هيستوري إكسترا: دليلك الموجز للاختلافات بين حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة

هذا المقال هو ترجمة بتصرف لمقال: “The differences between UK and US governments: a brief guide ” لكاتبه: آدم آي. بي. سميث. الآراء الواردة أدناه تعبر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبر بالضرورة عن تبيان. 

كان ما يطلق عليه «العلاقة الخاصة» بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية يمثل أحد أقوى التحالفات خلال القرن العشرين، لكن أحداثا مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتطورات السياسية المتلاحقة على واشنطن منذ انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حتى محاولات عزله، دعت البعض لتسليط الضوء على الأمور التي تجمع بين البلدين وتفرق بينهما.

البروفيسور «آدم آي. بي. سميث» أستاذ العلوم السياسة والتاريخ السياسي بجامعة أكسفورد، نشر مقالا له بموقع «هيستوري إكسترا» التابع لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أوضح فيه أوجه الاختلاف والتشابه التاريخية في النظام السياسي البريطاني والأمريكي، وركز فيه على توضيح مدى سلطة الرؤساء الأمريكيين وملوك بريطانيا ورؤساء الحكومة فيها عبر التاريخ، وكيف تغيرت تلك السلطات بتغير السنين.  

في مستهل مقاله، أشار «سميث» إلى أنه في اليوم التالي للحكم الدرامي الذي أصدرته المحكمة العليا بالمملكة المتحدة، بأنه ليس من حق رئيس الوزراء «بوريس جونسون» أن يطلب من الملكة إليزابيث تعليق عمل البرلمان، كتب صحفي مقالا بعنوان «بريطانيا أصبحت جمهورية وجون بيركو [رئيس مجلس النواب] على رأسها».

ويعلق الكاتب على ذلك بقوله إنه «لم يكن متوقعًا من قراء المقال الموافقة على هذا التطوُّر الذي طرحه الكاتب في مقاله. لكن إثارة قضية شكل النظام السياسي البريطاني وما إذا كانت المملكة المتحدة جمهورية دستورية برئاسة مجلس العموم أم لا، يدعونا لأن نسلط بعض الضوء على بعض جوانب الاختلاف بين المواد الدستورية البريطانية والأمريكية». 

ويمضي الكاتب قائلا: «نرى بعض المفارقات في الدستور الأمريكي؛ فعلى الرغم من أن الأمريكيين كانوا ينتقدون السلطة التنفيذية المتعجرفة للملك البريطاني، إلا أن الأمر انتهى بهم إلى إنشاء رئاسة ذات سلطة تنفيذية أكبر بكثير من تلك التي يتمتع بها ملك أو ملكة إنجلترا. وبات الدستور الأمريكي يشبه إلى حد كبير الدستور البريطاني في أوائل القرن السابع عشر قبل أن يبدأ البرلمان في الحصول على بعض سلطاته».

الجمهورية مقابل الملكية

ثم ينتبه الكاتب لمفارقة أخرى لافتة تتمثل في أن «الولايات المتحدة تعد جمهورية في شكل نظام ملكي، في حين أن الحكم فى المملكة المتحدة قائم على نظام ملكي بشكل جمهوري، وإلى حد ما فإن هذا الأمر صحيح منذ الثورة الأمريكية».

ويشرح الكاتب هذه النقطة بتفصيل أكبر قائلا: «لدى الولايات المتحدة رئيس تنفيذي يجمع بين كونه رئيسًا للحكومة «يتولى السياسة المبدئية والتنفيذية» ورئيسًا للدولة «في الأمور الرسمية والاحتفالية»، ويتمتع الرئيس بوظيفة دستورية مماثلة لتلك التي كان يتمتع بها ملوك إنجلترا قبل القرن الثامن عشر؛ حيث يحتاج إلى موافقة الكونجرس – أو البرلمان – لفرض الضرائب وتنظيم أوجه الإنفاق، ولكن بصلاحيات هائلة. بالطبع، يتم انتخاب الرئيس الأمريكي، على عكس ملكة بريطانيا، ومنذ عام 1796 تم انتخابه في سباقات وطنية وغالبًا ما يكون فيه استقطابا بين أكبر حزبين، ومع ذلك، فإنه يتمتع بالسلطة والكثير من أبهة الملوك الأوائل».

ثم ينتقل الكاتب للحديث عن النظام السياسي في المملكة المتحدة، التي «تقف على نقيض النموذج الأمريكي، حيث تفترق السلطة الرسمية عن التنفيذية. فرئيس الدولة «الملكة» غير منتخب ومن المفترض ألا يكون له دور سياسي على الإطلاق، في حين أن السلطة التنفيذية تكون في يد «رئيس الوزراء» الذي لا يصل إلى منصبه لأن الملكة تريده في هذا المكانة، بل لأنه يقود الأغلبية في البرلمان».

الفصل بين السلطات

 ينتقل الكاتب إلى الحديث عن مبدأ الفصل بين السلطات، قائلا: «في الولايات المتحدة، يعني مبدأ الفصل بين السلطات أن السلطة التنفيذية – الرئيس والحكومة – لا يجوز أن يكونوا أعضاء في السلطة التشريعية في نفس الوقت، كما لا يمكن لهم أن يكونوا أعضاء في الجهات القضائية. أما في المملكة المتحدة، فلا يتم الخلط بين هذه السلطات فحسب، بل إنها تعتمد على بعضها البعض، فيجب أن يكون رئيس الوزراء والحكومة أعضاء في مجلس العموم أو مجلس اللوردات». 

ويضيف سميث أنه «منذ بداية القرن العشرين، كان رؤساء الوزراء دائمًا نوابًا في مجلس العموم أكثر من كونهم أعضاء من مجلس اللوردات، لأن مجلس العموم هو الغرفة الأكثر أهمية. وقد أقر البرلمان قانونًا يسمح لأعضاء مجلس اللوردات بالتخلي عن ألقابهم عند الانضمام إلى مجلس العموم في عام 1963».

وحتى وقت قريب، كانت محكمة الاستئناف العليا في بريطانيا هي لجنة الإستئناف التابعة لمجلس اللوردات. ومنذ عام 2009، تم تسليم صلاحيات مجلس اللوردات القضائية المحكمة إلى المحكمة العليا، ويتم تعيين قضاتها عبر لجنة اختيار خاصة.

ما حدود سلطات ملكة أو ملك بريطانيا؟

ويرجع الكاتب بالذاكرة إلى الوراء قائلا «حتى بداية القرن التاسع عشر، لعب الملوك دورًا نشطًا في اختيار رؤساء الوزراء، واستُخدمت آنذاك استراتيجيات فاسدة لضمان تمكين رئيس الوزراء من تمرير مشاريع القوانين من خلال الهيئة التشريعية. ولكن خلال القرنين الماضيين، سارت الأمور في الاتجاه الآخر، وأصبح الملك ليس لديه أي خيار سوى دعوة رئيس حزب الأغلبية بمجلس النواب لتشكيل الحكومة  بغض النظر عن وجهة نظره الشخصية».

خلاصة القول، بحسب سميث، « هي أن رئيس الوزراء لا يستمد سلطته من أعضاء حزبه، أو من العدد الصغير نسبيا ممن صوتوا لصالحه في البرلمان، ولكن يستمدها من مجلس العموم ككل. وفي اللحظة التي يفقد فيها رئيس الوزراء «الدعم» من هذا المجلس، يقدم استقالته ويدعو الملكة إما لتعيين رئيس وزراء جديد أو لإجراء انتخابات عامة».

رئيس الوزراء وثقة مجلس النواب

ويخلص أستاذ العلوم السياسية بأكسفورد إلى أن «بريطانيا تمر الآن بأزمة دستورية أكبر من أي وقت مضى، منذ «عصر الإدوارديين» على الأقل. ولا يمثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سبب الأزمة الحالية، بل تتمثل الأزمة في تدهور النظام الدستوري لأن العلاقة بين رئيس الوزراء والسلطة التشريعية لم تعد واضحة. وقد أصبح بوريس جونسون رئيسًا للوزراء بعد استقالة تيريزا ماي لأن أعضاء حزب المحافظين انتخبوه زعيما لهم، ويمثل المحافظون أكبر حزب في مجلس العموم «على الرغم من عدم وجود أغلبية عامة».

وحتى كتابة هذه السطور، لم تواجه حكومة جونسون تصويتا رسميا بحجب الثقة؛ لذلك لم يثبت رسميا بعد ما إذا كانت تحظى بدعم أغلبية النواب أم لا. وفي ظل هذه الأزمة، تبقى الحكومة في منصبها ولكن بلا سلطة. فلا يمكن لها إصدار أي تشريع، ولا حتى التشريعات المطلوبة لإجراء انتخابات عامة مبكرة.

 يؤكد سميث أن «هذا الوضع غير مسبوق في التاريخ البريطاني. كما أنه لا يمكن استخدام الحلول القديمة الآن، فلا يمكن لرئيس الوزراء أن يطلب من الملكة حل البرلمان وإجراء انتخابات عامة بسبب قانون البرلمان الثابت، الذي تم إقراره في عام 2011 وينص على أن التصويت بحجب الثقة في مجلس العموم، وحده هو الذي يمكن أن يُسقط الحكومة».

والذي يزيد الطين بله، هو أنه في نفس الوقت، «لا ترغب المعارضة في الدعوة إلى التصويت بحجب الثقة، ولا تؤيد إجراء انتخابات عامة، بسبب الظرف الخاص الذي تمر به بريطانيا بمغادرتها الاتحاد الأوروبي. وإذا لم يتم التوصل لاتفاق بشأن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالموعد المحدد في 31 أكتوبر، فإن بريطانيا «ستنهار» وسيترتب على ذلك عواقب وخيمة، على الأقل في رأي العديد من المعلقين. حتى ولو حدثت انتخابات الآن، فلن تكون هناك طريقة لمنع حدوث هذه النتيجة».

لهذه الأسباب، يضيف سميث، «لدينا أزمة من النوع الذي يُفترض أن لا يحدث في النظام البرلماني بالمملكة المتحدة، والتي تتمثل في أن السلطة التنفيذية «رئيس الوزراء وحكومته» على خلاف مع السلطة التشريعية «مجلس العموم». فيما يزعم أنصار الحكومة أن البرلمان «يحبط إرادة الشعب» التي تجلت في استفتاء 2016 الذي صوتت فيه أغلبية ضئيلة على مغادرة الاتحاد الأوروبي. لكن بالنسبة لأي جيل سابق، فإن فكرة أن البرلمان يمكن أن يحبط إرادة الشعب هي فكرة تناقض نفسها؛ لأن الشعب ليس له صوت واحد في ظل دولة تعددية، بينما البرلمان هو المكان المناسب للتحدث والنقاش».

ويؤكد سميث أن «الوعد الذي تلقاه من صوتوا لمغادرة الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016 كان يتمثل في أن تلك المغادرة ستعيد السيادة البرلمانية. ولكن يبدو أن هذا قد حدث بالفعل حتى قبل أن تغادر المملكة المتحدة أوروبا. وقد حدث هذا ليس كما اعتقد مؤيديو «بريكست» من خلال إعادة سلطات البرلمان من قبل المفوضية الأوروبية في بروكسل، ولكن من خلال انتقالها إليه من السلطة التنفيذية. رغم أنه لا يوجد رئيس وزراء بريطاني سابق يتمتع بنفس القوة الرسمية التي يتمتع بها بوريس جونسون حاليا». 

وتابع: «في السابق كان البرلمان يدعي حقه في تحديد قرار خوض الحرب ومتى يجب إجراء انتخابات عامة مبكرة. الآن تم زيادة قوة البرلمان بتأكيد المحكمة العليا عدم مشروعية حله دون رغبته».

تزايد قوة السلطة التنفيذية الأمريكية

ومن بين التناقضات بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، كما يلاحظ الكاتب أنه «في الوقت الذي تضاءلت فيه قوة السلطة التنفيذية ببريطانيا في مقابل السلطة التشريعية، تزايدت قوة السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة عبر العقود الماضية. حيث يتمتع الرئيس الأمريكي بالحصانة القضائية أثناء توليه منصبه، وهو الامتياز الذي تمتع به الملوك عبر العصور. ويعتقد بعض الباحثين القانونيين فيما يتعلق بالولايات المتحدة أن الرئيس يجب أن يتمتع بسلطة أكبر من تلك التي يمارسها بالفعل». 

واختتم الكاتب مقاله بقوله إنه «في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ناضلت الحكومتان البريطانية والأمريكية لاحتواء تعسف السلطة التنفيذية. واعتقد الأمريكيون أنهم توصلوا إلى الإجابة عن طريق فصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية. بينما اتبع البريطانيون استراتيجية بديلة لجعل السلطة التنفيذية تعتمد على السلطة التشريعية. وقدم كلا النموذجين حكومة مستقرة في الغالب – مع بعض الاستثناءات المثيرة – لأكثر من قرنين. إلا أن كلا منهما يخضع الآن إلى تجربة فريدة تثير أسئلة عميقة».

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. أخي حتى عنوان الموقع الغربي يمكن ويجب ترجمته للعربية، من أين للمسلمين الناطقين بالغربية اليوم بهذه البدعة: بدعة نقل أسماء وعبارات وعنوانين غربية والاكتفاء احيانا بكتابتها بأحرف عربية؟؟؟ راجع كتب السلف الذين نقلوا عن الغرب في شتى العلوم، وترجموا كتب الغرب وعلى رأسها الفلسفة والطب، تجدهم ترجموا كل الكلمات والمصطلحات الأعجمية للعربية! وعنوان المقال الذي وضعتموه باللغة الإنجليزية في بداية المقال، لا يجوز أيضا؛ احترموا لغتكم ورسالتكم وجمهوركم؛ المصادر الأعجمية توضع في آخر المقال تحت عنوان “مصادر”. النص العربي للمقال أو البحث لا يجوز أن تتخله عبارات ولا عناوين أعجمية، هذه من مظاهر الإحساس بالنقص وتمجيد لغة الأعاجم، حتى لو لم تشعروا بها. أليست لكم مسطرة واضحة صارمة وفريق تحرير يراجع الموضوعات قبل نشرها، فيحذف ما فيها من مصطلحات أعجمية (سواء كُتِبَت بأحرف عربية أو أعجمية) ويغيرها للمصطلح المُرادف بالغربية؟
    ما رأيت بترجمة اسم الموقع الإنجليزي الذي نقلتم عنه المقال الى: “التاريخ على نحو خاص” ، ….
    وحالة إدخال كلمات أعجمية (غالبا إنجليزية)، سواء بأحرف أنحليزية أو عربية، تحصل منكم من حين لآخر، فلا أدري ما السبب وأنتم أصحاب فكر ووعي وتحملون رسالة؟! فمثلا قرأت لكم مقالا يتحدث عن “القيمة” حيث يصر الكاتب على إضافة ترجمة لها بالانجليزية بين قوسين (value)؛ ما هذا؟ ألم يؤدي المصطلح الغربي المعنى ليترجمه الكاتب للإنجليزية؟ فكان على فريق تحرير موقعكم أن يحذف المصطلح الانجليزي! …. وهناك أمثلة أخرى كثيرة! …..
    راجعوا بارك الله سياسة التحرير والنشر عندكم والتزموا عمليا بما تدعون اليه

  2. يا موقع “صناع الوعي”، ما هذا العنوان (هيستوري إكسترا)؟؟؟ تعشقون العبارات الغربية؟ أليست هناك عبارة عربية فصحى تقوم مقام هذه العبارة الانجليزية؟ كونوا على مستوى الرسالة الآي يحملها موقعكم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى