أين الطريق: خطوات إخراج الناس من الظلمات إلى النور

بلال عبد حبشي أسود، يملكه سيد من قريش، يعيش غريبًا بين الناس، يُعامل معاملة قاسية. من وجهة نظر مجتمعه فإنه خلق عبدًا وسيعيش ويموت عبدًا هو وأمثاله. لكن ما حدث كان بمثابة نقطة تحول. قد آمن بلال بدينٍ جديدٍ، واتخذه منهاجًا جديدًا في حياته، منهاجًا أعاد صياغة أفكاره وسلوكه وعلاقاته وتوجيه طاقته وإمكانياته.

وبمزيد من الصبر والجهد اعتلى هذا العبد الحبشي الأسود سطح الكعبة -أشرف بقعة- ليصدح بدعوة هذا الدين ويصبح مؤذنًا للرسول -صلى الله عليه وسلم- دون أن يتعرض للإيذاء، ليس هذا فحسب بل قد حجز مقعدًا في الجنة مع العشرة المبشرين بالجنة!

ألا تتساءل عم حدث في تلك المسافة بين بلالٍ الأول والثاني؟ وهل كان ما مر به استثنائيًا له وحده وفي زمنٍ قد ولى؟ أم أن الجوهر في الدين الذي آمن به بلال وغيره وبالتالي يمكن لمن اعتنقه أن يصل إلى ما وصل إليه؟

لذلك سنحلق سويًا في سلسلة تقارير تحاول تبيان طريق إخراج الناس من الظلمات إلى النور، مستندين في ذلك على سلسلة أين الطريق للشيخ المربي حازم صلاح أبو إسماعيل. لنتعرف على الطريق الذي أخرج هذا الجيل من ظلمات الجاهلية إلى نورانية الإسلام.

ماذا سنتعلم في سلسلة أين الطريق؟

في هذه السلسلة سنعرف كيف ينتقل الإسلام من التحقيق إلى التطبيق، فيصير وجود الفرد المسلم تمثيلًا لقواعد دينه، سنعرف ما هو الطريق؟ وإلى أين المسير؟ على كافة المستويات بدءًا من الفرد المسلم وختامًا بالأمة الإسلامية.

ولكي تقطع نفس الطريق الذي سلكه بلال بن رباح عليك بثلاثة أمور:

  1. خذ القرار بالبدء في إصلاح نفسك.
  2. انتهج نفس الطريقة التي اتبعها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وحققها في نفسك بنفس ترتيبها.
  3. تدارس هذا المنهج مع صحبتك الصالحة، والزم نفسك بجلسة أسبوعية تتدارسون فيها.

كيف تم ترتيب خطوات إخراج الناس من الظلمات إلى النور؟

هنالك محددات لخطوات إخراج الناس من الظلمات إلى النور، فنزول الوحي وطريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في إنفاذ وتطبيق الأوامر واجتناب النواهي مع الفئة المسلمة، هي ذاتها خطوات ترتيب الأداء العملي لشريعة هذا الدين. فكما قال الله تعالى: (..لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) والتي بينها لنا ابن عباس -رضي الله عنهما- “شرعةً” أي: السبيل، أما “منهاجًا” أي: السنة. إذًا فهناك طريق وسبيل للحق وهنالك أيضًا طريقة لتطبيق وإقامة الحق، وما نعنيه بطريقة تطبيق الحق هنا هي هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنته في إخراج الناس من الظلمات إلى النور. وفي هذه المحددات علينا أن نراعي الترتيب الذي انتهجه النبي- صلى الله عليه وسلم- مع الفئة المؤمنة، وبالتالي لا نتعجل في تحصيل خطوة قبل إتمام سابقتها.

وإليكم بعض محددات ترتيب خطوات إخراج الناس من الظلمات إلى النور:

1. علم يزيدك ضلال!

هل توقفت يومًا أمام هذه الآية (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ) وتساءلت كيف يكون العلم سببًا للاختلاف وقد اُمرنا بالاستزادة منه (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا)؟

وكيف أن نفس آي القرآن قد تهدي أحدًا (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) ويسمعها آخر فيضل وتزيده كفر ونفور وإعراض (وَأَمّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ).

لا عجب، فالعبرة ليست بالعلم لكن في وجود قلوب ونفوس صافية تستقبل البينات والحق وتذعن إليه دون تجبر ولا تكبر. وهذا هو الذي يميز الجهل عن عدم العلم، فالجهل أن تعرف الحق لكن نفسك تأبى أن تستجيب له. أما عدم العلم فقد يكون الحق لم يصل إليك بعد، ولم تكتمل صورته عندك، لكن بمجرد وضوح الرؤية فإنك تستسلم له.

2. بين الحق وتوقيت إنفاذه

يعتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويطوف حول الكعبة وبداخلها وحولها وتعلوها الأصنام، بل ويسعى بين الصفا والمروة حيث كان صنم إيساف ونائلة، أليس من الواجب أن يهدم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه اﻷصنام؟

لقد ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم مراعاةً لحال أهل مكة وقرب عهدهم بالإسلام فهو يقول لعائشة: “لولا أن الناس حديث عهدٍ بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع، ولجعلت لها بابًا يدخل الناس منه، وبابًا يخرجون منه”. فهو يبين لأمنا عائشة المغزى وراء عدم إنفاذه للحق، وذلك أن حداثة عهدهم بالجاهلية ستؤثر على قبولهم للحق، وهنا ندرك مدى حكمة النبي -صلى الله عليه وسلم- في اختيار توقيت تطبيق الحق.

3. تغير بعض الأحكام الشرعية

والذي يعرف بالنسخ، والنسخ رفع الحكم الشرعي بخطاب شرعي، وأما مجاله فيكون في الأوامر والنواهي الشرعية فقط. فعلى سبيل المثال: هنالك أشياء صارت حلالًا بعدما حُرِّمت، وأشياء أصبحت حرامًا بعدما كانت مباحة، وأشياء أخرى كانت واجبة ورفع الله فرضيتها.

فمثلاً في القتال كان الأمر ابتداء (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ” ثم خُفف الحكم “الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).

وفي قيام الليل الذي كان فرض سادس على النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته في كل ليلة دون انقطاع حتى تشققت أقدامهم من دوام الوقوف بين يدي الله تعالى، فيخفف الله عنهم مجددًا ويضع عنهم هذه الفرضية (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ..).

والغرض من النسخ هو مراعاة مصالح العباد، والتي بدورها قد تختلف من مرحلة إلى مرحلة. كما أنه أيضًا اختبار لاستسلام الفئة المؤمنة للحكم الشرعي.

4. التمهيد قبل الدعوة

تخيل معي أن يخرج من بين ظهر أنينا أحد ويقول أنا نبي وأدعوكم للإيمان، هل تظن أن أحدًا يصدقه؟ مؤكد لا. من أجل ذلك فقد سبق قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعوته تهيأة الله له ولمجتمعه أبضًا. فقد مر النبي بعدد من التجارب هيأته لحمل أعباء الدعوة، ولن ننسى التهيأة الأخلاقية والروحية التي غرسها الله في النبي والتي جعلته ينأى بنفسه عن جاهليتهم الغير أخلاقية. فهو الصادق الأمين وهي صفات شحيحة الظهور في هذه الجاهلية. لذلك لن يستطيع أحد أن يطعن في صدقه وإن اختلف مع دعوته.

وهنا نخلص أنه من الواجب أن يُخلق كيان الداعية في مجتمعه قبل نطقه بالدعوة، فهذا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول: “أرأَيْتُم لو أخبَرْتُكم أنَّ خَيلًا بسَفْحِ هذا الجبلِ تُريدُ أنْ تُغِيرَ عليكم أصدَّقْتُموني؟ قالوا: نَعم، قال: فإنِّي “نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ”، فقال أبو لَهَبٍ: تبًّا لك سائرَ اليومِ أمَا دعَوْتُمونا إلَّا لهذا ثمَّ قام فنزَلت “تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ” وقد تَبَّ، وقالوا: ما جرَّبْنا عليك كذِبًا”.

شرح الحديث: ينادي النبي -صلى الله عليه وسلم- على قومه ويقول: إذا أبلغتكم أن هنالك خيول أسفل هذا الجبل تريد أن تغير عليكم: أي تشن عليكم هجومًا أو قتالًا، فهل تصدقوني في مقالتي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبًا: أي ما عهدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا صادق. فلولا تمهيد وتهيأة الله له خلقيًا وروحيًا لما صدقه أحد في خبر السماء.

5. متى تطرح سؤالًا؟

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ناصحًا أمته: “دَعُونِي ما تَرَكْتُكُمْ، إنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عن شيءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ”.

شرح الحديث: “دعوني ما تركتكم” وذلك لأن بعض الصحابة من شدة حرصهم على السنة والعلم، كانوا يسألون عن بعض الأشياء قد لا تكون حرامًا فتحرم بعد مسألتهم، لذلك نصحهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتركوا ما تركه مادام لم يأمرهم ولم ينههم. أما “إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم..” وذلك لأن الأقوام التي سبقتنا أكثرت من السؤال، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم.

ويحدد الله -عزوجل- معالم السؤال ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ). وهذا لا يعني الامتناع عن طرح السؤال، لكنه ينبهنا إلى اختيار توقيت طرح التساؤل.

الآن جاء وقت أن نطرح عليك سؤال -عزيزي القارئ- قبل أن نتعرف على خطوات إخراج الناس من الظلمات إلى النور، سنعود للوراء إلى الجاهلية الأولى لنتعرف على سماتها. لكن برأيك لِمَ علينا أن نتعرف على سمات الجاهلية الأولى؟

لِمَ علينا أن نتعرف على الجاهلية الأولى؟

لأننا حينما نعرف الجاهلية وسماتها نخشى على أنفسنا من أن نقع فيها. ولنعرف أن الذي غير هذه الأمة هو المنهج، فالذي جعل عمر بن الخطاب عملاقًا ووقافًا هو دين الله ونهجه وليست تربية أبيه!

ولنعرف أن الجاهلية ليست مسألة تاريخية قد مضت وولَّت، لكن لا زالت آثارها بيننا وتزداد، فرب العزة يقول: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ) ولن يكون هنالك معنى للفظة الأولى إن كانت هي جاهلية وحيدة! وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله.

وقد روى الحديث بروايتين أحدهما كانت (اللهُ، الله) أي بالضم ومعناها أنه لن يبقى على وجه الأرض موحد يقول لا إله إلا الله، أما الرواية الثانية فكانت (اللهَ، الله) أي بالفتح ومعناها أن المنكر سيزيد ولن يبقى على ظهر الأرض من يقول انتهوا عما تفعلون من أجل الله. وكلا المعنيين جاهلية، فالأول هو غياب التوحيد والثاني هو غياب النهي عن المنكر في الأرض.

بعض من ملامح الجاهلية الأولى التي أنقذنا الإسلام منها

تذكر أن هذه الجاهلية هي التي سيقام من رحمها علم وراية ودولة الإسلام، لتعرف كيف مد الإسلام يده لهذا الجيل ليتحول عن جاهليته.

أولاً: فساد العقول

من صور فساد عقولهم وانحراف تفكيرهم عبادتهم للأصنام، فتجد أنهم ينتقون حجرًا بعناية ويقومون بنحته وتهيأته، ثم يضعوه أمامهم ويعبدونه ويسجدون له. بل ويظنون أن هذا الحجر يضرهم وينفعهم، فيقدمون له القرابين محاولين إرضاؤه. وهم الذين صنعوه بأيديهم!

لذا لن تصاب بالعجب حين ترى أقوامًا سابقةً، من كثرة عنادهم وجهلهم وفساد عقلهم، استفتحوا على أنفسهم واستعجلوا العقوبة بدلًا من أن يبادروا إلى الله بالدعاء لأنفسهم بالهداية وتمييز الحق (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).

وفيما يخص فساد العقول أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما علم من عمر بن الخطاب ما كان منه قبل إسلامه أنه كان يذهب للسوق ويشتري التمر ويصنع منه صنم يسجد له، ثم إذا جاع أكله. فقال له رسول الله: “ألم تكن لكم عقول يا عمر؟، فقال: كانت لنا عقول يا رسول الله، ولم تكن لنا هداية”.

ثانيًا: قلوب قاسية معتمة

من المعلوم أن العرب في الجاهلية كانوا يترقبون مجيء الذكور ولا يحبون البنات (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم) فهم يعتبرون وجودها عار وفضيحة، فمن كانت تولد له بنتًا يئدها حية، أي أن يحفر لها حفرة، ويحشو فمها وأنفها بالتراب ويهيل عليها التراب ويتركها حتى تموت.

وقد ذخرت السنة النبوية بالعديد من الأحاديث التي تدعو للإحسان إلى البنات بتربيتهن والقيام على شؤونهن رغبةً فيما عند الله، وقد جعل الله الجنة جزاءً لمن اتقى الله فيهن.

ثالثًا: النزعة القبلية

موالاة القبيلة بشكل تام حتى وإن كانت على ضلال وخطأ مظهر من مظاهر فساد العقول، فهذا أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرض الموت، ويسرع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى داره وعنده رجاء أن يستجيب عمه إلى دعوته وينطق الشهادتين علها تكون سببًا في تحويل مساره من نار إلى جنة، لكنه يأبى إلا أن يموت على دين آبائه.

عن سعيد بن المسيب عَنْ أَبِيهِ قَالَ: “لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: “أَيْ عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ”. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ”.

رابعًا: الزنا والعري

كان ينصب فوق بيوت البغاء الرايات الحمر، وقد كثرت الداعرات صاحبات الحانات، وكان الآباء لا ينهون أبناءهم عن إتيان مثل هذه الأفعال. وقد تحدثت السيدة عائشة عن أن الأنكحة في الجاهلية كانت على أربع أصناف، فكان النوع الأول أن المرأة كانت لا تمنع أحدًا يطلب بابها، وكان النوع الثاني أن المرأة يدخل عليها العشرة من الرجال فإذا حملت لا يستطيع أن يتحلل منه، أما النوع الثالث فكان إذا تزوجت المرأة من رجل ضعيف فيقول لها اذهبي لفلان القوي حتى إذا اجتمعت معه وبه حصلا على ابن قوي، والنوع الأخير هو النكاح الذي نراه في يومنا هذا.

خامسًا: الخمر

كانت الخمور مثل الماء في المنازل، حتى أنهم كان يصفون أحدهم بأن فلان لا يفيق من الخمر دلالة على كثرة شربه للخمور. وحتى حينما أتي الإسلام فقد حرم الله الخمر بتدرج، بدايةً بتحريم الإتجار فيها، ثم بالامتناع عن تناولها عند الصلاة وأخيرًا بتحريمها، فخطب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: “إن الله تعالى حرَّم الخمر، فمن أدركته هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع”. وقد ذكر ابن سعيد الخدري أن المسلمين قد جعلوا يسكبون الخمر في طرائق المدينة امتثالًا للأمر.

سادسًا: الكسب الحرام

شاعت السرقات والكسب الحرام في الجاهلية، حتى أنهم لم يستطيعوا إعادة بناء بيت الله؛ وذلك لأن قريش عزمت على إعادة بناء الكعبة من حلال أموالها، وجمعت من أجل ذلك ما استطاعت، إلا أن النفقة قد قصرت بهم عن إتمام بناء الكعبة بمال حلال خالص.

سابعًا: الأزلام والطيرة

إذا أراد أحدهم أن يفعل أمرًا، أحضر الأزلام -وهي عبارة عن أسهم مكتوب عليها افعل ولا تفعل- فإذا خرجت افعل أو لا تفعل استسلم لها.

وكانت من العادات الجاهلية أيضًا الشائعة الطيرة، وفيها يطلقون الطير إذا أرادوا قضاء حاجة، فإذا طار جهة اليمين تفاءلوا وقضوا حاجتهم، وإذا طار جهة الشمال تشاءموا وعدلوا عن قضاء حوائجهم تاركين مصالحهم.

ثامنًا: حقوق المرأة في الجاهلية

لم يكن للمرأة حظ في الجاهلية فقد شهد سيدنا عمر بن الخطاب نفسه على النساء في الجاهلية وقال: “ما نعد للنساء أمرًا حتى أنزل الله فيهنّ ما أنزل وقسَم لهنّ ما قسّم..” أي: لم يكن لها أية حقوق في الجاهلية.

وكان رأي المرأة لا يعتد به، فهذا رجل من قريش يقول: “كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم” أي: أن رجال المدينة الكرام يسمحون لزوجاتهم بالمشورة وإبداء الرأي.

وزادت مكانة المرأة في رحاب الإسلام فهذه أم زرع تصف زوجها أبا زرع وتقول “فعنده أقول ولا اُقبح” أي لا يُقبح قولها ولا يرده. وأصبح للمرأة حق ونصيب في المواريث.

الخلاصة

بنهاية هذا الجزء من المقال، أرجو أن تستفيد مما ذكر به، وأنصحك أن تعود إليه كل فترة، لترسخ في ذهنك خطوات الخروج من الظلمات إلى النور. فهذا الزمن الذي نعيشه يذخر بظلمات تعيدنا من جديد للجاهلية، وليست الجاهلية منَّا ببعيد فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لـ أبا ذر الصحابي: “إنك امرؤ فيك جاهلية”، هل تتخيل نعت مسلم ومن صحابة رسول الله بجاهلي؟

نعم، فقد تسللت إليه صفات الجاهلية. إذًا فـ الجاهلية عمل وصفات من الممكن أن تدخل على قلبك وتتسلل إليك، لذا لست في معزٍل عنها. واختيارك للمسير في طريق الخروج من الظلمات إلى النور ليس ترفًا معرفيًا، لكنه قرار غريق يبحث عن النجاة.

المصادر
  1. برنامج أين الطريق على يوتيوب.

يمنى حمدي

مُعلمة وفيزيائية، مهتمة بأحوال المسلمين، وأسعى لأن أزرع شيئًا في النفوس لا يمكن اقتلاعه.

مقالات ذات صلة

‫7 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    في البداية أشكر موقع تبيان والكاتبة على هذه المقالات النافعة وأسأل الله أن تكون في ميزان حسناتكم
    وأود أن أنصح الأخت الكاتبة ومنصة تبيان بحذف صورة الأخت الكاتبة لأن كشف المرأة لوجهها غير جائز شرعاً كما أن عرض المرأة لصورتها على الإنترنت خطأ أكبر وفوق هذا كله الأخت نشرت صورتها وهي تضحك فهي أشد فتنة

    رجاءاًَ لا تساهموا في انتشار هذه المعصية فوق انتشارها وتشجعوا النساء على نشر صورهم على الإنترنت
    وبارك الله فيكم

  2. جزاااكم الله خيرا..تلخيص راءع.
    الطريق الذي لا طريق غيره للخروج من الظلمات الى النور..بخطو رسول الله صل الله عليه وسلم..
    الا أن هذا الدين لواحد الا وانه لن يصلح أخره الا بما صلح به أوله الا وان هذا هو الطريق فعلا
    حفظ الله شيخنا ومعلمنا حازم صلاح ابو إسماعيل فك الله بالعزة أسره.

  3. بارك الله فيكي اختي يمنى , ونسأل الله العلي العظيم ان نكون ممن يتبع خطوات الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وان يستخدمنا الله ولا يستبدلنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى