مكانة المرأة في الإسلام من خلال نصوص الوحي وتطبيق المجتمع النبوي

تناولنا في المقال السابق بعض المقدمات للنظر في قضايا المرأة في الإسلام، وفي هذا المقال، نتناول مبحث مكانة المرأة في الإسلام من خلال نصوص الوحي والتطبيق العملي في المجتمع النبوي.

مقدمات عن مكانة المرأة في الإسلام

الأصل في محل النظر: الأصل أن ننظر فيما تضمنه الإسلام من إكرامٍ للإنسان المسلم؛ فهو تكريم للمرأة ضمنًا. لذا فإنه لا يصحُّ إفراد النظر فيما اختصت به المرأة دون الرجل من أحكام أو نصوص تفضيل، دون أخذ الأول في الاعتبار.

كسر التأطير الدنيوي: من مواضع النظر في مكانة المرأة أن ننظر فيما أتاح لها الإسلام من فرص للعمل فيما يتجاوز نطاق الدنيا فقط. كما أن الحقوق لا تُصرف في الإسلام بناءً على الاعتبارات الدنيوية فحسب، فهو يعطيها -تحت مظلة الإسلام الكبرى- حقيقة ما ينفعها، ويلغي ما كان مهلكةً لها في الآخرة، ولا يوقعها في وحل الحقوق الزائفة المجردة عن هذا المعنى.

معيار التفاضل: وجَّهَ الإسلام همة المسلم للعمل للآخرة، وجعل معيار التفاضل فيه بين كل الناس تحقيق الدرجات العالية. لذلك قال الله -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) [التحريم: 11]؛ لا لأنها امرأة، بل لسبقها في هذا الميدان.

بعض الجوانب الكاشفة لمكانة المرأة في الإسلام من جهة الاختصاص

المرأة في الإسلام

رفع مظالم الجاهلية: لا إنكارَ أنْ كان للمرأة في الجاهلية بعض الجوانب المعتبرة، إلا أنه -وبشكل عام- قد قُننت بعض القوانين والأنظمة الظالمة في حقها، مثل: وأد البنات، والحرمان من الميراث ونحوه. وكل ذلك قد جاء الإسلام بمحاربته وتحريمه.

اختصاصها بمزيد عناية: وردت في الشريعة توصيات خاصة بمزيد اهتمام وعناية في سياقات تشترك فيها الأنثى مع الذكر، مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: “من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن لهن كُنَّ له سترًا من النار”. [صحيح البخاري]، ومثل قوله في الحديث المشهور: “أمك ثم أمك ثم أمك”. وأيضًا من الأمثلة على ذلك الآية الواردة في شأن القذف: ‏(‏‏إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)‏‏ ‏[‏النور‏:‏ 23]. إذ نجد أنها قد وردت بصيغة الأنثى، مع أن المراد منها بالإجماع الذكر والأنثى، ذلك أن قذفهن أشنع في اعتبار الشرع من قذف الرجال.

أحكام الحماية الاستثنائية: ومن أهم ما يبرز ذلك ما حدث في قضية الحديبية؛ إذ أُبرم اتفاقٌ بين النبي -عليه الصلاة والسلام- والمشركين يقتضي من شروطه ردَّ مَن جاء إليه مسلمًا من مكة، فنزل قول الله -عز وجل- مستثنيًا من ذلك النساء. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الممتحنة:10].

أحكام التخفيف: وردت بعض أحكام التخفيف الخاصة بالنساء مراعاةً لضعفهن: كعدم وجوب الجهاد، والصلاةِ في المساجد. وليس ذلك التخفيف خاصًّا بالمسلمات فحسب، بل في أحكام غير المسلمات مثل أحكام أهل الذمة؛ إذ لا جزية على المرأة.

التوصية الخاصة للرجال بحقهن: مع أن الأمر بحسن الخلق في الإسلام شامل عام، قد جعل الإسلام في حق المرأة زيادةً في ذلك، إذ جعل من معايير التفاضل بين الرجال مدى إحسانهم وتعاملهم المنصف مع المرأة، بل الزيادة عن مجرد الإنصاف، وجاء ذلك في أوامر مكررة وبأساليب مختلفة، منها: “أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائِهم” [صحيح الترمذي].

ومنها ما ورد في خطبة الوداع المعروفة، إذ قام النبيّ خطيبًا في الناس، فاختصها بوصيةٍ فقال: “ألا واستَوصوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّما هُنَّ عوانٍ عندَكم، ليسَ تملِكونَ مِنهنَّ شيئًا غيرَ ذلِكَ، إلَّا أن يأتينَ بِفاحِشةٍ مبيِّنةٍ. فإنْ فعَلنَ فاهجُروهُنَّ في المضاجِعِ واضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مبرِِّحٍ، فإن أطعنَكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلًا. ألا وإنَّ لَكم على نسائِكم حقًّا، ولنسائِكم عليكم حقًّا ، فأمَّا حقُّكم على نسائِكُم فلا يوطِئنَ فُرُشَكم من تَكرَهونَ، ولا يأذَنَّ في بيوتِكم لِمن تَكرَهونَ، ألا وإنَّ حقَّهُنَّ عليكُم أن تُحسِنوا إليهِنَّ في كسوتِهنَّ وطعامِهِنَّ”.

المرأة في المجتمع النبوي

المرأة في الإسلام

أما المرأة في المجتمع النبوي -وتحت إشراف النبي عليه الصلاة والسلام- فقد كان لها أدوار ونماذج واسعة جدًّا. وهو موضوع ضخم، لا نحيط به جميعًا في هذه المادة، وإنما نذكر بعضًا منها محاولةً لتقريب الصورة.

ونستعرض في هذه المادة الحالة النسائية في المجتمع النبوي، لا لغرض تقرير الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة -فهذا سيأتي لاحقًا-، وإنما لننظر كيف تشكلت شخصية المرأة في ظل الرسالة، وبعض الأدوار التي كانت تؤديها، وتفاعلاتها وحركاتها في المجتمع؛ حيث نأخذ بذلك خطوةً -يُضاف إليها لاحقًا “جيل الصحابيات بعد النبي”- لإبراز النموذج الصحيح المتَّزن للمرأة المسلمة. لتعيد المرأة المسلمة المعاصرة صياغة مفهومها لنفسها وغاياتها، وتعلم كم هنالِك من مجالات سامية يمكن أن تعمل فيها، أعلى بكثير مما حُصرت فيه دعاوى اليوم، وبعيدًا عن الشوائب والانحرافات الناتجة من جرّاء ما يشهده الواقع المعاصر.

كذلك نلفت النظر إلى حالة الاتزان العجيبة التي كان المجتمع النبوي يتسم بها؛ فلم يكن واقعهم واقعًا منغلقًا متشددًا يحصر المرأة داخل المنزل، أو يعزلها تمامًا عن الرجال، ولا واقعًا مائعًا متسيِّبًا، لا يراعي مسألة الفتنة بين الجنسين.

 وسر ذلك أنه كان للمجتمع منظومة تشريعية وغاية يسير إليها، انتظمت تحت مظلتها أجزاء المواقف والأفعال -والتي قد تُرى متناقضةً- لتخدم تلك الغاية. ولذا فإنه لا بد من مراعاة الشمولية عند النظر في هذه المسألة، وأن تُضمّ تفاصيلها وأجزاؤها، دون اختزالها في جزء منها.

ومن المهم أن نعلم أن الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ينبغي أن يكون اقتداءً يراعي الشكل والمعنى، لذلك فإن الاشتراك في اللفظ بين واقعنا وواقع النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يعني الاشتراك في جميع معانيه؛ فعمل المرأة على سبيل المثال، له اليوم معانٍ ولوازم ليست كما كان في المجتمع النبوي، فلا يعني عمل المرأة في ذاك الوقت، جواز عملها في هذا الوقت بطريقة غير مشروطة، وأيًّا كانت صورة ذلك العمل، بل لا بد من مراعاة الحدود والضوابط.

أهم القضايا الكلية المرتبطة باهتماماتها

كان للمرأة في المجتمع النبوي قضايا كبرى عديدة مشغلة نذكر أهمها. وكما تقدم، فإن معرفة القضايا الكبرى المشغلة مهمٌ لفهم الأجزاء والتفاصيل قبل تفكيكها واستعمالها للاستدلال على مسائل وغايات خارج سياق الغاية الكبرى التي جاءت فيه. وتلك القضايا هي:

  • نصرة النبي عليه الصلاة والسلام، وهي الأكبر.
  • طلب العلم.
  • الامتثال والعمل بالعلم.

بعض الأدوار والجوانب للمرأة المسلمة

نستعرض هنا بعض الأدوار، وبعض الجوانب العملية المتعلقة بالمرأة من ناحية الحقوق، أو من ناحية التعلق سواء كمؤثرة أو متأثرة:

1-مؤازرة ودعم الدعاة والمصلحين:

كان من أعظم أدوار المرأة مؤازرة النبي والصحابة حسيًّا ونفسيًّا ومعنويًّا. ومما يظهر ذلك: موقف “خديجة” -رضوان الله عليها- وما عملته من عمل عظيم جدًّا في أشد مرحلة من مراحل الدعوة. وموقف “أسماء بنت أبي بكر” مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ “هيَّأت له لمَّا أراد الهجرَةَ سُفرَةً فاحتاجت إلى ما تشُدُّها به فشَقَّتْ خِمارَها نصفينِ، فشدَّتْ بنصفِهِ السُّفرَةَ، واتخذَتِ النِّصفَ الآخَرَ مِنطَقًا” [صحيح مسلم].

وكذا موقف “فاطمة” -رضي الله عنها-؛ إذ “كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُصَلِّي في ظِلِّ الكَعْبَةِ. فَقالَ أبو جَهْلٍ: ونَاسٌ مِن قُرَيْشٍ، ونُحِرَتْ جَزُورٌ بنَاحِيَةِ مَكَّةَ، فأرْسَلُوا فَجَاؤُوا مِن سَلَاهَا وطَرَحُوهُ عليه، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ، فألْقَتْهُ عنْه …إلى آخر الحديث” [صحيح البخاري]. وموقفها -رضي الله عنها- يوم أُحُد؛ إذ “جُرِحَ وَجْهُ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِمَتِ البَيْضَةُ علَى رَأْسِهِ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ بنْتُ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- تَغْسِلُ الدَّمَ، وَكانَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ عَلَيْهَا بالمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أنَّ المَاءَ لا يَزِيدُ الدَّمَ إلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ قِطْعَةَ حَصِيرٍ فأحْرَقَتْهُ حتَّى صَارَ رَمَادًا، ثُمَّ أَلْصَقَتْهُ بالجُرْحِ، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ” [صحيح البخاري].

وموقف “أم عطية”؛ إذ قالت: “غزوتُ معَ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- سبعَ غزواتٍ أخلُفُهم في رحالِهم وأصنَعُ لَهمُ الطَّعامَ وأداوي الجرحى وأقومُ على المرضَى” [صحيح مسلم]. وموقف “أم سليم” عند مؤازرتها لأبي طلحة عند وفاة ابنهما؛ فعن أنس -رضي الله عنهم- قال: “مَاتَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ، مِن أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقالَتْ لأَهْلِهَا: لا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بابْنِهِ حتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ قالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إلَيْهِ عَشَاءً، فأكَلَ وَشَرِبَ، فَقالَ: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ له أَحْسَنَ ما كانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلكَ، فَوَقَعَ بهَا، فَلَمَّا رَأَتْ أنَّهُ قدْ شَبِعَ وَأَصَابَ منها، قالَتْ: يا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لو أنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قالَ: لَا، قالَتْ: فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ … إلى آخر الحديث”.

وهجرتهن إلى الحبشة مع أزواجهن، على ما فيها من تركٍ لأسباب الراحة، إلى مصير مجهول في أرض غريبة، ومكثوا هنالك سبع سنين. حديث الرُّبَيِّعُ بِنتُ مُعَوِّذِ بنِ عَفْراءَ -رَضيَ اللهُ عنهما-؛ إذ قالت: “كُنَّا نَغْزُو مع رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: نَسْقِي القَوْمَ ونَخْدُمُهُمْ، ونَرُدُّ القَتْلَى والجَرْحَى إلى المَدِينَةِ” [صحيح البخاري].

موقف “أم سليم” إذ “اتَّخَذَتْ يَومَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا، فَكانَ معهَا، فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، هذِه أُمُّ سُلَيْمٍ معهَا خِنْجَرٌ، فَقالَ لَهَا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: ما هذا الخِنْجَرُ؟ قالَتْ: اتَّخَذْتُهُ إنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ، بَقَرْتُ به بَطْنَهُ، فَجَعَلَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يَضْحَكُ، قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، اقْتُلْ مَن بَعْدَنَا مِنَ الطُّلَقَاءِ انْهَزَمُوا بكَ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: يا أُمَّ سُلَيْمٍ، إنَّ اللَّهَ قدْ كَفَى وَأَحْسَنَ” [صحيح مسلم].

2-المسؤولية الذاتية في تحمل تبعات القرارات المصيرية المتعلقة بالدين:

ومن ذلك موقف “أم سليم” في تحملها المسؤولية الفردية في إسلامها مقابل كفر زوجها الأول “مالك ابن النضر”، مع مناقشته لها ومحاولة جرها للكفر. وموقف “أم حبيبة” في ثباتها مقابل ارتداد زوجها “عبيد الله بن جحش”. وموقف المهاجرات بعد صلح الحديبية، وهو من أعجب المواقف، ومنهن “أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط”، وهو من أعتى المشركين وأشدهم عداءً للنبي؛ فقد خرجت مهاجرة وهي عاتق، أيْ كانت تقريبًا في سن السادسة أو الخامسة عشر، وجاء أهلها يطالبون بها فلم يردَّها النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم. وموقف “سمية بنت خياط” الشهير، وصمودها العجيب مع ما لاقتْه من تعذيب. هو من أشد وأشنع التعذيب لتكفر، فأبت حتى ماتت.

3-الدعوة إلى الله تعالى:

ومن ذلك موقف “فاطمة بنت الخطاب” في دعوة أخيها “عمر بن الخطاب” للإسلام. وموقف صاحبة المزادتين في القصة الطويلة في صحيح ابن حبان، إذ دعت قومها فأجابوها وأسلموا.

المرأة في الإسلام

4-طلب العلم:

يتمثل في صور متعددة منها: الاستفتاء المباشر وغير المباشر، وهو أبرزها. ومن ذلك: حديث عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-؛ إذ قالَتْ: “نعمَ النِّساءُ نساءُ الأنصارِ لم يمنعهنَّ الحياءُ أن يتفقَّهنَ في الدِّينِ” [صحيح ابن ماجة]. وورد أن النساء قالت للنبي -عليه الصلاة والسلام-: “غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِن نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وأَمَرَهُنَّ، فَكانَ فِيما قَالَ لهنَّ: ما مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِن ولَدِهَا، إلَّا كانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ: واثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: واثْنَتَيْنِ” [صحيح البخاري].

وجاء عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنْ قال: “شَهِدْتُ صَلَاةَ الفِطْرِ مع نَبِيِّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ يَخْطُبُ. قالَ: فَنَزَلَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ، حتَّى جَاءَ النِّسَاءَ، وَمعهُ بلَالٌ، فَقالَ: يا أَيُّهَا النبيُّ (إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ علَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ باللَّهِ شيئًا) [الممتحنة:12]، فَتَلَا هذِه الآيَةَ حتَّى فَرَغَ منها، ثُمَّ قالَ حِينَ فَرَغَ منها: أَنْتُنَّ علَى ذَلِكِ؟ فَقالتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا منهنَّ: نَعَمْ، يا نَبِيَّ اللهِ لا يُدْرَى حِينَئِذٍ مَن هي، قالَ: فَتَصَدَّقْنَ، فَبَسَطَ بلَالٌ ثَوْبَهُ، ثُمَّ قالَ: هَلُمَّ فِدًى لَكُنَّ أَبِي وَأُمِّي، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الفَتَخَ، وَالْخَوَاتِمَ في ثَوْبِ بلَالٍ” [صحيح مسلم].

5-حرص الصحابيات على حضور مقامات النبي -عليه الصلاة والسلام-:

ومن ذلك موقف “أم سلمة”، قالت -رضي الله عنها-: “كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَذْكُرُونَ الحَوْضَ، وَلَمْ أَسْمَعْ ذلكَ مِن رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا كانَ يَوْمًا مِن ذلكَ، وَالْجَارِيَةُ تَمْشُطُنِي، فَسَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يقولُ: أَيُّهَا النَّاسُ فَقُلتُ لِلْجَارِيَةِ: اسْتَأْخِرِي عَنِّي، قالَتْ: إنَّما دَعَا الرِّجَالَ وَلَمْ يَدْعُ النِّسَاءَ، فَقُلتُ: إنِّي مِنَ النَّاسِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: إنِّي لَكُمْ فَرَطٌ علَى الحَوْضِ، فَإِيَّايَ لا يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ فيُذَبُّ عَنِّي كما يُذَبُّ البَعِيرُ الضَّالُّ، فأقُولُ: فِيمَ هذا؟ فيُقَالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: سُحْقًا” [صحيح مسلم].

6- المناقشة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-:

وكنَّ يناقشن النبي -عليه الصلاة والسلام- تفصيلًا واستزادةً للخير. ومن ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِن ولَدِهَا، إلَّا كانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ: واثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: واثْنَتَيْنِ” [صحيح البخاري]. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ليسَ أحَدٌ يُحاسَبُ إلَّا هَلَكَ. قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أليسَ اللَّهُ يقولُ: حِسابًا يَسِيرًا؟ قالَ: ذاكِ العَرْضُ، ولَكِنْ مَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ” [صحيح مسلم]. وأمثلة الاستفتاء كثيرة وهي قضية كبرى، ومما يثبتها مقدار ما تمَّت روايته من جهة النساء بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-.

7- الامتثال والعمل بالعلم:

ومن ذلك حديث عائشة -رضيَ اللَّهُ عنها-؛ إذ قالَت: “يَرحَمُ اللَّهُ نساءَ المُهاجراتِ الأُوَلَ، لمَّا أنزلَ اللَّهُ: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شقَّقنَ أكنف مروطَهُنَّ فاختمرنَ بِها” [صحيح أبي داود]. ومنه موقف المؤمنين -ومنهم النساء- عند نزول تحريم الخمر؛ إذ أسيلت سواقي الخمر في المدينة. وعن عائشة -رضي الله عنها-: “كُنَّ نِسَاءُ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مع رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- صَلَاةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ، لا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسِ) [صحيح البخاري].

8- المطالبة بما يردن:

ومن ذلك موقف بعض النساء إذ قُلنَ: “يَا رَسولَ اللَّهِ، نَرَى الجِهَادَ أفْضَلَ العَمَلِ، أفلا نُجَاهِدُ؟ قالَ: لَا، لَكِنَّ أفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ” [صحيح البخاري]. وإذ قُلنَ: “غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِن نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وأَمَرَهُنَّ، فَكانَ فِيما قَالَ لهنَّ: ما مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِن ولَدِهَا، إلَّا كانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ: واثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: واثْنَتَيْنِ” [صحيح البخاري]. وما يتبين في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم-: “لقد طافَ بآلِ محمَّدٍ نِساءٌ كثيرٌ يَشكونَ أزواجَهُنَّ ليسَ أولئِكَ بخيارِكُم”. [صحيح أبي داود].

ومن أهم المواقف: “بَلَغَنَا مَخْرَجُ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ونَحْنُ باليَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إلَيْهِ أنَا وأَخَوَانِ لي أنَا أصْغَرُهُمْ، أحَدُهُما أبو بُرْدَةَ، والآخَرُ أبو رُهْمٍ، إمَّا قالَ: بضْعٌ، وإمَّا قالَ: في ثَلَاثَةٍ وخَمْسِينَ، أوِ اثْنَيْنِ وخَمْسِينَ رَجُلًا مِن قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فألْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إلى النَّجَاشِيِّ بالحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بنَ أبِي طَالِبٍ، فأقَمْنَا معهُ حتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وكانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يقولونَ لَنَا، يَعْنِي لأهْلِ السَّفِينَةِ: سَبَقْنَاكُمْ بالهِجْرَةِ، ودَخَلَتْ أسْمَاءُ بنْتُ عُمَيْسٍ، وهي مِمَّنْ قَدِمَ معنَا، علَى حَفْصَةَ زَوْجِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- زَائِرَةً، وقدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إلى النَّجَاشِيِّ فِيمَن هَاجَرَ، فَدَخَلَ عُمَرُ علَى حَفْصَةَ، وأَسْمَاءُ عِنْدَهَا، فَقالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أسْمَاءَ: مَن هذِه؟

قالَتْ: أسْمَاءُ بنْتُ عُمَيْسٍ، قالَ عُمَرُ: الحَبَشِيَّةُ هذِه البَحْرِيَّةُ هذِه؟ قالَتْ أسْمَاءُ: نَعَمْ، قالَ: سَبَقْنَاكُمْ بالهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أحَقُّ برَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مِنكُمْ، فَغَضِبَتْ وقالَتْ: كَلَّا واللَّهِ، كُنْتُمْ مع رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، ويَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وكُنَّا في دَارِ -أوْ في أرْضِ- البُعَدَاءِ البُغَضَاءِ بالحَبَشَةِ، وذلكَ في اللَّهِ وفي رَسولِهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وايْمُ اللَّهِ لا أطْعَمُ طَعَامًا ولَا أشْرَبُ شَرَابًا، حتَّى أذْكُرَ ما قُلْتَ لِرَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ونَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى ونُخَافُ، وسَأَذْكُرُ ذلكَ للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وأَسْأَلُهُ، واللَّهِ لا أكْذِبُ ولَا أزِيغُ، ولَا أزِيدُ عليه. فَلَمَّا جَاءَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَتْ: يا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ عُمَرَ قالَ: كَذَا وكَذَا؟ قالَ: فَما قُلْتِ له؟

قالَتْ: قُلتُ له: كَذَا وكَذَا، قالَ: ليسَ بأَحَقَّ بي مِنكُمْ، وله ولِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ واحِدَةٌ، ولَكُمْ أنتُمْ – أهْلَ السَّفِينَةِ – هِجْرَتَانِ، قالَتْ: فَلقَدْ رَأَيْتُ أبَا مُوسَى وأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أرْسَالًا، يَسْأَلُونِي عن هذا الحَديثِ، ما مِنَ الدُّنْيَا شيءٌ هُمْ به أفْرَحُ ولَا أعْظَمُ في أنْفُسِهِمْ ممَّا قالَ لهمُ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، قالَ أبو بُرْدَةَ: قالَتْ أسْمَاءُ: فَلقَدْ رَأَيْتُ أبَا مُوسَى وإنَّه لَيَسْتَعِيدُ هذا الحَدِيثَ مِنِّي” [صحيح البخاري]. ونلحظ هنا هذا الشحن الإيماني عندها، والذي أنتج هذه القضية المشغلة وهي: من أحق بالنبي؟

الجوانب الاجتماعية

المرأة في الإسلام

من ذلك ما حكت عنه عائشة -رضي الله عنها-؛ إذ كان “يَلْعَبُ السُّودانُ بالدَّرَقِ والحِرابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وإمَّا قالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، فأقامَنِي وراءَهُ، خَدِّي علَى خَدِّهِ، وهو يقولُ: دُونَكُمْ يا بَنِي أرْفِدَةَ حتَّى إذا مَلِلْتُ، قالَ: حَسْبُكِ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: فاذْهَبِي” [صحيح البخاري]. ويُرى من ذلك حضورها لهذه المناسبة الاجتماعية.

ونجد مشاركة النبي الأنصار بعض مناسباتهم الاجتماعية. ومنها ما كان يحدث فيها من مواقف بين النبي -عليه الصلاة والسلام- والنساء، يكون فيها كلام أو مواقف عملية، من ذلك “لمَّا عرَّس أبو أُسَيْدٍ السَّاعديُّ دعا رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وأصحابَه ثمَّ صنَع لهم طعامًا. وما قرَّبه إليهم إلَّا امرأتُه أمُّ أُسَيدٍ. وبلَّتْ تُميراتٍ مِن اللَّيلِ في تَوْرٍ مِن حجارةٍ. فلمَّا فرَغ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أتَتْه به فسَقَتْه تخُصُّه بذلك” [صحيح البخاري]. مِن أهل العلم مَن قال إن ذلك كان قبل الحجاب، وبعضهم قال بعده مع اشتراط الستر.

والجانب الاجتماعي هو من المواضيع الواسعة جدًّا، ونختصر القول بأنه كان للمرأة حضور في القضايا الاجتماعية المرتبطة بوجودها، ولم تكن متاثرةً فقط، بل مؤثرة.

المراعاة النفسية

ومن ذلك قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “إنِّي لَأَدْخُلُ في الصَّلَاةِ، فَأُرِيدُ إطَالَتَهَا، فأسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فأتَجَوَّزُ ممَّا أَعْلَمُ مِن شِدَّةِ وجْدِ أُمِّهِ مِن بُكَائِهِ” [صحيح البخاري]. وهذا الموقف هو مراعاة من وجهة، ومن جهة يمكن عدُّه مشاركةً اجتماعيةً، وإن كان الحدث تعبديًا. وما ورد عن “خنساء بنت خدام”: “أنَّ أبَاهَا زَوَّجَهَا وهْيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذلكَ، فأتَتْ رَسولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فَرَدَّ نِكَاحَهُ” [صحيح البخاري].

وما ورد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: “أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً” [صحيح البخاري].

قال “ابن حجر” -رحمه الله-: “قولها: (ولكني أكره الكفر في الإسلام) أيْ: أكره إن أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر. وكأنها أشارت إلى أنها قد تحملها شدة كراهتها له على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه، وهي كانت تعرف أن ذلك حرام ، لكن خشيت أن تحملها شدة البغض على الوقوع فيه، ويحتمل أن تريد بالكفر كفران العشير، إذ هو تقصير المرأة في حق الزوج”. انتهى باختصار من “فتح الباري” (9/ 399).

عمل المرأة في الإسلام

ومن ذلك ما روي عن جَابِرَ بنَ عبدِ اللهِ أنه قالُ: “طُلِّقَتْ خَالَتِي، فأرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فأتَتِ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فَقالَ: بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ، فإنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا” [صحيح مسلم]. الزجر عن الخروج هنا لكونها في العدة. وللفقهاء ضوابط فقهية في قضية الخروج في العدة،، بعضهم يشترط أن يكون نهارًا ولحاجة.

وما روي عن “أسماء بنت بكر” أنها قالت: “كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِن أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتي أَقْطَعَهُ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- علَى رَأْسِي، وهي مِنِّي علَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ وقالَ أَبُو ضَمْرَةَ، عن هِشَامٍ، عن أَبِيهِ: إنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِن أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ” [صحيح البخاري].

ومنها “أنَّ جاريةً لكَعبِ بنِ مالِكٍ كانت تَرعَى غَنَمًا له بسَلْعٍ، فعَرَضَ لشاةٍ منها، فخافتْ علَيها، فأَخَذَتْ لِخافةً مِن حَجَرٍ، فذَبَحَتْها بها. فسألُوا النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عن ذلكَ، فأَمَرَهُم بأَكْلِها” [تخريج المسند].

وعن عائشة أنها قالت: “قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسرعكن لحاقًا بي أطولكن يدًا. قالت فكُنَّ يتطاولن أيتهن أطول يدًا. قالت فكانت أطولنا يدًا زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق” [صحيح مسلم].

وختامًا نذكّر أن المرأة كانت في المجالات والفضاءات التي تتحرك فيها مراعيةً لمقاصد الإسلام؛ خاصةً الأماكن التي فيها الرجال، حيث كانت توجد نقاط تماس وتعامل، لكن مع وجود ضوابط. وكما لحظنا فيما ذُكر، كُنَّ يخرجن معهم ويداوين الجرحى، وكُنَّ يستفتين ويسألن مباشرةً، ويحضرن الصلوات والمقامات، ويسمع الرجال منهن الحديث الشريف كما تقدم في قول أسماء بنت عميس “رَأَيْتُ أبَا مُوسَى وأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أرْسَالًا، يَسْأَلُونِي عن هذا الحَديثِ”. كل ذلك كان مع مراعاة الستر، وعدم الخضوع بالقول، وسرعة الانصراف عند الفراغ من الصلاة. وبذلك كان التوازن أبرز سمات المجتمع النبوي، حيث كانت السعة والضوابط في نفس الوقت، وهذا ما كان النبي -صلى الله عليه وسلّم- يؤسس له.

في المقال القادم تتمة لهذا المبحث، وهو مبحث “الصحابيات بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- في التعليم وخدمة الإسلام”، إضافة إلى ” المرأة في الإسلام وخارطة مسؤولياتها”.

المصادر

هذه المادة مستفادة من سلسلة “التأصيل المنهجي لقضايا المرأة في الإسلام” لصاحبها الأستاذ/ أحمد السيد.

تهاني علي النعمي

طالبة علاج طبيعي، مهتمة بالمطالعة والقراءة، وأكتب مما تعلمت سطورًا في تبيان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى