مذبحة غولجا عام 1997.. حقيقة الإبادة الجماعية للإيغور اليوم وشهادة إحدى الناجيات

هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: The Ghulja Massacre of 1997 and the Face of Uyghur Genocide Today لكاتبته: Zubayra Shamseden على موقع: thediplomat.com. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.
قبل أربعٍ وعشرين عامًا، حيث ساءت الأمور على نحوٍ غير معقول بالنسبة للإيغور منذ ذلك الحين. أدت حملة القمع الوحشية على متظاهري الإيغور إلى تغيير حياة أسرة واحدة إلى الأبد.

في كل مرة أرى الندوب العميقة والمستديرة على معصميها وذراعيها، أفكر في الدم المتدفق من الثقوب التي تسببت بها، وهو يتساقط على أرضية غرفة التعذيب القاتمة تلك، في مركز شرطة مدينة غولجا، حيث تم تعذيبها للاعتراف بجرائم غير موجودة. إنها أختي صالحة واحدة من آلاف الشباب في غولجا الذين تحولت حياتهم إلى كابوس بعد مذبحة غولجا.

مظاهرة سلمية 05.02.1997

في الخامس من شباط 1997، أي قبل أربعٍ وعشرين عامًا من الآن، شارك متظاهرون من الإيغور في غولجا في مظاهرة سلمية للمطالبة بإنهاء القمع الديني والتمييز العرقي في المدينة.

اعتقلت السلطات الصينية بشكل تعسفي أعدادًا كبيرة من الإيغور بعد قمع المظاهرة بالعنف، وقد وثقت منظمات حقوق الإنسان تعذيبهم في المعتقل ووثقت أيضًا المحاكمات الجائرة بحقهم، لدورهم المزعوم في الأحداث وقد تم للأسف إعدام العديد منهم.

وبعد ثمانية أشهر من المجزرة، استمرت مطاردة الشباب من الإيغور الذين تربطهم أي صلة بالاحتجاج الحاصل في شباط. أي في تشرين الأول 1997، وكانت أختي صالحة التي تبلغ من العمر 23 عامًا فقط، وابنة أخي سعيدة التي تبلغ 20 عامًا، وعدد قليل من الفتيات الأخريات عائداتٍ إلى المنزل من حفلِ زفافٍ بالقرب من نيلكا، وما زلن متأنقات وأصوات ضحكاتهن تملأ المكان. لم تكن أختي تعلم أن فرحها على وشك أن يتحول إلى كابوس سيمتد لعقود.

اعتقال صالحة

إيغور

اقتحم خمسة من رجال الشرطة المسلحين بالكامل منزلنا لاعتقال هؤلاء الفتيات. طلب والدي منهم السماح لصالحة بالراحة للحظة على الأقل، لكن دون جدوى. حيث بدأ رجال الشرطة بتقييدها، وأجبروها على ركوب سيارة الشرطة، ثم ابتعدوا بها وكأنها مطلوبة لارتكابها جريمة قتل. فقدت والدتي وعيها، وتسمّر والدي بلا حراك، وغرق بقية أفراد الأسرة في حالة من الفوضى المروعة والعجز.

وصلوا إلى مركز شرطة مدينة غولجا، على بعد حوالي ست كيلومترات من كيبيكويز، حيث تقيم صالحة. تم أخذُها من السيارة ودفعُها عنوة إلى حجرة الاستجواب في الطابق الثاني من مركز الشرطة. طرح رجال الشرطة عدة أسئلة بنبرة هادئة في بادئ الأمر: “هل تعرفين تورسون سيلي وزوجته؟ هل ساعدتِ زوجته؟ هل أخفيتها؟ لقد علمنا أنكم أصدقاء”. أجابت صالحة بحزم: “لا. أنا لا أعرفهم. لم أرهم. ليس لدي أي تواصل معهم”.

التعذيب والاستجواب

إيغور

اشتدت لهجتهم وأساليبهم في الاستجواب، ونفد صبر رجال الشرطة. بدأوا بضرب صالحة بهراوة كبيرة (أداة تعذيب)، بدءًا من ظهرها ثم إلى جميع أنحاء جسدها. كانت الضربة الأكثر إيلامًا في مؤخرة أذنيها. تحطمت أقراطها إلى قطع وتساقطت الأحجار من مكانها مرتطمةً بالإسمنت.

لم تعرف إلى متى سيستمر الاستجواب والضرب. وبمرور الوقت دون أي نتيجة، قيدوا يديها بالأصفاد التي تحتوي على مسامير من الداخل. وعندما ضغط رجال الشرطة على جانبي الأصفاد، حفرت المسامير جلدها وتدفقت الدماء من معصميها.

بدأت تفقد الشعور ببطء. استمر رجال الشرطة في استنزاف الدم منها، لكن مجددًا دون جدوى. وسرعان ما أخرجوا أغلال الساق الثقيلة وربطوا ساقيها، ثم نقلوها إلى ركن بين درج الطابق الأول والثاني. وهناك ربطوا أصفاد يديها بأنبوب يمر عبر الحائط.

بدأت أول ليلة لها في المعتقل، ولكنها لم تستطع النوم رغم الألم والإرهاق.

فقد كانت تسمع صرخات مروعة لأشخاص يخرجون من “غرف استجواب” مماثلة. بالنسبة لمعتقلة مثلها، كان المبنى كله غرفة تعذيب مظلمة ومميتة.

أمضت شهرًا هناك، وحتى يومنا هذا لم تصف كل ما حدث لها. تم إطلاق سراحها بعد تلقي قائد الشرطة الصينية رشوة كبيرة. ووقعنا اتفاقًا يقضي بأن تبقى صالحة في دائرة نصف قطرها ست كيلومترات من منزلها وأن نضع في اعتبارنا أنها كانت تحت المراقبة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. حقيقة هي كانت قيد الإقامة الجبرية.

تموز 1998 والحقيقة المرّة

في تموز 1998، ذهبتُ إلى غولجا من بيتي الجديد في أستراليا. كان ذلك بعد ثلاثة أشهر من مقتل ابن أخي همّت محمد على يد القوات الصينية وبعد تسعة أشهر من إطلاق سراح صالحة. كان الغرض من الرحلة هو تقدم العزاء على وفاة همّت، لكن ما شاهدته وشهدته هناك كان أسوأ بكثير.

كانت التجربة الأكثر تدميرًا بالنسبة لي هي إدراك أن أختي صالحة قد تغيرت بشكل كبير. تلك الفتاة المرحة والمشرقة التي أحبت الغناء والرقص والتعبير عن نفسها أصبحت صامتة وهادئة. لقد فقدت كل إيمانها بالإنسانية. ونفس الشيء حدث لابنة أخي سعيدة، ولباتيم صديقة لصالحة، وابن عمي عبد المنان، وكثيرين آخرين في منطقتنا تم اعتقالهم. لقد انكسر شيء بداخلهم بعد المرور بهذه الاعتقالات الوحشية، بدا واضحًا للجميع: أنه علينا مغادرة هذا المكان -إن أمكن- ومساعدة الناس هنا من الخارج.

غادرتُ غولجا في شهر آب 1998. بذلت قصارى جهدي لإحضار أي من أقاربي. جاءت صالحة إلى أستراليا في أيلول 1999. واستغرق الأمر أكثر من 20 عامًا لتروي بعض التجارب المروعة داخل غرف التعذيب الوحشية في الصين. كان ذلك شهرًا من التعذيب والاستجواب. تشتاق صالحة لوطننا وطفولتها، لكنها تتراجع عن فكرة العودة لأن الغرفة المظلمة – المعتقل- لا تزال تطاردها.

معسكرات الاعتقال والجرائم خلفها

إيغور
معسكرات الاعتقال الصينية.

دبّ الرعب فينا عندما سمعنا أنا وصالحة أن أختنا الأخرى ميستور وعائلتها تم إرسالهم إلى معسكرات الاعتقال في غولجا في عام 2016؛ ومرضت صالحة عقب سماعها الخبر. تعد المصطلحات “أُخذ” أو “موقوف” أو “محتجز” بمعنى النهاية بالنسبة لنا.

تبذل الصين قصارى جهدها لمنع العالم من رؤية الإبادة الجماعية للإيغور وتزعم أن الإيغور في الخارج “يكذبون”، والروايات الموثوقة من الناجين هي “أخبار مزيفة” وحتى “مؤامرة غربية”. وتدعي الصين أن أمريكا “تشعر بالغيرة” من صعود الصين كقوة عالمية، لذلك تستخدم الولايات المتحدة ورقة الإبادة الجماعية الإيغورية “لشن حرب” ضد الصين. بالتأكيد، قد لا ترغب أمريكا في استبدال دورها على المسرح الدولي، لكن هذه الحجة لا تعني شيئًا لدحض الإبادة الجماعية الوحشية التي ارتكبتها الصين لمن تدعي أنهم مواطنوها.

قد لا نرى الإيغور محبوسين في غرف الغاز ويقتلون بالغازات حتى الموت، أو يقتلون بأسلحة الدمار الشامل، لكننا نشهد أشخاصًا يتعرضون للتعذيب، أو غسل الدماغ، أو حبس الملايين، أو حجزهم كعبيد، أو سرقة أعضائهم.

يتم اغتصاب النساء وإجبارهن على الزواج بالقوة، أو تعقيمهن بالقوة واستخدامهن للتجارب في المختبرات الطبية الصينية. لا ينبغي أن تكون هذه الأعمال الوحشية صورة لحكومة على وشك أن تصبح أكثر قوة على المسرح العالمي في هذا القرن، من غير المقبول أن تغض الجهات الممثلة في العالم الطرف عن الإبادة الجماعية، بغض النظر عن نوع “الفوائد” الاقتصادية والسياسية التي تقدمها الصين للعالم.

مذبحة غولجا حدثت ولم تنته نتائجها

إيغور

بعد أربعة وعشرين عامًا من مذبحة غولجا، لم تحاسب تلك الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في ذلك اليوم أو الأشهر التي أعقبت ذلك. في الواقع، تواصل الصين مطاردة كل إيغور كان على صلة بحركة الشباب تلك من التسعينيات وتعاقبهم بإرسالهم إلى معسكرات الاعتقال.

الناجون من: مذبحة غولجا، احتجاج أورومتشي 5 تموز 2009، وتعنيف الدولة في الققاغة (أيار 2014)، هانيريك (حزيران 2013)، سيريكبويا (نيسان 2013)، وإليشكو (تموز 2014) يشكلون جزءًا من الملايين من الأشخاص المحتجزين في معسكرات الاعتقال الصينية منذ عام 2016. تلك وغيرها من حالات الاضطهاد التي لم يتم الإبلاغ عنها والتي لا تعد ولا تحصى بمثابة شهادة على حقيقة أن الصين، ستؤدي بشكل منهجي تدريجيًا إلى تفكك الشعب عقليًا وروحانيًا وثقافيًا وجسديًا.

ختامًا

إذا تجاهل العالم ما تفعله الصين في تركستان الشرقية، فإننا نعطي موافقة ضمنية لحكومات الإبادة الجماعية وقد نشهد نفس الجرائم في أماكن أخرى. حان الوقت لحث حكومات العالم بالاعتراف بالإبادة الجماعية للإيغور ونصرتهم.

تحديدًا هؤلاء النساء الشجعان اللائي نجين من الجرائم الفظيعة في الصين – مثل صالحة، وميهريجول تورسون، وتورسيناي زياودون، وغولبهار جيليلوفا، وجلبهار هاتيواجي، وزومريت داوت، وروكيا بيرهات، وسايراغول سوتباي، وكالبينور صِدّيق، والعديد من النساء غير المعروفات الإيغوريات والكازاخستانيات بحاجة للدعم النفسي والإيمان بقضيتهم والاعتراف بها.

إنّ قصصهم تعتبر أسلحة في النضال ضد وحشية الصين. ومن خلال الاستماع لقصصهم لدينا القوة لوقف ارتكاب الجرائم والاضطهاد في تركستان الشرقية وفي كل مكان آخر في العالم.

أويس فاكهاني

مهندس ميكاترونيكس ومترجم مستقل لدى تبيان، يرى أن للترجمة أثر ثقافي يسهم في تشكيل الوعي… More »

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى