ما الهم الذي تحمله كمسلم؟ .. الواجبات التي يجب أن تقوم بها تجاه دينك

بقدر تحقق تعلق الفرد بقضيته وإيمانه بها بقدر ما سيجتمع قلبه ووجدانه وجوارحه عليها، ماذا إذا كانت هذه القضية مثلًا ضياع ابنك؟ هل تتخيل أنك يمكن أن تقعد عن البحث عنه؟ أو تغفل ولو لساعة على حقيقة فقدانك له؟ هل سيخطر ببالك في حال تقصيرك البحث عن مبررات لهذا التقصير في البحث عن فلذة كبدك؟ أو تحاول التخلص من مسؤوليتك الملحة تجاه ابنك التائه وأن تقول لماذا أنا؟ لماذا لا يبحث غيري عن ابني؟ ثم هل ستنتظر مدح المادحين أو ذم الذامين في رحلة بحثك عن ابنك؟ وهل سيشغلك الثناء أو الهجاء من الناس أصلًا وابنك غائب عنك؟ هل يمكن أن تدخر ولو قليلًا من جهدك في تقصي كل الطرق التي يمكن أنه مر بها وتجدد محاولاتك بلا يأس في كل يوم؟ وهل يمكن أن يهدأ لك بال أو يحلو لك نوم وابنك ضائع؟ وإن كنت تحتاج تستحق مهارة جديدة تعينك على إيجاده، فهل ستبخل في تحصيلها تحصيلًا جادًا؟ وهل يمكن أن تتخذ من عملك في البحث عن ابنك طريقًا للشهرة مثلًا أو للنجومية؟

هذا في مثال استرداد ابنك الضائع، فما بالك بقضية استرداد مجد دينك الضائع ودوره الريادي وتعبيد الناس لرب الناس؟! تدبر أخي قول البارئ سبحانه: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ- التوبة (24).

إن هذه القضية، قضية دينك، هي قضيتك الأساسية والرسالة التي يجب أن تستولي على تركيزك وكيانك وتستغرق مشاعرك، وتصبح همَك الذي يشغلك وغايتك التي تبذل في سبيلها وسع جهدك. وتدبر أخي بنود الصفقة التي اشترى بها الله سبحانه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- التوبة (111)، فهو عهد بينك وبين الله اقترن به وصف الإيمان، فتأمل.

أول اليقظة هو أن تصبح صاحب هم

قبل أن يتحدث الإمام ابن القيم في كتابه «مدارج السالكين» وهو يعدد عبوديات القلوب من محبة ورغبة ورهبة وخوف وخشوع وبقية عبادات القلب الباطنة، استفتح هذا بالحديث عن عبادة يقظة القلوب ليؤسس عليها ما بعدها، فقال رحمه الله: “فأول منازل العبودية (اليقظة)، وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الروعة وما أعظم قدرها وخطرها وما أشد إعانتها على السلوك! فمن أحس بها فقد أحس والله بالفلاح، وإلا فهو في سكرات الغفلة، فإذا انتبه شمر لله بهمته إلى السفر إلى منازله الأولى وأوطانه التي سُبِي منها.

فحيَّ على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم 

يقول فريد الأنصاري في حديثه عن اليقظة: “لقد كان عليه الصلاة والسلام بالقرآن والحكمة التي رزقها الله إياه، يعلّم الناس كيف يستيقظون، وإنما اليقظة ذوق وإحساس، ويعلّمهم كيف يطرقون أبواب القلوب، ويوقظونها حتى تستشعر هذه المعاني، وتلك معانٍ نحن في حاجة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأننا لو استيقظنا فعلًا لتبدل حالنا”

وإن هذه اليقظة التي ينتبه لها روعك هي أشد ما يخشاه الطغاة والظالمون على مسار التارخ الإنساني، لعلمهم بأهميتها في حياة الآدمي ومركزيتها في تأسيس الوعي والنشاط الإنساني، لذلك ينصبون الأجهزة الملهية والمختصة في صناعة الغفلة ويصرفون عليها الأموال. يقول سيد قطب رحمه الله في كتابه «في ظلال القرآن»: “والطغيان لا يخشى شيئًا كما يخشى يقظة الشعوب، وصحوة القلوب، ولا يكره أحدًا كما يكره الداعين إلى الوعي و اليقظة، ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية”. فهذا الصراع بين اليقظة والغفلة هو صراع قائم في أرض الواقع، وتستعمل فيه أنواع من الأسلحة، منها الأسلحة الناعمة في حرب لا تتوقف ما دام هناك ثنائية الخير والشر، يقول الله سبحانه: وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَٰحِدَةً .النساء (102)

وقد يصيب صاحب اليقظة بعض الفتور في الطريق وهذا أمر طبيعي يرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك” – مسند أحمد. فيكفيك أن تصبح صاحب قلب كبير وأفق واسع تصعد شواهق الجبال، ثم تنزل فيؤنبك الضمير فتصعد من جديد. وفرق بين أن تعيش بين القمم وبين أن تعيش في القيعان والبرك والمستنقعات قلما تصحو، وبين أن تبقى حياتك فائقًا قل ما تغفو.

فإذا تيقظ القلب ما العمل المطلوب؟

يشكو كثير منا من ضبابية في معرفة العمل المطلوب والمكلف به المسلم كوظيفته الملحة، لذلك سيكون من الأهمية وضع معيار لضبط العمل لقضية الإسلام، والتي هي مناط تكليف كل مسلم ومجموع الأمة مجتمعة. فالعمل للإسلام حسب الاستطاعة، يقول الله سبحانه: لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وبمجرد وقوف القدرة عن العمل يبدأ هنا العمل على امتلاك القدرة، ولنا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم خير أسوة نقتدي بها. فقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم منهاج الحركة لدين الله، فمنذ أن أيقظ جبريل في روع النبي نور رسالة الله حتى انطلقت حركة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليحرّك رواكد النفوس والمشاعر المتلبدة، وينبه البشرية لما أغفلته عنها الخرافات والوثنية واستعباد البشر للبشر.

لقد بدأت الحركة للإسلام مع أول كلمة نزلت من السماء، وتواصلت في انهمارها تتحدى العقبات، فما أن يستكمل الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة عددًا يمكن به خوض مرحلة ما قطعها، حتى ينتقل إلى التي بعدها، فما أن يستكمل عددًا يمكنه قطع المرحلة التي تليها قطعها، وهكذا. فقد كان الصحابة يجتمعون في دار الأرقم يأخذون من الرسول صلى الله عليه وسلم دينهم ويتشبعون بمنهاج التوحيد ويتلقون التربية النبوية، حتى إذا ما استكمل عدد يمكنه قطع المرحلة الموالية قطعها، فخرج النبي بعد إسلام سيدنا عمر في صفين إلى الكعبة: صف عليه حمزة، وصف عليه عمر بن الخطاب، وما أن استكمل العدة لمرحلة جديدة حتى هاجر من مكة وأقام دولة الإسلام في المدينة، وما أن استكمل العدة حتى بدأ الجهاد ضد قوى الكفر؛ فالحركة كانت أساس ما يميز الدعوة في كل مراحلها.

الحركة ضرورة للنجاة في الآخرة

بل لكي يصح إسلام المسلم عليه أن يصبح جنديًا لفكرة الإسلام، يقول الله: إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (سورة التوبة)، إن كان المسلم يُعذر في حال العجز، فإنه لا يعذر إلا وهو قائم على إزالة هذا العجز والانتقال منه إلى ما بعده، فحيث توقفت القدرة وجب العمل على صناعة من يقدر، وإذا كانت الأمة اليوم غير قادرة على صد العدوان المتكرر عليها وجب إذن العمل على إنشاء الصف المسلم القادر على دحر العدوان بكل أشكاله.

الدعوة بين الالتزام الفردي والجماعي

تبرز هنا مسؤولية الفرد المسلم الذي من أولوياته العمل على تغيير برنامج حياته اليومي وفق معطيات الدعوة للبدء في تنبيه المسلمين بالدور الذي عليهم، وإن وجد نفسه عاجزًا فعليه أن يتعلم ما ينقصه للتمكن من الأساليب والمهارات والعمل بما تعلمته في دعوة غيره وإيقاظ المسلمين، لكن لابد من الإشارة أن دعوة الإسلام لم تكن في يوم من الأيام دعوة لتحويل الناس للالتزام الفردي بقدر ماهي دعوة لنقل الأمة من مرحلة إلى مرحلة، وفي وسط هذا يقطع الفرد مراحل التزامه والتشبع بالعقيدة الإيجابية الحية بين الأحياء، فالدعوة إذن هي حركة أمة الإسلام، التي  باستكمالها تبلغ عددًا يصلح لمرحلة فتقطعها، وتنطلق إلى ما بعدها.

نماذج من يقظة المسلمين

كان وقع الرسالة في قلوب الصحابة موقظًا للحركة والعمل لها، حتى بلغوا بالدعوة تلك الآفاق السامية والقمم الشامخة.

فهذا خباب بن الأرت ينشط في تعليم القرآن والدعوة سرية في غفلة عن عيون قريش، فكان من تلامذته سعيد بن زيد وفاطمة بنت الخطاب وهما اثنان من المبشرين بالجنة، وبلغ سعيه أن كانت تلاوته سببًا في دخول عمر بن الخطاب للإسلام حين سمع صوته فدخل على هذا الدرس ليقدر الله هناك انشراح صدر الفاروق للإسلام.

وهاهي أسماء بنت أبي بكر التي خلفت الإسلام في قضيته بخير، وخلفت أباها والرسول صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة إذ عملت على إشاعة الطمأنينة في البيت، وكانت ترتحل رغم أنها حامل إلى الجبل حيث الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق وتبلغهما بأخبار قريش، كما كتمت سر النبي صلى الله عليه وسلم النبي عن أبي جهل.

وهذا مصعب بن عمير الذي بقي بجانب النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يتعلم القرآن ويفهم، وحين أسلم ناس من يثرب كان مصعب بن عمير هو من ائتمنه النبي على دين رب العالمين فأرسله الرسول صلى الله عليه وسلم معلمًا لأهل يثرب، فنشر النور في المدينة بعلم الإسلام.

وهذا عبد الله بن مسعود ينتدب نفسه لإسماع قريش القرآن في وقت كانت لم تسمعه علنًا، فوقف يُسمع الكفار القرآن لأول مرة في الكعبة.

وهذا أبو ذر الغفاري الذي كان من قبيلة اشتهرت بقطع الطريق، فما لبث أن ذهب إليهم بعد أن أسلم ثم عاد بقبيلة غفار وقبيلة بجانبها وقد أسلمتا ودخل كل من فيها في دين التوحيد.

إن المسلم اليوم يجب أن يستعيد يقظته بدوره في هذه الحياة ولا يركن لما يفرض عليه من هذه الظروف والقيود المشحونة بأسلحة الغفلة، خاصة وأننا نعيش في مرحلة يقع فيها إعادة إنتاج دين جديد مستسلم لقيم الغرب، وتحريف المفاهيم لاستحداث أنواع جديدة من المتاهات التي يُسلب داخلها المسلم دينه ودنياه وكرامته وإنسانيته، هذه اليقظة التي تترجم إلى عمل يغير هذا الواقع إلى إعادة توجيه مسار الأرض نحو تحقيق نموذج إلهي يخبرنا بما ينبغي أن تكون عليه حياة الإنسان، نحن مكلفون بصياغة الزمان والمكان وإعادة بنائهما.

المصادر

مؤمن سحنون

أرجو أن أكون من الساعين لأن ننال يوما الحرية، الحرية بمعناها الشامل لأمة تعرف رسالتها.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاكم الله خيرا شيوخنا الافاضل،
    بسبب الظروف الحالية، فان اقامة صلاة الجماعة والجمعة في البيت صار من الضرورات، واظن انهذا الموضوع يحتاج الى مساعدتكم بنشر خطب يمكن لرب البيت الاستفادةمنها
    مع خالص التقدير
    خالد محمد علي
    العراق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى