قوة العادات.. كيف تصنع أفضل نموذج منك؟

تحرير: عبد المنعم أديب

شخصية الإنسان -كما يقول علماء النفس وخبراء التنمية الذاتية- هي مجموعة من العادات. “فشخصيتنا هي في أساسها مجموعة مركبة من العادات” اغرسْ فكرة، احصد فعلًا. اغرس فعلًا، احصد عادة. اغرس عادة، احصد شخصية. اغرس شخصية، احصد مصيرًا”. هكذا تمضي الحكمة الشائعة.

والعادة ببساطة كما يقول “جاك كانفيلد” في كتابه ” قوة التركيز”: “ذلك الشيء الذي تفعله كثيرًا، حتى يصبح أمرًا سهلًا”. أو بعبارة أخرى “هي سلوك تداوم على تكراره، فإذا ما داومت بإصرار على اتباع سلوك جديد، فإن إتيانه يصبح أمرًا لا إراديًّا في آخر الأمر”.

والعادة هي: الأمر الذي يتكرر بانتظام في حياة الإنسان، بوعي أو بغير وعي، بإرادة وبغير إرادة. أحيانًا بإملاء من العقل الظاهر، وأحيانًا بإملاء من العقل الباطن.

ويرى خبراء النفس أن 90% من سلوكياتنا المعتادة تعتمد على العادات؛ فالكثير من أنشطتنا اليومية هي ببساطة أعمال روتينة، فمنذُ اللحظة التي تنهض فيها من فراشك في الصباح، حتى اللحظة التي تأوي فيها إليه في الليل؛ هناك مئات الأشياء تقوم بفعلها بالطريقة نفسها كل يوم.

وهذه الأشياء تضم الطريقة التي ترتدي بها ملابسك، وتستعد بها ليومك، وتتناول بها إفطارك، وتطالع بها الجريدة، وتقود بها سيارتك إلى عملك، وتلقي بها التحية على الآخرين، وتحدد بها مواعيدك، وتعمل بها على المشروعات المهمة. هذه الأنشطة التي تقوم بها منذ سنوات، أصبحت مجموعة من العادات الراسخة بشكل قوي، تؤثر وتحيط بكل جانب من جوانب حياتك؛ بما فيها عملك، وأسرتك، ودخلك وصحتك وعلاقاتك. ومجموع هذه العادات تحدد الطريقة التي تسير بها حياتك، وملامح مستقبلك”. جاك كانفيلد: قوة التركيز، صـ 17.

فيديو يشرح اكتساب العادات:

وقد نقل “تشارليز دويج” في كتابه “قوة العادات” عن باحث في جامعة “ديوك” الأمريكية في عام 2006م “أن 40% من الأفعال التي نقوم بها في حياتنا اليومية هي عبارة عن عادات ليس لها علاقة بهَلْ فكَّرْنا بها أمْ لا. تمَّ اكتسابها بشكل تراكمي حتى أصبحت روتين”. صـ13

وما قاله علماء النفس وخبراء التنمية الذاتية ليس أمرًا بدعًا في البحث العلمي، بل قاله علماؤنا الأقدمون. حيث يقول “ابن قيِّم الجوزية” في كتابه “الداء والدواء”: “الخطرة تنقلب وسوسةً، والوسوسة تصير إرادةً، والإرادة تقوى فتصير عزيمةً، ثمَّ تصير فعلًا، ثم تصير صفةً لازمةً وهيئةً ثابتةً راسخةً” صـ 99.

ويقول أيضًا: “دَافِعْ الخطرةَ فَإِنْ لمْ تفعل صَارَت فكرةً. فدافِعْ الفكرة، فإنْ لم تفعل صَارَت شَهْوَة. فحارِبْها فَإِنْ لم تفعل صَارَت عَزِيمَةً وهِمَّةً، فَإِنْ لم تدافِعْها صَارَت فعلًا، فَإِن لم تتداركه بضدّه صَار عَادَةً، فيصعب عَلَيْك الِانْتِقَال عَنْهَا”. كتاب الفوائد صـ 31.

ويقول “الراغب الأصفهاني” (المتوفى: 502هـ): “وأما العادة: فاسم لتكرير الفعل أو الانفعال، من عاد يعود. وبها يكمل الخلق، وليس للعادة فعل إلا تسهيل خروج ما هو بالقوة في الإنسان إلى الفعل (1)” صـ 97.

ما من شك أن العادات السلبية يمكنها أن تؤثر بشكل كبير في شخصية الإنسان، وطريقة تفكيره. ومن هذه العادات على سبيل المثال: أن تستسلم لآراء الآخرين فيك، بالاعتقاد أن رأي الآخرين بك هو واقعك، أن تتصف بعادات المماطلة، التأجيل، الكسل، أن تقارن نفسك مع الآخرين فتُصاب بالإحباط، أن تكون لديك أفكار رائعة دون وجود النية لتنفيذها، الخوف من الانتقاد، الخوف من الفشل… إلخ.

“تذكر أنَّ ما تختار أداءه تكرارًا سيُصبح بالنتيجة عادةً، من الصعب التخلي عنها. فإذا اخترت أن تبدأ نهارك بمهمات ذات قيمة منخفضة، فسوف تُطوِّر حالًا عادةَ الاستمرار بالبدء بالمهمات ذات القيمة المنخفضة. وليس هذا نوع العادة التي ترغب بتطويرها أو الاستمرار فيها”.

كما أن اكتساب العادات الإيجابية مثل التواصل والتأثير والتخطيط والتنظيم واتخاذ القرار… تُكتسب بالتدرُّب والتمرُّن والصبر. فبناء أي عادة يحتاج إلى وقت، وعلماء النفس يحددون أحدًا وعشرين يومًا لبناء العادات. وطبعًا يعتمد ذلك على نوع العادة؛ فإذا كانت سهلة، ويسيرة احتاج الأمر إلى أسبوعين أو ثلاثة، وقد تكون العادة معقدة ومركبة وقد يتطلب هذا الأمر إلى عدة شهور. لكن طباع البشر مختلفة، والعادات نفسها مختلفة عن بعضها؛ فمنها ما يحتاج لقوة إرادة عالية، والبعض لا يحتاج. ومن الممكن أن بعض الأشخاص يحبطون عندما يمر الوقت المحدد.

إذن “خذوا في حُسبانكم أن كل ما تفعلونه يؤثر على الشخص الذي تصيرونه. وهو ما يحدد في نهاية المطاف الحياة التي ستبتكرونها أخيرًا وتعيشونها” هال إلرود، معجزة الصباح، صـ 77.

إن مسألة الاعتياد تجعل الإنسان يكسب عادات حسنة جميلة، أو يتخلى عن عادات سيئة. ويجعله هذا مُؤثرًا في شخصيته؛ بحيث يكون الخير عادة عنده جزءًا من شخصيته. العادة دافع إضافي، مثلاً: يعتاد الإنسان على صلاة الجماعة في المسجد، أو يعتاد على صلاة الوتر قبل أن ينام، أو يعتاد على أن يقرأ حِزبًا أو حزبين من القرآن في كل يوم، أو يعتاد على صلة الأقارب والأرحام، أو على بر الوالدين، أو يعتاد على قراءة عدد من الصفحات لكتاب ما.

أفضل الأشياء أن يحول الإنسان عاداته إلى عبادات، وليس العكس، بمعنى أنه حتى ما تفعله بمقتضى العادة، تحاول أن تستجمع وتستحضر فيه النية. والعبادة تصبح عادة بمعنى التكرار والمداومة، لا بمعنى أنها تحولت إلى مجرد عادة بلا فهم ولا تدبر.

 وقد تحدث “تشارليز دويج” (Charles Duhigg) في كتابه “قوة العادات” عن القاعدة الذهبية لتغيير العادات، تلك القاعدة مبنية على خطوتين، لتغيير العادة: يجب أولًا أن نحدد مكونات حلقة العادة التي هي الدليل والروتين والمكافأة. ثم نقوم بتغيير جزء واحد فقط في الحلقة. وأسهل جزء يمكن تغييره في تلك الحلقة هو الروتين.

خذ مثالًا عادة “القراءة”؛ فإذا بدأت بقراءة فقط 10 صفحات، فإنك تستطيع قراءة كتاب من حجم 300 صفحة كل شهر، والنتيجة -كما يقول ” جاك كانفيلد “-: “إذا قرأت كتابًا واحدًا كل شهر، في النشاط أو المجال الذي تعمل فيه؛ ففي عشر سنوات تكون قد قرأت مائة وعشرين كتابًا. وهو الأمر الذي سوف يجعلك من الصفوة في مجالك”. قوة التركيز، صـ 28.

لذلك لا داعي للتسويف والمماطلة في البدء بالعادات الإيجابية، والأعمال المهمة والمفيدة.

قِيلَ لرجلٍ من عبد القيس: أَوْصِ، فقال: احذروا (سوف). وقال “عمر بن عبد العزيز” -رحمه الله-: فَدَحَنِي عملُ يومٍ واحد، فكيف إذا اجتَمَع عليَّ عملُ يومين؟”. “سيرة عمر بن عبد العزيز”، لابن عبد الحكم صـ57.

إذن يجب أن تبذلوا 100% من جهدكم يوميًّا. وما تقصرون في بذله اليوم، لن تعوضوه غدًا. فإذا بذلتم 75% اليوم، فلن تستطيعوا بذل 125% من جهدكم في اليوم التالي.

وأحد مفاتيح الحياة الرائعة، والسيرة الناجحة والشعور بالمتعة حيال ذلك؛ هو أن تطور عادة بدء وإنهاء الأعمال الهامة. إن هذا السلوك سَيَقْوَى ويصبح لك عادةً، وستجد من الأسهل إنهاء الواجبات المهمة.

لا تَنْسَ .. ابدأ الآن، وليس غدًا.

المصادر

يقصد “الراغب الأصفهاني” بقوله: “تسهيل خروج ما هو بالقوَّة في الإنسان” أيْ ما هو قدرةٌ كامنة في الإنسان، ويقصد بقوله: “إلى الفعل” أيْ إلى حيِّز الفعل الحقيقيّ التامّ. وغالب الفلاسفة وأهل الفكر يفرِّقون بين “القدرة بالقوَّة” و”القدرة بالفعل” أيْ القدرة الكامنة في الإنسان (الإنسان يستطيع الكتابة)، وبين القدرة حين تحقُّقها في شكل فعل (الإنسان قد كتب). (المحرِّر).

د. لحرش عبد السلام

أستاذ باحث، وكاتب ومُدوِّن مغربي، دكتوراه في الدراسات الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى