إدارة الوقت وترتيب المسلم لحياته على مقتضى الإسلام

للوقت أهمية كبرى وفوائد جمّة بالنسبة للإنسان كونه معمرًا في الأرض سائرًا بالإصلاح، وقد حث الإسلام على إدارة الوقت وتنظيمه وعدم إهماله، ووفق هذه التوجيهات الإسلامية سار المسلمون يرفعون رايات المجد والازدهار والرُقـي الحضاري.. لأنهم فهموا عظيم اغتنام الوقت وإدارته وحسن تنظيمه.

ما هي الفوائد التي ترجع عليَّ من إدارة الوقت وتنظيمه؟

يمكننا أن نلخص أهم هذه الفوائد للتنظيم الإداري للوقت فيما يلي:

  1. الشعور بالتحسن بشكل عام في حياتك.
  2. القدرة على التطوير الذاتي.
  3. إنجاز أهدافك وأحلامك الشخصية.
  4. تحسين إنتاجيتك بشكل عام.
  5. التخفيف من الضغوط، سواء في العمل، أو ضغوط الحياة المختلفة.
  6. استغلال مواطن القدرة والقوة قبل فوات أوانها.
  7. في حسن التنظيم استجابة للتوجيهات الإسلامية العظيمة لترتيب الحياة بجدية.

فما معنى أن أُدير وقتي وأن أنظمه؟

إن معنى هذا أن يفهم الإنسان المسلم دينه ومقاصده، وأن يُــدرك أولويات الاهتمام الإسلامي للحياة، وأن يبدأ بالأهم فالمهم، وأعظم توجيه لاستثمار الوقت هو توجيه التعلم وطلب الحق حتى صار طالب العلم في جهاد لعودته “مَن خرَج في طَلَبِ العِلمِ، كان في سَبيلِ اللَّهِ حَتَّى يرجِعَ”.

بل إن استثمار الوقت في نفع الناس وتعليمهم الخير من أعظم ما يجلب رضا الله عز وجل، يقول رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللَّه وملائِكَتَهُ وأَهْلَ السَّمواتِ والأرضِ حتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلى مُعلِّمِي النَّاسِ الخَيْرْ”. ويقول الحسن: “يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكلُّ ساعة لم يحدث فيها خيرًا، تقطعت نفسه عليها حسرات”.

ومن جميل الأولويات الإسلامية في استثمار الوقت (الصدع بالحق) ونصرة المظلومين، فوقـت يستثمر في أمر كهذا لهو مدعاة لفهم الدين؛ بل إنه من أعظم الاستثمار للوقت، اسمع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ”.

فاستثمار الوقت يكون بما يجلب الخير للذات وللمسلمين وللناس كافة، كل ذلك بأولويته وأهميته، لكن لا يجب على المسلم أن يضيع وقته في أي شيء غير نافع، وهذا ما جعل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول:

إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا؛ ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة.

هل عني الإسلام بـ ترتيب حياة المسلم؟

لقد اهتم الإسلام بإدارة الحياة أيما اهتمام، انظر لقول رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم-: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عُمُره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟”.

فهل يقدر المسلم على كسب حياته والاستفادة من عمره بغير إدارة الوقت وتنظيمه؟!

بالطبع لا، ولهذا كان التقرير الرباني الحكيم: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). وما دامت لله فإنه من الواجب عليك تنظيم حياتك لاستثمارها في مرضاته جل وعلا. ولهذا يقول الحسن البصري -رحمه الله-: “أدركتُ أقوامًا كان أحدهم أشحَّ على عمره منه على درهمه ودنانيره”.

ولهذا يقول أبو شيخة: “فالذين ينظرون إلى الوقت بعين الاهتمام هم الذين يحققون إنجازات كثيرة في حياتهم الشخصية والمهنية، وهم الذين يعلمون أن الوقت قليل لتحقيق كل ما يريدون، وعلى العكس من ذلك فإن المرء الذي لا يهتم كثيرًا بالإنجازات ينظر إلى الوقت على أنه ذو قيمة قليلة”.

أهمية الوقت في القرآن الكريم

إدارة الوقت

القرآن الكريم جعل للوقت أهمية عظيمة نلاحظها من خلال النقاط التالية:

  • الوقت من أصول النعم. يقول الله عزَّ وجلَّ في معرض الامتنان على الإنسان وبيان عظيم فضله عليه: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)، فامتن سبحانه في جلائل نعمه بنعمة الليل والنهار، وهما الزمن الذي نتحدث عنه ونتحدث فيه ويمر به هذا العالم الكبير من أول بدايته إلى نهاية نهايته.
  • الإقسام بالوقت، فقد ورد التنبيه في القرآن الكريم إلى عظم الوقت، حيث أقسم الله به في مواطن كثيرة من كتابه العزيز، من ذلك قوله عزَّ وجلَّ: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، وقوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)، وقوله: (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ)، وقوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)، وقوله: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، وقوله: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)، وقوله: (فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ).

قال الفخر الرازي في تفسير قول الله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ). “إن الدهر والزمان في جملة أصول النعم؛ فلذلك أقسم الله به، ولأن الزمان والمكان هما أشرف المخلوقات عند الله، كان القسم بالعصر قسمًا بأشرف النصفين من ملك الله وملكوته”. ويقول الشيخ يوسف القرضاوي: “من المعروف لدى المفسرين، وفي حس المسلمين، أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه، فذلك ليلفت أنظارهم إليه، وينبِّهَهم على جليل منفعته وآثاره”.

  • ارتباط الوقت بالغاية من الخلق. قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ). أي “إلا ليُقِرُّوا بعبادتي طوعًا أو كرهًا”. وقال سبحانه أيضًا: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ). أي “جعلكم تعمرونها جيلًا بعد جيل وقرنًا بعد قرن وخلفًا بعد سلف”.
  • المسارعة في الخيرات. مما ندب الله عزَّ وجلَّ إليه المسلمَ اكتساب الأوقات، والمسارعة في الخيرات، إذ يقول في كتابه العزيز: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)، ويقول سبحانه: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ).

أهمية الوقت في السنة النبوية الشريفة

نلحظ هذه الأهمية مما يلي:

أولًا: الوقت نعمة عظيمة. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ”، ومعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: كثيرٌ من الناس: “أي أن الذي يُوفَّق لذلك قليل، فقد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون”.

ثانيًا: الوقت مسؤولية كبرى. ففي الحديث عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عُمُره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه”.

ثالثًا: الوقت في أفعال النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-. يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يصف حال النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بأنه: “كان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء؛ جزءاً لله، وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه، ثم جزأ جُزأه بينه وبين الناس”. وقد جاء عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنعُ هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: “أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً”.

رابعًا: الحث على اغتنام الوقت والتحذير من إضاعته. ومن ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه: “اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هَرَمك، وصِحَّتَك قبل سَقَمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغْلك، وحياتك قبل موتك”. ويقول: “بادروا بالأعمال سبعًا، هل تُنْظَرون إلا إلى فقر مُنسٍ، أو غنىً مُطْغٍ، أو مرضٍ مُفْسِد، أو هرم مُفْنِد، أو موت مُجْهِز، أو الدَّجال فشرٌّ غائبٌ يُنتظَر، أو الساعة؟ فالساعةُ أدهى وأمرُّ”.

مثال عملي لإدارة الوقت كما يريده الإسلام

جاء ذلك في سورة يوسف عليه السلام، في قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ).

إن هذه الآيات تدل على أن يوسف عليه السلام قد رسم خطة للسنوات المقبلة، وأن التخطيط لا ينافي التوكل، بل هو من باب الأخذ بالأسباب. كما تشير الآيات الكريمات إلى أول موازنة تخطيطٍ مبنية على أسس علمية، وازن فيها يوسف عليه السلام بين إنتاج القمح من جهة، وتخزينه واستهلاكه في مصر الفرعونية مدة سنوات القحط وسنوات الرخاء من جهة أخرى، وتتضح أركان هذه الموازنة فيما يأتي:

  • الموازنة بين الإنتاج الزراعي والاستهلاك، بهدف تخطي أعوام القحط والجدب.
  • إن اعتبار عنصر الزمن كان واضح المعالم من خلال عدد سنوات القحط وسنوات الرخاء؛ حيث تم إعداد خطتين سبعيتين للدولة.
  • إن هذه الموازنة كانت بمثابة خطة طويلة الأجل امتدت أربعة عشر عاماً.
  • استخدام الموازنة باعتبارها أداة رقابيةً لضمان تنفيذ الخطة بدقة.

إنه مخطط زمني وضعه يوسف عليه السلام بإلهام من الله عزَّ وجلَّ لكسب الوقت في سنوات الرخاء؛ وذلك بمضاعفة الناتج بأسلوب علمي للإفادة منه في سنوات الجدب.

وقد عرّف أحد الباحثين التخطيط من المنظور الإسلامي بأنه: “أسلوب عمل جماعي يأخذ بالأسباب لمواجهة توقعات مستقبلية، ويعتمد على منهج فكري عَقَدي يؤمن بالقدر ويتوكل على الله ويسعى لتحقيق هدف شرعي هو عبادة الله وتعمير الكون”. بينما عرَّفه آخر بأنه: “التفكر والتدبر بشكل فردي أو جماعي في أداء عمل مستقبلي مشروع، مع ربط ذلك بمشيئة الله تعالى، ثم بذل الأسباب المشروعة في تحقيقه، مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيما قضى الله وقدّره على النتائج”.

وما كان هذا المخطط المنقذ للدولة أن يؤتي ثماره بدون عمل وسعي وجدية من يوسف عليه السلام، وهو الذي قال: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). حيث نجد أن يوسف عليه السلام يرشح نفسه لمنصب يقابل وزير المالية أو التموين في عصرنا الحاضر، وهو منصب يتعلق بالأرقام والإحصاءات والأموال والتخطيط والتخزين والتوزيع، وكل هذه المهمات تحتاج إلى العلم والحفظ، وهما الصفتان اللتان أبرزهما يوسف في عرض مؤهلاته بطلب الترشيح للوظيفة”.

جانب من الاستفادة العملية لحسن إدارة الوقت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

إدارة الوقت

فَـهِـمَ النبي صلى الله عليه وسلم المغزى من وراء حسن إدارة الوقت وتنظيمه، فقد كان مُــنظمًا حتى في نومه الشريف، انظر ما جاء عن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرو بنِ العَاصِ، رَضيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “أَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُدَ، وَأَحبُّ الصيامِ إِلَى اللَّهِ صِيامُ دَاوُدَ، كانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْل وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ويَنَامُ سُدُسَهُ وَيصومُ يَومًا وَيُفطِرُ يَومًا”. متفقٌ عليه.

فلو احتسبنا أن الفترة من بين صلاة العشاء لصلاة الفجر:

8 ساعات في فصل الصيف: فينام نصف الليل الأول (4 ساعات) ويعمل ثلثه (ساعتين و40 دقيقة تقريبًا) ثم ينام سدسه وهو (ساعة وثلث).

10 ساعات في فصل الشتاء: فينام نصف الليل الأول (5 ساعات) ويعمل ثلثه (ثلاث ساعات وثلث) ثم ينام سدسه (ساعة و40 دقيقة تقريبًا).

فيصير مجموع ما ينامه الإنسان: ثمان ساعات في فصل الصيف، وعشر ساعات في فصل الشتاء.

وإذا اعتبرنا أن الإنسان حريص على قيام الليل واستغلال الثلث الأخير من الليل فيكون بذلك معدّل نومه:

– (5-6) ساعات في فصل الصيف.

– (7-8) ساعات في فصل الشتاء.

فانظر إلى نومه الشريف -صلى الله عليه وسلم- وكيف استثماره في عبادة الله وتأمّل استجابته لقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا).

وانظر كيف كان مدح الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وبعض صحابته في استثمارهم جزء من الوقت الذي قد يضيعه بعض الناس في النوم الزائد على الحاجة: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ).

  • ومثال آخر يدل على عِظم استثمار الوقت في حياة المسلم في نفع الناس وإيصال الخير إليهم (دعوة النبي وجهاده)، فكم استغرقت غزواته وسراياه صلى الله عليه وسلم؟

أولاً: الغزوة كانت بقيادة النبي، وعددها 28 غزوة، قام القتال في تسع غزوات فقط، و19 غزوة حققت أهدافها بدون قتال، واستغرق النبي محمد في جميع غزواته سبع سنين من بعد الهجرة، وأول غزوة كانت «وادَّان» وآخرهم كانت «تبوك»، الغزوة الأولى كانت في السنة الـ 2هـ، والغزوة الأخيرة كانت في السنة التاسعة للهجرة.

ثانيًا: السَّرايا كانت بقيادة الصحابة، وعددها 47 سريَّة، واستغرقت هذه السرايا تسع سنين، وعدد قادتها 37 منهم من قام بسرية واحدة ومنهم من قام بأكثر من سرية.

يضيع وقت الإنسان في شيئين

إدارة الوقت

أولًا: كل توظيف غير ملائم لوقت الفرد هو مضيع للوقت، فالمدير يضيع وقته عندما ينفقه على العمل ذي الأهمية الأقل، وقد كان يجدر به أن ينفقه على الأهم فالأهم، والأهمية هنا مقاسة بمدى تحقيق أنشطة المدير لأهدافه.

ثانيًا: بالرغم من أن جميع مضيعات الوقت يمكن التماس مُسوِّغ لها، إلا أن ما لا شك فيه أن جميع مضيعات الوقت يمكن أيضًا ترشيدها، بل استبدال أنشطة منتجة بها؛ ومن ثَمَّ فإن الفرد يبقى هو المسؤول عنها، ويبقى الحل في يده، فإدارة الوقت مفتاحها إدارة الذات، وإن عدم إدراك الحقائق لا يعني أنها غير موجودة، لذا، فإن سوء إدارة الوقت يجعل المدير غير فعّال.

ولكي نتفادى ضياع وقتنا علينا أن نتعظ من قول أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، فلما حضرته الوفاة استدعى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فأوصاه بكلمات منها: “إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، ولله في الليل حقٌ لا يقبله بالنهار، وإنها لا تُقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة”.

هذه كلمات همس بها الصدّيق في أذن الفاروق الذي سيحمل الأمانة من بعده؛ فلا بد له إذًا من أن يكون على بصيرة بتخطيط وقته وتنظيمه، وأن يرتب أولويّاته ويحدد أهدافه حسب أهميتها، وأن يقوم بكل عمل منوط به في وقته المخصص له، فالفريضة قبل النافلة وهكذا في سائر الأمور؛ فتخطيط المسلم لوقته وحسن استثماره من الأمور التي وصّى بها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وهو في سكرات الموت، وذلك لعلمه بأهمية الوقت وضرورة استثماره؛ لذا كان حثّه على حسن تنظيمه آخر ما تكلم به رضي الله عنه وأرضاه. وتلك قاعدة ثمينة يمكن تلخيصها بأنه:

ليس المهم أن يعمل الإنسان أي شيء في أي زمن، بل المهم أن يعمل العمل المناسب في الوقت المناسب.

ولذلك قال الإمام ابن عقيل: “إني لا يَحِلُّ لي أن أضيع ساعة من عمري، فإذا تعطل لساني من مذاكرة ومناظرة، وبصري من مطالعة، عملت في حال فراشي وأنا مضطجع، فلا أنهض إلا وقد يحصل لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم في عشر الثمانين أشدّ مما كنت وأنا ابن العشرين”.

ويُحذِّر القرآن الكريم المُفرِّطين في أوقاتهم، الذين يفوتهم العمل فيها، وينذرهم بالحسرة والندامة على ذلك التفريط يوم القيامة، قال تعالى حكاية عنهم: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى *يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي).

لماذا يحثنا الإسلام على تنظيم الوقت وإدارته؟

المسلم يسير في حياته منظمًا وقته وكل شؤونه من أجل ما أملاه عليه دينه في هذه الدنيا، ويتمثل هذا فيما يلي:

  • حــسن إعمار الأرض وتهذيبها.
  • إفادة الناس بالخير والصلاح.
  • تحقيق الهدف من الخلق وهو جعل الحياة كلها لله وفق مرادته منا.
  • حسن القيادة لأمم والشعوب.
  • إظهار عظمة الإسلام في صياغته للحياة وفهمه لها.
  • إقامة العدل بين الناس تقتضي حسن الإدارة والتنظيم.

وقد أبلغ الشاعر حين قال:

الوقتُ أغلى من الياقوتِ والذهبِ ** ونحن نَخسرهُ فـي اللهوِ واللعبِ

وسوف نُسأل عنه عند خالقِنا ** يوم الحسابِ بذاك الموقفِ النّشبِ

نلهـو ونلعـبُ والأيامُ مدْبِرةٌ ** تجريْ سراعاً تُجِدُّ السيرَ في الهربِ!

المصادر

  • عبد الوهاب، علي، مقدمة في الإدارة.
  • عسكر، سمير أحمد، أصول الإدارة.
  • أبو شيخة، نادر أحمد، إدارة الوقت.
  • أبو غدة، عبد الفتاح، قيمة الزمن عند العلماء.
  • فتح الباري، ابن حجر العسقلاني.
  • إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري، د. خالد بن عبد الرحمن بن علي الجريسي.
  • الوقت في حياة المسلم للشيخ القرضاوي.

محمد عبيد

أزهري مصري، باحث في العقائد والفلسفات.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى