مشروع فارسة القلم

أبسط إليك اليوم أوراق مشروع ليس ككل المشاريع، إنه مشروع رأس ماله صدق إحساسك وقدرتك على ترجمة الأفكار السليمة إلى نسيج حروف مبهر، تصنع منه العبارات اللغوية لوحة فنية تمتزج ألوانها بروح رسالتك فتعكس الجمال والروعة في أبعادها الإنسانية الرحبة.

أن تكوني كاتبة هذا مشروع بحد ذاته يحتاج لإعداد جيد وتحديد للأهداف واضح،

فالمعركة الفكرية والعقدية والإعلامية على أشدها تدور رحاها كميدان لا يقل أهمية عن كل ساحات المواجهة الأخرى التي يخوضها الإسلام مع أعدائه،

ولا شك أن للقلم مساحة معتبرة لها مفعولها الساحر، ولا أبالغ إن قلت أن بعض الكتاب يقدمون لهذه الأمة ما لا يقدمه جيش كامل!

أسس مهمة لمشروعك

وهو مشروع إن قادك العزم لخوض غماره، فهو يتطلب منك العناية بأسس مهمة لتحقيقه بالشكل الذي يؤتي أكله إن شاء الله،

التدرب على الكتابة والتعبير الإنشائي

أول هذه الأسس هو التدرب على الكتابة والتعبير الإنشائي، ولنقل الممارسة لفن الكتابة على ضوء فنون اللغة الرائعة، والنظر في نصائح وتوجيهات أساتذة هذا العلم للوصول لحياكة موضوع متقن بمقدمة وقلب وخاتمة.

ثم إن تمكنك من فن الكتابة مرهون بشكل مباشر برصيدك من العلم والمعرفة والإطلاع والتجربة، فهي التي ستظهر على صفحات كتاباتك وهي التي ستلخص رسائلك التي تودين إيصالها للأمة ، سواء للدعوة ، أو للتعليم أو لتجلية المفاهيم أو للدفاع عن مبادئ وقناعات أو لتحريض المؤمنين أو لنصيحة المسلمين أو لتلخيص تاريخ أو توثيق حدث أو التحذير من خطر، في السياسة أو الاجتماع في الطب أو الأدب، في الواقع مجالات الكتابة واسعة جدا لا يمكننا حصرها بحسب اهتمامات الناس واتساع رقعة المواجهة مع أعداء الإسلام الذين يستهدفون كل مقومات هذا الدين ويحاولون هدمها ليسهل عليهم تغريب هذه الأمة وحرفها عن مسيرة النجاح والفوز التي يقودها إليها الإسلام.

توسيع دائرة الاطلاع والقراءة

ولهذا فأنت إذا يوما قررت الكتابة عليك أن توسعي دائرة مطالعاتك وقراءاتك وبحثك وإلمامك بالثقافة المناسبة لتقديم الأفكار على النحو الذي يطرق قلوب القراء أو يعالج مشاكلهم أو يلبي اهتماماتهم أو يجيب على أسئلتهم، وليست الكتابة لمجرد الكتابة، فكثير من الكتاب يكتب لمجرد أن يملأ الفراغ بخربشاته ولكن للأسف لا يخدم رسالة ولا يسد ثغرا، كحال الأقلام المستأجرة التي تسيل للترقيع والتطبيل لطاغية أو ظالم، التي تكتب لأجل دعاية بائسة لفتنة الناس أو نشر الضلالات والبدع والكذب والدجل.

فالعالم يعج بهذا النوع من الكتاب بلا ضمير بلا عقيدة بلا مبادئ ولا أخلاق، يكتبون كتاباتهم التي أضحت معاول هدم لهذا الدين ولمقومات هذه الأمة، وهم بلا شك ما يدفعك أيضا أن تنبري للتصدي لفسادهم وإنكار منكرهم وكشف خداعهم للناس.

تسلحي بالإخلاص

ثم إن الكتابة ليست لأجل الشهرة أو الظهور بين الناس فهي ميدان عمل كغيره من ميادين العطاء التي إن شابها عجب بالنفس أو غرور طار منها الإخلاص فكيف تطمعين بتحقيق إنجاز، وإن لم يجاهد الكاتب نفسه على تقديم الأفضل في سبيل الله ولأجل رسالة الإسلام السامقة فهو كمن يحرث في فراغ،

إن الكتابة لأجل أن يزيد سواد المصلحين والدعاة وأهل العلم، لهي نية طيبة ستبصرين بركاتها إذا أقدمت على تعلم هذا الفن ووجدت في نفسك القدرة على خوض غماره، ولكن تذكري ليس بالضرورة أن تصبحي كاتبة بين يوم وليلة فبعض الوقت قد يكون مهما لك لبناء مهاراتك وصقل مواهبك، ولا تستعجلي القطاف فربما تبهرك نتائج صبرك

اطلعي على كتابات أهل العلم والدعوة

إن القراءة المتأنية السليمة لكتابات أهل العلم والدعوة والعلوم النافعة ستكسبك رصيدا من الأساليب والمصطلحات يمكنك توظيفها بشكل مبهر، ولاحظي معي أن لكل كاتب شخصيات بعينها أثرت في عطائه، ولا ينفك يظهر هذا التأثير بين سطور كتاباته، فمثلا من أكثر من قرأت لهم وجذبني أسلوبهم الماتع كان شيخ الإسلام ابن القيم الجوزية، وسيد ومحمد قطب وكتابات علي الطنطاوي دون أن أنسى أدباء العصر القديم وشعرائه. رحمهم الله. فاقرأي لهؤلاء العظام اقرأي لمن لمع من الكتاب في تاريخ المسلمين حتى تقتبسي من نور كتاباتهم وأساليبهم ما يزيّن نثرك وأشعارك.

حددي زاوية عملك

ثم بعد التمرس على فن الكتابة انظري كيف تساهمين في نشر رسالتك، إما بالالتحاق بموقع مناسب يحمل نفس الهم الذي تحملينه لأجل أمتك، أو أن تنفردي بمشروعك الخاص في تأليف كتاب أو صناعة مجلة نافعة أو حتى الاهتمام بأدب الأطفال وهو ثغر قلما ينبري له الكتاب لأنه ببساطة من أصعب الكتابات، أن تكتبي بلغة سليمة مستقيمة، أدبا يجذب صغارنا ويشحذ هممهم ويغذي معرفتهم فهذا أيضا من أهم الثغور التي عليك العناية بها إن وجدت في نفسك الرغبة والقدرة،

ثم لديك الكتابات الصحفية وتحرير التقارير الإخبارية والتحاليل، ولديك بحر الدعوة الذي لا ساحل له، ولديك كل عالم تودين أن تنثري فيه عبق كتاباتك ويخدمة رسالة الإسلام النقية، ويمكنك البداية من المنتديات وإن كان دورها اليوم أضعف من ذي قبل ، أو من مواقع التدوين أو من منبرك الشخصي على مواقع التواصل، ولن يعجزك إيصال رسالتك إن أنت أحسنت الجدّ والطلب، فاستعيني بالله ولا تكسلي وثقي أن المشاركة في نهضة الأمة المسلمة لهي أهم وظيفة يمكنك الدوام عليها في هذا الزمن، ولأن حصلت سهما واحدا في عودتها ماجدة لهو الإنجاز الذي يستحق الإشادة.

فلا تهدري وقتك في التفكير الكثير ولا تغرقي في حلقات العبث والتيه بل أقبلي بكلك بحبك لهذا الدين وانثري بهمتك بريق الأمل على صفحات الأمة فتشرق انتصارا وتألقا.

إنك على ضعف حيلتك وتقصيرك، بحملك لسلاح القلم ستكتبين جزء من تاريخ هذه الأمة وتحفظينه من التحريف والدسّ، وتساهمي في حفظ ميراث الخير لمن يخلفك من أجيال، وتكونين بذلك أديت الأمانة ويا له من عمل رائع.

لن أسترسل أكثر في الحديث عما أحبّ ولن أشوقك أكثر لعالم الحروف والأدب، ولكنني أبكي آمالي وأشواقي في أن أراك عاملة ناصبة، تسعى بهمة عالية، تهدف لنصرة أمة غالية، وإن كان ما عرضته لك من مشاريع لم يلبي طموحك أو طاقاتك فاعلمي أن حرصك على الاستقامة والعبادة وحسن السيرة والسلوك ، لهو مشروع مهم آخر سيساهم في بناء مجد هذه الأمة وسيزيد من سواد الصالحين، ونعم به عمل ونعم به تصنيف.

إلى هنا سأتوقف عن سرد المشاريع التي يمكنك العمل عليها، ذلك أنها على سبيل المثال لا الحصر، والبقية في يدك أنت تستطيعين أن تبصري ما لم أبصره أو أن تلاقحي أفكارك مع من جرّب، وتخرجين بخير ما يخدم هذه الأمة، وصدقا إن صدقت النية فتحت أبواب الخير على مصراعيه فادخلي من أيها شئت وكوني من ذوات الأيدي والأبصار ، كوني من فارسات الإسلام والأحرار.

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى