هل اختلفت الاستراتيجيا الأمريكية 2010 عن 2015؟ ماذا تغير خلال ست سنوات؟

  • عرض مختصر وسريع لأهم ما جاء في في دراسة “الاستراتيجيات الأمريكية والتحالفات الدولية: عرض ونقد وتقييم” لدكتور أكرم حجازي

استراتيجيا 2015

جاءت استراتيجية 2015 لتعكس بشكل أبلغْ فلسفة أوباما في الحروب، والبناء في الداخل وكما يقال في المثل فالمكتوب يُقرأ من عنوانه! فقد قدَّم لها الرئيس الأمريكي مستعملا عبارة الصبر الاستراتيجي، ولولا بعض التغييرات، لجاءت كنسخة تحديثية في تفصيل ما لم يفصل من مواضيع سابقتها. وبفعل الأحداث الجسيمة التي تجري وقائعها في المنطقة والعالم فقد أظهرت الإستراتيجية من المشاكل ما لم تظهره سابقتها.

وتضمنت خمسة محاور مركزية، برغم مضي ست سنوات إلا أنها  لم تتغير عن محاور استراتيجيا 2010 وهي:

  1. القيادة
  2. الأمن
  3. الاقتصاد
  4. القيم
  5. النظام الدولي

1- القيادة

usaunclesam_949750558

تقول الاستراتيجية:

في هذه اللحظة الحاسمة وإذ نواصل مواجهة تحديات خطيرة على أمننا القومي فإن التطرف العنيف والتهديد الإرهابي المتطور وما يثيره من مخاطر استمرار الهجمات على أمريكا وحلفائنا وتصاعد التحديات التي تواجه الأمن السيبراني، والعدوان من قبل روسيا، والآثار المتسارعة لتغير المناخ، وتفشي الأمراض المعدية كل هذا يؤدي إلى تعاظم القلق بشأن الأمن العالمي وعليه ينبغي أن نكون يقظين لهذه التحديات لاسيما وأن الولايات المتحدة لديها قدرة فريدة على تعبئة وقيادة المجتمع الدولي للوفاء بها

وعليه فإن:

أي استراتيجية ناجحة، لضمان سلامة الشعب الأمريكي وحماية مصالح أمننا القومي، يجب أن تبدأ بحقيقة لا يمكن إنكارها أن أمريكا يجب أن تقود. قيادة أميركية قوية ومستدامة أمر ضروري لنظام دولي قائم على القواعد التي تعزز من الأمن العالمي والازدهار وكذلك كرامة وحقوق الإنسان لجميع الشعوب

لكن السؤال ليس أبدا ما إذا كانت أميركا يجب أن تقود، ولكن كيف تقود؟ وفي السياق كانت إستراتيجية 2010 قد تحدثت عن موارد النفوذ الثلاثة التي أشرنا إليها وهي (القوة العسكرية والاقتصاد والدبلوماسية)، ولأن: التحديات، بما في ذلك التطرف، والعدوان الروسي، والهجمات الإلكترونية، والتغير المناخي، من الأفضل أن تعالج بحشد التحالفات الدولي فإن القوة، والكلام للرئيس الأمريكي: لا تعني أننا نستطيع أو يجب أن نحاول إملاء المسارات لكل الأحداث في العالم! وذلك لأن مواردنا ونفوذنا ليست بلا نهاية

لذلك لم يكن غريبا أن يكون أول ما تحدثت عنه الإستراتيجية، في محور القيادة، هو القوة العسكرية والقيم، وليس الاقتصاد:

مصدر قوتنا هو قوتنا العسكرية التي لا منافس لها في العالم، إضافةً إلى قيمنا التي تم تأسيس الدولة عليها

وبناء على ذلك:

  • ستقود أمريكا العالم وتكون مثالاً يحتذى به
  • ستقود أمريكا العالم من خلال شركاء قادرين
  • ستقود أمريكا العالم من خلال ما لديها من وسائل القوة: الجيش الأمريكي، الدبلوماسية، اقتصادنا وتجارتنا واستثماراتنا في الداخل والخارج والعقوبات والعلاقات الشخصية.
  • ستقود أمريكا العالم من منظور طويل الأجل

2- الأمن

NSA-office

أول ما تتحدث عنه الإستراتيجية في مجال الأمن هو:

  1. حماية المواطنين الأمريكيين
  2. صون الأمن العالمي لحماية المصالح الأمريكية
  3. الالتزام مع الحلفاء والشركاء
  4. التعامل مع التهديدات العالمية

أما أولويات اليوم فهي: (1) مواجهة الإرهاب, وخاصة إرهاب القاعدة والمنظمات المنتسبة إليها وتعزيز وتقوية الآخرين لمواجهة الأيديولوجيات المتشددة والمتطرفة والخطيرة (2) منع الانتشار النووي (3) منع وصول المواد النووية إلى الإرهابيين

تحت محور الأمن؛ نجد عشرة بنود تتحدث عن:

1- تعزيز وتقوية دفاعنا القومي

تشير الإستراتيجية إلى جاهزية القوات العسكرية الأمريكية لممارسة « الردع»، كمرحلة أولى، ضد أي تهديد ويشمل « الردع» القيام بـ « عمليات عالمية لمواجهة الإرهاب، وطمأنة الحلفاء»، وحتى « التواجد والاشتباك». وإذا فشل الردع «ستستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية منفردة إن كان ذلك ضرورياً» وفي كل الأحوال سيبقى أي تدخل أمريكي تحت سقف الردع دون التدخل البري، على الأقل، طالما بقي أوباما وفريقه « المحافظ» في السلطة.

2- تعزيز وتدعيم الأمن الداخلي

تتحدث الاستراتيجية عما يشبه التعايش مع الإرهاب مع التأكيد على أن أمريكا «أكثر أماناً وأكثر قدرة على حماية بلدنا من الإرهاب بسبب تقاطع المعلومات وأمن الطيران والحدود والتعاون الدولي»، لكن، «يجب أن نستمر في التعلم والتكيف مع التهديدات والمخاطر المتحولة».

3- مكافحة تهديد الإرهاب المستمر

تتحدث الإستراتيجية عن ما تسميه بـ «المنظمات الإرهابية» والتي تضم مجموعات عالمية توجهها القاعدة، إضافة إلى جماعات إقليمية لها ارتباطات دولية تحمل عقيدة القاعدة مثل الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، والتي يمكن أن تشكل خطراً على الوطن الأمريكي. لكن التركيز يمس أفغانستان والدولة الإسلامية في العراق والشام، مع الإشارة بالذكر إلى الصومال. وفي بند لافت، أملته التقييمات والمناقشات التي استقر الرأي فيها على استعمال وتعميم عبارة «التطرف العنيف»، قالت الإستراتيجية: «ترفض أمريكا الأكذوبة القائلة بأنها وحلفاءها في حالة حرب مع الإسلام».

4- بناء القدرة لمنع الصراع (القيادة من الخلف)

ستنشط الولايات المتحدة في بناء الشراكات المحلية عبر تأهيل الدول الأضعف والأكثر عرضة لـ « الإرهاب» كأفغانستان والعراق وسوريا والصومال، وتدريب ما تسميه الجماعات المحلية. وكان لافتا حقا ذلك البند المتعلق بسوريا والذي يقول:

بنفس الوقت، فإننا نعمل مع شركائنا لتدريب ومد المعارضة السورية المعتدلة بما تحتاجه كي توفر قوة موازية تقف في وجه الإرهابيين ووحشية نظام الأسد

علما أن برنامج التدريب فشل لطلبهم من المتدربين التوقيع على وثيقة تلزمهم فقط بقتال «الدولة الإسلامية» دون «النظام النصيري». واقتصر الحضور السوري في الاستراتيجية على تدريب المعارضة المعتدلة والحل السياسي.

5- منع انتشار واستخدام أسلحة الدمار الشامل إلى (كوريا الشمالية وليبيا وسورية وإيران)

6- مواجهة تحدي المناخ

7- أمن الشبكة العنكبوتية

8- أمن الفضاء الخارجي

9- الأمن الحيوي والبحر

10- زيادة أمن الصحة العالمية

  • روسيا

وفيما يتعلق بروسيا فإن إستراتيجية 2015 تشير لتحول بالغ الخطورة تجاهها: «إننا نقود جهوداً عالمية لمواجهة روسيا»، التي غدت عدوا استفزازيا مثل كوريا الشمالية، لذا:

سوف نجعل الدول التي تهدد جيرانها وتنتهك المعايير الدولية، تدفع ثمناً إذ أن انتهاك روسيا لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وكذلك سياستها العدوانية تجاه دول أخرى جارة لها، يعرض المعايير الدولية المعترف بها بشكل واسع منذ انتهاء الحرب الباردة إلى الخطر

ومن الواضح أن الولايات المتحدة تطلب من روسيا والصين أن تكونا من ضمن «الشراكة» وليس من ضمن «القيادة».

3- الاقتصاد

1_902625_1_34

لا يخلو المحور الاقتصادي من مزاعم وطموحات كأن تقول الإستراتيجية، بأن:

الاقتصاد الأمريكي هو بمثابة المحرك للنمو الاقتصادي العالمي، وهو مصدر استقرار للنظام العالمي وأنه أداة القوة والتأثير الأساسي، الكفيل بضمان قوتنا العسكرية ونفوذنا الدبلوماسي

لكن الواقع يقول بأن الولايات المتحدة مدينة بأكثر من إجمالي الناتج القومي، وأنها بالكاد تشغل مؤسساتها، واقتصادها الذي يشكل 23.3% من الاقتصاد العالمي، صار مدينا له بنسبة 29.1% وأن الرقم يتعلق بنحو 200 تريليون$! هذا فضلا عن الحديث على وضع حد للفقر المدقع في العالم، في الوقت الذي تتمركز فيه الثروات الخاصة بأيدي 85 شخصا في العالم يمتلكون نصف ثروات الأرض

اقرأ أيضًا: أربع قضايا تعصف بالنظام الدولي: أزمات الرأسمالية العالمية

4- القيم

ما ورد في هذا المحور هو تفصيل لما تضمنته استراتيجية 2010. لكن التفصيل هنا لا يعني التكرار بقدر ما يعني الإصرار على منطق عولمة، لا يمكن أن يمر إلا بتحطيم قيم الآخرين وحضاراتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم، ليبدو الإنسان في الشرق مجرد نسخة عنه في الغرب. والقيم هنا تتعلق بالحرية والعدالة والمساواة، ويشمل ذلك بحسب الإستراتيجية:

حرية التعبير والعبادة والتجمع السلمي والقدرة على اختيار القيادة بشكل ديمقراطي، والحق في اختيار الطريقة المناسبة وإدارة العدالة بشكل متساو

أما الفقرة التي أرادت الإستراتيجية تمريرها فهي التي وضعت تحت بند الدفع بالمساواة إلى الأمام ونصها:

سنكون رواداً للمجتمعات التي تتعرض باستمرار إلى العنف والإساءة والإهمال مثل الأقليات القومية والدينية والمعوقين والمثليين والسحاقيين والعمال المهاجرين

يسهب محور القيم في الحديث عن حقوق الإنسان ومقاومة الاستبداد ويشن حملة على الأنظمة الاستبدادية التي تعارض الديمقراطية. بل أن أعجب ما يمكن تصوره في هذا السياق أن الإستراتيجية أتت على ذكر روسيا وعدوانيتها في أوكرانيا لكنها لم تأت على ذكر مصر ولا مرة واحدة رغم تخصيصها في ذات المحور لبند يتعلق بـ «دعم الديمقراطيات الصاعدة» وآخر بـ «منع الفظائع بشكل جماعي»! فهل سقطت مصر في مثل هذه الوثائق الضخمة سهوا؟ وإلا فعن أية قيم تتحدث أمريكا؟!

5-النظام العالمي

النظام الدولي

تدرك الولايات المتحدة، من رأسها حتى أخمص قدميها، أن النظام الدولي قد غدا في مهب الريح. ويتساءل الكثيرون عن الشكل المحتمل إعادة بناءه لهذا النظام. أما الإستراتيجية فتتحدث عن:

  1. قصور في بنية النظام الهندسية
  2. تهديدات دولية مباشرة للنظام، تقوم بها روسيا، وأخرى محتملة قادمة من الصين
  3. تهديدات إرهابية

فما الذي ستفعله الولايات المتحدة للإبقاء على النظام الدولي؟

حسب النص:

يعتمد النظام الدولي الراهن في عصرنا الحديث وبشكل كبير على (1) الشكل والتصميم الذي سيأخذه للتأكيد الدولي والمؤسسات الاقتصادية والسياسية، وعلى (3) التحالفات والشراكات التي أوجدتها الولايات المتحدة، و(3) الأمم التي تشاطرها نفس الذهنية والتفكير بعد الحرب العالمية الثانية

الواقع يؤكد أن حالة النظام الدولي اليوم أشبه ما تكون بالضبط كحالة الرئيس السوري بشار الأسد في ظل الثورة السورية. وهذا ما أدركته الإستراتيجية التي لم تجد بدًا من الاكتفاء بالمحافظة على التصميم الهندسي والقانوني للنظام كما نشأ منذ مائة عام. لذا لا تتوانى الإستراتيجية عن التأكيد على استخدام أنظمة الردع، كالقوة العسكرية والعقوبات والعلاقات الأمنية، وتعميق التحالفات القديمة والشراكات الجديدة لمواجهة أي إخلال بتوازن القوى في منطقة آسيا والباسيفيك

ردها على الصين

نرحب ببروز وصعود صين مزدهرة وسلمية ومستقرة، ونبحث عن تطوير علاقة بناءة معها. وبينما سيكون هناك تنافس إلا أننا نرفض المواجهة، وفي نفس الوقت فإننا سندير موضوع التنافس ونعالجه من موقع القوة, ونصر على دعم والتزام الصين بالقواعد والمعايير الدولية حول مسائل واسعة تشمل الأمن البحري والتجارة وحقوق الإنسان. وسوف نراقب عن كثب تحديث الصين لقدراتها العسكرية، وتوسيع حضورها على الساحة الأسيوية، بينما نبحث عن الطرق والوسائل التي تقلص من مخاطر سوء التفاهم والحسابات الخاطئة

وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط

لا تتحدث الإستراتيجية عن تهديدات للنظام الدولي بقدر ما تتحدث عن:

  • الشبكات الإرهابية التي تهدد شعبنا
  • العدوان الخارجي على حلفائنا وشركائنا
  • ضمان التدفق الحر للطاقة من المنطقة إلى العالم
  • منع تطوير وانتشار واستخدام أسلحة الدمار الشامل
  • أنه لا يوجد عنف أكثر مأساة وزعزعة في أي مكان من العالم مما هو موجود في الصراع الطائفي من بيروت حتى بغداد

أما الحلول التي تطرحها الإستراتيجية، دون أن تتورط بنفسها، فتتطلب:

«شركاء قادرين على الدفاع عن أنفسهم». عبر الاستثمار في «قدرة إسرائيل والأردن وشركائنا الخليجيين على ردع العدوان, وندعم الجهود التي تخفف من حالة تصعيد التوترات الطائفية والتوتر بين المجتمعات الشيعية والسنية في جميع إنحاء المنطقة»، ولأن «السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتطلبان أيضاً تقليص الأسباب الكامنة للصراع»، فإن الولايات المتحدة ستعمل على:

إيجاد اتفاقية شاملة مع إيران، والالتزام بإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال إيجاد حل الدولتين، ودعم الجهود التي تخفف من حالة تصعيد التوترات الطائفية والتوتر بين المجتمعات الشيعية والسنية في جميع إنحاء المنطقة، ومساعدة الدول التي تمر بمرحلة الانتقال على تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية وبناء قدرة الدولة للمحافظة على الأمن والقانون والنظام واحترام الحقوق العالمية

يتبع .. سيتناول التقرير القادم بعض الرود والماقشات حول الاستراتيجيات الأمريكية


المصادر:

 د. أكرم حجازي، الإستراتيجيات الأمريكية والتحالفات الدولية: عرض ونقد وتقييم، منتدى المفكرين المسلمين ومركز العصر للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية 2016.

يمكن تحميل الدراسة من الرابط بالأسفل هنا

[xdownload icon=”” text=”دراسة: الاستراتيجيات الأمريكية والتحالفات الدولية: عرض ونقد وتقييم لدكتور أكرم حجازي” url=”http://www.moslimon.com/download_searches.php?id=82″ target=”1″]

 

 

 

 

آلاء محمود

كن شخصاً إذا أتوا من بعده يقولون مر وهذا الأثر

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ثال ذلك: انحراف طالبان

    انظر من مقال على TRT العربية بعنوان: طالبان ومستقبل “الجهادية العالمية” بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
    7/يوليو/2021

    “وعندما وقّعت واشنطن اتفاقاً تاريخياً مع حركة طالبان في الدوحة في 29 شباط/فبراير 2020، كان أحد أهم بنود الاتفاق عدم سماح طالبان لأي من أعضائها أو أفراد أو مجموعات أخرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة استخدام أراضي أفغانستان لتهديد أمن الولايات المتحدة وأمن حلفائها،”

    “في هذا السياق فإن حركة طالبان تعتبر تنظيم الدولة خصمها الأكبر لكونه نازعها قيادة الجهاد العالمي، وقد تعاملت مع ولاية خراسان التابعة للتنظيم في أفغانستان بحزم وعنف، حيث وجهت طالبان ضربة قاسية للمنشقين عن الحركة منذ أواخر 2015 وقتلوا زعيم التمرد عثمان غازي ومئة من مناصريه في قاعدة في مقاطعة زابول.”
    ____________
    أنظر أيضا: سيطرت طالبان علي أفغانستان
    بعدما سيطرت أمريكا علي طالبان

    https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=364628905037950&id=100044725303659

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى