذا في مجتمع يفتقد للإنسانية، فبقدر ما دفعت لدور المسنين بقدر ما تحظى بالعناية، وهكذا يلهث الأمريكي طيلة حياته ليجمع ما يحفظ له نفسه في آخرها حين يقبع في دور الموت البطيئ الباردة.

طريف ولكن للتأمل

وكم كان طريفا لقائي مع تلك المرأة الأمريكية التي تجاوزت الستين من عمرها وكانت تعد نفسها لمرحلة عمرية جديدة، سألتها ماذا تخطط لمستقبلها، فقالت سأعيش الثلاثين سنة مقبلة في رفاهية التقاعد وقد وفرت الكثير من المال الذي سيضمن لي إقامة مريحة في دور المسنين، لقد قالت هذه الكلمات وهي تعتقد تمام الاعتقاد أنها ستعمر للتسعين كما عمرت والدتها من قبل، فحدثني عن طول الأمل أحدثك عن هذه الأمريكية!.

الحديث عن الشعب الأمريكي يحتاج تفصيلا أكثر، وسردا للأمثلة أوضح، وهذا ما سأتناوله بذاكرة مثقلة فيما يتقدم إن شاء الله.

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. هل تلخصين امريكا في موقفك الصغير ؟عجيب امر ك اي وعي تركزين عليه وانت تركزين على الجانب السلبي موضوعك لا يرقى لمستوى الانسانية استسمح

  2. استغربت لماذا تصورين امريكا بهذه البشاعة وانا على يقين ان اسلوبك متعصب تفرضين على المرأة العجوز القرآن والرقية وهي في موقف ضعيف لماذا لا تخدمون الانسان بدون استغلال الدين

  3. أخ معاذ أنا أسرد تجربتي في البلاد، وليس من رأى كمن سمع، وبالنسبة لي لا أقيّم الأمر بإيجابيات وسلبيات وحسد وما تشير إليه من إشارات غريبة، إنما أنقل حقائق ومشاهدات تراكمت معي وبناء عليها كتبت خلاصاتي، فإن لم تناسب طموحاتك، فلا يمنعك هذا من التجربة بنفسك لعلنا نستمتع بقراءة تجربتك يوما ما، وفقك الله.

  4. لا يا أختي هناك سلبيات و ايجابيات و في أي مكان فأنت تطيلين في السلبيات و لم تذكري أي إيجابيات ربما لكي لا يأتي العرب الى هده الدولة المتطورة و القوية وهده تسمى أنانية و أعرف الكتيييير منك او انك سلبية و تكرهي الايجابي رغم أنه ايجابي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى