مفهوم الاستعمار.. ما بين التصحيح والتحوير

إن معنى الاستعمار في مفهوم الإسلام والقرآن هو إصلاح الأرض وعمارتها، وتزجية معاش الناس فيها، وتحقيق التمكين عليها، وتعبيد الفعل البشري لله سبحانه وتعالى. كما قال تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا..)

هذا هو المفهوم الصحيح لكلمة الاستعمار وتعبر عن معنى طيب جميل جذاب ولا تعبر عن أي شكل من أشكال السيطرة التي يمارسها مجتمع على آخر أو غزو دولة على دولة أخرى لأجل سرقة ثرواتها واستعباد مجتمعها.

توضيح وتعريف معنى الاحتلال

نابليون خلال الحملة المصرية ، يوليو 1798 (تصوير API / Gamma-Rapho عبر Getty Images)

يستخدم الاحتلال الغربي كلمة (الاستعمار) لتضليل الرأي العام للشعوب المحتلة لأنها تعبر عن طلب التعمير والعمران ونشر الحضارة والسعي للتطور والتقدم المادي ونحو ذلك من المعاني الجميلة الجذابة.

وما فعله الغرب بعد سيطرته على العالم الإسلامي يتناقض ومعاني هذا الاسم الجميل لأن الغرب بعدما سيطر على العالم الإسلامي حارب الإسلام والمسلمين وسرق ثرواتهم وقتل الأطفال والشيوخ وفتح محاكم التفتيش في الأندلس وقتل العلماء المسلمين مثل مجزرة كبكب في تشاد حيث قتلت فرنسا 400 عالم من علماء المسلمين سنة 1917.

ومعنى الاحتلال لغةً: – جاء في معجم المعاني بأنه الاستيلاء على أراضي البلاد والدخول إليها غزوًا وقهرًا.

واصطلاحًا: – يقصد به احتلال دولة ما والمكث فيها لمدة زمنية طويلة، وفرض السيطرة على موارد الأرض والشعب.

لذلك علينا أن نستخدم كلمة احتلال بدلا من كلمة استعمار.

الاحتلال الغربي في العالم الإسلامي

الاستعمار

فقد تعرض العالم الإسلامي لهجمات كثيرة متوحشة وبدأ التوسع الغربي مع بداية عصر النهضة في أوروبا في القرنين الـ 15 والـ 16.

بدأ البرتغاليون بإطلاق حملاتهم البحرية بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح عام 1498م على يد فاسكو دي غاما، ووصل النفوذ البرتغالي إلى سواحل شرقي إفريقيا، واحتل البرتغاليون الساحل الشرق أفريقي.

وهناك ظهرت حركات المقاومة ضد الاحتلال وأيضًا الخلافة العثمانية التي دخلت الصراع مع المحتلين واتخذت قاعدة لها في عدن لمهاجمة البرتغاليين في المحيط الهندي والخليج العربي.

وقد نجحت الخلافة العثمانية في تخفيف الضغط البرتغالي على التجار المسلمين والإمارات الإسلامية الساحلية.

وفي عام 1698م أرسل سلطان عمان الإمام سيف بن سلطان أسطولاً بحريًا إلى ساحل شرق إفريقيا، واستطاع أن يطرد البرتغاليين من ممبسا.

ودائمًا ما يساعد الاحتلال الأوروبي الأحباش ضد المسلمين في شرق إفريقيا وبعد هزيمة الأحباش على يد الإمام أحمد الغازي دخلت البرتغال المعركة بمساعدة الأحباش وتمكن القائد الإسلامي أحمد الغازي من قتل قائد الحملة الصليبية (فاسكو دي غاما) وأصبحت منطقة القرن الإفريقي ساحة الصراع بين المحتلين وأبناء الإسلام ووقعت الصومال وحدها تحت 3 أنواع من الاحتلال من 3 دول أوروبية وهي: إيطاليا وبريطانيا وفرنسا.

وقسموا أرض الصومال إلى 5 أقسام: –

  • الصومال البريطاني: ويشمل زيلع وبربرة.
  • الصومال الإيطالي: ويشمل عصب وبنادر ومصوع.
  • الصومال الفرنسي: يشمل منطقة جيبوتي، وهي أوبوك وتاجورا وأمياد.
  • الصومال الإثيوبي: يضم إقليم هرر ومنطقة أوغادين.
  • الصومال الكيني: ويشمل إقليم (إن دي أف) NFD.

ومن هجمات الاحتلال الأوروبي الحملة الفرنسية لنابليون بونابرت على مصر عام 1798م، يقول المؤرخ المصري (عبد الرحمن الجبرتي) عندما وصف دخول الفرنسيين إلى الأزهر الذي انطلقت منه الثورة: –

“وبعد هجعة من الليل، دخل الإفرنج المدينة كالسيل، ومرورًا في الأزقة والشوارع كأنهم الشياطين أو جند إبليس، وهدموا ما وجدوه من متاريس … ثم دخل أولئك الأوغاد إلى الجامع الأزهر. وهم راكبون الخيول، وولجوه من الباب الكبير، وخرجوا من الباب الثاني، حيث موقف الحمير، وداسوا فيه المشاة بالنعالات، وهم يحملون السلاح والبندقيات، وتفرقوا في صحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته، وعاشوا بالأرقة والحجرات.

وكسروا القناديل والسهارات، وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين الكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع والودائع. ودشتوا الكتب والمصاحف على الأرض، وداسوها بأرجلهم ونعالاتهم، وشربوا الشراب، وكسروا أوانيه، والقوه بحصنه ونواحيه، وكل من صادفوه به عروة من ثيابه وأخرجوه، ووجدوا في بعض الأروقة إنسانا فذبحوه، ومن الحياة أعدموه، وفعلوا بالجامع الأزهر، ما ليس عليهم بمستنكر، لأنهم أعداء الدين، وأخصام متغلبون، وغرماء متشمتون، وضباع متكالبون، وأجناس متباينون، وأشكال متعاندون.

ونهبوا بعض الديار بحجة التفتيش على النهب وآلة السلاح والضرب، وخرجت سكان تلك الجهة يهرعون وللنجاة بأنفسهم يطلبون، وانتهكت حرم تلك البقعة بعد أن كانت أشرف البقاع”.

ولطالما كان هناك صراع بين فرنسا وبريطانيا بسبب تقسيم المناطق المحتلة. وهنا قام الصراع بين فرنسا من جهة وبريطانيا والخلافة العثمانية من جهة اخرى للقضاء على الحملة الفرنسية وأخيرًا انتهى الاحتلال الفرنسي بعد الثورة القاهرة الثانية فغادر نابليون المصر إلى فرنسا، وترك مكانه (كليبر) الذي قتل على يد سليمان الحلبي تقبله الله.

وأخيرًا احتلت بريطانيا مصر سنة 1882م. وتتابعت الحملات الصليبية حتى احتلت فرنسا الجزائر عام 1857م وفي نفس السنة احتلت فرنسا تونس. وكان دور الجزائر في الصراع متميزًا فالجزائر عندها أسطول ضخم ومتطور.

ومن انتصارات هذا الأسطول الجزائري انه أذل كثيرًا من الدول النصرانية وأجبرها على دفع أتاوات منتظمة لولاة الجزائر وأيضًا هذا الأسطول دافع عن أرض الجزائر من هجمات الأوروبيين.

وأخيرًا تمكن الأسطولان الفرنسي والبريطاني من تحطيم أسطول الجزائر غدرًا في (نافارينوا) عام 1727م. وأصبحت السواحل الجزائرية مكشوفة لهجمات المحتلين ودخلت فرنسا بعد ذلك.

ويقول (كليرمون) وهو وزير حربية ملك فرنسا: “لقد أرادت العناية الإلهية أن تتأثر حمية جلالتكم للقضاء على ألد أعداء النصرانية، ولعله لم يكن من باب المصادفة أن يدعى لويس (التقي) لكي ينتقم للدين وللإنسانية، وربما يسعدنا الحظ لنشر المدنية بين السكان الأصليين وندخلهم النصرانية”.

وهكذا كانت الحملات الأوروبية مستمرة حتى يومنا هذا لكن بشكل مختلف. وفي عام 1882 أُدخلت السنغال ومدغشقر الاحتلال الفرنسي، وفي عام 1887م جرى مؤتمر برلين الذي قُسّمت فيه مواقع الانتداب الاستعماري على العالم الإسلامي، فاحتل الفرنسيون المغرب سنة 1912م، ثم سورية سنة 1920م.

واحتلت إيطاليا الساحل الليبي عام 1914م. ثم احتلت بريطانيا العراق والسودان عام1919م، وتلاه الانتداب البريطاني على فلسطين والأردن عام 1920م.

ورسم الاحتلال الصليبي الحدود بين المسلمين وفتح المدارس الغربية والكليات العسكرية لإنشاء جيل جديد لا يعرف من الإسلام الا اسمه! وتخرج من كليات الغرب جيل كامل من العسكريين والتجار ليكونوا قادة العالم الإسلامي بعد خروج المحتلين.

مشهد من احتلال فرنسا للجزائر وتمثيلها بالضحايا.
مشهد من احتلال فرنسا للجزائر وتمثيلها بالضحايا.

وأيضًا فيما يخص المشرق الإسلامي فقد احتل الروس بلاد الأورال عام 1670م، وفي عام 1859م احتلت روسيا طشقند، ثم القوقاز عام 1864م، وفي عام 1882م احتلت بخارى، تلتها بلاد التركستان عام 1884م.

ومن أخطر قضايا المسلمين، قضية فلسطين وهي قضية كل مسلم. والاحتلال الصهيوني هو أخطر احتلال يهدد بلاد المسلمين من مشارق الأرض لمغاربها. حيث نشأت الحركة الصهيونية في أواخر القرن 13 الميلادي في أعقاب الاضطهادات التي نزلت باليهود في العالم مثل روسيا.

ففي روسيا قام اليهود باغتيالات كثيرة ومنها محاولة اغتيال القيصر ألكسندر الثاني عام 1866م ونجا القيصر من محاولتين، وتمكن اليهود أخيرًا في المحاولة الثالثة من اغتياله عام 1881م في بيت يهودية تدعي هسيا هلفمان. هذه الأحداث فجرت أعمال عنف ضد السكان اليهود في العديد من الأراضي الروسية، ومررت الحكومة الروسية ‘قوانين أيار’ القاسية.

فقد نظرت الشعوب الأوروبية إلى اليهود على أنهم أصحاب المؤامرات والمصائب إلى أن قام اليهود بتكوين منظمة (محبي صهيون) في روسيا وتأسيس أول مستعمرات صهيونية في فلسطين عام 1882م كما حفزت هذه الاضطهادات أحد زعماء الصهيونيين اسمه (ليون بنسكر) إلى تأليف كتاب أسماه التحرير الذاتي قال فيه: –

“إن العلاج ناجح لحل مشكلة اليهودية هو انتقالهم إلى بقعة واحدة من الأرض يكون لهم فيها وطن ودولة، فكان المكان الأول الذي اختاره أعضاء منظمة “محبي صهيون” هو إقليم فلسطين لما تأصل في اعتقادهم الديني من فكرة العودة إلى أرض الميعاد بزعامة زعمائهم”.

وتدعم كل من بريطانيا والغرب عمومًا الاحتلال الصهيوني منذ احتضان اليهود إلى إصدار وعد بلفور وارتكاب اليهود مجازر مثل مذبحة (دير ياسين) لأجل تهجير الشعب الفلسطيني من وطنهم، واحتل اليهود المدن بمساعدة حكومة بريطانيا المنتدبة بالأسلحة، بينما منع المسلمون حمل السلاح مما تسبب في هجرة عدد كبير من الشعب فلسطين إلى الخارج.

وبعد إعلان بريطانيا إنهاء الانتداب البريطاني أسرع اليهود إعلان قيام (دولة إسرائيل) وقال أحد الإنجليز: – إن الصهيونية كانت منذ البداية حركة إنجليزية وليست حركة يهودية فحسب!!

وكما قال راندولف تشرشل عام 1967 بعد سقوط القدس في كتابه “حرب الأيام الستة“: “لقد كان إخراج القدس من سيطرة الإسلام حلم المسيحيين واليهود على السواء، إن سرور المسيحيين لا يقل عن سرور اليهود، إن القدس قد خرجت من أيدي المسلمين، وقد أصدر الكنيست اليهودي ثلاث قرارات بضمها إلى القدس اليهودية ولن تعود إلى المسلمين في أية مفاوضات مقبلة ما بين المسلمين واليهود”.

وفي خطاب ألقاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السادس من ديسمبر 2017 أعلن فيه اعتراف بلاده بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وقال: – إنه وجه أوامره إلى الخارجية الأميركية للبدء بنقل سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس.

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه ‘الاستعمار أحقاد وأطماع’: “انظر كيف أن الكفر ملة واحدة، وكيف أن المسلمين أخذوا على غرة عندما أحاط بهم في خريف سنة 1957م، جيوش ثلاث دول، تضرب أرضهم من البر والبحر والجو! تحركت عصابات اليهود لتحتل غزة، والتقت على موعد بثمانية وثلاثين سفينة حربية إنجليزية وفرنسية، شرعت ترجم المدينة بقذائفها، لتكرهها على الاستسلام لبني إسرائيل.

وفي الوقت نفسه ظهرت ثلاث بوارج أمريكية لتنقل رعايا الولايات المتحدة، ومراقبي الهدنة، وموظفي وكالة اللاجئين!! وذلك لتدور المجزرة بين المسلمين وحدهم. وما أن طلع الصباح الأخير حتى كان الجيش الإنجليزي يحتل غزة”.

التطبيع مع المحتلين

سيرة اليهود لم تتغير أبدًا، ومن صفاتهم الغدر والخيانة ونقض العهود والمواثيق وهذه الصفات متأصلة في اليهود جميعهم إلى يوم القيامة.

هم قتلة الأنبياء – عليهم السلام – فقد قتلوا يحيى وزكريا وغيرهما من الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ)، قال تعالى: (يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ). إنه إحصاء شامل يصم اليهود بخسة لا تتخلى عنهم، ولا يتخلون عنها.

ويقول الأستاذ سيد في ظلال القرآن: “وهكذا يبدو أن تاريخ بني إسرائيل في الكفر والمعصية واللعنة عريق. وأن أنبياءهم الذين أرسلوا لهدايتهم وإنقاذهم، هم في النهاية الذين تولوا لعنتهم وطردهم من هداية الله; فسمع الله دعاءهم وكتب السخط واللعنة على بني إسرائيل”.

أيها المسلم هل يمكن ان تجلس وتصافح وتعلن التطبيع مع هؤلاء الكفرة؟! واليوم وكل وقت يقتلون أطفالنا ونسائنا في فلسطين بدم بارد ويهدمون بيوتهم فوق رؤوسهم وبدون رحمة ودنسوا المسجد الأقصى أيضًا! ثم نرى بعض دول سايكس بيكو تعلن عن تطبيع العلاقات مع الاحتلال الصهيوني.

قابلية الاحتلال في العالم الاسلامي

حينما تكلم الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله عن حقيقة ملة إبراهيم عليه السلام قال: “وبه تعرف مدى ما انغمس فيه غالب المحسوبين على الإسلام من الوثنية الجديدة وما استجلبوه من مبادئ الغرب ومذاهبه المادية فجعلوا حدود الوطن فوق حدود الله وجعلوا لأنفسهم الخيرة فيما يشرعون وينظمون خلافًا لما قضى الله ورسوله، واتبعوا ما يمليه رجال تألهوهم بالحب والتعظيم وجعلوهم أندادًا من دون الله كالقومية والوطنية وما يستلزمها من المذاهب المادية”.

ثم ذكر من جعل الوطن ندًا لله في قول قائلهم:

بلادك قدمها على كل ملة  *  ومن أجلها أفطِر ومن أجلها صُم

وجلبوا موالاة أعداء الله بحجة الجنس والوطن، وتعطيل الشريعة بحجة التطوير الفاسد، وعبادة كل طاغوت في سبيل ذلك. ومن مبادئهم الباطلة:

  • مثل مبدأ “الدين لله والوطن للجميع”.
  • مثل مبدأ “الدين علاقة بين العبد وربه فقط لا شأن له في الحياة”.
  • مبدأ “إرادة الشعب من إرادة الله”.

وذكر أنه لا يزال خريجوا المدارس الاستعمارية يركزون هذه المفاهيم في طبقات الأمة الإسلامية، وقال: “إن المدارس هي أول ما فرض الاستعمار علينا ثقافته بواسطتها”. يقول المفكر مالك بن نبي رحمه الله: “كل قصة استعمار سبقتها قصة الشعب قابل للاستعمار!”

ما الفرق بين الفتوحات الإسلامية والاحتلال الغربي؟

دخول مدينة القسطنطينية من قبل العثمانيين.

كل الفتوحات الإسلامية كانت تحمل بصمات الخير والتطور وكلما دخل المسلمون بلدًا طبَّقوا وصيَّة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لهم التي كان يقولها لهم عند خروجهم للقتال والغزو، وهي قوله: “اغْزُوا باسم الله، وفي سبيلِ الله، وقاتلوا مَنْ كفَرَ بالله، اغْزُوا ولا تَغْدِرُوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا”.

ومن وصايا أبي بكر لأمراء الجُند: “لا تقتلوا امرأةً، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هَرمًا، ولا تقطعوا شجَرًا مُثمرًا، ولا تُخرِّبُنَّ عامرًا، ولا تَعقرنَّ شاةً ولا بعيرًا إلَّا لمأكلة، ولا تُغرقُنَّ نخلًا ولا تحرقنَّه، ولا تغلل، ولا تجبُن.”

وأيضًا نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن الغدر يقول: “إن الغادر يُنصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان.”

يقول (توماس آرنولد) في كتابه (الدعوة إلى الإسلام ص99):

لم نسمع عن أية محاولة مُدبرة لإرغام غير المسلمين على قبول الإسلام.. أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي من قِـبل المسلمين.

ويقول (ويل ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة 12/131): “لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح: لا نجد لها نظيرًا في البلاد المسيحية في هذه الأيام!! فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم.. واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم”.

والمسلمون دخلوا الأندلس وأقاموا حضارة عالمية واسمع ماذا يقول المفكر الإسباني (بلاسكوا أبانيز) في كتابه (ظلال الكنيسة) متحدثًا عن الفتح الإسلامي للأندلس:

“لقد أحسنت (إسبانيا) استقبال أولئك الرجال الذين قدموا إليها من القارة الإفريقية (يعني المسلمين).. وأسلمتهم القرى برمتها بغير مقاومة ولا عداء! فما هو إلا أن تقترب كوكبة من فرسان العرب من إحدى القرى؛ حتى تفتح لها الأبواب، وتتلقاها بالترحاب، فكانت غزواتهم غزوة تمدين وحضارة ولم تكن غزوة فتح وقهر.

ولم يتخل أبناء تلك الحضارة زمنًا عن فضيلة حرية الضمير، وهي الدعامة التي تقوم عليها كل عظمة حقة للشعوب، فقبلوا في المدن التي ملكوها كنائس النصارى وبيع اليهود (جمع بيعة) ولم يخشَ المسجد من معابد الأديان التي سبقته، بل عرف لها حقها، واستقر إلى جانبها، غير حاسد لها، ولا راغب في السيادة عليها!”.

ويقول المـؤرخ الإسباني (أولاغي): “فخلال النصف الأول من القرن التـاسع: “كـانت أقـلية مسيحية مُهمة تعيش في قرطبة وتمارس عبادتها بحرية كاملة!”، ويقـول القس (إيِلوج): “نعيش بينهم دون أنْ نتعرض إلى أيّ مضايقات في ما يتعلق بمعتقدنا”.

هكذا كانت الفتوحات الإسلامية وسجلت التاريخ وبلسان مؤرخي الغرب أن الإسلام يحمل النور والخير في كل بلد يدخلها.

وماذا فعل الغرب بعد دخوله إلى العالم الإسلامي بحملاته الصليبية: الاحتلال الغربي هدفه الوحيد هو القتل والاغتصاب وسرقة ثروات الشعوب المقهورة واستعباد الناس.

استخدموا كل أسلحة لقهر المسلمين ونأخذ مثالًا من كتاب المؤرخ مصطفى المرون حول الغازات السامة التي استعملتها إسبانيا في شمال المغرب «التاريخ السري للحرب الكيماوية في المغرب»، يقول في مقدمة الكتاب، المؤرخ البريطاني سيباستيان بالفور، عن دور سياسي يعتبر مقدسًا في الغرب وهو ونستون تشرتشل، حيث لم يتردد سنة 1920عندما كان يشغل منصب سكرتير الدولة للدفاع والجو في الحكومة البريطانية بالقول حول استعمال الغازات السامة:

أنا موافق تمامًا على استعمال الغازات السامة ضد القبائل غير المتحضرة.

وذلك في قصف الجيش البريطاني لبعض المناطق الأفريقية والعربية وأفغانستان.

كان جندي الغرب ينادي بأعلى صوته، حين كان يلبس خوذة الحرب قادمًا لاحتلال بلاد الإسلام:

أماه…

أتمي صلاتك.. لا تبكي..

بل اضحكي وتأملي..

فرحًا مسرورًا..

سأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة…

سأحارب الديانة الإسلامية…

سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن…

وانتصر جيوش الحقد هذه على أمة الاسلام التي قادها أسوأ قادة عرفهم التاريخ.

فماذا فعلت هذه الجيوش؟

استباحت الأمة كلها، هدمت المساجد، أو حولتها إلى كنائس، ثم أحرقت مكتبات المسلمين، ثم أحرقت الشعوب نفسها.

مشهد يظهر جانب التعذيب من قبل محاكم التفتيش ضد المسلمين.

الأندلس

فتحوا محاكم التفتيش، لقد حُرِّم الإسلام على المسلمين، وفرض عليهم تركه، كما حرم عليهم استخدام اللغة العربية، والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف كان يحرق حيًا بعد تعذيبه.

وهكذا انتهى وجود الملايين من المسلمين في الأندلس فلم يبق في إسبانيا مسلم واحد يظهر دينه.

الجزائر

وبعد دخول الاحتلال الفرنسي نهب ثروات الجزائر وقتل ما يستطيع أن يقتل بدون تمييز النساء والأطفال والرجال حتى اشتهرت الجزائر ببلد الـ (مليون شهيد).

وقد أشار بعض الكتاب الفرنسيين أمثال روبانRobin في المجلة الإفريقية عدد 20 لسنة 1876 19، لارتكابها بـ 10 أبريل 1832، ورينو في حوليات جزائرية، والذي أورد ذلك بالقول:

أن تنفيذ الجريمة لم يفرق بين الكبير والصغير، ولا بين الرجل والمرأة، وصار مرتكبها يتخيل أرواح الأبرياء أشباحا تطارده كلما حلّ الظلام.

وجميع المجازر بحق الشعب الجزائر كانت مخيفة.

يصور الكاتب الفرنسي دي بيتنييهDe Petignier، بعض المجازر بقوله: “إنه منظر فظيع لم يحدث مثله في التاريخ، وعلقت جريدة التايمز البريطانية (The Times) عن بشاعة الجريمة في مقال لأحد كتابها: “إنها مذبحة فظيعة، جعلت حتى المتوحشين يخجلون”.

وجرائم الغرب بحق الشعوب العالم كانت من أفظع الجرائم في التاريخ.

فشل الاحتلال الغربي في العالم الإسلامي

الإسلام والاحتلال الغربي

يقول لورنس براون: “أن الاسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي”. هكذا يفكر أن المسلمين لا يقبلون الذل والاستعمار وبعد تجربتهم حملات الصليبية علموا ذلك أن الإسلام لا يقبل الاستعمار.

القرآن هو حصن المسلمين

يقول غلادستون رئيس بريطانيا سابقًا:

مادام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق (المسلمين).

ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى مرور مئة سنة على استعمار الجزائر: “إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية، يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم”.

الأنظمة الديكتاتورية والعالم الإسلامي

يقول المستشرق و.ك. سميث الامريكي والخبير بشؤون باكستان: “إذا أعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي، وعاشوا في ظل أنظمة (ديمقراطية)، فإن الإسلام ينتصر في هذا البلاد، وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها!”.

وينصح رئيس تحرير مجلة تايم في كتابه (سفر آسيا) الحكومة الأمريكية أن تنشئ في البلاد الإسلامية ديكتاتوريات عسكرية للحيلولة دون عودة الإسلام إلى السيطرة على الأمة الإسلامية، وبالتالي الانتصار على الغرب وحضارته واستعماره.

لكنهم لا ينسون أن يعطوا هذه الشعوب فترات راحة حتى لا تتفجر، يقول هانو توا وزير خارجية فرنسا:

إن الخطر لا يزال موجودًا في أفكار المقهورين الذين أتبعتهم النكبات التي أنزلناها بهم، لكنها لم تثبط من عزائمهم.

الكاتب: عبد الحفيظ علي تهليل.

المصادر

  1. التاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، أحمد والشيخ محمود شاكر.
  2. في مهب المعركة، مالك بن نبي.
  3. العالم والغرب، فليب كورتن.
  4. قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام ابيدوا أهله، جلال العالم.
  5. أحجار علي رقعة الشطرنج، وليم جاي كار.
  6. تاريخ الغزو الفكري والتغريب، أنور الجندي.
  7. الاستعمار أحقاد وأطماع، محمد الغزالي.

ضيوف تبيان

يمكن للكتّاب والمدونين الضيوف إرسال مقالاتهم إلى موقع تبيان ليتم نشرها باسمهم في حال موافقة… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى