طفولةٌ مأساوية: كيف تتغلب على ماضيك المؤلم

هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: Traumatic Childhood and Parenting: How to Overcome Your Past لكاتبته: Umm Khalid في موقع: muslimskeptic.com. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.

كان لوالدي أبٌ صارم ومتشدد للغاية. كان جدي رجلًا صالحًا، لكنه كان أبًا متحفِّظًا جدًّا، مُنزوِيًا، باردًا تقريبًا، لأبنائه، وكان أبي أكبرهم. عندما نشأ والدي وأصبح أبًا هو نفسه، لم ينسَ جرحه العميق؛ جرح أن والده لم يكن أبدًا قريبًا منه، ولم يكن أبدًا منفتحًا عليه، حتى عندما بلغ سن الرشد، لم يكن أبدًا هادئًا أو مرحًا.

عندما أصبح والدي أبًا لي ولإخوتِي، كان عكس ذلك تمامًا، تحدّث إلينا كثيرًا، وضحك معنا، ومازَحنا، وقصّ لنا القصص، وكنا مرتبطين به عاطفيًّا، لقد كان متاحًا عاطفيًّا، لقد أعطانا ما افتقده من والده، وهو ما كان يتمنى دائمًا أن يحصل عليه، كان أبًا مختلفًا تمامًا عن والده.

من نواحٍ كثيرة، أنا أُمٌّ مختلفة عن والدتي، وعن الأمهات الذين تعاملت معهم عندما كنت طفلة.

الكثير مما تعلمت فعله كوالدة، كان مما رأيته حولي ونشأت في خِضمه، العديد من الأفعال التي رأيتُ أنها خاطئة، وأنا اليوم مصممة على فعل عكسها تمامًا. عندما كنت طفلة، رأيت آباء آخرين يتصرفون بشكلٍ سيءٍ مع آثارٍ كارثية، وقد تعهدت عندما كبرت ألا أفعل ذلك أبدًا إذا أصبحت أمًّا في يومٍ ما. علمتني أخطاء الآباء والأمهات ما يجب ألا أفعله.

وبعض ما أفعله اليوم كأم، هو محاكاة لما كنت، كطفلة، أرى الآباء الجيدين يفعلونه. بعض ما أفعله لتربية أطفالي الآن هو تقليدٌ مباشرٌ لِما فعله والدي في تربيتي وإخوتي. علمتني نجاحات العديد من الآباء والأمهات ما يجب أن أفعله.

في كلتا الحالتين، سواء أكان ذلك جيدًا أم سيئًا، غالبًا ما يكون أسلوبنا في التربية انعكاسًا لتجاربِنا الحياتية السابقة. في بعض الأحيان، نتعامل مع أبنائنا بالطريقة التي عامَلنا بها آباؤنا. وفي أوقاتٍ أخرى، إذا كان لدينا الوقت والفرصة للتأمل في الماضي ومعالجته بصدماتِه القديمة ومشاعره، فإننا نختار الطريق المعاكس، الذي نؤمن أنّه سيجعل منّا آباءً أفضل.

لا أحد لديه طفولة مثالية. سواء كنت قد عشت طفولة مستقرة وخالية من الهموم أو كانت طفولة صعبة مليئة بالمشاعر المؤذية أو الاحتياجات غير الملباة أو الصدمات العميقة، فإن كونك والدًا سيجبرك على مواجهة تلك المشاعر القديمة. هذه التجارب القديمة لا تتحكم فيك ولا تشكل نوع الحياة التي تعيشها أو نوع الوالد الذي ستكونُه، إلا إذا لم تتعامل معها أو تفكر فيها على الإطلاق.

إذا تجنب الآباء معالجة صدماتهم، وغفلوا عن التأمل الذاتي، سوف يعيدون خلق طفولتهم المضطربة من جديد. في بعض الأحيان، يتحول الآباء الذين يفتقرون إلى الوعي الذاتي إلى نماذج من آبائهم، نماذج كانوا قد تعهدوا سابقًا بعدم التحول إليهم أبدًا. في بعض الأحيان، يجعل هؤلاء الآباء أطفالهم عن غير قصد كما اعتادوا هم أن يكونوا عليه عندما كانوا أطفالًا، مما يديم الحلقة القديمة من الألم أو الصدمة. ويعيد التاريخ نفسه عبر الأجيال.

ما هو الحل؟

الحل هو مواجهة الماضي وفهمه. تذكر أحداثه، أخرجها من الأرفف القديمة في ذهنك، وانفض عنها الغبار، اجعلها تواجه ضوء النهار، ثم ضَعها في مكانها المناسب. عليك أن تنظر إلى الأحداث القديمة من طفولتك عبر عيون شخصٍ بالغ، عبر شخصك البالغ اليوم، بدلًا من عيون الطفل الحائرة، الخائفة، الضحية، كما كنت سابقًا. بمجرد أن نعيد النظر في طفولتنا ونقيم أحداثها ونفهم أسباب حدوث أشياء معينة، سنتمكن أخيرًا من الحصول على بعض الخلاص، والشعور بالسلام مع الماضي.

إننا بمجرد تفكيرنا السليم في الماضي، ومعالجته بشكل كامل، ننزع منه أي سلطان كان له علينا، ونُحكم نحن السيطرة على أنفسنا فلا شيء فوقنا حاكمٌ. نحن وأبناؤنا أحرارٌ من قبضته. يمكننا بعد ذلك أن نكون آباء حساسين ومهتمين بأطفالنا، دون ترك أي أمتعة، ودون الركون إلى أي صدمات قديمة كامنة في أعماقنا، ولا قضايا لم تحل تلقي بظلالها علينا وعلى أبنائنا الأبرياء. سوف نعيش دون أن نثقل كاهل أطفالنا بأعبائِنا القديمة.

فيما يلي مقتطف من كتاب بعنوان الأبوة والأمومة من الظاهر إلى الباطن: كيف يمكن للفهم الذاتي العميق أن يساعدك على تربية أطفالِك تربية ناجحة مزدهرة، بقلم دانيال سيجل وماري هرتزل:

“عندما نصبح آباء، فإننا نُمنَح فرصة رائعة لننمو كأفراد؛ لأننا أنفسنا نعود إلى العلاقة الحميمة بين الوالدين والطفل، لكن هذه المرة في دور مختلف. في كثير من الأحيان، نسمع الآباء يقولون: “لم أظن مطلقًا أنني سأفعل أو أقول لأطفالي نفس الأشياء التي جرحتني عندما كنت طفلًا. ومع ذلك أجد نفسي أفعل ذلك بالضبط مع أبنائي”. يمكن للوالدين أن يشعروا بأنهم عالقون في أنماط متكررة وغير منتجة لا تدعم العلاقات المحبة ولا تحفظ الرعاية التي تصوّروها عندما بدأوا أدوارهم كآباء. لكن فهم الحياة يمكن أن يحرر الآباء من أنماط الماضي التي تسجنهم في الوقت الحاضر.

“كيف يساعد فهم حياتنا أطفالنا؟ من خلال تحرير أنفسنا من قيود ماضينا، يمكننا أن نقدم لأطفالنا العلاقات العفوية والدّائمة التي تمكنهم من الازدهار. من خلال تعميق قدرتنا على فهم تجربتنا العاطفية، نكون أكثر قدرة على التواصل الحميمي والتعاطف مع أطفالنا وتعزيز فهمهم لذاتهم وتطورهم الصحي”.

“في غياب التأمل الذاتي، غالبًا ما يعيد التاريخ نفسه، ويكون للآباء القابلية لنقل أنماط غير صحية من الماضي لأطفالهم. إن فهمنا لحياتنا، يمكن أن يحررنا من الموقف الذي نعيد فيه إحداث الضرر الذي لحق بنا عندما كنا أطفالًا، بأطفالنا. لقد أظهرت الأبحاث بوضوح أن ارتباط أطفالنا بنا سيتأثر بما حدث لنا عندما كنا صغارًا، إذا نحن لم نُعالج ما مررنا به في طفولتنا”.

كودري محمد رفيق

من الجزائر، أكتب في الدين والفكر والتاريخ، أرجو أن أكون مِن الذين تُسدُّ بهم الثغور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى