النظام الملكي في الإسلام

لم يكن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ملِكاً رسولا، بل عبداً رسولا، فعَنْ جَرِيرٍ، أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ-صلى الله عليه وسلم-بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَقْبَلَتْهُ رِعْدَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ” هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ ” [المعجم الأوسط للطبراني/ 1260]  وفي رسائله للملوك والجبابرة كان يكتب: من محمد “عبد الله ورسوله” .

وبذلك لم يكن هناك أي وجود شرعي للنظام الملكي الوراثي في الأمة المسلمة، وأصبح نظامها السياسي قائماً على أساس الخلافة عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بغض النظر عن النسب، والقبيلة، بل القوي الأمين، المقيم لكتاب الله، ولو كان عبداً حبشياً.

ولو كان النبي-صلى الله عليه وسلم-ملِكاً رسولا، كان بالتبع سينتقل هذا الملك لذريته، وفي هذه الحالة سيؤول إلى آل البيت: وهم الحسن بن علي، فجده النبي-صلى الله عليه وسلم-أو إلى أبيه عليّ بن أبي طالب-كرّم الله وجهه-ثم إلى الحسين بن علي، ولا شك أن البعض نظر إلى علي أنه الأحق بالخلافة لنسبه من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فضلاً عن فضائله ومناقبه.

فكانت بعض قبائل اليمن تنظر إليه على أنه الأحق بالخلافة فقط لنسبه، وقد تعودوا على حكم الملوك وأبنائهم… وكان بعض شيعته في المدينة ينظرون إلى أحقيته من باب الفضائل والمناقب.

كيف تعامل الصحابة مع قضية الخلافة؟

ولكن الصحابة عموماً نظروا إلى الأمر بحرية واختيار… فالنسب لا يؤهل وحده للخلافة، والمناقب ليست محصورة في علي وحده، وهناك اعتبارات أخرى قد تكرهها قريش في عليٍ على ما فعله يوم بدر في المشركين…. إلخ، ومن ثَم كانت خلافة أبو بكر فعمر فعثمان فعلي أقوى دليلاً على أنه لا اعتبار للنظام الملكي في الإسلام، ولا قيمة للنسب في تحديد خليفة المسلمين-أو حاكمهم-ومن ثم فليس هناك أدنى اعتبار لذرية الحكام في كونها أحق بشيء في حكم المسلمين، أو أنها يحق لها أن تستأثر بشيء.

ومن ثم أيضاً سيصبح حديث الولاية في قريش ليس على إطلاقه… إنما هو مقيد بعلته، وهو اجتماع كلمة الجزيرة العربية على فضل وشرف قريش وقبول رياستها، ومرتبط بمدى استقامة قريش على الحق والعدل، وليس لمجرد نسبها… ولو كان الأمر مجرد النسب، لكنت أسرة علي بن أبي طالب الأعلى نسباً وشرفاً ومكانة، وهي الأحق-ولا شك-بهذه الرياسة والخلافة؛ ويحتج الشيعة كثيراً بهذا الحديث لأنه يؤيد مسلكهم في التشيع لعلي وبنيه، ولكن-كما سبق القول-الأمر ليس له أي علاقة بالنسب، ولا بالقبيلة… لمجرد النسب، والشرف، بل هو اختيار حر قائم على إقامة كتاب الله، واجتماع أهل الفضل والحق والعدل على حاكم يقوم بكتاب الله، ولا يستأثر بشيء من السلطة أو المال لحسابه الخاص، أو لحساب أقربائه، ومتى انتهت صلاحية-أو شرعية-حكمه وولايته… يتم اختيار غيره وفق الظروف والآليات المناسبة لحال كل جيل.

معالم الخلافة الراشدة

  • الزهد في الحكم-وعدم الطمع فيه-مع الحرص على وحدة المسلمين.
  • الشورى فيما بينهم.
  • إقامة سلطان الدولة على الحق والعدل الرباني لا على القهر والغلبة… وقيام الجميع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فلا طغيان ولا جبرية ولا استكراه على طاعة.
  • تقويم الأمة للخلفاء عند الإساءة.
  • القيام بالحق، وقول الحق، والدفاع عن الحق، لا يخشى حاكم ولا رعية في الله لومة لائم.
  • عدم محاباة ذوي قرابة أو نسب.
  • عدم توريث الحكم لأبنائهم أو أقاربهم.
  • الدفع بالأكفأ والأفضل في ولاية الأمر.
  • مخالطة الناس بصورة مباشرة غير متكلفة، فلا مظاهر ملك ولا طغيان.
  • عدم الاستئثار بالمال دون المسلمين، أو أن يكون لهم أفضلية خاصة بهم، فهم مجرد أجراء ترعى مصالح الأمة وتخدمها.
  • القيام بالحق والعدل على مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
  • سياسة الأمور، وإنفاق المال بما يحقق مصلحة الإسلام، والأمة المسلمة جميعها.
  • فعالية الأمة، ومراقبتها.
  • الحرية في النقد، والمناقشة وإبداء الرأي.
  • مساءلة الحاكم والولاة عما يقع منهم.
  • الاتباع عن هدى وبصيرة، والإعذار عند المخالفة.
  • الطاعة المخلصة في المعروف، وفي القيام بالحق والعدل. وإنكار المنكر إن وجد.
  • شعور الحرية والكرامة والمساواة بين الناس.

الملك العضوض الغشوم الظالم!

وبعد انتهاء عصر الخلافة الراشدة، جاء عصر الملك العضوض الغشوم الظالم! والذي حصل فيه تبديل لسنة النبي-صلى الله عليه وسلم-وإتباع سنن أهل الكتاب في “النظام الملكي الوراثي” القائم على توريث السلطة، والاستئثار بالمال، واستعباد الأمة، وقهرها، فحصل انحراف شديد عن مقاصد الإسلام، ورسالته، وسنة نبيه-صلى الله عليه وسلم-في جانب “سياسة الحكم، وسياسة المال” وزعم الملوك أنهم خلفاء عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ولم يكونوا كذلك، فعن أي شيء خلفوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأين هي سنته في الحكم والمال ؟

وأمام الضغط والقهر والأمر الواقع… وبدلاً عن الإصرار على إنكار هذه البدعة الشنيعة، والفرية القبيحة… حاول بعض الفقهاء إيجاد المخارج الشرعية لهذا النظام الظالم المستبد! بل جعلوا هذه البدعة سنة محمد صلى الله عليه وسلم!! ومن ثم أفسدوا “التصور السياسي الإسلامي” وغرقت الأمة في ظلمات الملك العضوض، فالملك الجبري، حتى وصلت إلى ما نحن عليه الآن ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولخطورة وعظم وأثر هذا الأمر على الأمة المسلمة، كان وجود الصلحاء من الملوك-والذي كان يأتي كيفما اتفق، لا عن إرادة الأمة ورغبتها-يؤثر تأثيراً إيجابياً عظيماً في الأمة، ويرد إليها الروح الحقيقية للإسلام، كما حصل في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، وهو يستحق-رحمه الله-لقب الخلافة، لأنه خلف رسول الله-صلى الله عليه وسلم-في إتباع سنته في سياسة الحكم والمال، فخلع نفسه حتى اختاره الناس، ورد الحقوق إلى أهلها، وأقام الحق والعدل في نفسه وعشيرته أولاً قبل أن يقيمه في الناس، ولذلك استحق الثناء الحسن على مدار التاريخ.

وإن الأمور الإيجابية في الملك العضوض، كالدفاع عن الأمة المسلمة من الأخطار الخارجية، ومحاولة نشر الدعوة الإسلامية…. إلخ، وفترات النور التي كانت تشرق على الأمة في عهد الصلحاء من الملوك، كلها لا تلغي حقيقة أن هذا النظام برمته بدعة شنيعة، وفرية قبيحة من أنزل الله بها من سلطان.

فكيف لأمة تحمل مشعل الحرية، والتحرر من طغاة وطواغيت الأرض… أن تكون هي نفسها مُستعبدة، مُستذلة، مقهورة، مسلوبة الحقوق والإرادة من قِبل حفنة قليلة من البشر تشهر السيف في وجوههم، وتُطير رؤوس المعترضين على هذا الظلم والعدوان؟!!

لقد فسد التصور السياسي الإسلامي لدى الأمة من جانبين

الأول: من جانب التشيع لعليّ-كرم الله وجهه-والغلو في ذلك، حتى نشأت الفرق الباطنية، وأهل البدع من مختلف الأصناف.

الثاني: من جانب تبديل سنة النبي-صلى الله عليه وسلم-وإتباع سنن أهل الكتاب، والانحراف عن رسالة الإسلام ومقاصده، ثم شرعنة هذا الظلم والعدوان.

ثم التطاحن التاريخي بين الفريقين “غلاة الشيعة” و”غلاة الملك العضوض” ودفعت الأمة الثمن غالياً من: رسالتها، ومن حقوقها، ومن دمائها، ومن ثرواتها، وضرب بعضها رقاب بعض! وضاعت معالم الحق تحت أقدام الغلاة.

ومن بين هذين الفريقين خرج فريق ثالث-“الخوارج”-يرمي المسلمين بالشرك والردة، ويستحل دمائهم وأموالهم من أجل إقامة الحق بزعمهم، فأثخنوا جراح الأمة المكلومة!

واليوم… إذا أردنا إتباع السنة، وإذا أردنا أن نكون حقاً من “أهل السنة والجماعة” وإذا أردنا حقاً أن نكون على هدي الإسلام… علينا أن نصحح المفاهيم عن “التصور السياسي الإسلامي” وأن نتبرأ من بدعة “النظام الملكي الوراثي” وأن ننكر ظلم “الملك العضوض” الغشوم الظالم، وأن نستخلص معالم الرشد من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن منهج الذين خلفوا بحق رسول الله في أمته، وأقاموا الحق والعدل في أنفسهم وأهليهم أولاً… وفي الأمة من بعد ذلك.

أحمد طه

كاتب ومهتم بالشأن الإسلامي.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. الملك في القرآن والسنة عضوض ومحمود اما غشوم لا اعرف مقصدها وانت قسمت الامه بين شيعة ومتبع لملك عضوض وغشوم وخوارج واخترت ان تكون خارج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى