سلب الإرادة لصالح النظام العالمي الجديد!

في ظل أنظمة الفراعنة القائمة في بلاد المسلمين، فإن المواطن العادي مسلوب الإرادة، مقهور من قبل السلطة، وحتى رجال الفكر والثقافة والفعاليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فإنهم مسلوبو الإرادة لصالح أجهزة القمع السلطوية المتشعبة. ولا تنتهي هذه المصيبة هنا فإن حكوماتنا ذاتها مسلوبة الإرادة لصالح إرادة أمريكا وحلفاءها الأوروبيين في ظل النظام العالمي الجديد.

فلا عقود تجارية ولا نظام تسليح، ولا نظام تحول للسلطة، ولا انتخابات ديمقراطية أو انقلابات عسكرية إلا بإشراف السيد الخفي الظاهر (أمريكا وحلفائها).

والأمثلة كذلك تحتاج لمجلدات متخصصة بالتاريخ السياسي للمنطقة العربية والإسلامية

حافظ الأسد.

ومن ذلك على سبيل النموذج:

مات حافظ الأسد في سوريا سنة 2000م، فحضرت أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية -اليهودية- وأشرفت على نقل السلطة، وراحت تتنقل بين القاهرة وعمان ودمشق وتل أبيب، ولم تغادر المنطقة إلا بعد أن صرحت في مؤتمر صحفي بكل وقاحة بأن أمريكا مرتاحة لعملية انتقال السلطة في سوريا! وذلك أن حافظ أسد كان قد رتب خلافته لولده الأكبر باسل ورتبت عقود النفط المستقبلية.

كما وقعت اتفاقية التطبيع السرية مع إسرائيل وغير ذلك من المؤامرات باسمه، ولكن باسل اختطفه القدر ومات في حادث تحطم سيارته فجأة، وتطلع عمه رفعت الأسد للاستيلاء على السلطة ودعمه بعض رؤوس النصيرية، وكذلك تطلع بعض ضباط السنة من حزب البعث الحاكم للسلطة. ولكن حافظ أسد وبترتيب مع أمريكا وحلفائها استدعى ولده الأصغر بشار الذي كان يدرس في بريطانيا.

حيث جرى تعديل الدستور لتخفيض عمر الرئيس من 40 سنة إلى عمر بشار 36 سنة وصوت مجلس الشعب السوري في جلسة عاجلة استغرقت نصف ساعة فقط ليحصل الإجماع على ولاية بشار لما مات أبوه! بإشراف أولبرايت رغم أنف الأكثرية من الطائفة السنية المحكومة، والأقلية من الطائفة النصيرية الحاكمة على حد سواء.

ومثل ذلك دون أن ندخل في التفاصيل، نذكر ما حصل من ولاية عهد الملك حسين رغم أنف الأسرة الهاشمية، حيث استبعد أخاه وولي عهده لأكثر من أربعين عامًا الأمير حسن وعين ابنه عبد الله وعدل الدستور كذلك لإزالة شروط تقف في وجه تعيينه ملكًا، وتم كل ذلك خلال الدقائق الأخيرة من حياة الملك حسين.

ومن ذلك قتل الملك فيصل في السعودية لما لم يلتزم في بعض مواقفه بما تعهد به أبوه من الولاء فوق سطح البارجة الأمريكية لروزفلت!

ومن ذلك اغتيال الرئيس الباكستاني ضياء الحق والإشراف على تعيين القيادات المتوالية في باكستان وصولًا إلى الانقلاب الأمريكي الذي جاء بـ برويز مشرف ليشرف على الإطاحة بطالبان، ثم أشرفت أمريكا على إعادة نموذج أمريكي للديمقراطية في باكستان لمتابعة لعبة غزوها لباكستان ووسط آسيا والشرق الأوسط.

وكما قلنا فالأمثلة كثيرة يضيق عنها المجال. ويكفي أن نعلم أن من المعلومات التي حصل عليها الطلاب الإيرانيون عندما احتلوا السفارة الأمريكية بعيد ثورة الخميني سنة 1979م أن المخابرات الأمريكية (CIA) كانت تدفع أكثر من 250 ألف مرتب شهري لعملاء في منطقة الشرق الأوسط تتراوح مراكزهم من رؤساء دول.. إلى وزراء وقيادات حزبية وسياسية حاكمة ومعارضة على حد سواء.. وتتسلسل المراتب من العملاء، لتصل إلى تجار وفنانين وكناسين في الشوارع! هذا من عالم السياسة.

أمثلة من عالم الاقتصاد بعد السياسة

أرادت الحكومة السعودية سحب مبالغ كبيرة من ودائعها لبعض مشاريعها الداخلية، فاعترضت الحكومة الأمريكية بحجة أن الاقتصاد الأمريكي لا يحتمل ذلك، ولم يستطع فهد بن عبد العزيز خلال زيارة قام بها لأمريكا أن يحصل على موافقة من رونالد ويلسون ريغان وعاد خائبًا، في حين أن إدارة ريغان أرادت خفض عائدات إيران من النفط إبان حرب الخليج الأولى مع العراق، فطلب ريغان من فهد هاتفيًا خفض سعر برميل النفط من (40 دولار) إلى (15 دولار) للبرميل.

ومن أجل أن تحافظ السعودية على وارداتها -أو بالأحرى أن تحافظ البنوك الأمريكية اليهودية على مداخيلها من ودائع السعودية- فأمره بزيادة الإنتاج اليومي من (5 مليون) إلى (10 مليون) برميل. وهكذا خسرت السعودية 10.000.000 × – 25 = – 250 مليون دولار.

هذا عدا آلاف الملايين من الدولارات التي سببتها من الخسارة لكل الدول الإسلامية المصدرة للنفط، كلما أشرقت الشمس وغربت من أموال المسلمين الذين يموت الملايين منهم جوعًا، بل خسرت معها كل الدول المصدرة للنفط في العالم، ولم يكلف ذلك ريغان إلا هاتفًا فقط!

وأما تدخل المؤسسات المالية الدولية في السياسات المالية والاقتصادية للدول العربية والإسلامية فأشهر من أن ننقل الأمثلة عليه.

وقد وصل الأمر اليوم بفقدان الأمة الإسلامية لإرادتها، وسلب العدو لهذه الإرادة، أن يصل ذلك لمجال أخص خصوصيات الأمة، وهو مناهج التربية والتعليم التي تتدخل أمريكا والغرب اليوم فيها، وتملك القدرة على أن تحذف وتضيف فيها! ووصل الأمر حتى للخطب في المساجد! والحبل على الجرار، فالأمة الإسلامية مسلوبة الإرادة أمام حكامها، وحكامها لا إرادة لهم أمام أعدائها.

الاحتلال العسكري المباشر وغير المباشر لكافة بلاد العالم الإسلامي

العالم الإسلامي اليوم محتل من قبل اليهود وسادة النظام العالمي الجديد … إما مباشرة وإما بصورة غير مباشرة. فبقاع كثيرة ترزح تحت الاحتلال المباشر كالفلبين، وأجزاء من إندونيسيا وبورما، وأجزاء من الهند وكشمير، وتركستان الشرقية، والمقاطعات الإسلامية في روسيا، والقوقاز والشيشان، والبلقان والبوسنة وكوسوفو، وفلسطين وأجزاء من بلاد الشام، وبقع من المغرب الأقصى.. والعراق أخيرًا وليس آخرًا، والسودان، والإشارات بوضع سوريا ومصر، وبقاع من جزيرة العرب على القائمة أيضًا..

وأما باقي بلاد العالم الإسلامي قاطبة، فهي تحت الاحتلال غير المباشر من قبل دول الغرب (النظام العالمي الجديد) بنيابة حكامها، وباستحكام الاحتلال الاقتصادي للاحتكارات الرأسمالية الكبرى. وبانتشار القواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية في جميع أجزائه، وبشبكة مكاتب الاستخبارات الأجنبية ولاسيما (CIA) و (FBI) التي انتشرت في جميع بلاد المسلمين بشكل علني أو بستار المنظمات والمؤسسات المتنوعة.

التبعية الثقافية والفكرية

بسبب مظاهر الاحتلال العسكري والاقتصادي والسياسي والأمني التي ربطت الأمة بعجلة النظام العالمي في كافة المجالات، جاء دور الاستعمار الفكري والثقافي والاجتماعي.. حيث تسن القوانين وتوضع المخططات وتعقد المعاهدات وتبرمج وسائل الإعلام والتربية والتعليم والثقافة لتغريب مجتمعاتنا وإعادة صياغتها وهيكلتها تبعا لهوى المستعمر. فتارة باسم حقوق الإنسان، وتارة باسم تحرير المرأة، وتارة باسم التطبيع الثقافي، وتارة باسم التطوير الاجتماعي، وأخرى لتحديث المناهج التعليمية، ولبرامج إعادة صياغة المجتمعات.. وهكذا..

حتى طال تدخل العدو برامج تدريس الأطفال في المرحلة الابتدائية فما فوقها. حيث تتدخل الأمم المتحدة وبرامج اليونسكو، فضلًا عن سفارات الدول الغربية في تقرير ما يجوز ومالا يجوز في مواد الدراسة. بل بلغ تدخل الحكومات بأوامر أسيادها في تحديد ما يقال وما لا يقال في خطب الجمعة.

ناهيك عما يسمح بنشره وما لا يسمح في الصحف والمجلات وجميع أوجه النشاط الفكري والأدبي. وقد أجبر الغرب حكومات بلادنا على توقيع معاهدات على برامج اجتماعية تتنافى مع أسس ديننا وأعرافنا وتقاليدنا. ولم تعد أخبار حرب الأفكار التي أعلنها وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد بخافية على أحد، هذا ناهيك عما استفحل في مجتمعاتنا من حمى تقليد الغرب اختيارًا، في أساليب تفكيره وعيشه وطرق طعامه ولباسه بل وحتى بناء حماماته ودور خلائه!

الخلاصة

باختصار، فإن هذا بعض من واقع المسلمين خلال العقود السبعة الأخيرة من القرن العشرين، والذي تدرج فيه البلاء منذ سقوط الخلافة وتجزئة بلاد المسلمين على شكل مستعمرات تحت الاحتلال ثم ما تلا ذلك من مرحلة ما سمي (حكومات الاستقلال) إلى أن بلغ البلاء قمته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفرد أمريكا وحلفائها في أوروبا الناتو بإطلاق ما سمي (النظام العالمي الجديد) منذ مطلع التسعينات وإلى اليوم.

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى