معركة موهاكس: ما لم تنساه أوروبا للسلطان سليمان القانوني!

كم مسلم منا يعرف هذه معركة موهاكس أو ما تسمى معركة موهاج الخالدة؟ وما سببها والنتائج المترتبة عليها؟ كم واحد منا قرأ عن السلطان سليمان القانوني ذلك البطل المجاهد ولم يلوث عقله بتخاريف مسلسل حريم السلطان؟! ففي الوقت الذي يعشق الشباب المسلم الحضارة الغربية وينبهر بتلك البروج المشيدة ويرتدي أعلام بلادهم المزينة بالصليب الملطخة بدماء المسلمين لم ينس الغرب هزيمتهم على يد أسلافنا حتى انهم أطلقوا مثل يقول “أسوأ من هزيمتنا في موهاكس” يضرب عند التعرض لكارثة، فمتى نتعلم تاريخنا ونسير على درب أعلام أمتنا الذين فتح الله على أيديهم قلوب العباد والبلاد!

من هو سليمان القانوني؟

هو عاشر ملوك الدولة العثمانية. وأوسع ملوكها عزًا ومجدًا، ويمثل عهده قمة بهاء دولتهم. وكان من عادته إرسال الخطابات إلى كافة الولاة وأشراف مكة والمدينة بخطابات مفعمة بالنصائح والآيات القرآنية المبينة، وذكر فضل العدل والقسط في الأحكام، ووخامة عاقبة الظلم. وكان يستهل خطاباته بالآية الشريفة:

إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم..

أسباب معركة موهاكس (موهاج)

عندما تولى السلطان سليمان القانوني مقاليد الخلافة رفض ملك المجر دفع الجزية التي كان يدفعها للخليفة سليم الأول ظنًا منه أنه أمام خليفة شاب لا يملك قوة أبيه ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقام ملك المجر بقتل رسول الخليفة، عندها جهز السلطان سليمان جيشًا كبيرًا خرج على رأسه من إسطنبول في (11 رجب 932هـ/23 إبريل 1526م) كان مُؤَلَّفًا من نحو مائة ألف جندي، وثلاثمائة مدفع وثمانمئة سفينة.

أجواء معركة موهاكس

معركة موهاكس
السلطان سليمان القانوني

عند تلك اللحظة الحاسمة في التاريخ أعلن بابا الفاتيكان كليمنت السابع حالة النفير العام في أرجاء أوروبا لمحاربة سليمان القانوني، وأصدر قرارًا بمنح صكوك الغفران لكل صليبي يشارك بهذه المعركة وتم تكوين أكبر حلف عسكري “الإمبراطورية الرومانية المقدسة”:

وتشمل كل من إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا، النمسا، هولندا، بلجيكا، سويسرا، لوكسمبورغ، مناطق واسعة في فرنسا، وأراضي أوروبية أخرى، ومملكة المجر: وتشمل للمجر وسلوفاكيا وترانسيلفانيا وهي رومانيا الحالية إضافة لشمال صربيا، مملكة بوهيميا: وهي جمهورية التشيك الحالية، مملكة كرواتيا، مملكة بولندا، إمارة بافاريا الألمانية: وهي ولاية البايرن الألمانية، جيوش الدولة البابوية، إضافة لمرتزقة أوروبيين من عدة مناطق، فكونوا جيش من خيرة فرسان أوروبا مدعمين بأسلحة متطورة، جيش موهاكس الصليبي كان بقيادة مجموعة من أعظم قادة المجر وقتها على رأسهم: الملك لويس الثاني، وملك مملكة المجر “بال توموري”: وهو قسيس قاد أحد أجنحة الجيش بنفسه لبث الروح الصليبية لدى المقاتلين.

فى تلك الأثناء كان جيش المسلمين في طريقه للمجر وفتح الله على أيديهم عدة قلاع حربية على نهر الطونة وتم فتح حصن بلغراد المنيع وصادف أن كان الفتح في عيد الفطر المبارك، فتلقى أمير المؤمنين التهاني بالعيد والنصر بداخل بلغراد وهي عاصمة صربيا الحالية، بعدها توجه شمالًا إلى المجر، وصل إلى “وادي موهاكس” بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعًا ألف كيلومتر من السير.

وفي ليلة المعركة (21 من ذي القعدة عام 932هـ/ 29 أغسطس عام 1526م) سهر السلطان المجاهد سليمان القانوني ليلته يصلي ويدعو الله أن ينصر المسلمين على أعدائهم حتى جاء الفجر، فتقدم خليفة المسلمين جيشه الجرار وصلى بهم إمامًا في صلاة الفجر، وبعد الصلاة نظر الخليفة المجاهد سليمان القانوني نحو جيش الإسلام العثماني بكل فخر واعتزاز، وقال لهم وهو يبتسم ودموعه تسيل من عينه:

وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليكم الآن، عندها انفجر الجنود بالبكاء، وعانقوا بعضهم البعض مودعين يرجون الشهادة في سبيل الله.

يوم ملحمة موهاكس

معركة موهاكس

رسم السلطان خطة محكمة تقضي باستدراج قوات الأعداء بأن يصطف جيش المسلمين فى ثلاثة صفوف، وأن يكون السلطان ومن معه من الإنكشارية فى الصف الثالث ومن ورائهم مدافع المسلمين، حتى اذا بدأ القتال تتقهقر الصفوف الأولى من المسلمين ويتراجعوا خلف السلطان ومن معه من الإنكشارية، وفي وقت العصر هجم المجريون على الجيش العثماني فانسحب جيش المسلمون.

وظن الصليبيون أن القوات الإسلامية انهزمت من المعركة بسرعة فاندفعوا كالسيل الجارف إلى الأمام، وعندها أعطى القائد سليمان القانوني الإشارة لسلاح المدفعية الإسلامية بالبدء بالهجوم المضاد فحصدتهم حصدًا، فرّت القوات الصليبية من ساحة المعركة بشكل فوضوي واستمرَّت الحرب ساعة ونصف الساعة وأقصى تقدير ساعتين، في نهايتها أصبح الجيش المجري في ذمة التاريخ، بعد أن غرق معظم جنوده في مستنقعات وادي موهاكس، ومعهم الملك فيلاد يسلاف الثاني جاجليو وسبعة من الأساقفة، وجميع القادة الكبار، ووقع في الأسر خمسة وعشرون ألف صليبي، في حين ارتقى 1500 شهيد، وبضعة آلاف من الجرحى.

ما القرار الذي اتخذه السلطان سليمان والذي لا تنساه أوروبا؟

وأراد الجيش الأوروبي الاستسلام؛ فكان قرار السلطان سليمان القانوني الذي لن تنساه أوروبا له حتى الآن وللأتراك العثمانيين وتذكره بكل حقد : لا أسرى!.

وأخذ الجنود العثمانيون يناولون من يريد الأسر من الأوروبيين سلاحه ليقاتل أو يذبح حياً! وبالفعل قاتلوا قتال الميئوس واليائس، وانتهت المعركة بمقتل فيلاد، والأساقفة السبعة الذين يمثلون النصرانية، ومبعوث البابا، وسبعون ألف فارس، ورغم هذا تم أسر 25 ألف جريح، وتم عمل عرض عسكري في العاصمة المجرية من قبل العثمانيين، وقبَّل الجميع يد السلطان سليمان تكريمًا له، بما فيهم الصدر الأعظم، ونظم شئون الدولة ليومين ورحل، وانتهت أسطورة أوروبا والمجر، وقد استشهد من العثمانيين 150 جنديًا فقط  (مختلف عليه)، وجرح 3 آلاف، والجيش في كامل قوته لم يُستنزَف أبدًا!

نتائج المعركة

معركة موهاكس
رسم يوضح معركة موهاكس.

كانت تلك المعركة حادثة نادرة في التاريخ حيث ترتب عليها ضياع استقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمة مروعة في ساعتين فقط.

بعد موهاكس، دخل المسلمون عاصمة المجر بودا وهي جزء من العاصمة الحالية للمجر بودابيست بعد أن اتحدت مع مدينة بيست، دخل المسلمون المدينة وهم يكبرون، وتصادف أن يدخلوها في عيد الأضحى، فتلقى سليمان القانوني تهاني عيد الأضحى والنصر في بودا بعد أن كان قد تلقى تهاني عيد الفطر والنصر في بلغراد.

وكان من نتائج هذه المعركة أيضًا أن استولى العثمانيون على كل المنطقة الممتدة بين عاصمتهم إلى أسوار فيينا، وانهار الحاجز المجري الذي كان يقف في وجه العثمانيين للوصول إلى النمسا وألمانيا.

هذه المعركة من أغرب المعارك في التاريخ فهي أقصر معركة في التاريخ الإسلامي، ومازالت تثير تساؤلات واستهجان وحقد ودهشة بعض المؤرخين الأوروبيين، وعلى الرغم من انقضاء أكثر من 400 عام.

وتعد معركة موهاكس الفارقة شيئًا يسيرًا جدًا من تاريخنا الإسلامي المشرق الذي لا نعرفه للأسف وتركنا الفرصة للأعداء أن يشوهوا صورة رموز أمتنا ويحرفوا تاريخنا بحقدهم وغيظهم الذي يشهد له التاريخ، ووصل بنا الجهل والهوان إلى أن نصدق تلك الاكذيب ونرددها بلا تثبت ولا تفكير!

فمتى تتحرر العقول!

المصادر

ليليان أحمد

كاتبة وباحثة في التاريخ والحضارة الإسلامية، وقضايا الفكر الإسلامي، أكتب من أجل إيجاد الوعي في… More »

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
    معركة عظيمة ويوم مجيد في تاريخ الأمة الإسلامية
    يوم رفعة وكرامة ياليت شبابنا يعرفون ويعملون نسأل الله للجميع الثبات والعلم

  2. اللهم اجعل فينا الان صلاح الدين وسليمان القانوني وغيرهم من أبطال الأسلام الذي لاينضب ابدا واجعلنا جميعا فداء لدين الله

  3. متعرفوش اني اتحمسة ادي اية بعد قراة هذا النشر اللهم اعزنا بعز الاسلام ولا تزلنا يا رب العالمين بسفها هذه الامة اللهم اعد لنا عز الاسلام يارب العالمين …
    مشكورين علي هذا المجهود الجبار

  4. اشكركم علي هذه المعلومه العطره من صفحاتنا الاسلا مية المشرقه والمشرفه لكل مسلم

  5. بسم الله الرحمن الرحيم
    بامثال هؤلاء تبنى بلاد السلام و المسلمين
    وتفتح بلاد الكفر و الملحدين

  6. بسم الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
    شكرا على مقالاتكم الجيدة و التي تسم في رفع مستوى الوعي
    ملاحظة صغيرة في العنوان
    ما لم (تنساه) أوربا للسلطان سليمان القانوني
    لعل الصواب ما لم تنسه أوروبا
    (فانسحب جيش المسلمون) الصواب جيش المسلمين

    طلب صغير
    هل ممكن مصادر هذه المقالة؟

  7. تاريخنا عظيم لأننا مسلمين نقاتل لأجل الله لأجل أن ننشر الخير والأمان والرخاء بين عبيد الله.
    للأسف الشديد رضوا المسلمين بحياة الترف وليته ترف محمود بل ترف مذموم مليئ با المعاصي والنجاهرة فيه،بل وصل الأمر بهم أنهم يرون على قناة واحدة مسلسل منافقين وملاحدة ونصارى يعرض الخزي والعار والإستهزاء با الإسلام والمسلمين،وبعدها يرى من نفس القناة في ساعة الأخبار مساجد تهدم وبيوت تهدم وملايين تهجر وأنتهاكات أعراض وأموال،إلخ… ولم يتحرك قلبه بل ربما راودته الشكوك بأن المسلمين إرهابيين يستحقون ذلك.
    لن ننتصر حتى ننزع من قلوبنا الهوان وحب الدنيا لن نسود العالم حتى نعلق قلوبنا با الذي فطرها ونعرف حقيقة وجودنا في هذه الحياة،نحن أمة مريضة تحتاج لعلاج قوي لتشفى من مرضها.

  8. تاريخ حافل الأمة الإسلامية وقادتها الافذاد للاسف اين نحن الان من ذلك التاريخ العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى