مالكوم إكس.. رجل في زمن فقير من الرجال!

أذكُر الفيلم الذي جلس أفراد أسرتي لسماعه.. حينها كنت صغيرة، ولم أبالي!
وكل ما تحتفظ به ذاكرتي لهذا الموقف، بضع مشاهد واسمه وفقط.
أحد الأشخاص، يحكون حياته في فيلم، ولا أدري من هو، ولا من أين ولا أي شيء عنه.

لم أكن أعي حينها أنه اسم [ لرَجُلٍ ] في زمن فقير فقير من الرجال!
ازداد وعيي وإجلالي لهذا الرجل يومًا وراء يوم، حين بدأت أبحث.. وأيقنت أنه ليس عاديًا.. أبدًا!

بدأ الأمر بقراءة مُختصر بسيط له على موسوعة ويكيبيديا..
ثم أخذت أتنقل من فيديو لآخر، وانتبهت يومها أني قضيت قرابة ال 3 ساعات على هذا الحال!
صوته الأجشّ، قوّته، عقله المُبهر، براعته وحِكمته وغضبه وطرافته!
كل هذا وأكثر تمثّل في رجل يدعى “مالكوم إكس”!

جلست اليوم أتذكر حالي منذ عدة سنوات ..
حين كانت تمر عليَّ أيام أشعر فيها أن الكون كله قد أُغلق في وجهي!
أو أني وحيدة، وتغلبني لحظات مرض وشدة ..
ثم حالي وأنا أصمد وأحاول مهما حدث أن أتوكأ على أملي وأواصل ..
لم أكن واعية حينها أني أستمد كل شيء من الله القويّ، ولولا رحمته بي لما وقفت من جديد.
لم يكن مختمرًا بعقلي أن أملي في الله وحده!
كان أملًا عابثًا جاهلًا لا يدري شيء بأي شيء غير أنه أمل مؤمن بقوته!!
كنت أشعر بفرحة أنني إنسانة قوية! وكم كنت ساذجة حينها!

لن أُهوّن من شيء عانيته، فقد أيقنت أن كل قلوب أهل الأرض لو اجتمعت وصارت قلبًا واحدًا،
لن يشعروا أبدًا بما يعترينا، يبقى لكل منا عوالم ومشاعر لا يعلمها إلا الله، وحسب.
ولكن .. أقف الآن بيني وبين نفسي، وأقول .. كم مر من عمري؟!
حسنًا، كل هذا قد مضى.. والآن تخنقني هذه الدموع بشدة ..
لدي إيمان تام أن كل تفاصيل يومي هي بتدبير الله ..
فكم أقسمت عليه أن يدبر لي جميع أمري، ولا أحسبه قد ردني.. حاشاه وهو الكريم..

جلست منذ أيام وفتحت الكتاب، كنت قد فتحته حوالي 3 مرات من قبل!
أقرأ صفحة، وأُغلقه، وهكذا تقريبًا بكل مرة، فلم تكن لدي نية لأن أبدأ فيه أصلًا..
وأنا أعلم نفسي حين أنوي شيئًا، لا أتركه إلا بعدما أبذل كل ما بيدي لإتمامه على أفضل وجه.
وهكذا كان تصميمي هذه المرة، وشرعت بالقراءة ..

يبدو كتابًا من النوع المتوسط في عدد صفحاته، على غلافه صورة “مالكوم إكس” غاضبًا يُلوّح بيده!
ونظارة طبية تُحاول عبثًا إخفاء شيء من نظرة عيون شعرت وكأنها تحكي ما يهزّ قلبي هزًا.
شعرت بالخوف من نظرته! وتأملت غلاف الكتاب مجددًا بهدوء.. وكذا اسمه ..
“مالكوم إكس – سيرة ذاتية” والكاتب يُدعى “أليكس هيلي” ..
ترى ما وراءه، هو سيرة ذاتية، وثمة كاتب غير المَعني، فما دوره بالضبط

حسنًا.. تركت التّعجل جانبًا وسمّيت الله وبدأت ..
وابتسمت، وأنا أقرأ المقدمة، والتي وضحت لي بعض الخطوط الهامة،
انتهيت من المقدمة، وكعادتي وجلستي وأنا أقرأ، أغلقت الكتاب!
حدثت نفسي بشيء، وخفق قلبي قليلًا، وشرعت بالمتابعة ..
وكأني كنت أعلم شيء من طبيعة ما سيعتريني وأنا أخوض كتابًا بهذا الذي لو بقيت أيامًا كاملة ما عَلِمت كيف أصفه! كتابًا من هذا النوع الذي لن يُنسى أبدًا.. وكأنه ينقش على قلوبنا حُروفه ونحن نقرأ سطرًا سطرًا.

أقرأ الفصل الأول: “الكابوس”، ثم ألتهم الفصل الثاني “طَالِع السَعد”، ثم “ابن البلد”، و”لُورَا”..
ثم أتوقف مُنبهرة بكمّ هذه التفاصيل، يا إلهي! ثم ها أنا أبتسم الآن لأنني انبهرت بالفصول الأولى!!
تَمَلْمَلتُ، وشعرتُ بالاستياء والفتور بعض الشيء من كمّ التفاصيل!
وها أنا الآن أودّ العودة لأقرأها مجددًا! بعدما علمت واستوعبت شيء الحكمة في كتابة كل هذا.

ثم أجدني أترك الكتاب وأجلس دقائق طوال، لا أحكي حرفًا واحدًا..
فقط أحاول أن أستوعب بيني وبين نفسي أن ثمة إنسان حقًا يُدعى “مالكوم إكس” كان على وجه هذه الأرض!!
مرّ بكل هذا التفاصيل، وعقله بعد كل هذه السنوات ما زال يذكر ويروي طفولته، شبابه، مُعاناته ..
تنقلاته، وأعماله، المُخدرات، والأحياء الزّنجية في أمريكا، الرّقص.. وهذا الدَهاء والعبقرية التي كان يمتلكها.
أقرأ وأقرأ.. ثم تُسكتني صدمتي وهو يذكر أن كل هذه الأحداث وعمره لم يتجاوز ال 18 تقريبًا.
كنت أشعر بصدمة حقيقة، كيف يفعل هذا ابن ال 18 أو ال 16!

ثم تنقلت بين فصول “ابن هارليم”، وكيف لُقب بـ “أحمر دترويت”، وكل الأعمال الغير قانونية التي خاصها بشكل مُذهل!
ومن ثم.. دخل “مالكوم إكس” للسجن هو وصديقه، بسبب أعمالهم الغير قانونية، والتهمة الأهم، لأنهما صاحبا فتاتان من البيض وكيف يجرؤ زِنجيّ على مصاحبة بيضاء وزوجة ضابط في الجيش، بل وتشكيل عصابة معها!

حُكم عليه بـ 10 سنوات من السجن! وقد لُقب في محبسه بالشيطان!
حياة مالكوم إكس منذ طفولته، وبداية في السجن .. من يتوقف عندها، سيظن أنه سيكون أكبر مُتشرد ومُتمرد في أمريكا، أو إنسان مُحطم قضت عليه المخدرات والقمار وكل قبيح قد عاشه. لكن لم يكن هذا ليحدث! كان تقدير الله وعنايته له تفوق أي تخيل بشري وتُسكتني للآن!

توقفت مرارًا لأفكر كيف كانت لديه القوة والصلابة والإرادة ليتحول تمامًا “180 درجة”!
وينأى بنفسه من المستنقع الآسن .. لبهجة التحليق! هذا ما فعله حقًا، قد حلّق!
وإن بدا للبعض أنه قد دخل لمستنقع آخر!

كان السبب في انتشاله بداية رجل يَدّعي أنه رسول الله “إلايجا محمد”!
والذي كان مالكوم إكس يُذيل اسمه دائمًا بـ “المحترم”!
نعم هذا ما حدث.. مجموعة من المخابيل، ادّعى أحدهم أنه “الله”!!
(تعالى الله عما يصفون) والآخر ادّعى أنه رسول الله!
وهكذا، فَصّلوا إسلامًا يليق بأهوائهم، مَحصورًا على الرّجل الأسود وفقط، وأما البيض فهم شياطين تَسعى!

لكن ما كان “لإكس” أن يستسلم، أعجبني فيه بل أبهرني أن كان يعيش معهم في كل هذا الوقت، فيما ظنّه الحق كل الحق، مدة 12 عامًا، ظن فيها أنه مُسلم، يعمل فيها لتحرير الأمريكي الأسود من هيمنة الرجل الأبيض “الشيطان” الذي أذاق السود ويلات لا تُحصى، من إذلال وعبودية، وعنصرية منذ قرون، الرجل الأبيض الذي كان سببًا في مقتل والده وأعمامه، والزجّ بوالدته في مشفى للمجانين! وقد كان مالكوم صادقًا في انفعالاته ونضاله كل هذا الوقت، لتحرير بني جنسه، لكن مع الأُناس الخطأ!

أجلس الآن وأتخيل، كيف سيكون حالي لو كنت مكانه، أعيش 12 سنة من عمري ظنًا أن هذا هو الإسلام الصحيح، أن هذا هو الحقّ! ثم أكتشف أنه لم يكن سوى محض عَبث، قام به رجل مجنون سيء الأخلاق، أخذ من الإسلام لفظ حروفه وحسب .. ليُخفي قبحه وأهواءه وجنونه!

تُرى كيف كانت صدمة “مالكوم” وهو يتعلم ويعرف لأول مرة أنه لا فرق بين عربي ولا عجمي، لا فرق بين أسود أو أبيض في الإسلام الصحيح .. لا فرق عند الله إلا بالتقوى والعمل الصالح على هذه الأرض، وأنه سُبحانه خلقنا وكرمنا جميعًا، وقد كان بلال سيدًا في قومه وهو الحبشي الأسود، كان مؤذن رسول الله محمد صل الله عليه وسلم، وإخوانه وأحِبته منهم الأبيض والأحمر والأصفر، الفارسي والعربي … !

تُرى كيف حاله وهو يتعلم لأول مرة الصلاة في مكة!
بعدما ظن أنه كان مسلمًا 12 عامًا، ها هو يستمسك بالخيوط الأولى ليَعي شيء من المعنى العظيم للصلاة، يسهر طوال الليل في الفندق الجماعي الذي تركه فيه “المطوف” بعدما علمه كيف يُصلي! يقف بين أناس يحدقون فيه، لا يعرف لغتهم ولا يعرفون لغته، يتعلم السجود والركوع .. فقط الحركات ..  يُعيدها مرارًا دون خجل، فقط لأنه يود أن يتعلم بحق، سهر طوال الليل يعيد حركات المطوف حتى تورم كوعه!

كيف حاله وهو يُعامل بهذه المعاملة الرائعة من المسلمين حين قرر أداء فريضة الحج؟
كيف شعوره والله يدبر له كل هذا الجمال، الذي تلمسته أنا من الحروف وحسب ..
لقد أبهرني فصل “مكة” في الكتاب، وتذوقت فيه بهجة لا تُحكى حقيقة ..
فأي قلب كنت تحمل يا سيدي؟ يا حاج مالك الشباز!

كان رحمة الله عليه يحمل قلبًا نظيفًا صادقًا بحق!
بالنسبة لي، بعدما أنهيت الكتاب، أراه دليلًا قويًا على وجود الله!
على رحمته وتدبيره لهذا الرجل، وغيره من بني آدم ..

عاش مالكوم طفولته وشبابه بين اللهو والمخدرات والعبث والتيه في كل شيء!
ثم مرحلة السجن، وبدايته التي لقب فيه بالشيطان!
ثم مرحلة الهدوء بعض الشيء في السجن أيضًا، والبراعة والاستسلام لنداء المعرفة، والاعتكاف على التعلم ..
حتى ظنوه متعلمًا في أفضل الجامعات، وللآن أقف وأغبطه على مُثابرته وإصراره وجمال عزيمته ..
لقد نسخ القاموس بخط يده! قرأ موسوعات وكتب عظيمة ..
شعرت أنا بالانهاك وأنا أقرأ أسماء هذا الكم من الكتب والأشياء التي بحث عنها وتعلّمها!

يا إلهي! ليس رجلًا عاديًا أبدًا.. كان باحثًا عاملًا بكل ما في الكلمة من صدق!
تلقفته أيادي المُضللين مدة 12 عامًا، بالإضافة لمراسلات السجن ..
ومن ثم تَكَشَّف له الحق، لم يتركه الله أبدًا، كان سُبحانه يصنعه لأمر جلل ..
بعدما كاد يعبد “إليجا محمد” من دون الله! ها هو يصمد ويجاهد بشكل عصيّ على الوصف، من أجل الحق وحسب ..
ينسف من أمامه كل الزيف الذي طالما آمن به جهلًا منه، ليخطوا نحو نور الحقيقة ..
نحو إسلام لله رب العالمين، دون إصرار أو كِبر، فقط صدق مع النفس وبداية جديدة مطمئنة ..
لم يُكنز مالكوم لنفسه مالًا ولا جاهًا، بل قُتل واقفًا رحمة الله عليه ولم يسدد دينه لأخته بعد ..

أحببت “إيللا” أخت مالكوم كثيرًا.. كم كانت طيبة، جميلة!
أحببت زوجته “بيتي” و”عقيلة” ابنته الكبرى، ابنة ال 6 أعوام، التي كتب إليه بعدما قتلوه:
“أبي العزيز، أحبك كثيرًا، آه، آه، ليتك لم تمت!”

آه يا عقيلة، كان أباك يعيش وهو على يقين بموته المحتم القريب!
كيقينه ببزوغ الشمس عند كل شروق وغروبها، كيقينه من رؤيتك أمامه!
لم يكن المجانين ليتركوا رجلًا يحمل طُهر أباك ونضاله وثورته على زيفهم يا عقيلة ..
هم لا يريدون للحق أن يمشي على هذه الأرض، فأفرغوا في صدره 16 رصاصة .. تتخيلين!!!

16 رصاصة.. كان رجلًا عظيمًا.. حياته مُبهرة، عصية على أي وصف، دون مبالغة.. يا هنيئًا لكِ به.
انتهت حياته على هذه الأرض ب 16 رصاصة في صدره الذي سأحسبه ما زال ينبض رغم أي شيء.

ما كان للباحثين عن الحق أن يموتوا يا عقيلة.
بل أحياء.. في دموع حارة تستفزني منذ انتهيت من الكتاب ..
وأحسبها تستفزّ كل من قرأ سيرته .. وأحسبهم يُشاركوني إحساس القهر والألم والثورة والإصرار ..
دموع توقظني كلما رَكنت للنوم وغفلت.. أشعر بطيف مالكوم حولي، طيف يحمل أفكاره ونضاله وقوته.
وطيف يسيل دمًا أثر 16 رصاصات .. حاولت عبثًا أن تُسكت صوته، صوت الحقّ ..
ولكن الله غالب على أمره، والظالمين لا يتعلمون!

رحمة الله على قلبك سيدي ..
ستظل نبراسًا ومعلمًا لي ما أحياني الله ..
وها أنا أعمل على أن تصل سيرتك للآفاق بإذن الله.

صحيح! كِدت أنسى، سأحدثك في الجنة بإذن الله أني أمتلك صورة تشبه تمامًا تمامًا صورة لك!
في النّظرة وحركة اليد والخاتم بنفس الإصبع! وحين رأيت صورتك لأول مرة ابتسمت بشدة ..
فأنا لم أراها من قبل أبدًا ..

والآن.. بعدما أتممت الكتاب، وبعدما عرفت من أنتَ حقًا .. أو بالأحرى عرفت القليل عنك ..
فكل الحروف لن تصف حياتك أبدًا، وحروفي الآن لن توفيك حقك أبدًا.
فأنا سعيدة لكوني أمتلك شيء كأنت، صورة، ونفسًا تواقة وإن قصرت وفرطت كثيرًا،
وقلبًا أحسبه يبحث عن الحق، يُجاهد للعمل بصدق على هذه الأرض بإذن الله، ولن أستسلم!

كان لا بُد أن تنتهي حياتك بالنور والهُدى وإن بدأت بالتيه والضلال!
كان لا بُد لقلب كقلبك أن يهتدي لنور الله ويأنس برحمته وتدبيره وعنايته.
نلتقي على خير بإذن الله يا شهيد.

* لتحميل الكتاب pdf  [اضغط هنا]
*
نبذة عن مالكوم إكس في أمّة بوست [هنا]
*
صفحة الكتاب على Good reads : [هنا]
*
بعض مقاطع الفيديو : [هنا]

أمل ناجح

طُويلِبة عِلم.. بين كتب، ومِحبرة، وفكرة نيّرة.

تعليق واحد

  1. …حتى مالكوم اكس و جماعته السوداء التي اعتنقت الاسلام سمت مفسها “امة اسرائيل” تعبيرا على سعييها للتحرر من عبودية الرجل الابيض مثلما تحرر الاسرائليون من عبودية المصريين.

    امريكا الاسرائيلية و اسرائيل الامركية
    حسني عايش
    الرجاء البحث جيدا في سيرة مالكوم اكس و عدم الانبهار به كثيرا و التلبيس على القارئ برموز تضهر الاسلام و تبطن حب اليهود و مساندة قيام دولتهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى