الثورة العربية الكبرى: أحداث وعبر من الانقلاب على الدولة العثمانية

أطلق الشريف الحسين بن علي حاكم مكة الرصاصة الأولى لما بات يُعرف بالثورة العربية الكبرى على الثكنة العثمانية في مكة يوم العاشر من شهر حزيران/يونيو عام 1916م؛ التي ساهمت في سقوط الدولة العثمانية وهزيمتها في الحرب العالمية الأولى،  وكان من نتائجها إلغاء الخلافة الإسلامية، ومنصب الخليفة الذي استمر منذ عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى يوم الإثنين 27 رجب 1342هـ الموافق 3 آذار/مارس 1924م، هذا السقوط الذي أدى إلى تجزئة المشرق العربي بين الاحتلالين الإنجليزي و الفرنسي والذي كان من الأسباب الرئيسية أيضاً لوجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين .

فكيف بدأت هذه الثورة وماهي أسبابها؟ وما الأحداث التي أدت إلى انطلاقها؟ وكيف كان للتدخل الإنجليزي الدور الحاسم في انتصارها؟ وإلى ماذا انتهت؟!!

أولاً : أوضاع الدولة العثمانية الداخلية والخارجية قبيل الحرب العالمية الأولى

تولت جماعة الاتحاد و الترقي الحكم بعد انقلابهم على السلطان عبد الحميد الثاني فيما عرف بالانقلاب الدستوري عام 1908م ثم عزله ونفيهم إياه إلى سالونيك عام 1909م وتنصيب أخيه محمد الخامس رشاد سلطاناً شبه منزوع الصلاحيات، ثم استولت على مقاليد الأمور بشكل كامل بعد انقلاب عسكري في 23 كانون الثاني/يناير1913م والمعروف أيضاً بـانقلاب الباب العالي والذي أدى إلى الإطاحة بالحكومة الائتلافية (الوزارة التي كانت تحكم منذ 21 تموز/يوليو 1912 م) والصدر الأعظم كامل باشا من السلطة ومقتل وزير الحربية ناظم باشا وتنصيب أنور باشا مكانه، وبهذا تكون حكومة الباشوات الثلاثة قد بدأت حيث أن وزارة كامل باشا كانت قد أبعدت قيادة جمعية الاتحاد والترقي عن السلطة مؤقتا.

وكانت الأحداث تتسارع حول الدولة العثمانية التي تعيش حالة سيئة جداً من الصراعات الداخلية والتحزبات بين القوميات ضمن الأراضي العثمانية التي بدأت في التآكل فخسرت إقليم البوسنة والهرسك في تشرين الأول/أكتوبر 1908م  لصالح الإمبراطورية النمساوية-المجرية في ما عُرف بالأزمة البوسنية، ثم خسرت ليبيا عام 1911م وفقدت بعدها كامل البلقان في حربي البلقان الأولى و الثانية 1912-1913م وخرجت ألبانيا مستقلة كنتيجة للحرب عام 1913م وبذلك لم يتبقى للدولة العثمانية في الجانب الأوروبي إلا منطقة تراقيا الشرقية فقط التي استعادتها بعد حرب البلقان الثانية 1913م.

بعد انتهاء الحرب البلقانية كانت الدولة العثمانية قد خرجت مستنزفة بشكل كبير ومحرومة من جزء مهم من مواردها البشرية والمالية والاقتصادية فلهذا اتجه الاتحاديون إلى محاولة إعادة بناء الدولة والبحث عن سبل جديدة للبقاء فعملوا على تدعيم سلطتهم بشكل كبير وقمعوا أحزاب المعارضة ونفوا زعماءها وأعدموا الكثير من أعضائها .

ثانياً : بداية نشوء وتبلور الأفكار القومية

برزت في بداية العهد الجديد بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني 1909م عدة أمور وأحداث على الصعيد الداخلي كان من أهمها عودة من كان منفياً في الخارج من أعضاء تركيا الفتاة وعدد كبير من اللاجئين السياسيين الأرمن و البلغار وكذلك أتراك روسيا الذين وجدوا في فكرة اتحاد الشعوب التركية في مناطق آسيا الروسية القوة الضرورية لمقاومة خطر الجامعة السلافية التي ينادي بها القياصرة الروس، فظهر صراع كبير في الاتجاهات السياسية و الفكرية العامة و أخذت العاصمة إسطنبول تموج بالأفكار والتيارات الجديدة والتي كانت تنطلق بشكل عام من مثقفي جماعة الاتحاد و الترقي كالتجديد الإسلامي العثماني الذي كان أحد رموزه مراد بيك ميزانجي (1854-1917م) والتيار التغريبي الكامل والذي كان أبرز رموزه أحمد رضا بيك (1859-1930م) وعبد الله جودت (1869-1932م).

وكذلك كانت تلك المرحلة بداية ظهور التيار ذي النزعة القومية التركية الطورانية على المسرح السياسي الفكري والذي كان انطلاقه معتمداً على دمج أفكار ما اصطلح على تسميتهم بأتراك روسيا بالإضافة لبعض المفكرين القوميين من أتراك ألبانيا و مقدونيا والقوقاز مع حركة علمية فكرية تتجه إلى استكشاف ماضي الأتراك وهويتهم والتي انطلقت متأثرة بالأفكار القومية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت و خصوصاً في فرنسا المعقل الأساسي السابق لحركات المعارضة ضد السلطان عبد الحميد الثاني، وكان من رموز هذا التيار ضياء كوك ألب (1876-1924) و يوسف أقجورا (1876-1935م) وخالدة أديب (1884-1964م) و حمد الله صبحي طانروفر (1885-1966م).

ثالثاً : الحركة القومية العربية والاتحاديين

كانت الآراء بين المثقفين والزعماء العرب في نهاية العهد الحميدي وبداية العهد الدستوري منقسمة ومتنوعة تنوعاً كبيراً منها من يدعو إلى خلافة عربية كعبد الرحمن الكواكبي أو انفصال للبلاد العربية و تأسيس دولة تحت حماية الدول الأوروبية كمسيحيي لبنان وأيضاً كان هناك من يدعو إلى إصلاحات خاصة للمناطق العربية بينما كان هناك أطراف من زعماء العرب يدعون لإصلاحات عامة في جميع الولايات ومنها الولايات العربية مثل رفيق بك العظم وحقي بك العظم وعبد الرحمن الشهبندر بالإضافة لضباط و سياسيين آخرين وكثير من الموظفين من سوريا و العراق، بل إن هناك مَن قَبِل أن تكون اللغة التركية هي اللغة الرسمية للبلاد كالدكتور شبلي شميل و سليمان البستاني (1)

ثم لما ظهر استيلاء حركة الاتحاد و الترقي على الحكم بشكل كامل بعد الإنقلاب العسكري في عام 1913م وبداية حركة القمع ضد المناوئين و المعارضين من الأتراك وغيرهم وظهور النزعة الطورانية التركية واشتداد أثرها ضمن المجتمع العربي من خلال قوانين فرض اللغة التركية في المدارس الحكومية و نظام القضاء والإدارة المحلية، دعت الجمعية العربية الفتاة (تأسست في باريس عام 1911م) إلى عقد المؤتمر العربي الأول في باريس والذي انعقد لأربع جلسات في الفترة من 17 إلى 23 حزيران 1913م وشارك فيه حزب اللامركزية الإدارية العثماني (تأسس في القاهرة كانون الثاني/يناير1913م) برئاسة عبد الحميد الزهراوي ومجموعة من الجمعيات والشخصيات العربية الفاعلة والتي كان أغلبها من سوريا (الطبيعية) والعراق.

الملك فيصل الأول أثناء تواجده لحضور المؤتمر العربي الأول

وعندما شعر الاتحاديون بخطورة المؤتمر العربي الأول في باريس (1913) خصوصاً مع ما تمر به الدولة وقتها من حرب البلقان “فرأت الحكومة ألا تزيد مشاكلها بمشكلة العرب وهم تقريباً نصف الدولة أو يزيدون أخذوا يهادنون العرب ويتقربون إليهم، حتى وصلوا إلى ما أطلق عليه (الوفاق التركي العربي) بين ممثل الاتحاديين مدحت شكري باشا وممثل المؤتمر العربي عبد الكريم الخليل” (2).

لكن ما إن قامت الحرب العالمية الأولى في عام (1914) حتى ساءت العلاقة بينهم وبين العرب المتمثلين بالجمعيات والأحزاب العربية، وكان انضمام تركيا إلى ألمانيا ضد دول الحلفاء التي انضم لها العرب الأثر الكبير في جعل الصدام بين جمعية الاتحاد والترقي والجمعيات العربية حتمياً.

“قام جمال باشا بعد معلومات قدمها فيليب زلزل ترجمان القنصل الفرنسي ببيروت بمداهمة قنصلية فرنسا في بيروت فعثر على أوراق مدفونة في حائط الغرفة، ومن بينها مخابرات القنصل والسفارة ووزارة الخارجية، ثم أمر جمال باشا بمداهمة القنصليتين البريطانية والفرنسية في دمشق، وحصل منهما على وثائق سياسية هامة؛ فيها أسماء الزعماء العرب الذين اتصلوا بفرنسا  للعمل في سبيل الاستقلال عن الدولة العثمانية” (3) .

“وكان من المعروف أن الجمعيات العربية في الشام كانت على صلة بالقنصل الفرنسي بيكو في بيروت وكان حزب اللامركزية على صلة مباشرة باللورد كتشنر المعتمد السياسي البريطاني في مصر”(4)

وفي ديسمبر عام 1913 اجتمع شفيق بك المؤيد العظم (أحد الشخصيات العربية البارزة وعضو البرلمان العثماني عن مدينة دمشق) مع السفير الفرنسي في الأستانة واستفسر منه عن موقف فرنسا في حال حدوث ثورة عربية وإن كانت فرنسا سترسل قوات عسكرية إلى حلب للتدخل.(5)

وما كانت إعدامات جمال باشا في (14 آب/اغسطس 1915، و6 أيار/مايو 1916) لقادة وبعض أعضاء الجمعيات القومية العربية وزعمائها إلا تسريعاً في إنهاء العلاقة العثمانية العربية التي دامت (400) سنة، حيث أعلن الشريف حسين الثورة في حزيران/يونيو 1916).

رابعاً : شريف مكة و الاتحاديين

رفض السلطان عبد الحميد الثاني منذ عام 1905م تعيين الشريف حسين شريفاً لمكة وقال “إني راض بتعيينه أميراً على مكة اذا اكتفى الشريف حسين بذلك بل إني اعتقد أنه لن يكتفي بالإمارة فحسب بل يطمع إلى أكثر من ذلك ويهدد يوماً ما عرشي”(6)

السلطان عبد الحميد الثاني

وبعد بداية العهد الدستوري عام 1908م استقال شريف مكة علي بن عبد الله ولجأ إلى مصر خشية على نفسه من أن يعمد رجال الاتحاد و الترقي إلى الانتقام منه لأنه كان وثيق الصلة بالسلطان عبد الحميد ثم توفي الشريف عبد الإله بن محمد وهو يتجهز للسفر بعد تعيينه في منصب الشرافة تم تعيين الشريف حسين كحاكم و شريف لمكة

بسبب شخصيته البارزة الموقرة فضلاً عن مكانته في المجتمع وسمو نسبه و لسبب أهم هو ما كان معروفاً من كره السلطان له، فاختاره أعضاء جمعية الاتحاد والترقي الذين كانوا في الحكم ليكون شريفاً في مكة(7)

وبعد خلع السلطان عبد الحميد عن الحكم عام 1909م “توترت علاقة الشريف حسين مع الاتحاديين بسبب محاولاتهم المتكررة للحد من سلطاته ونفوذه في الحجاز وكان الحسين يعمل على أهدافه الخاصة لضمان وضع مستقل ذاتياً للحجاز تحت سلطته وضمان التوارث المباشر لعائلته للإمارة”(8)

فقد كانت سياسة الاتحاديين تقوم على المركزية وربط الولايات العثمانية شبه المستقلة بمركز الدولة، وهذا الأمر سيؤدي بطبيعة الحال إلى الحد من نفوذ الشرافة في مكة ” ازدادت العلاقات سوءاً  بين الشريف حسين وحكومة الاتحاديين خصوصاً بعد تعيينهم وهيب باشا واليًا على الحجاز، على أن يجمع في يده السلطة المدنية والعسكرية، ويحاول القضاء على الشرافة، ومن هنا فإن الصدام بينهما كان على وشك الوقوع، وتطلع الشريف حسين إلى دولة كبرى تساعده.”(9)

ويشير ديفيد فرومكين في كتابه سلام ما بعده سلام إلى أن:

الحسين أمر بإعلان الثورة عندما اكتشف أن  في نية قادة تركيا الفتاة أن يخلعوه(10)


المصادر

  1. العرب و الترك في العهد الدستوري العثماني – توفيق علي برو ط 1960، ص 77-79.
  2. صحوة الرجل المريض – موفق بني المرجة ط 1984، ص 322.
  3. المصدر السابق ص 328.
  4. العرب و الدولة العثمانية من الخضوع إلى المواجهة – د. احمد زكريا الشلق ط 2002، ص 290 + الدولة العثمانية والشرق العربي 1514-1914 – د. محمد أنيس ط 1985، ص 271
  5. تاريخ النكبة والقضية الفلسطينية – سمير ذياب إسبيتان، ط 2016، ص 73.
  6. مقدرات العراق السياسية – محمد طاهر العمري ط بغداد 1925 مجلد 1/ ص 177.
  7. يقظة العرب – جورج انطونيوس ط 1987، ص 178 + الدولة العثمانية والشرق العربي 1514-1914 ص 224.
  8. أعيان المدن والقومية العربية – فيليب خوري ط 1993، ص 124 + دور النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني 1908-1014م – د. عصمت عبد القادر ط 2006 ص 264.
  9. الدولة العثمانية والشرق العربي 1514-1914 ص 277 + الحجاز في العهد العثماني – عماد عبدالعزيز يوسف ط 2014 ص 161-162.
  10. سلام ما بعده سلام – ديفيد فرومكين ط 2001 ص 267.

خالد العسيلي

مهندس سوري مقيم في مكة المكرمة، مهتم وباحث في التاريخ العثماني.

تعليق واحد

  1. حزب الإتحاد والترقي بقيادة أتاتورك العلماني هم من صنعوا تلك الفتنه للتخلص من العرب وبيعهم على الإنجليز والحلفاء لأن حزب أتاتورك اول عقبة تمنع نجاح فكرة تركيا الفتاة هم العرب لأنهم لن يرضوا بالتنازل عن اللغة العربية وعن الإسلام والرضوخ للعلمانية التركية الحديثة لذلك وجب التخلص منهم بهذه الفتنه، المذنب الحقيقي أتاتورك وزبانيته وهم سبب هذه النكبة على الأمة الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى