ماذا ستفعل لو علمت أنك ستُقتل

تدور بنا الأيّام بين حلوٍ ومرٍّ على النّسق الذي قدّره الله تعالى لنا، وبالرغم من نعم الله علينا التي لا يمكننا أن نوفي شكرها، فلا يكاد الواحد منّا أن يَسْلَمَ من نازلةٍ بين الحين والآخر تعكر عليه صفو حياته وتصيبه بالقلق، سواءً كانت متعلقة بحال ابنٍ أو زوجة أو عمل، أو كانت متعلقة بحال أمتنا الذي أصبح لا يخلُ من ضعف وهوان وتشتت، وأحداث هنا وهناك.

فهذه النوازل كثيرًا ما تمر بسلام، وتدور عجلة الحياة من بعدها، ولكن بعضها يسكن القلب فيملؤه حزنًا واضطرابًا، ولا يستطيع الشخص أن يتخلّص من هذا الألم الدّفين أو القلق المؤرّق، وتتوقف الحياة، حتّى وإن بدا للنّاس أنّها تمشي وتستمر، لكنّها متوقفة بداخلنا.

ولكن للحظة… دع كل هذا القلق والإحباط والحزن جانبًا، ودعنا نذهب في رحلةٍ استكشافية لنفس هي أشدّ مصيبة منك وأعظم ابتلاءً، ونرى كيف استقبلت مصيبتها.

كيف استقبل عمار بن ياسر خبر مقتله

فهذا رجل علم أن نهايته القتل على يد الفئة الباغية، وبدايته كانت بقتل أمّه في موضع عفتها أمام عينيه، وقتل أبوه أيضا، وذكرياته كانت تعذيبه حتى نطق بالكفر من شدة العذاب… هو عمّار بن ياسر أمير الكوفة، الذي لم يتوقف عن العمل والإنتاج مهما كان المستقبل، ومهما كانت الذكريات.

روى البخاري عن أَبِي سَعِيدٍ الخدري في ذكر بِنَاءِ المَسْجِدِ

قَالَ: ” كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: (وَيْحَ عَمَّارٍ ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ)

ماذا تتوقع أن يقول بعد معرفة شيء كهذا!

هل يقول: يا لها من كارثة! متى سيكون ذلك؟ وترى كيف سأقتل؟ هل ستقطع رأسي، أم سأُرمى بسهم؟ هل ستكون ميتة على الحق أم لا؟ هل أسأل الرّسول الآن؟ أم أجعل أحدًا آخر يسأله؟ رأسي يكاد ينفجر! لا أريد التّحدث مع أحد الآن! أريد فقط الإجابات على كل هذا!

أتدري ماذا قال عمار حينما سمع هذا الخبر؟

 قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: ” أَعُوذُ بِاللَّهِ  من الفتن”

فقط؟! أهذا كل شيء؟

أجل. استعاذة بالله ودعاء، وعدم التفكير في الأمر، ونبذ للكلام السّلبي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، واستمرار العمل والحياة

هذه هي النفسيات الصّلبة التي يجب أن نقتدي بها ونسير على نهجها، ونوقن حق اليقين أنّ هذه الدّنيا ليست إلا دار ممر، الكلّ فيها مبتلى، لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

نفسياتٌ صلبةٌ لا زجاجيّة، كنفسية ابن تيمية حين قال:

«ما يفعل أعدائي بي؟!  أنا جنتي وبستاني في صدري، سجني خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة»

أمثلة أخرى من التاريخ

فلا أظنُّ أن هناك شيئًا يستطيع أن يقف في وجه نفسيةٍ كهذه ويقعدها عن العمل، ولعلي أصارحك بأنّ مثل هذه الحالة النفسيّة الصّلبة ليس من اليسير تحصيلها، بل هي فضلٌ من الله يصيبه من يشاء، وتوفيق من عنده سبحانه، ولكنَّنا نلتمس الطّريق ببعض الخطوات حتَى نصل لهذه النّفسية مهما حدث في الماضي ومهما تشاءمت من المستقبل.

“كنت أموت لأولد من جديد” هنري تراويا.

كيف تحل مشاكلك

أولًا أن تنظر إلى مشكلتك بعين الاستصغار

لا نظرة تضخيم كما قالوا “إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ” فعندما عظّموا من شأن عدوّهم أدخل ذلك الرّعب في قلوبهم وأقعدهم عن العمل، وجعلوا ذلك مبررًا مقنعًا مرضيًا لنفوسهم المريضة؛ وعلى النّقيض انظر إلى وحشيّ الذي قتل خير النّاس حمزة، وقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: “هل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟”، فيخرج من عند النّبي وقد قرر أن يجعل نكبته انتصارًا، وكما قتل خير النّاس حمزة يقتل شر النّاس مسيلمة الكذّاب، وأن يرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

فعّل الموجود ولا تبحث عن المفقود

واحذر أن تلعب دور الضّحية، فالمِحن لا تعني اعتزال النّاس والحزن والاكتئاب، ولكن الوجود بينهم والظّهور بمظهر الواثق-خاصّة إن كنت ممن يُقتدى بهم-حتى لا تُشمت بك الأعداء من حاقد أو غيره؛ وكما قال الله تعالى للمؤمنين “إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ”أي: فلا تهنوا ولا تحزنوا، أنت أيضا انظر إلى من حولك، وجرب مرة فقط أن تقوم بزيارة سريعة لقسم الحروق مثلا في إحدى المستشفيات وسترى بعينيك العجب العجاب، أو اذهب إلى المقابر لنصف ساعة وتأمّل حال هؤلاء المساكين الذين يودّ أحدهم لو يعود لهذه الحياة-التي أنت ناقم عليها-ولو لعدة دقائق، حتّى يعمل ما يؤنس وحشته في هذه الظّلمة، ستحمد الله على كل نبضة ما زالت تنبض فيك.

اللجوء إلى الله

ونحن كعادتنا إذا أردنا أن نصلح خللًا في جهاز كهربائيّ مثلًا بالتأكيد يبحث الواحد منّا على المتخصص في إصلاح هذا الشّيء، ليس المتخصص فحسب بل نبحث عن “الخبير” في هذه النقطة. وبالمثل نفوسنا كذلك تحتاج إلى من هو عليم بها حتى يصلّح لنا ما فيها، والله تعالى يقول “هو أعلم بكم”، فإن كان الله تعالى هو أعلم بنفوسنا، وهو شافي الصّدور سبحانه، فلابد أن نلجأ ونتضرع إليه بالدعاء قال تعالى: “فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وقال “ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا”.

الدعاء

 قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى :

( والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود، حصلت به النكاية في العدو. ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير)

فمهما كان ما أَلمَّ بك من ماضٍ مؤلم، أو ذكريات، أو ما يقف أمامك ويحول بينك وبين ما أنت مقدم عليه، حوّله انتصارًا لك على نفسك كما فعل وحشيّ، ولا تجعل ذلك مبررًا مرضيًا لنفسك، وانظر إلى هذه الجملة البديعة التي قالها الشيخ المقدم:

«اعلم أنّ حجم الرجل يتضح من حجم العقبة التي توقفه عن سيره».

المصادر

  • الداء والدواء، ابن القيم.
  • عقلية الحل، د.أحمد خليل خير الله.

محمد خالد مصطفى

باحث ومدوّن، مهتم بالشأن الإسلامي.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى