
4 خلاصات ودروس تعلمتها من أمريكا التي رأيت
لكل نفس بشرية خبرات تستلهمها من التجربة والمعايشة الحية لواقع ما، وحين تكون المعايشة بالحفاظ على الأصل، أصل العقيدة والمفاهيم الإسلامية السامقة، يكون التأثر مختلفًا واستخلاص النتائج مغايرًا لما يحصل مع من يدخل وسطًا وهو فاقد لهويته وأصالته وعقيدته.
فلا ريب أن الخلاصات التي نخرج بها بعد معايشة الأمريكان تختلف بحسب ما نحمله من هوية وأصالة وعقيدة، ولهذا فإن ما أخطه اليوم من استنتاجات جنيتها من خلال تجربتي في أرض أمريكا قد يختلف معي فيها من يرى في القوم أصحاب حضارة سامية وحرية حقيقية ورقي ملهم! ولكن سيتفق معي حتمًا من استقى من نفس معين العلم.
الإسلام الذي يريده الأمريكان
إن أول ما خلصت له من خلال معايشتي للواقع الأمريكي هو مفهوم الإسلام الذي يريدونه، وطبيعة الإسلام الذي ينشرونه، ونموذج الإسلام الذي يشجعون عليه، خاصة وأنهم يحتاجون للمسلمين باستمرار وبلا نقاش؛ يحتاجون لثرواتهم ونفطهم، يحتاجون لمواقعهم ومساعداتهم، يحتاجون لطاقاتهم وولائهم، يحتاجون لخضوعهم وتبعيتهم.
وقد سبق وأن استعانوا بهم في مكافحة الشيوعية حين تناطحت والرأسمالية الغربية، كما وظفوهم في كل القضايا التي تدعم وجودهم وعلوّهم في الأرض، ولهذا تجدهم يحفظون العلاقة بكل ما هو إسلامي وإن كانوا يحاربونه بأشكال مختلفة وبطرق مباشرة وغير مباشرة، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يخلق الرعب في نفوسهم، ليس للإرهاب كما يزعمون بل للعبقرية التي يقذفها في قلوب العاملين كالترياق العجيب الذي يسقي الهمم فتقوم على سواعد أصحابها حضارة عطاء قل لها نظير تعلو على كل سبق أو رقي وصلت له حضارات أخرى.
هذا إن تحدثنا عن الجانب المادي، فكيف سيكون أثر هذه الحضارة حين تجمع بين المكاسب المادية والروحية معًا! إنها الحضارة الأفضل والأمثل في تاريخ البشرية ولا يمثلها سوى الإسلام. لهذا فهو تحت الرقابة وتحت الحصار يتربص به مكر اللئام.
فالأمريكان علموا وأدركوا بشكل لا لبس فيه، أن محو الإسلام مهمة مستحيلة ومحاربته بحروب صليبية مباشرة لاقتلاع حصونه خطة متهورة، فلجأوا إلى أمركة هذا الإسلام وتهجينه بالشكل الذي يحقق لهم أمانيهم، مشترطين ألا ينادي دعاته بالمقاومة والحرية والثورة على الطغيان؛ لأن هذه الدعاوى تعني أن الشعوب ستعلم بأن إعداد القوة فريضة، وأن طرد المستعمر فريضة، وأن كل استعمار مهما تعددت أشكاله وباء.
لهذا فهم يرحبون بكل المناقشات الدينية التي تغير مفاهيم الإسلام العظيم، ويعتنون بأولئك الكتاب من الطابور الخامس، الذين سخروا حبرهم لتلميع المستعمر وتجميل قبيح صنيعه، أو الذي يعمدون إلى ليّ النصوص لتوائم التغريب والعلمنة والديمقراطية الخادعة.
فكم من برنامج يصرف عليه ما يصرف من أموال في سبيل احتقار أحكام الشريعة وفي ذات الوقت يتحججون بأنها ليست من الإسلام! لينسلخ المسلم من شريعته ويواكب ما يسمونه العلمنة! في حين من ينتقد أحكام الإسلام هذه، هو ذاته من سطر أبشع صفحات التعذيب للإنسانية في كل مكان! وقد وثقت الصور ما تشمئز منه نفوس البشر… ثم يرفعون لافتات حقوق الإنسان، وينادون بالحريات!!
لقد شاهدت في أمريكا مختبرات أقيمت وموّلت وجهزت فقط لإحداث أكبر قدر من الألم في أجساد السجناء العزل المعذبين في سجونهم بطرق ووسائل أقل ما توصف بأنها شيطانية خبيثة مهلكة، بل جبانة!! فهل من يفعل هذا يحق له أن يحتج على حكم إسلامي قام لإنصاف المظلوم وتحقيق العدالة في الأرض! فلننظر إلى أي درجة انحطاط وصل لها الأمريكان ثم يتجرأون على ازدراء أحكام الإسلام في حين مسخوا الإنسانية من أصلها! ثم جعلوها تشريعًا يحق لهم مزاولته لأجل “أمريكا أولًا”.
وأما من يبث مفاهيم الإسلام الذي يحكم الحياة ويصرفها، خاصة تلك المفاهيم التي تتحدث عن الحكم بالإسلام، والتشريع بالإسلام، والانتصار للإسلام فيحرم أصحابها المنابر ويحاربون وينفون في أقبية السجون.
ولهذا نجد الصوفية والمرجئة فرق مرحب بها لدى الأمريكان وتتلقى الدعم المستمر لتطغى مفاهيمها بين الجماهير، ذلك أنها عقائد خالية من العمل تبدد في طاقات الأمة في شكليات وطقوس لا تنفع بل تضر، وحتى يضمن الطغاة تنفيذ المهمة يتكفلون بالقضاء على علماء الأمة الربانيين أو يتم كتم علمهم وتشويه سمعتهم ومحاربتهم.
فالعلماء هم قادة الجماهير، هم نبض أي ثورة أو جهاد أو مقاومة، هم من يقود الجموع كما قاد العز بن عبد السلام المسلمين لعين جالوت فانتصروا على أكبر جبار -حينها – كاد أن يفني المسلمين. ولأن هؤلاء العلماء الربانيين بيدهم أن يقلبوا حال الأمة بشكل مذهل، يقلبوها من ضعف لقوة، ومن استكانة لإقدام ومن فراغ إلى جد وعمل، كانت خطة الطغاة؛ انصياعًا لأوامر الأمريكان: استهداف العلماء وتنصيب رويبضات وعملاء يسدون الفراغ فيفتون بغير علم أو بمكر عالم سوء!؛ ليضلوا الناس ويضمنوا أمركة الإسلام، وكذا تخدير القوى الإسلامية والطاقات!
ولا أوضح من التدخل الأمريكي في مناهج التربية والتعليم وإلزامهم وزارات تعليم بعينها حذف سور قرآنية ودروس شرعية تحث على الإعداد والجهاد ثم بدلًا من ذلك، عمدوا إلى توجيه الدروس للعلمانية اللئيمة والمصادر الركيكة، التي لا تمثل هوية ولا أصالة هذه الأمة فضلًا عن عقيدتها! ثم يجدون مع هذا الظلم كله أوفياء لمكرهم يخدمونهم خدمة الأولياء.
أكذوبة العالم الحر
خلاصة أخرى خلصت إليها في أمريكا؛ وهي أكذوبة العالم الحر!
فإن تعجب فاعجب لعالم يوصف بالحر وهو في الواقع مستعمر مستبد، قد ألقى حبال هيمنته على شعوب برمتها واستنزف ثرواتها وتسرطن في مكوناتها وقضى على آمال نهوض أبنائها، ثم يزعم كذبًا أنه عالم حر!! فأي حرية هذه التي تأسرني وتسجنني وتمنعني من النهوض أو ترفض أن أعيش وفق مبادئي ومفاهيمي وأهدافي كمسلم حر!!
إن هذا العالم المسمى “حر” عالم كذب وزور وبهتان، لم يفلح إلا في كتم أنفاس الأحرار في كل مكان؛ لأن رسالة العالم الحر هي أن يكون حرًا في قتل الحرية حسبما يشاء! فهو -العالم الحر- الذي يرتكب من الجرائم ما يقشعر له ضمير البشرية. وذلك رغبة في نقل مبادئ الحضارة الغربية طَوعًا على يد البعثات التبشيرية، فإن فشلت فكُرها عن طريق القصف وضربات الطيران؛ ثم من يجرأ على المحاسبة؟!
و هو -العالم الحر- الذي يمزق إهاب الحرية ويمثل بجثث الضحايا من الأحرار، ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ في القرى الآمنة، ويرتكب الجرائم الوحشية التي يرتكبها بلا تحرج، ويقصف باليورانيوم وكل سلاح فتاك ويزرع الدمار في الأرض ويحاصر الضعفاء فيقتل منهم بالملايين ولا يبالي!! كل هذا لأجل هدفه الأهم وهو نقل مبادئ الحضارة الغربية بطريقة عملية إلى الشعوب “المتأخرة”، التي لا يجوز أن تظل متأخرة! على وصف سيد قطب للنظرية الأمريكية تجاه شعوب المسلمين.
وهو -العالم الحر- الذي ينادي بإرساء الديمقراطية في بلداننا وحين صدقه “البلهاء” اكتشفنا أنما هي الديمقراطيات التي تحكم حكمًا ديكتاتوريًا مباشرًا، تحرسه الجاسوسية الرهيبة؛ ولا تسمح لفرد من الشعب فضلًا عن الشعب كله أن يفكر بحرية. وهو -العالم الحر- الذي أقام أبو غريب وباغرام وغوانتنامو، وجعلنا نشاهد أبشع قبح إنساني لم نتخيل يومًا أن يصل إليه إنسان.
ثم مع هذا كله نجد الأبواق التي تهتف بحمد الحضارة الغربية أو تسبح بحمد الصداقة الأمريكية أو تنادي بضرورة إرساء قواعد التعاون مع “العالم الحر”، وتشيد بجهوده في الخدمات الاجتماعية والإنسانية والتعليم الأساسي واليونسكو والأمم المتحدة وسائر الوسائل الاستعمارية الحديثة التي تنجز في صخرة المقاومة الشعبية.
وكيف لا تستمر هذه الأبواق في عملها الدنيء وهي تتلقى الأموال الضخمة؛ لتستمر لاعبًا محوريًا في هيمنة “العالم الحر” على العالم الإسلامي؟!
فهذا “العالم الحر” لا يحاربنا بالمدفع والدبابة إلا في فترات محدودة؛ ولكنه يحاربنا بالألسنة والأقلام، ويحاربنا بالمنشآت “البريئة” في مركز التعليم الأساسي، وفي هيئة اليونسكو وفي الأمم المتحدة؛ ويحاربنا بتلك الجمعيات والجماعات التي ينشئها وينفخ فيها ويسندها ويمكن لها في المراكز الحساسة في بلادنا… وأخيرًا: فإنه يحاربنا بأموال أقلام المخابرات التي تشتري الصحف والأقلام ووسائل الإعلام ومنابر الخطباء وتشتري الهيئات والجماعات.
وهذه كلها تسمى الوسائل الاستعمارية الحديثة، مع العلم أن خطر الاستعمار الروحي والفكري هو الأعظم علينا من خطر الاستعمار الحربي العسكري، ذلك أن استعمار الحديد والنار يثير المقاومة بطبيعته، ويؤرث الأحقاد القومية التي تقتلع الاستعمار من أساسه. أما الاستعمار الروحي والفكري فهو استعمار ناعم لين، مخدر، ينوم الشعوب ويستل أحقادها المقدسة التي يجب أن تتأجج، وتستحيل نارًا وشواظًا يحرق ويدمر الاستعمار عملاءه في يوم من الأيام.
ولهذا حتى نحطم صنم “العالم الحر” ونطمسه من الوجود ونسقط أقنعته المخادعة تمامًا، علينا أن نخلص ضائمر الجماهير من هذا الاستعمار الروحي والفكري، ونحطم كل الأذرع والأجهزة التي تخدم هذا الاستعمار، ونتبرأ من كل لسان أو قول ومن كل جمعية أو جماعة تتمسح بمعسكرات هذا الاستعمار.
سياسة فرق تسد
ومن الخلاصات التي وصلت إليها بعين الباحث: توظيف الأمريكان لسياسة فرِّق تَسُد بين المسلمين لضمان استمرار نفوذهم وهيمنتهم في العالم الإسلامي، ولا شك أنهم استغلوا سايكس بيكو أيما استغلال، ونجحوا في تغذية النعرات القومية والوطنية التي تجعل المسلمين يتنافرون وقبلتهم واحدة!
وما يفت في الفؤاد أولئك القوم من بني جلدتنا الذين لا زالوا يؤمنون بضمير الأمريكان، وقد انفضح الضمير الأمريكي في تصريحات ترامب الصريحة وتصرفات إدارته الشنيعة، ولا أوضح من تسليم القدس عربون محبة للصهاينة ودعم بلا حدود لكل ظلم لهم وعدوان في فلسطين، ناهيك عن سجل الجرائم الثقيل الذي تحفظه أسفار التاريخ، ورغم ذلك لا زال الكثيرون مخدوعين بهذا الضمير الخبيث.
وأما تلك الكتلة الصغيرة التي بقيت تنادي بمعاداة الغرب لضميره المتعفن وحضارته الزائفة وخدعته الكبيرة الديمقراطية، فوصموا بالإرهاب والرجعية والتطرف والتخلف عن ركب الحضارات في العصر الحديث.
ومع هذا كله تستمر الأحلاف العربية الأمريكية، وتضخ أموال المسلمين في بنوك الكافرين الأمريكيين، وتوظّف الأراضي الإسلامية خدمة للقواعد العسكرية الأمريكية ويلقى الأمريكي في بلاد المسلمين أفضل معاملة وخدمة في حين يهان فيها ابن الإسلام عمدًا وأمدًا!
وحين يستنجد مسلمون في زاوية ما في الأرض، تتوجه الأنظار إلى المارد الأمريكي لعله يمن عليهم ببعض اهتمام! ونسوا أو تناسوا أنهم الشيطان بعينه يدفعهم لمصير مهلك أو العبودية الشنعاء!
يقول نبي الإسلام الكريم -صلى الله عليه وسلم-:”لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”، وها نحن نلدغ من الجحر الواحد مرات، ثم نعود في كل مرة إلى هذا الجحر نفسه مغمضي الأعين نتطلب “الشهد” من جحور الأفاعي. ولا نجرب مرة واحدة أن نحطم هذه الجحور وأن ندوس هذه الأفاعي، وأن ننفض عن نفوسنا ذلك الوهم الذي يقودنا المرة بعد المرة إلى تلك الجحور!
لقد كذبوا علينا بالمفاوضات، والمحادثات، والمؤتمرات… عرفناها في قضية فلسطين والعراق وأفغانستان ولا زالوا يجرعوننا مرارتها في سوريا بكل استغفال، وحقيقة لا أرى أبلغ من وصف سيد لها، إنها قصة الجحور والأفاعي. وقصة اللدغ المتكرر من هذه الجحور. وإنها المأساة، ولكن من العدل أن نبرئ منها الشعوب المسلمة؛ فلا تؤخذ بجريرة حفنة من الساسة الضعفاء المرضى المتهالكين!
الحضارة المادية لا تقيم عدلًا
قلبت بصري في كل إنجازات ومشاريع الأمريكان في الداخل الأمريكي وفي العالم فلم أجدها عادلة، بل إن الغني يستنزف الفقير، والأبيض يستعبد الأسود، والقوي ينال من الضعيف. وعلى مستوى العالم يستغفل الجميع وينقادون طوعًا أو كرهًا لسياسات البيت الأبيض، وإلا فيكفي النظر في منظومة السلاح النووي المنتشرة في أوروبا وقواعدها العسكرية المتناثرة في زوايا الأرض، حتى نعلم أن لا أحد يجرأ على تحدي الأمريكان.
هذا دون الحديث عن نظام الضرائب الثقيلة وسياسات تحصيل الأموال المهلكة وديون الربا والاستغلال المادي! كلها تقيم جورًا لا عدلًا! ثم ذلك القضاء العنصري الذي يبرئ القاتل الأبيض حين يكون المجني عليه أسودا! أو يظلم امرأة لأجل حشمتها ودينها، أو يعطي الحق للماكر وإن كان ظالمًا، فالويل لمن يعتقد أن عند الأمريكان عدالة.
بل فيها الانتحار بمعدلات قياسية والأمراض النفسية متفشية بإصرار، وحب الانتقام بدافع استرداد الحقوق وكل ما يعكس هشاشة العدالة في هذه البلاد لا يخفى على معاين، ثم إنها دولة قامت على الظلم والعدوان فمن أين لها العدالة! حتى داخل المجتمع الأمريكي، يظلم المرء ولا يتجرأ على فعل شيء، يقيد بأغلال الضرائب فيختنق ولا يجد مخرجًا إلا الاستدانة ومع ذلك لا يجرأ على الانتقاد.
لقد كانت شرطة المرور تتفنن في سرقة أموال السائقين بشكل مثير للدهشة ولا تجد إلا الصمت والمداراة؛ فهذه ضريبة تدفع بلا جدال وإن لم يقترف السائق ما يستوجب دفعها، ثم تبصر تلك الابتسامة الصفراء على وجه شرطي المرور لأنه جمع المدخول أو السرقات اللازمة لمكتب شرطة المرور لتنضم إلى بقية مداخيل الدولة. لقد رأيت مجتمعًا يفتقد للعدالة بكل ما تعنيه كلمة الفقد من معنى، والقصص في هذا الباب لا تحصى! لكن بعض السذّج يصدقون دعايات الأفلام والإعلام.
ويكفي تأمل حرب دونالد ترامب منذ استلامه منصب الرئاسة التي شنها على مشروع أوباما كير كي يحرم الطبقة المعتدلة والفقيرة من حق العلاج، ويستغل جشع المستثمرين ورجال الأعمال الذين ينتمي إليهم في جمع الأموال وتحقيق الأرباح، ورغم ذلك لقي من الدعم ما لقيه ومن المناصرين ما يدفع للتعجب!
من منظور آخر، لم أعجب من بشاعة الأمريكان وقبح صنائعهم؛ ذلك أنهم يستلهمون قوتهم من تلك الحضارة الآلية التي لا تخضع لضمير. ولا يمكن أن تنتج الحضارة المادية البغيضة التي لا قلب لها ولا ضمير عدلًا أو استقرارًا في العالم؛ ذلك أنها حضارة تأخذ ولا تعطي، وتجرح ولا تأسو. حضارة أنانية صغيرة مهما بدت من الخارج ضخمة ذات بريق وضجيج!
إنها حضارة زائفة؛ لأنها لم تقدم للإنسانية زادًا من الروحية، ولم تحاول رفع الآدمية عن قانون الوحوش. فأروني عدلًا واحدًا أقامه الأمريكان! أروني حقبة واحدة عاشت فيها الأرض دون احتلال أرض أو تدمير بلاد أو قتل أبرياء، أو سلب ممتلكات أو انتهاك حقوق في وجود الأمريكان.
إن أولئك الذين اختاروا لأنفسهم طرق ذات شعب ومسالك، وذات منعرجات ودروب، ورضوا بالمفاوضة، والمحادثة، وجس النبض، واستطلاع الآراء، ورضخوا للديبلوماسية الناعمة الرقيقة، والكلمات الرفيقة الظريفة، وصبروا على الانتظار الذي لا ينتهي، والاستجداء الذي لا ينبغي، ورحبوا بالمؤتمرات الحافلة والموائد المستديرة، وأبوا أن يشاهدوا الوجه الحقيقي خلف القناع هم بحق مصرين على أن يقبعوا في دائرة الغافلين والخادعين!!!
ولكن ما تملكه الأمة من الرصيد الروحي، ومن ميراث السلف القديم لن يسمح بهذه المذلة وهذا الهوان، وسيدفع لرفض إملاءات لغة العبيد! ولا عجب أن يتهم هؤلاء الذين يتمتعون بمثل هذا الرصيد الروحي وميراث السلف القديم، يتهمون بالإرهاب ويحاربون ويستهدفون ويحاصرون ويعادون! ولكن حسبهم الله لا يضرهم كيد الكافرين!
فأيها العقلاء لن يقيم نظام أمريكا عدلًا في الأرض، ولن يقيم هذا العدل إلا المسلمون الذين يخشون الله ويعبدونه كأنهم يرونه، وأما دون ذلك فحديث نفس وأضغاث أحلام.
خلاصاتي لم تنتهي إلا أنه يجب علي أن أتوقف عند حد معين، فهذه سنة في الحياة!
بارك الله فيك