الـصلاة ري الإيمان

عن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن أهل الصُّفة قال: كنت أبيت مع رسول الله ﷺ فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: سلني فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: “أو غير ذلك؟” قلت: هو ذاك، قال: “فأعني على نفسك بكثرة السجود”. رواه مسلم فلماذا الصلاة ولماذا السجود؟

فلماذا كانت الصلاة، وكان السجود؟!

قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)، الصلاةُ هي الفريضة الوحيدة التي لم يكن فيها واسطة، ولا حتى جبريل، بل تلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه مباشرة؛ فهي عبادة مبـاشرةٌ بين العبد وربه، بينك وبين الله عز وجل، حتى الكيفية، “صلوا كما رأيتموني أصلي”.

في الصلاة أقـرب ما يكون العبد من ربه جل في علاه، وهو ساجد، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون لربه هناك بعد سدرة المنتهى في رحلة الإسراء والمعراج التي فُرضت فيها الصلاة، سدرة المنتهى هذه التي لا يستطيع أحد أن يعرف ما بعدها، ولا ملك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فرضت الصلاة خمسين صلاة، فعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة، ثم السادسة، ولقي نبي الله موسى؛ فقال له: ماذا فرض الله على أمتك؟ ولولا هذه المحبة من نبي الله موسى عليه السلام بعد مشيئة الله عز وجل، تلك الشفقة البالغة التي تتعدى أمته إلى أمتنا، ولهذا سبحان الله تجد في سورة الإسـراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ * وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً).

قال له نبي الله موسى: اذهب إلى ربك فسأله التخفيف؛ سيدنا موسى فُرِض على أمته صلاتين واحدة صباحًا والأخرى مساء. فعاد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وظل يعود بين موسى وربه سبحانه وتعالى وحين وصل إلى خمس صلوات قال الله تعالى: “أنا لا يبدل القول لدي. هذه خمسٌ بأجر خمسين..” يا الله!

هذه المرة لما قال له نبي الله موسى: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “استحي من ربي”.

روح الصلاة، والمعاني الكامنة فيها

الصلاة

تخيل أن الطريق هكذا يسيرٌ أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعود ويذهب ويعود ويذهب ويلقى ربه! هكذا نحن، يلقى المرء منا الله في صلاته وقت ما شـاء، يتوضأ ويصلي ويناجي ربه.

الصـلاة لقاءٌ مع الله جل جلاله

تعرف دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم ارزقنا الشوق إلى لقائك، في غير فتنة مضلة، ولا ضراء مُضِرة” هل ندرك هذه القيمة للصـلاة؟ حتى نستطيع أن نكون كما النبي صلى الله عليه وسلم عند موته لما قال: “بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى؟” إننا لا نستطيع في الدُنيا أن نستوفي هذه الرغبة أبدًا -رؤية الله عز وجل-. لهذا يظل المسلم يُغذي الروح بالعبادة، حتى إذا مات استوفاها يوم القيامة.

هذه الصلاة عمودُ الدين

تفهم معنى عمود الدين؟ أي أنها تقيم أمرك في دنياك ونحو ربك وآخرتك، الصلاة عمودُ الدين أي أنها تتحكم في قيام كل أمور الإسـلام، بداية من الأسـاس لأعلى طبقة، كما البناء تمامًا. ولخطورة الصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَوَّل ما يُحَاسَبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصلاة، فإنْ صَلحَتْ صَلحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وإِنْ فسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ) تخيل هذا، لا شيء ينفعك أبدًا إن فسدت الصلاة؛ لا عمل، ولا مال، ولا صحبٍ، ولا ولد!

حتى أنك إن أردت تعلم الإخـلاص، مع الدعاء ومجاهدة النفس، فعليك بتوجيه قلبك إلى الله في الصلاة، وبذل جهدك في هذا. فالصـلاة هي الرباط القلبي بالله عز وجل، هي صلة المسلم بربه جل في عـُلاه.

الصلاةُ صلة بين المسلمين

وكما كانت الصلاة صلة بين العبد وربه جل في عـُلاه، فهي أيضًا صلة بين المسلمين، فكانت صلاة الجماعة، تلك الجماعة التي تؤسس لوحدة المسلمين، وقوة ترابطهم. وأنت تقول في كل تشهد: السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين؛ فيمتلئ القلب بهذه المعاني ويتشرب روح العبادة ومفهومها، حتى أنه قبل أن تُفرض الصلاة على المسلمين، كان هناك صلاة وكان قيام الليل أيضًا.

ورغم التضييق الواقع عليهم في مكة في مرحلة الدعوة السرية وألوان العذاب، إلا أنهم كانوا يخرجون لأداء الصلاة جماعة بين جبلين، رغم خطورة الموقف، لم يكن كل فردٍ يصلي بمفرده، ليغرس الإسلام في قلوبهم معنى الجماعة والإخـاء، ذلك الإخاء الذي كان مكملًا للإيمان، فتجد الحديث يقول: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.

الصلاة تقطع عنك الانشغال بالدُنيا

الصلاة

ومن المعاني الرائعة في عبادة الصلاة، أنها تقطع الاستغراق في أي أمرٍ كان، لأن الإنسان بطبعه مسرفٌ على نفسه حتى في الأمور الحلال، ربما يُسرف في الكلام، أو الاستغراق في المذاكرة، أو أي عملٍ يقوم به أو الطفل يسرف في اللعب وهكذا

فكان الحل كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه.

يُجيبُ نداء الله جل في عُلاه، سيقف بين يدي مولاه، فيكون في أبهى صورة، ولا يؤخرها لأجل أمر يتعلق بأمور الدُنيا الفانية. فمن ذا يعطي المحاضر في المحاضرة أو المسؤول في العمل سلطة أكبر من سلطة الله عز وجل، وما الذي يجعل تقديم المحاضرة، أو مسؤول العمل أجل في قلبك من الاستجابة لنداء الله عز وجل؟!

الصلاةُ تنجيك من الانجذاب لفتنة الدُنيا الزائفة

الصلاة

الصلاةُ تنجيك من الانجذاب لفتنة الدُنيا الزائفة “الصلاةُ ري الإيمان”، الـصلاة تطهرنا من دنس الدنيا، تعطي قلوبنا شحنتها الإيمانية التي تستطيع بها أن تواجه كل ما يُحيط بنا من فتن. فحين تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى أول ما تقول في الصلاة: “الله أكبر” فكأنك تلقى بكل فتنة الدُنيا، وألمها والهموم خلف ظهـرك، فالله أكبر من كل هذا، الله أكبر من شيطانٍ يوسوس، الله أكبرُ من بريقٍ زائفٍ يخطف الأبصار، الله أكبرُ من همٍ بين جنبيك.

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “ما مِن أمرئ مُسلِم، تحضُرُه صلاةٌ مَكتُوبةٌ فَيُحسِنُ وُضُوءَهَـا، وخُشوعـَهَا، وَرُكُوعَها، إلا كانت كَـفّارة لما قبلها مِن الذنُوبِ، ما لم تؤتَ كبيرةٌ، وذلك الدّهرَ كلّهُ.”

ليس الهدفُ من العبادة أن تجد لذتها! إلا أنك تسعى فيها هذا جاهدًا، والإخلاص هو أن تستمر في عبادتك وجدت لذتها أم لا، إلا أن استحضار معاني الصلاة يساعدك كثيرًا، وفي كل الأحوال فإنك تجد الراحة النفسية، والتخفف ولو لحظات من أعباء الدُنيا.

إننا حين ندرك حقيقة الدُنيا وأن متعها إلى زوال، تلك المتع التي يتخللها ويسبقها ويعقبها منغصات ستبدو صدأة جدًا مقارنة بنعيم الجنة الذي لا يشوبه أي تنغيص أو ألم، سنفهم شوق النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوله: “أرحنا بها يا بلال”. عندها لن نختلس ونسرق من صلاتنا، لنعود إلى الدُنيا سريعًا، وإنك بقدر ما تختلس من صلاتك، يُختلس من إيمانك فاحرص على الطمأنينة في صلاتك. فالصلاةُ ري الإيمان.

ثم في مبتدأ الأمر ومنتهاه، فإن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا. ولما طُعِن عُمَر رضي الله عنه كان أول ما قال بعد إفاقته:

هل صلى المسلمون الفجـر؟ قالوا: نعم فقال: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.

ترك الصلاة!

لو أنك تفعل كل المنكرات، لا تقل كيف سأقف وأصلي، كيف أقف بين يدي الله عز وجل؟!

الله ليس كالبشر سبحانه، الله يقبلك إن أتيته مهما بدا منك ما دمت لم تشرك معه غيره، لا تغلق الأبواب جميعها، دع بينك وبينه بابًا مفتوحًا، فلا تعلم أي شيء يغفر الله لك به، وإنك إن صدقت الله فإنه يعدك بأن “الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” فقط يتطلب الأمر منك صدق الرجاء والندم.

عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “العهد الذي بيننا، وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر”. تخيل أنك تحيا هكذا في الدُنيا، بقسوتها بلا مُعين، في وحشة قاتلة مهما كان البريق حولك، ثم في الآخرة لا شيء أيضًا ولا نعيم، ولا أن ترى الله عز وجل، بل عذابٌ مقيم.

اللهم إنا نعوذ بك من هذا وأن تحملنا ما لا طاقة لنا به. الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة، قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء. هذا في الآخـرة عقاب من ترك الصلاة، دائمًا أبدًا يظل يفعل هذا بلا انقطـاع، وهكذا رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج.

ضيوف تبيان

يمكن للكتّاب والمدونين الضيوف إرسال مقالاتهم إلى موقع تبيان ليتم نشرها باسمهم في حال موافقة… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى