٤ أسباب تجعل من قراءة التاريخ الإسلامي الآن ضرورة ملحة

لا يمكننا حصر الفوائد التي نجنيها من قراءة تاريخنا الإسلامي، ولكن لحظتنا الراهنة ستجد فوائد جمة تناسب قضايانا الحاضرة الملحة، ومنها:

1-دور العامل الخارجي في نهوض الأمم وعلاقة ذلك بقوتها الداخلية

في بداية نهوض الحضارة الإسلامية كان العالم اليوناني آفلاً بعد يقظته القديمة مما جعل الاستعارة منه ومن غيره، كالفرس والهنود الآفلين أيضاً، آمنة وغير قابلة للاستغلال من قوى خارجية هدامة، فلم يكن الإعجاب بفلسفة أرسطو مثلاً مؤدياً إلى صناعة طابور خامس أو أنظمة عميلة للإمبراطور البيزنطي الذي حاول النفاذ إلى المجتمع الإسلامي أثناء الفتنة الكبرى ولكن يقظة المسلمين وضعف إمكاناته قطعا عليه الطريق، ورغم الجهود الهدامة التي كان يبذلها أتباع الحضارة البيزنطية داخل المجتمع الإسلامي، كدور سرجون بن منصور أبي القديس يوحنا الدمشقي، فإن ذلك كان يغلف بقناع الحرص على الدولة، كتحريضها على الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما، ولما قرر عبد الملك بن مروان تعريب الدواوين لم يستطع أمثال هؤلاء الاعتراض على القرار رغم آثاره السلبية بالنسبة لهم إذ سيوفر استقلالية للدولة الإسلامية عن الثقافة البيزنطية وسيجعل القيادة الإدارية للمسلمين، وعندما اتجهت الحضارة الإسلامية للأفول صنع العثمانيون الأقوياء نهضة أخرى ولكنها اختلفت عن سابقتها بوجود أوروبا المتجهة للصعود مما جعل الاستعارة منها محفوفة بخطر الاستغلال الهدام، وهذا ما حدث، ولم يؤد المسلمون العثمانيون دوراً معرقلاً لنهضة الغرب التي استعارت من العالم الإسلامي لأن قوتهم لم تهيمن على معظم أوروبا ولأن “المتعاونين” معهم كالفرنسيين لم يخونوا القضية الصليبية رغم تحالفهم مع الدولة العثمانية كما خان قضيتنا فيما بعد المتعاونون مع الغرب، ولما اتجه المسلمون الضعفاء هذه المرة مرة ثالثة للنهوض بعد اصطدامهم بالغرب ومحاولتهم صد عدوانه الذي بدأ باحتلال القرم والحملة الفرنسية على مصر في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، كانت أوروبا في أوج قوتها مما جعل عملية الاستعارة منها مجيرة أكثر من المرحلة السابقة لمصالحها دون مصالحنا، فلم يؤد الإعجاب بالديمقراطية مثلاً إلى اقتباس بعض الإجراءات المفيدة منها لتطعيم وتجديد نظام الحكم عندنا بل إلى احتلال الغرب بلادنا تحت شعار الحضارة والديمقراطية ثم تبعية أنظمة الحكم التي نصبها والتي انتهت إلى الاستبدادية الدموية ولم تطبق الديمقراطية مع كل ذلك.

2-هل القوة المادية شرط لعدم الاستلاب للنماذج الحضارية الأخرى؟

عندما كانت الأمة الإسلامية في طور التكوين، ولم تكن بعد قوة دولية كبرى، نزل القرآن الكريم بكونه “مصدقاً لما بين يديه من الكتاب”، ولكن هذا لم يكن يعني الاستلاب للآخرين، فالإقرار بما سبق الإسلام، كان مصحوباً بالهيمنة عليه وتصحيحه، “ومهيمناً عليه”، رغم أن الظرف المادي لم يكن يساعد على هذا الكبرياء، إذ لم تكن الأمة فيه تتجاوز في أفضل الأحوال مدينة مهمة بين عدة مراكز حضرية أخرى في جزيرة العرب الواقعة بين قوى عظمى يمكن أن تكون التبعية لإحداها بميزان عصرنا وذلك العصر أيضاً هي الخيار الأكثر أمناً وإغراء لقوة طموحة، كالمناذرة في الحيرة والغساسنة في الشام وعرب اليمن أيضاً، ولكننا وجدنا زيادة على ما سبق من التميز أنه في الوقت الذي يقتبس فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الفرس آلية مقاومة الحصار بالخنادق، يبشر بفتح بلاد فارس وليس بالانبهار بها مع علو الأصوات التي ترى استحالة تحقيق ذلك لأفراد لا يأمنون على أنفسهم الخلاء في ظرف الحصار العصيب، ورغم نجاح هذه الآلية ، أي الخندق، في تحقيق النصر في تلك المعركة الفاصلة التي غيرت موازين القوى، فقد أدى ذلك إلى فتح الأبواب نحو مزيد من الانتصارات ومزيد من التطور الذاتي للمجتمع الإسلامي وليس إلى الانبهار بالمصدر الحضاري الفارسي -الذي تم الاقتباس منه- ومن ثم فتح باب التبعية له لو لم يكن المسلمون في تلك المرحلة على قدر من القدرة على التمييز بين ما يمكن نقله وما لا يمكن، وكيف يمكن التعامل مع النقل ومصادره، وذلك بفضل قائدهم المسدد بالوحي الذي يعلم الأجيال علماً لم نستطع تطبيقه على حوادثنا المعاصرة.
الخلاصة أن النقل ليس عيباً: عندما كنا أقوياء كان نقلنا عن الغير اقتباساً زاد في قوتنا، ولكن عندما تحول النقل إلى نسخ دل ذلك على ضعفنا ولم يزدنا إلا انهياراً.

3-لا طائفية عند كبار مؤرخي وعلماء السلف

على عكس المشهد الحالي في العالم الإسلامي المنقسم على ذاته والمتحالف في نفس الوقت مع الأجانب حيث يسعى كل طرف لتأييد دعواه ضد الطرف الآخر بدعاية رخيصة تطوع الحقائق وتلويها لتناسب المراد، نجد الموضوعية والحياد عند مؤرخي السلف بطريقة نلمس منها الحرص على عموم الأمة وحراسة بيضتها، فلا يتردد كبار المؤرخين من أهل السنة في كيل المديح بلا حساب عند ذكرهم أمراء من فرق مخالفة سواء بسبب جهادهم ضد الروم أو بسبب عدلهم أو رعايتهم العلماء، ونراهم لا يضعون أهمية تذكر لكون الأمير سيف الدولة الحمداني من الشيعة، هذا إذا ذكروا المعلومة أصلاً، ولا لاختلاف المعز لدين الله الفاطمي مع الخليفة العباسي السني ما دام مقيماً للعدل والفروض، وليست هذه التوجهات جانبية في التاريخ الإسلامي بل نجدها عند كبار المؤرخين كالذهبي وابن عساكر وابن كثير في موسوعاتهم التاريخية التي تؤلف صلب مصادرنا اليوم [1]، بل إننا نعجب عندما نرى كبار علماء السنة ممن يحرصون على نشر فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في مواجهة الجهل والتعصب فيقوم الإمام الطبري بتأليف موسوعة حديثية من أربعة أجزاء لإثبات حديث الغدير مع اهتمامه بفضائل الصحابة [2]، هذا غير الإمام النسائي الذي وضع مؤلفاً خاصاً في خصائص الإمام علي مما أدى إلى ضربه حتى الموت على يد الجهلة الذين نرى أمثالهم في عصرنا، ولن يتسع المقام لذكر اهتمامات السلف في هذا الموضوع ومؤلفاتهم الغزيرة مما لا يتصوره زمننا الأمريكي النكد.

4-الاعتبار بالكوارث الكبرى التي تجاوزتها الأمة الإسلامية

عندما يطلع القارئ على تاريخ الإسلام، يعجب من كثرة المصائب الكبرى التي أصيبت الأمة بها وخرجت من بين أنقاضها، ومن ذلك الحملات الفرنجية التي استمرت لقرنين (1095-1291) في شرق المتوسط ثم تحولت ضد الدولة العثمانية فردت كلها على أعقابها، ومنها الغزو المغولي الذي تزامن مع تلك الحملات ولكنه جاء من الشرق في الوقت الذي أتى الفرنجة فيه من الغرب، ومع ذلك امتصته أمتنا وردت المغول وهم مسلمون، ومن ذلك اكتساح تيمورلنك الذي قضى على الدولة العثمانية (1402) فقامت بعد عشر سنوات من بين الركام أقوى مما سبق واستمرت أكثر من خمسمائة عام بعد ذلك.
وعندما يغرق الإنسان في مأساته الحاضرة يظن أنها ستدوم إلى الأبد، وهذا ليس صحيحاً، وإلى الزعماء والمفكرين والمثقفين والعوام من المهزومين الذين يظنون أن الكيان الصهيوني “وُجد ليبقى”، وكأنهم اطلعوا على الغيب ورأوا أن الصهيونية ستتمكن من تحقيق البقاء الأبدي الذي لم تستطعه امبراطوريات عظمى في التاريخ، فإن عليهم التمعن جيداً في قراءة التاريخ، يقول أحد المؤرخين الذين شاركوا في الحملة الفرنجية الأولى على المشرق (1095-1099) واسمه فوشيه الشارتري في كتابه “تاريخ الحملة إلى بيت المقدس” إن الرب نقل الغرب إلى الشرق: “إننا نحن الغربيين قد أصبحنا الآن شرقيين، فالذي كان رومانياً أو فرنجياً قد صار في هذه الأرض من أهل الجليل أو فلسطين، وذلك الذي كان من أهل ريمس أو شارتر أصبح من سكان أنطاكية أو صور، لقد نسينا بالفعل الأماكن التي شهدت مولدنا، فقد أصبح كثير من هذه الأماكن مجهولاً لنا أو لا يرد ذكرها على أي لسان، والبعض يمتلك بالفعل مساكن ومنازل جاءته بالوراثة، وتزوج البعض من غير جنسهم من السوريات والأرمنيات أو حتى المسلمات اللاتي اعتنقن المسيحية….” [3] ، والملخص أن الفرنجة تجذروا في الأرض أكثر من الصهاينة، وظلوا فيها لمدة قرنين (1095-1291)، فماذا كان مآلهم وماذا بقي منهم؟

الهوامش

[1]-محمد شعبان صوان، مقال: تواريخ السلف والطائفية، موقع التجديد العربي، 5/6/2013 .

[2]-الإمام الذهبي، سير أعلام النبلاء، بيت الأفكار الدولية، عمّان والرياض، 2004، ج 3 ص 3368 (ترجمة محمد بن جرير الطبري رقم 5035).

[3]-فوشيه الشارتري، الوجود الصليبي في الشرق العربي (الاستيطان الصليبي في فلسطين: تاريخ الحملة إلى بيت المقدس 1095-1127)، ذات السلاسل، الكويت، 1993، ترجمة: الدكتور قاسم عبده قاسم، ص 316.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. ناشط شيعي عراقي من أنصار الصدر كتب مقالا قصيرا أحدث زلزالاً بالحقائق التالية:
    ♦نحن شعب لا يستحي.
    حقائق تاريخية يجب أن لا تنسى..!!!
    *
    لكن، ماذا نحن تركنا لأبنائنا من الشيعة في المقابل..؟؟!!!
    * من الذي غدر بالحسين حين أخرجه ثم تخلى عنه في كربلاءة؟
    المختار الثقفي (شيعي)
    * من الذي غدر بالخليفة العباسي الراضي بالله؟ البويهيون (شيعة)
    *من الذي مكن للتتار دخول بغداد؟
    ابن العلقمي (شيعي)
    * من الذي كان يزين لهولاكو سوء أعماله؟ نصير الطوسي (شيعي)
    * من الذي أعان التتار في هجومهم على الشام؟
    (الشيعة)
    * من الذي حالف الفرنجة ضد المسلمين؟
    الفاطميون (شيعة)
    * من الذي غدر بالسلطان السلجوقي؟ طغرل بك البساسيري (شيعي)
    *من الذي أعان الصليبيين على الاستيلاء على بيت المقدس؟
    أحمدبن عطاء (شيعي)
    * من الذي دبر لقتل صلاح الدين؟
    كنز الدولة
    (شيعي)
    * من الذي استقبل هولاكو بالشام؟
    كمال الدين بن بدر التفليسي
    (شيعي)
    * من الذي سرق الحجر الأسود وقتل الحجيج في الحرم؟
    أبو طاهر القرمطي
    (شيعي)
    * من الذي ساعد محمد علي في هجومه على الشام؟ (الشيعة)
    * من الذي ساعد نابليون في هجومه على الشام؟
    (الشيعة)
    ** وحديثاً
    * من الذي يهاجم المراكز الإسلامية باليمن؟
    الحوثيون (شيعة)
    *من الذي بارك الغزو الأمريكي لبلاد العراق؟
    السيستاني والحكيم (شيعة)
    * من الذي بارك الغزو الصليبي لبلاد أفغانستان؟
    إيران (شيعة)
    من الذي يحارب الثورة السورية ببلاد الشام؟
    إيرانيون وعراقيون وأفغان ومرتزقة آخرون (شيعة)
    * من الذي قال نحن مع بورما في حربها على الإرهاب؟
    نجاد (شيعي)
    * من الذي وقف مع النظام الفاسد بسوريا الذي يقصف الشعب ببراميل متفجرة بحجة قتال التكفيريين ثمّ يؤيد روسيا الملحدة في تدخلها في سوريا؟ خامنئي (شيعي)
    على مر التاريخ لسان وأقلام الشيعة ضد الكفار بزعمهم وقلوبهم معهم…
    بينما لسانهم وأقلامهم وسيوفهم في صدور المسلمين السنة…
    هذا هو الغزو الفكري الحقيقي للسائل عنه.
    ولو أردنا سرد جميع الحقائق لاحتاج الأمر لمجلدات..!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى